الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السودان وحافة الهاوية: نزاع الجنرالات على السلطة والثروة

ياسر قطيشات
باحث وخبير في السياسة والعلاقات الدولية

(Yasser Qtaishat)

2023 / 4 / 20
السياسة والعلاقات الدولية


أزمات الماضي المتراكمة
تعود ارهاصات أزمة السودان اليوم الى سنوات وعقود، وهي نتاج تراكم الفشل السياسي وقبضة العسكر على مقاليد الحكم والثروان ما أسهم في غياب ضمانات استقرار البلاد منذ منتصف القرن المنصرم، حيث شهدت السودان منذ عقود العديد من الأزمات السياسية التي تسببت في تغييرات حكومية وصراعات داخلية وخارجية، ويمكن تلخيصها فيما يلي:
1. أزمة واتفاق جنوب السودان: في عام 1960م، تم توقيع اتفاق بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان، وجرى الاتفاق على إقامة حكم ذاتي في جنوب السودان، لكن الاتفاق لم يستمر طويلاً، حيث اتهمت الحكومة السودانية الحركة الشعبية بعدم الالتزام بالاتفاق، وبدأت النزاعات بين الجيش السوداني والحركة الشعبية.
وقد تمّ انفصال جنوب السودان عام 2011م، بعد اجراء استفتاء شعبي برعاية دولية على استقلال جنوب السودان عن الشمال، وتم الإعلان رسمياً عن استقلال وإقامة دولة جنوب السودان في يوليو من نفس العام.
2. الانقلاب العسكري عام 1989: نفّذ الجيش السوداني انقلاباً عسكرياً وأطاح بالحكومة المدنية الشرعية بزعامة رئيس الوزراء صادق المهدي، وتم تشكيل حكومة عسكرية جديدة بقيادة الجنرال عمر البشير، الذي حكم السودان لمدة 30 عاماً.
3. النزاع في دارفور عام 2003: بدأ النزاع في منطقة دارفور في غرب السودان بين قوات الحكومة وجماعات مسلحة محلية، وتسببّ الصراع في مقتل مئات الآلاف من الأشخاص وتشريد ملايين البشر .
4. الانتفاضة الشعبية عام 2018م: نشبت احتجاجات شعبية في السودان في عام 2018 ضد حكومة الرئيس السابق عمر البشير، وطالب المحتجون بإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية، وفي أبريل 2019م، تم الإطاحة بالرئيس البشير بعد احتجاجات شعبية وحزبية، وتشكّلت حكومة انتقالية بقيادة المجلس العسكري الانتقالي الحالي.
وتعرضت الحكومة الانتقالية لانتقادات حادة من قبل المعارضة والمجتمع الدولي؛ بسبب انتهاكات حقوق الإنسان وعدم الالتزام بإجراءات الانتقال إلى الديمقراطية، ورغم الإعلان عن التوصّل لاتفاق اطاري في نهاية عام 2022، أفضى عن تشكيل حكومة مدنية جديدة بعد انتخابات عامة وتوصّل قوى الحرية والتغيير المدنية مع جنرالات الجيش والحكومة الانتقالية المؤقتة إلى اتفاقات سلام لإنهاء الصراعات المسلحة في البلاد، إلا أن الجيش ظل متحكماً بتلابيب السلطة السياسية وشؤون البلاد.
تحديّات الاستقرار وأزمة الانتقال الديمقراطي
تم تشكيل المجلس العسكري الانتقالي لإدارة البلاد في عام 2019م، بعد إسقاط الرئيس السابق عمر البشير، وقد توصّل الجيش والقوى المدنية إلى اتفاقية السلام والانتقال الديمقراطي في أغسطس 2019، والتي نصت على تشكيل مجلس سيادي انتقالي يتكون من خمسة عسكريين وخمسة مدنيين، وعلى تولي السلطة السياسية بشكل تدريجي من قبل الحكومة المدنية.
لكن ازدياد النزاع والانقسام بين العسكريين والمدنيين في المجلس السيادي والحكومة الانتقالية، أثار العديد من الأزمات السياسية في البلاد وأحدث قلاقل داخلية، حيث انتقدت القوى المدنية إصرار الجنرالات على الاحتفاظ بالسلطة السياسية والتحكم في القرارات الرئيسية.
وفي يوليو 2021م، قام الجيش السوداني بإطاحة حكومة الأمانة العامة السابقة "عبد الله حمدوك" بعد تصعيد الخلافات بين الجيش والمدنيين، وهو ما أثار انتقادات دولية وداخلية كبيرة، وتم إعادة تشكيل حكومة انتقالية جديدة بقيادة الدكتور "عبد الحميد دبيبة"، وساهم في زيادة التوتر بين الجيش والقوى المدنية.
وتزامن هذا الصراع مع أزمة اقتصادية حادة في السودان، مما أثر بشكل كبير على حياة الناس وزاد من حدة التوتر في البلاد، مع ذلك، فإن التحول الديمقراطي الذي يسعى إليه السودان يمثل فرصة كبيرة لإحلال السلام والاستقرار في البلاد، وقد تؤدي الإصلاحات السياسية والاقتصادية المستمرة إلى تحسين الوضع العام في السودان في المستقبل.
وتحتاج الأزمة السياسية في السودان إلى حلول سياسية ودبلوماسية، بما في ذلك دعم المجتمع الدولي لتعزيز الديمقراطية والاستقرار في السودان، وتشجيع الحوار بين الأطراف المختلفة والتوافق على خطة شاملة للانتقال الديمقراطي والتنمية المستدامة في البلاد.
وبالتالي، فإن حل الأزمة السياسية في السودان يتطلب حل الصراعات الداخلية وتحقيق الاستقرار السياسي، كما يتطلب التوافق بين الأطراف المختلفة في السودان على الأجندة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يجب تحقيقها خلال الفترة الانتقالية، بما في ذلك الحفاظ على الاستقرار السياسي والأمني، والتصدي للتحديات الاقتصادية والاجتماعية والصحية التي تواجه البلاد، وضمان العدالة والمساواة وحقوق الإنسان.
ويعاني السودان حالياً من جملة تحديات تعقّد المشهد السياسي والأمني في البلاد وتؤجّل الاستقرار والسلام، من بينها: التحديات الاقتصادية: حيث يعاني السودان من تحديات اقتصادية حادة، مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود والمستلزمات الأساسية الأخرى، وتدهور قيمة العملة المحلية، وهذه التحديات تسببّت في احتجاجات شعبية عديدة في السودان خلال الأشهر الماضية.
وكذلك النزاع في إقليم تيجراي في إثيوبيا والذي أثّر على السودان، حيث واجه السودان مشكلات في استضافة اللاجئين الذين فرّوا من التوتر في الإقليم، كما تواجه الحكومة السودانية ضغوطاً على حدودها الشرقية والجنوبية.
قوات الدعم السريع وصراع الإرادة والسلطة
بعد انقلاب الجيش السوداني على الرئيس السابق الجنرال عمر البشير، في عام 2019م، إثر الاحتجاجات الشعبية الواسعة ضد نظامه، تصاعدت التوترات بين الجيش وقوات الدعم السريع، حيث تصارع الطرفان حول دوائر السلطة والنفوذ والتحكّم في الموارد الاقتصادية.
ويتمحور النزاع العسكري الحالي، بشكل أدّق، بين جنرالات الجيش السوداني بقيادة الجنرال "عبد الفتاح برهان" وقوات الدعم السريع التي يتزعمها الجنرال "محمد حمدان دقلو"، وهي قوة مسلحة تأسست عام 2013 كجزء من القوات المسلحة السودانية وتتمتع بسلطات واسعة في مجالات الأمن والاقتصاد، وكان هدفها بالبداية الدفاع عن السودان ضد المسلحين في دارفور، لكنها سرعان ما تحوّلت إلى قوة مستقلة وأصبحت تتمتّع بالكثير من السلطة والنفوذ، وبعد الانقلاب العسكري الأخير، أصبحت تلك قوات ذراعاً قوية للحكومة الانتقالية في السودان.
وفي العام 2021م، اندلع النزاع العسكري بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بسبب خلافات حول السيطرة على المناطق الحدودية والثروات الطبيعية في البلاد، مما أدى إلى تصاعد التوتر بين الجانبين ووقوع اشتباكات عسكرية في بعض المناطق، ويشتد الصراع في منطقة الفاشر في ولاية شمال دارفور، حيث تقوم قوات الدعم السريع بتجنيد مقاتلين جدد وتسيطر على مناطق جديدة، مما يثير استياء الجيش السوداني الذي يعتبر أن الدعم السريع يتعدى صلاحياته.
ومنذ مطلع العام الجاري 2023م، أعربت الأطراف المدنية والمعارضة عن قلقها إزاء نفوذ قوات الدعم السريع، واتهمتها بالتدخل في الشؤون السياسية والاقتصادية، في الوقت الذي سعت فيه قوات الدعم السريع إلى الحفاظ على نفوذها وتعزيز مكانتها في الحكومة بشكل كبير، فيما طالبها الجيش بالانضباط العسكري واحترام الدستور وسلطة الحكومة المدنية.
وسرعان ما تطوّر الخلاف السياسي الى نزاع مسلح بين الجيش وقوات الدعم السريع في منتصف ابريل الحالي، حيث دخل الطرفان في مستنقع حرب دموية فاقمت من حدة الأزمات المتوالية التي تعاني منها البلاد، وسط دعوات عربية وإقليمية ودولية الوقف العمليات العسكرية والعودة لطاولة التفاوض وتسليم إدارة البلاد للحكومة الانتقالية الحالية.
ويعتبر النزاع تحدياً كبيراً للحكومة الانتقالية التي تسعى إلى تحقيق السلام والاستقرار في البلاد بعد عقود من الصراعات المسلحة والانقسامات السياسية، وتحاول الحكومة السودانية التوصل إلى تسوية سياسية شاملة لهذه الأزمة، ولكن الطريق لا يزال طويلاً ومليء بالتحديات، ومن المتوقع أن تستمر التوترات بين جنرالات الجيش وقوات الدعم السريع في الفترة المقبلة، خاصة في ظل التحديات الأمنية والاقتصادية التي تواجهها السودان.
موقف القوى المدنية من النزاع العسكري
تختلف مواقف القوى السياسية والأحزاب في السودان بشأن النزاع العسكري بين الجيش وقوات الدعم السريع، ومن الملاحظ أن بعض الأحزاب والقوى السياسية تساند قوات الدعم السريع، فيما ترفض أخرى تلك القوات وتعارض انتشارها في البلاد.
على سبيل المثال، حزب المؤتمر الوطني الحاكم السابق وحزب الأمة القومي الإسلامي الذين كانوا يتحالفون مع حكومة الرئيس السابق عمر البشير، يدعمان قوات الدعم السريع ويرى بعض المراقبين أنهم يحاولون استخدام هذه القوات لتحقيق أهدافهم السياسية.
من جانب آخر، ترفض الحركات المسلحة في دارفور وجنوب كردفان ونيل الأزرق والحزب الشيوعي والحركات المدنية والدينية، النفوذ الذي تمتلكه قوات الدعم السريع وتعارض استخدامها في النزاعات المسلحة.
وتؤكد بعض الأحزاب والحركات المدنية والدينية على ضرورة إدراج قوات الدعم السريع تحت سلطة الحكومة المدنية وتسليمها إلى السلطات القضائية إذا كانت متورطة في ارتكاب جرائم ضد المدنيين، ومن المهم الإشارة إلى أن بعض الأحزاب والقوى السياسية تدعو إلى الحوار والتفاوض بين الحكومة والمجموعات المسلحة، وتحث على إنهاء النزاعات المسلحة في البلاد
أفكارٌ وحلول مقترحة لنزع فتيل الأزمة
تتوافق الحلول المتوقعة لحل النزاع في السودان مع الخطوات التي تتخذها الحكومة السودانية للتحوّل إلى نظام ديمقراطي والتعامل مع القضايا الاقتصادية والأمنية التي تواجه البلاد، وفيما يلي بعض الحلول المقترحة التي نطرحها في هذا الصدد:
أولاً؛ وجوب التفاوض والإصلاح السياسي: لا بديل أمام جميع القوى في السودان سوى حل النزاع العسكري من خلال التفاوض السياسي وتعزيز لغة الحوار بين جميع الأطراف المعنية، وخاصة بين الحكومة السودانية وقوات الدعم السريع، ويمكن لهذه الجهود الحيلولة دون التصعيد العسكري وتحقيق تسوية سلمية للنزاع، ولكن هذا يستوجب إجراء إصلاحات سياسية ودستورية تعمل على إحلال الديمقراطية وتوفير بيئة سياسية تسمح بالتفاوض والحوار المستمر بين جميع الأطراف.
إن تعزيز الحوار وإقامة قنوات اتصال بين جميع الأطراف المعنية بالنزاع، يمكن أن يساعد على إحلال السلم وتحقيق الاستقرار في البلاد.
ثانياً؛ الإصلاحات الاقتصادية: تحسين الأوضاع الاقتصادية في البلاد من أهم الشروط المطلوبة للمرحلة المقبلة، وذلك من خلال إجراء إصلاحات مالية واقتصادية تساعد على تحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين والحد من التوترات الاجتماعية والاقتصادية التي تزيد من احتمالات النزاع والصراع.
ثالثاً: المساءلة القانونية: يجب أن يكون هناك تحقيقات شفافة ومساءلة قانونية لجميع الجرائم التي ارتكبت خلال النزاع العسكري في السودان، سواء من قبل القوات المسلحة أو قوات الدعم السريع، والعمل على تطبيق العدالة بدون تمييز.
رابعاً؛ تعزيز الأمن الوطني: يجب تعزيز الأمن الوطني في البلاد من خلال تدريب القوات الأمنية المختلفة وتزويدها بالمعدات اللازمة للقيام بمهامها بفعالية، كما يجب أن يتم تحسين التعاون والتنسيق بين القوات الأمنية المختلفة وضمان عدم وجود تدخلات من القوات الأمنية غير القانونية أو الخارجة عن اختصاصاتها في النزاعات المسلحة، وكذلك تحسين الإدارة الحكومية وتقديم الخدمات الأساسية للمواطنين، حيث يمكن لتحسين المعيشة والحصول على فرص عمل أن تقلل من انتشار الجريمة وتحسين الأمن في البلاد.
خامساً؛ التقارب الاجتماعي: من الضروري التركيز على التقارب الاجتماعي بين مختلف المجموعات العرقية والثقافية في السودان، وذلك من خلال تعزيز العلاقات الثقافية والتعليمية والاقتصادية بين المجتمعات المحلية المتباينة، الأمر الذي يؤدي إلى تحسين الوضع الأمني ويخففّ التوترات في البلاد.
سادساً؛ تحسين الحكم الرشيد: يجب أن يكون هناك تركيز على تحسين الحكم الرشيد في السودان، من خلال مكافحة الفساد وتحسين الشفافية في الإدارة الحكومية وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين.
سابعاً؛ الدعم الدولي: يجب على المجتمع الدولي القيام بواجبه الإنساني والأخلاقي تجاه السودان بعيداً عن لغة المصالح والمكاسب، فعلى دول العالم، خاصة في الوطن العربي وإفريقيا، أن تقدّم الدعم اللازم للحكومة السودانية في مجالات مختلفة مثل الأمن والتنمية الاقتصادية والمساعدات الإنسانية، وهذا سيسهم في تعزيز القدرات الحكومية وتحقيق التقدم في العديد من المجالات، بما في ذلك الحد من النزاعات المسلحة في البلاد.


أخيراً، نرجو أن يعمّ الأمن والسلام والاستقرار على أشقائنا في السودان العظيم، وأن يهتدي أطراف النزاع لسبل الوفاق والوئام، ومهما طال أمد الحرب، فلا بدّ من جلوس كافة القوى والأطراف على طاولة التفاوض لأجل الدفاع عن مستقبل السودان وضمان أمن وسلامة العباد والبلاد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو يوثق المشاهد الأولى لحطام طائرة الرئيس الإيراني


.. ما الأثر الذي سيتركه غياب الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزي




.. جو بايدن يواجه احتجاجات من خريجي كلية مورهاوس في أمريكا


.. رجل سياسة ودين وقضاء.. تعرف على الرئيس الإيراني الراحل إبراه




.. ”السائق نزل وحضني“.. رد فعل مصريين مع فلسطيني من غزة يستقل ح