الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفيسبوك اصدقُ انباءً من الكُتبِ...

محمد حمد

2023 / 4 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


فيما مضى، وقبل هبوط "وحي" الفيسبوك من سماء التكنولوجيا الملبّدة بغيوم الأبحاث والاكتشافات، كانت الوزارات والمؤسسات الحكومية وحتى الشركات بمختلف الحجوم والتخصصات، تتعامل وتتواصل مع بعضها بالسبل التقليدية، اي عن طريق "كتابُنا وكتابُكم..." والامر بطبيعة الحال كان يتطّلب وقتا وجهدا كبيرين. وفي كثير من المناسبات كانت الكتب الرسمية تبدأ بالشكل التالي:" نرفق لكم طيّا نسخة من كتابنا المؤرخ في كذا والمرقّم في كذا. راجين منكم التفضّل بالاطلاع عليه....الخ".
المعروف أن الفيسبوك ولد كوسيلة عابرة للقارات من أجل البحث عن اصدقاء فقدناهم منذ زمن بعيد. أو للتواصل الاجتماعي بين البشر. لكنه بمرور الزمن وبسبب الاستخدام المفرط وغير السليم تحوّل إلى وسيلة للتباعد الاجتماعي، إذا جاز القول، لها انعكاسات سلبية كثيرة سواء على حياة وسلوك الافراد أو على مجمل منظومة التعايش المجتمعي بشكل عام. فصرنا لا نعرف بعضنا البعض عن قرب ولا نتكلم الّا بالقدر اليسير حتى وإن توفّرت لنا فرص اللقاء والكلام. وفي المحيط العائلي اصبحنا شبه غرباء في بيوتنا لأننا نتواصل مع بعضنا البعض بوسائل التكنولوجيا الخالية من المشاعر والأحاسيس الانسانية. وليس باللسان الحي، ومن خلال سماع الصوت الإنساني مباشرة بما فيه من دفء وصدق وابتسامات وضحكات تعادل آلاف المنشورات على الفيسبوك.
وبالتاكيد، لم يخطر على بال مبتكري الفيسبوك، الذي قدّم للانسانية خدمة رائعة، أن يتحول تطبيقهم هذا إلى سوق هرج ووسيلة للتنابز بالالقاب والتنمر ونشر "الغسيل الوسخ" بوجه الآخرين. بل أصبح البعض يتباهى بعيوبه وذنوبه وسلبياته وينشرها بلا "وجع گلب" ويطالبك بالتعليق والتفاعل مع ما ينشر من تفاهات. وفي حال تجاهلت منشوراته سارع إلى أغلاق صفحتك وجعلك من القوم المنسيين
وما يثير الدهشة والسخرية أيضا أن بعض الأشخاص لا يتردّد عن نشر جميع التفاصيل التي تدخل في خانة "الخصوصية" الشخصية. كمن يفتح للغرباء باب بيته على مصراعيه. فثمة من ينشر صورته وهو يصلي في المسجد كدليل إثبات على إيمانه وممارسته للشعائر الدينية. وآخر يمسك بيده القرآن متمتما بآية ما وعيناه تخترقان بؤبؤ كاميرة التصوير، وثالث يقف مبتهجا، وبهيئة من أدى واجبه باخلاص، قدّام مرقد الامام علي بن ابي طالب، كشهادة اعتراف "إيمانية"موثّقة. وكل واحد من هؤلاء يضع من التعليقات ما انزل الله بها من سلطان.
نعم، الفيسبوك له ايجابيات ومنافع كبيرة. ولكن كثيرة ايضا هي سلبياته. لقد سرقنا من انفسنا، ووضعنا في حالة اقامة جبرية في دواخلنا. وبنى جدرانا (لا تُرى بالعين المجرّدة) بيننا وبين الآخرين. وافقدنا التفكير في اخذ زمام المبادرة لأنه أصبح "يفكّر" نيابة عنا، حتى في أدق تفاصيل حياتنا اليومية. وتعطّلت فينا القدرة على الحديث المباشر او "المجاملة" كما يقال، مع من هم على علاقة بنا. وتحوّلنا، بسبب الاستخدام المبالغ فيه للفيسبوك وامثاله، الى نكِرات تنكر بعضها البعض بالتراضي ! وتكتفي باطلاق نظرات الاستفهام فقط. واحيانا بعض الإشارات المبهمة.
أن الجميع يفضّل الانتقال إلى عالم افتراضي خالٍ من المسؤولية ولا يكلف شيئا. تاركا الحياة الحقيقية تجري على هواها وكما تشتهي، مفضّلا اغراءات الشبكة العنكبوتية وما تيسّر من شطحات وهفوات الآخرين لتكون مادّة شيّقة لمنشورٍ تافهٍ هنا أو لتعليقٍ ساذجٍ هناك...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رجل في فلوريدا بعمر ال 66 عاما يكتشف صدفة أنه ليس أميركيا


.. العربية ويكند | استطلاعات الرأي تساعد على التنبؤ بنتائج الان




.. العربية ويكند | مركز -بيو للدراسات-: هامش الخطأ في استطلاعات


.. العربية ويكند | بلينكن يعزف الغيتار في كييف بالتزامن مع تقدم




.. العربية ويكند | زوجة الأمير هاري تكشف للمرة الأولى عن أصولها