الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وجهة نظر في الديمقراطية

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2023 / 4 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


مقدمة لابد منها :
في الحديث عن الديمقراطية ، يجب التمييز بين مستويين . الأول نظري عام يحدد منطلقات ومبادئ لا يمكن ان ينتهي النقاش فيها الى إيجاد ما يؤكد صلتها المباشرة بالواقع ويحقق مصداقيتها .
اما المستوى الثاني ، وكثيرا ما يأتي لاحقا عن الأول ، فانه يتصدى للتجربة الملموسة في ممارسة الديمقراطية ، يكشف حيثياتها ويجلي حقيقة مكوناتها وعناصر تشكلها ، غير ان تِبْيان المستويين، لا يعني غياب اية صلة تربط بينهما . فنحن لا يمكن انْ نخوض في أيّ منهما دون ان نأتي اليه من الاخر . بمعنى انه قبل ان نخوض في تجربة ما ، فإننا نعمل أولا على تحديد المنطلقات والمبادئ التي تسوغ تصورنا ، وتجعله نسقيا ، ومحكما في تحديدات . كما اننا حين نعود الى مراجعة المبادئ والاحكام المطلقة ، يكون دافعنا الى ذلك ، هو خلل تجلي تلك الاحكام والمبادئ على مستوى الواقع ، وصعيد الممارسة السياسية . الاّ ان ما يلفت النظر والانتباه في سجالاتنا عن الديمقراطية ، هو اتفاقنا في المنطلقات ، وعند تحديدنا لمواصفات الديمقراطية في خصائصها وابعادها التاريخية ، لكن سرعان ما ننتهي الى خلاف حاد في تعيين شروط تموضعها ، ومستوى تحققها .
واذا كنّا ( النّحن ) Le nous هنا نؤكد على اتفاقنا المبدئي على التحديدات العامة التي تتميز بها الديمقراطية كسلوك ومنهاجية ، تحكمها مجموعة من المبادئ ، يوجد في أساسها " حق الشعب في حكم نفسه " ، فإننا نزيد على هذا التأكيد ، تشديدنا على انّ تجلي تلك المبادئ في الواقع وتشكلها كممارسة ، هو مسار تاريخي ، وصيرورة يفرضها التناحر المجتمعي ، الذي ينتهي الى تحقيق صيغة " وفاق اجتماعي " تعكس حقيقته التاريخية ، ومستواه الحضاري في مرحلة من مراحل تطوره .
فعلى أساس هاتين الحقيقتين اللتين تسندهما مختلف التجارب ، بتلويناتها واسهاماتها المتعددة في اغناء وتوسيع مفهوم الشعب ، وتحديد معناه ، سنحاول وباختصار شديد ، مناقشة بعض جوانب " التجربة الديمقراطية " في المغرب الدولة الرعوية ، الاميرية ، الإمامية ، البطريركية ، الثيوقراطية ، المفترسة ، والمرتهنة للتقاليد المرعية غير موجودة اصلا .. في حقيقتها وحدود امكانياتها .
الفصل الأول : الهامش الديمقراطي :
ان التخلف المجتمعي العام الذي يعاني منه واقعنا المغربي ، سواء في مستواه الاقتصادي والاجتماعي ، او الأيديولوجي السياسي ، لم يفسح المجال لممارسة الديمقراطية ، الاّ كهامش يضيق وينعدم ، وفق شروط الصراع الاجتماعي ، ومستوى الفعالية السياسية فيه ، وهو في محدوديته وبساطة ما يسمح به ، ظل يبدو كهِبَة سياسية ، تجود بها الرجعية كلما عَنتْ لها أهمية ذلك ، دون ان يعني في الوعي السياسي الجمعي ، مكسبا يشكل حلقة تدعيم المسار الشعبي نحو إرساء الديمقراطية ، في أساسها كممارسة اجتماعية اقتصادية وسياسية ، فضاعت بذلك حقيقته بين عنف حيف اجتماعي ، واستبداد سياسي من جهة ، وطموح راديكالي في التغيير من جهة ثانية .
--- فما هي أسس هذا الهامش وما حدوده ؟
لقد اثبتت التجربة وبكثير من التجلي ، ان مسار الصراع الاجتماعي السياسي في بلادنا ، تحكمه سمتان ، الأولى ، اختلال ميزان القوى بشكل كبير لصالح الطبقة السائدة ومن لف حولها ، والثانية استحالة القضاء على نشاط وحركة المعارضة الوطنية ، في نضالها المستميت ، من اجل كسب معركة التغيير ، وتحقيق بعض شروطها .
ان تجلي هاتين السمتين ، يعود في أساسه الى مجموعة من الملابسات التاريخية ، التي لعبت دورها في تثبيت الاختلال ، بانْ افسحت المجال لنوع من " الوفاق الاجتماعي " ( الضمني ) المحدود في سعته ، ليفتقد لكل مقومات الاستمرارية والاستقرار ، كانت الطبقة السائدة فيه ، طرفا معاديا لكل توجه ديمقراطي ، او اية صيغة سياسية تؤكد حق الشعب في تقرير مصيره ، وفي ممارسة السلطة ، وتقنين مساهمته في تسيير شؤونه بنفسه ، بينما سعتْ المعارضة البرجوازية كطرف تان ، الى توسيع دائرة " الوفاق " ، بالاستجابة لمطالب وطموح فئات واسعة من الشعب ، يسندها في ذلك دورها الحاسم والمتميز في معركة الاستقلال ، وكذا مساهمتها الفعالة في إعادة بناء الدولة ، وتحديث دواليبها غداة 1956 ..
واذا كان " الوفاق " في صيغته الشعبية يتنافى والطبيعة الطبقية للفئات الحاكمة ، فانه بالمقابل ، لم يكن في إمكان تلك الفئات الاستمرار في ممارسة السلطة ، في غياب تام لأي نوع من " السند الشعبي " مهما كان مستواه . ان هذه الحاجة هي التي جعلت " الهامش " ضرورة سياسية يكلف الرجعية تنازلا محدودا ، ويكسبها إمكانية تخفيف حدة ازماتها . هذا ما تؤكده نتائج كل محاولات الاستغناء والتهميش ، التي سعت من خلالها الطبقة السائدة الى الحد من نشاط وفعالية المعارضة البرجوازية ، وإلغاء دورها في التعبير عن مصالح الفئات الشعبية ، التي تعاني من كل ويلات الحيف والاستبداد ، وقد اجلت التجربة ، ان كل قمع يستهدف استئصال المعارضة البرجوازية في البلاد ، يكون له انعكاسه الواضح على الوضع السياسي العام ، ويعرض الفئات الحاكمة نفسها لهزات داخلية ، وعزلة شعبية عميقة .
بهذا المعنى يكون " الهامش " في حدوده وسياق تشكله ، متنفسا يمكن الطبقة الحاكمة ، في شروط اختلال ميزان القوى ، من الاستمرار في ممارسة السلطة ، والحفاظ على توازن علاقاتها . الاّ ان سعيها ذلك ، بقدر ما تريده " مبادرة تلقائية " ، تؤكد رغبتها في الحوار و ( اشراك ) الجميع في تحديد وجهة الأمور ، لا يعدو ان يصير مكسبا شعبيا يصطدم في نموه ، ومحاولة اتساع مجاله ، بكل اشكال الخنق والحجز ، التي تحاول اعادته والإبقاء عليه في مستواه الضيق البسيط .
ان فهمنا لاطار الهامش ، والشروط التي جعلته كذلك ، مكننا من فهم حقيقة الصلة القائمة بين ما يسمح به هذا الحيز من جهة ، وما تعنيه مصلحة الشعب في ممارسة الديمقراطية ، والاخذ بأساليبها من جهة ثانية ، وهو يمدنا كذلك بتصور مستوى الفعل الذي تتسع له ظروف اختلال ميزان القوى ، ويسمح بالتقدم خطوات ، في اتجاه تحقيق شروط مغالبة كل معيقات تطور الممارسة الديمقراطية في المجتمع . ذلك ما يدفعنا الى التأكيد على ضرورة الاستفادة من اطار " الهامش " كمكسب بسيط يسمح بأكثر من إمكانية لتوسيع اطار نضال الجماهير ، والرفع من مستوى فعاليتها السياسية ، وتمييز اطاراتها التنظيمية ، في سياق دعم خط ديمقراطي جماهيري ، يعتمد في أساسه على الإمكانيات الفعلية لهذه الجماهير ، سواء على مستوى وعيها لشرط وجودها ، او على مستوى طاقاتها واستعداداتها النضالية ، وهو ما يعني الاخذ بحقيقة الشرط التاريخي الملموس ، الذي قلنا انه يتميز بتخلف مجتمعي عام ، فوّت الغلبة للاستبداد ، وأبّد واقع خنق الحريات .
ان العمل على أساس ذلك ، لا يستقيم في غياب تصور نظري يحدد وجهة الصراع ، وشروط تطوره ، بمساهمة فعلية وفعالة من مجموع الفئات الشعبية ، صاحبة المصلحة القصوى في إشاعة الديمقراطية ، واعتماد مبادئها في الحياة الاجتماعية كما في الاقتصاد والسياسة .
ان افتقاد هذا التصور النظري في حدوده الواقعية ، هو الذي سمح باستمرارية اختلال موازين القوى لصالح الطبقة السائدة ، على الرغم من كل التضحيات والعطاء النضالي المتجدد الذي ميز كفاحية الشعب المغربي ، في سبيل انتزاع حقه في الحرية والعيش الكريم .
وفي اعتقادنا ، انّ استمرار واقع الحال في حدوده تلك ، والمتميز بتعثر انطلاق صيرورة ارتقاء نضال الشعب، من مرحلة الدفاع العفوي المتعدد الجبهات ، الى مرحلة الهجوم ومراكمة المكتسبات ، في اتجاه تقويم الاختلال لصالح تحقيق أهدافه ، يعكس عمق الازمة التي مازالت تعاني منها الحركة الجماهيرية المغربية ، بصرف النظر عن صدق نواياها وحقيقة ايمانها بقضايا الشعب ، واندفاعها في الذّود عن حقوقها ومكتسباته .
ان الوقوف على حقيقة هذه الازمة ، وإبراز كل جوانبها ، يعطي إمكانية تخطي واقع العجز والاخفاق الذي تتردى فيه حركة النضال الجماهيري ، بقدر ما يسمح بتجلي آفاقه ، وهو ما نراه في مسألتين .
( يتبع )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما هي صلاحيات رئيس الجمهورية في إيران؟ • فرانس 24 / FRANCE 2


.. هيئة الانتخابات الإيرانية تعلن عن جولة إعادة بين بزشكيان وجل




.. الداخلية الإيرانية: تقدم بزشكيان مؤقتا يليه جليلي


.. الداخلية الإيرانية: تقدم بزشكيان على جليلي بعد فرز 19 مليون




.. مقتل عشرات الفلسطينيين وإصابة آخرين في قصف إسرائيلي على مناط