الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كتاب شمس الرجاء (22) --- الفصل العشرون --- القصة العشرون: رجاء المُتَعثْرين

توماس برنابا

2023 / 4 / 19
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


- أدعوكِ للمرة العاشرة يا سامية أن ترافقينني للدرس الديني.

- قلت لكِ لن أذهب يا إيمان، لن أذهب!

- لماذا يا صديقتي؟ هل بدر مني شيئًا؟

- لا ولكني لن أذهب، سواء معكِ أو مع غيرك، أبدًا لذلك الدرس الديني أو غيره مدىّ حياتي!

- كيف هذا؟ أنت تتقدميننا جميعًا في الدراسة الدينية، وتَفوقيننا إخلاصًا في نشاط خدمة الفقراء والأرامل, والأيتام التي تضطلع به جمعيتنا..

- لا أريد أن أشترك في أي دراسة أو نشاط ديني بعد الآن! وياليتك تفعلي مثلي قبل فوات الآوان!

- لكن لماذا يا صديقتي؟ لماذا؟

أشاحت سامية بوجهها بعيدًا وطفقت تبكي بحرارة ومرارة مما أفزع إيمان وجعلها تجلس بجوار صديقتها لتعرف سبب هذا التحول الفجائي، لكنها كانت صامتة! وفجأة صاحت فيها سامية:

- أتركينني وحدي.. وإن كنتي ستزورينني، أو تكون لنا أي علاقة تذكر ببعضنا، مرة أخرى، فلا تتحدثي معي فيما يخص أي دراسة أو نشاط خَدمي ديني.. أَفهمتِ؟!

أمام هذا الإصرار لم تجد إيمان أي سبب يجعلها تبقىّ، لذا رحلت في هدوء!

وراحت سامية تتذكر حميتها في الدراسة الدينية منذ ما يزيد عن العام وكيف كانت تتقد نشاطًا وعنفوانًا في قيامها بخدمة الفقراء والأيتام والأرامل والمحتاجين، وكيف تركت كل صديقاتها القدامىّ لتتفرغ للعبادة والإكثار من القراءة والدراسة الدينية التي كان يضطلع بها أحد القادة الدينيين..

قامت سامية لأكوام الكتب المتراصة على مكتبها والتي يتوسطها الكتب التي قام بتأليفها هذا المرشد الديني، فأخذت تتصفح بعض صفحات أحد كتبه..

وتذكرت كيف راودها هذا القائد كثيرًا عن نفسها وانتهز فرصة انفرادها في الجمعية واغتصبها عنوةً تاركًا إياها في حالة صدمة وذهول حطمت هالة الإجلال والتقديس التي كانت تكنها للقادة الدينيين، وتعثرت فيهم جميعًا!

وفجأة قامت بإحضار طست كبير في غرفتها وقامت بوضع كل الكتب الدينية التي بحوزتها فيه، وسكبت عليهم بعض الكيروسين، وأشعلت فيهم النار لتحرقهم سريعًا!

وطوت سامية هذه الصفحة من حياتها! ثم بحثت عن رقم تليفون أعز صديقاتها القدامى وضغطت على زر الإتصال بالتليفون المحمول خاصتها...!

*****

قرأ مدحت هذه القصة وراح ذهنه يتذكر آلاف وآلاف من القصص المُشابهة والمتداولة والمتواترة من جيل لجيل في هذا الشأن.. وأحتار على من يقع اللوم؛ أعلى المُعْثِرين الذين تقلدوا أعلى المناصب في القيادة والإرشاد الديني وهم لا يستحقون تلك المكانة من المجتمع لأسباب عديدة، أم على المُتَعثرين الذين لضعف الخبرة والنضوج يقعوا ضحايا لأناس يتسترون وراء عباءة الدين وأنشطته لممارسة رذائلهم التي بلا عدد أو حصر! وكان يجب أن يكون هؤلاء المُتَعثرين أكثر حرصًا في منح هؤلاء الذئاب ثقتهم وإحترامهم وتقديسهم المُبالغ فيه!

في أمسية هذا المساء، كان لمدحت هذا الحوار التالي عبر الأنترنت:




حوار الليلة الحادية والعشرون


- مساء الخير يا أستاذ نشأت..

- مساء الخيرات يا مدحت! كيف حالك اليوم؟

- كُلي غضب وحُنق بعد قراءتي لقصتك لهذا اليوم يا صديقي!

- ولما الغضب والدهشة يا صديقي؟ هكذا حال عصرنا وربما كافة العصور السابقة! لن يجد الشر أبدًا مكانًا أفضل من مكان الخير ليختبيء ويتوارى فيه عن الأنظار! فالذئب سيلبس رداء الراعي حتى يخدع ويسيطر ثم يفترس الخراف تباعًا! واللص ستجده يلبس رداء الشرطي ويحتمي في قسم الشرطة، وستجده أيضًا يخطب في الفقراء والمساكين وهو يرتدي رداء رجل الدين!

- أَذابت الفوارق المُمَيِزة لأهل الخير عن أهل الشر بهذه الصورة في مجتمعنا يا أستاذ نشأت؟!

- يجب، يا مدحت، أن يتميز من يحيد عن الشر وأشباه الشر، بالحيطة والحذر والذكاء، فالغافل هو دائمًا ضحية هؤلاء الذئاب الذين يجدون يوميًا ضحاياهم دون رادع أو مانع، لأن ببساطة دائمًا ما يرفعهم البسطاء فوق الأعناق والرؤوس ويحيطونهم بهالات التقديس والإحترام التي تُخفي أو تزيل أي شك نحوهم!

- وكيف نعيش أو نتعايش مع هذه الأوضاع الشاذة يا صديقي؟

- أن لا ننسى أبدًا أننا نعيش في غابة! قد لا تكون هذه الغابة بدائية كما هي للحيوانات، بل متحضرة بعض الشيء. وكما أن الحيوان الذكي يَصعُب على الجوارح أو الضواري أن يقع فريسة لهم، هكذا الحال مع الإنسان الواعي المُثقف في غابة البشر!

ويا صديقي أَرأيت طفلًا يتعلم المشي إلا بعد مئات السقطات؟ هكذا الإنسان غير الناضج، فكثرة السقطات والعثرات تجعله أقوى وأشد وأفطن في مواجهة الأشرار، هذا إن بقي على صلاحه ولم يتحول مثلهم إلى ذئب شر!

- كلامك يا نشأت في مُنتهىّ الوضوح للدرجة التي تجعلني أسألك طلبي المعتاد وهو لمحة عن القصة التالية:

- ستكون مرتبطة بهذه القصة بعض الشيء.. وتدور حول موظف بسيط شاءت الظروف أن يكون له حوار مع رئيسه في العمل وهو مخمور في مكتبه..

- ستكون بالتأكيد قصة مُشوقة وأتمنى يا صديقي ألا تنسى أن غدًا يوم الجمعة هو ميعادنا الثالث المُرتقب لزيارتك لبيتنا المتواضع..

- هذا أمر لا يُنسى مني أبدًا يا صديقي! أراك غدًا في تمام الساعة السادسة مساءً، هذا بعد أن أرسل لك قصة الغد في تمام الساعة الواحدة ظهرًا.. فإلى اللقاء!

- إلى اللقاء يا أعز الأصدقاء!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -