الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


واقع الأعياد والبلاد

محمد رياض اسماعيل
باحث

(Mohammed Reyadh Ismail Sabir)

2023 / 4 / 20
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني


الاعياد افراح ومسرات، تأتي في تقاليدنا الدينية على الناس بعد صوم ٣٠ يوما في السنة الواحدة، نحتفل ثلاثة أيام بعد اكمال الشهر ونسميه عيد الفطر، كما ونحتفل بذكرى عتق رقبة اسماعيل من الذبح بيد ابيه إبراهيم عليهما السلام، بذبح خروف كأضحية، ليأتي بعدها عيد الاضحى.. السؤال هنا هل يأتي الفرح مبرمجا بهذا الشكل؟ او بعبارة أخرى هل هناك سعادة وفرح مفروضة قسرا! قد تكون الجوائز والعطايا والهدايا امرا محركا للسعادة في النفوس وخصوصا الاطفال، وكذلك شراء الملابس استعدادا ليوم العيد المرتقب، بدلة السموكن وربطة العنق والمنديل والحذاء الجديد.. وحين كنا اطفال كانت العطايا في اول يوم العيد تأتي الينا بدءا من الاباء ثم الاقرباء كنا نشعر بالمسؤولية في ادارة المال، فيتحول الصبي الى حكومة له استقلال مالي، ويقوم بتحديد ابواب الصرف ويحدد كمية الادخار، وفق خطة وموازنة من الخيال تتناغم مع تحقيق اماله المنشودة في تلك المرحلة، وإذا عجز عن الإيفاء بالموازنة بَحثَ جريا عن بيوت أقارب تربطهم علاقة بعيدة بهم، يقبل اياديهم لعله يحظى بهدية مالية يعزز رصيده.. يخصص مبلغا من المال للسينما لثلاثة او أربعة مرات في اليوم الاول، ثم تناول البيبسي مع السندويش الجاهز والجلوس على مقاعد المطاعم بملبس العيد الفاخر، ثم الذهاب الى الملاعيب وشراء حاجات تقضيها طبيعة الزمن والمرحلة فمثلا وكتقليد لأفلام الكاو بوي كانت المسدسات مع اشرطة الاطلاقات الصوتية رائجة في المحال العامة، كذلك الطبول الصغيرة، التي ندخلها للسينما لتحذير بطل الفلم من الأعداء!! ثم نأتي بها للبيت عند الظهيرة بفرحة لا نظير لها، حيث امتلكنا شيئا كان يخالج فكرنا منذ زمن ولكن لم يسعفنا المال في اقتناءه.. وكانت قائمة الأولويات تأتي بتسلسل أهمية الشيء الذي نبتاعه ضمن الكثير المتنافس ضمن القائمة، ولم يكن يرتقي طموحنا الى شيء خارج إمكانات المبلغ المرصود لنا او رصيدنا المتراكم، كما تفعل الحكومات والمجالس النيابية في ادراج مشاريع عملاقة في الموازنة تبلع كل التخصيصات تاركا طموح الشعوب في امتلاك خدمات البنى الأساسية والصحة والتعليم (القابع ضمن التخصيص المتاح) بعيد المنال. وبعد تناول طعام الظهيرة في البيت كنا نعود لإكمال منهاجنا الحافل، ولعب اليانصيب والذهاب الى السينما المسائية، وشرب البيبسي ولفة اللبلبي في استراحة السينما ما بين شوطي العرض، ثم كنا نعود ادراجنا الى البيت خائري القوى تماما، ونلقي بأجسادنا في الفرش ونحن نحلم بمنهاج اليوم التالي، ونتأسف لانقضاء ذلك اليوم البهيج واقترابنا من نهاية العيد.. ويكون حلم الليلة الاخيرة من العيد حزينا، لا نود وداع العيد السعيد، وندعو الله بان يطول اليوم او ان نُبشر بوجود يوم إضافي يسمى ذيل العيد يضاف الى أيام العيد.. ونسلي النفس بأمل استمرار هذه السعادة.. كانت الفرحة تحتوينا وكلما كبرنا افتقدنا تلك الفرحة، وأصبحت الأعياد لا تسرنا بل يسرنا فيها فرح أطفالنا الباهت بها، فهي وحدها تحسسنا بشيء من الاعياد، ودورنا اليوم في الأعياد يقتصر على ارشاد الاطفال واسداء النصائح لتجنب المخاطر، تلك النصائح لم نكن نتلقاها انفسنا من آبائنا في ايام الطفولة، واصبح الاطفال لا يبالون اهمية للعيدية كما كنا نفعل في ايامنا، ربما لتحسن الوضع المالي للآباء، كما اختفت صالات السينما والالعاب التقليدية، واصبح العيد يقتصر على زيارة مدن الألعاب وشراء الملاعيب، واختلفت ملابس الأطفال لتصبح اكثر عملية، بلوز او قميص ومعطف مع بنطال وحذاء بمقاييس لا تتفق مع حجم الصبي! ويبدوا بان فرحة العيد فقدت بريقها واغتالت الحياة المعاصرة رونقها.
كانت القيم الاجتماعية تحكم الناس في المنظومة الأخلاقية للمجتمع، ويلتزم بها الجميع بلا شواذ، تجد تجانسا أخلاقيا بين الافراد، قائم على أساس الاحترام والتقدير والعدل والمساواة والحرية المنضبطة.. أصبح أسلوب التعامل مع الأبناء، يواجه صعوبة الفهم المشترك، الاب بإرثه التاريخي القديم والابن بواقع المستجدات العصرية وقيمها المستنبطة من الأفلام الغربية والسائدة في تلك المجتمعات.. فشهد افراد المجتمع انقسامات خطيرة لا تحمد عقباها..
فعندما تُغلق باب التعامل مع الابناء فلن يستمع الطرفان لكلام بعضهما الاخر، عندها تضيق مساحة الحياة والدنيا على الطرفين.. لا الاب راض ولا الابن! وكلاهما على حق! اننا يفترض ان نفهم المنظومة الاخلاقية التي تتحكم في سلوك المجتمع، عراق اليوم لا تحكمه القوانين والنواميس والأعراف.. يصعب على العراقي مواجهة الحياة بل ان أصعب شيء يواجه هو الحياة نفسها، معجزة كبيرة ان تعيش الحياة بنمط مستقر هادئ متوازن. كان الاستقرار قديما يتكفله قانون عادل يقدر القيم الإنسانية والتراثية للمجتمع، بل تستمد القوانين مشروعيتها من اسسها.. اليوم لم يغب القانون، ولكن غاب الحكام واصبحت الحياة محفوفة بالأخطار وبقيم المنظومة الاخلاقية المتهرئة للمجتمع الفاسد. الفساد لا يقتصر على سرقة المال العام، بل أساسا في معيارية قدرة القادة الإدارية في جميع مفاصل الدولة. في هكذا مجتمع لا تستغرب قرارا صادرا يدعوا الى اعتبار2×2 مساويا خمسة ويعيد اوراق الامتحانات القديمة (منذ عشرون سنة) ليقيم النتائج على ضوء هذا القرار ويعتبر كل من كتب الناتج 4 راسبا ومفصولا في اي موقع كان يشغلها، لتتفرغ الدولة من محتواها الفاعل. ثم يتفاخر صاحب هذا القرار بعقله (الفذ) مستهزئا بجهل الجيل القديم!! ثم يتجمع ضحايا هذا القرار ممن كانوا (يضنون) بان 2×2 هو أربعة، على مصاطب العاطلين وتتزاحم جموع العاطلين على حدود البلاد تقصد الهجرة الى بلدان تصح فيها ناتج هذه المعادلة. تقف على الحدود (تلك التي كان يذود عنها في السابق (الخاطئ) بالدم)، ويهرب منها في ضل الحاضر الكارثي بلا دم..
كفى بالله عليكم، اتركوننا نعيش في الوطن بقيمنا وخذوا كل ما نملك، وعيدوا لنا فرحة الأعياد الآسرة للقلوب، وحرروا بلادنا من القيم والمفاهيم المستوردة.. فبين العهدين مفارقة كبيرة.. اين الإدارة التي تعظم القيم وترتقي بها، وتجعلها نبراسا يقتدي بها افراد المجتمع.. بمن نقتدي اليوم!! بالمعلم، ام بالقاضي ام بالضابط ام بالموظف الحكومي، او بالإرادة الأجنبية التي جاءت بالمنظومة الحديثة! وهم يملكون مفاتيح التغيير للأسف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيارة تقتحم حشدًا من محتجين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة أمري


.. -قد تكون فيتنام بايدن-.. سيناتور أمريكي يعلق على احتجاجات جا




.. الولايات المتحدة.. التحركات الطلابية | #الظهيرة


.. قصف مدفعي إسرائيلي على منطقة جبل بلاط عند أطراف بلدة رامية ج




.. مصدر مصري: القاهرة تصل لصيغة توافقية حول الكثير من نقاط الخل