الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اغتصاب المفاهيم والمصطلحات

محمد هروان

2023 / 4 / 21
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


لطالما امن كل انسان بأن النمو والتقدم هو نتاج لتفكير مبني على أسس تجاوز القديم والمتعفن المتوارث الذي لم يعد يصلح لمواجهة تحديات الزمن الحاضر، ولطالما اتفقنا جميعا، بغض النظر عن مستوياتنا وتوجهاتنا الفكرية، بأن الديمقراطية أساس لبناء فرد ومجتمع قويمين، يمكنهما ذلك من الابداع والتعبير بأشكال شتى تغني الرصيد الفني والفلسفي والتراثي للمجتمع، بيد أن العقود الاخيرة شهدت أحداثا عديدة ترغمنا على طرح العديد من الاسئلة، التي لا تحصر في مقال او كتاب او حتى مجلدات عديدة، ذات الارتباط الوثيق بالاوضاع السياسية والسوسيوقتصادية خاصة في مجتمعات افريقيا والشرق الاوسط وبلدان اخرى عبر العالم. سنتحدث فيما سيأتي عن قضايا تاريخية وراهنية مرتبطة بشمال افريقيا والشرق الاوسط، ليس الا للانتماء والاهتمام الفكري قراءة وكتابة بهذه المجتمعات، مقارنة بغيرها مثلا في امريكا اللاتينية التي لم ننفتح بعد عن مظاهر تخلفها بشكل عميق، اللهم بعد الاصداء التي تصلنا بخصوصها على اعتبارها مجتمعات ايضا تعاني من التجاذبات السياسية والصراعات حول الارض ومشاكل العصابات. رغم ان احداثا تاريخية وشخصيات هامة تعطينا فكرة عامة حول ما حدث ويحدث هناك، كالثورة في كوبا، وشخصيات ككيفارا وفيديل كاسترو.
بخصوص شمال افريقيا والشرق الاوسط، موضوع هذا المقال، فإننا اولا امام اشكالية هامة تتنامى بشكل اضحى مقلقا، منذ بداية هذه الالفية، الا وهي اشكالية المصطلح الجيوسياسي والثقافي "العالم العربي الاسلامي". هذه التسمية اسالت الكثير من الحبر وهيجت مشاعر طائفية وعرقية ودينية عديدة، فما الاهم من كل ذلك؟
اولا، من حيث المبدأ، لا ينبغي قمع كل من ينادي باحترام انتماءه والاعتراف بثقافته، فذلك حق لا يختلف اثنان في شرعيته، ثانيا، يشكل توظيف بعض الشعارات المتعلقة بهذه المسألة ألية دعائية وتهييجية من أجل اغراض سياسية محضة، ثالثا، ينبغي الفصل بين ما يجوز وما لا يجوز من اجل تجاوز النقط الخلافية في هذه المسألة، تفاديا لاغتصاب مفاهيمي واستغلال عاطفي للجماهير التي لا تعي لب المشكل.
اذن، على اعتبار هذا المشكل يؤسس لصراعات سياسية ودينية وغيرهما وجب الوقوف مطولا عند هذا الاساس ونقده بشكل جرئ وموضوعي، ووجب علينا ان نعلن هذا المجتمع مجتمعا متعددا ونولي كل مكوناته الثقافية والدينية والعرقية حقها في المشهد العام، اما سياسة التهييج والاستغلال الانتخابوي فهي مجرد دعامة لإعادة انتاج هذه الصراعات التي لا طائل منها، وذلك لن يتأتى الا عبر خطاب جديد يتبنى ثقافة الاعتراف بالآخر وتقديس حقه في التعبير، وايضا عبر سياسة ثقافية تتبنى التعدد وتزاوج الثقافات والانتماءات في مشهد فسيفسائي يسوده الاحترام المتبادل والانفتاح الواعي، ويمكن للمدرسة والاعلام ان يلعبا الدور الاهم في هذا المبتغى.
لعل هذه الدعوة معبرة عن عمق ديمقراطي واضح المعالم، بيد ان هذا العمق الديمقراطي يوظف في سياقات اخرى لخلق خطابات تعتقد بوهم التفوق والاولوية، استنادا الى معايير لغوية او دينية او عرقية او غيرها، وهذا محض هراء وسياسة فاشلة من الاساس، لان الثقافات لا تتفاضل، والناس متساوون في الحقوق والواجبات، من حيث المبدأ. ويشهد عالم شمال افريقيا والشرق الاوسط اوهاما كثيرة في هذا الصدد، تارة تكون عفوية ناتجة عن اندفاع نفسي وتارة مقصود ولغاية في نفس يعقوب.
الديمقراطية اذن، هي المصلحة العليا والجماعية للوطن والمواطنين، وذلك لن يتأتى الا باشراك الجميع ومنحه حقوقه ومحاسبته، دون اي تمييز لأي سبب من الاسباب، كما نصت مبادئ حقوق الانسان في الثورة الفرنسية واعلان الامم المتحدة.
إضافة الى مفهوم الديمقراطية، نمت مفاهيم اخرى وشوهت صورتها واستغلت لأغراض معاكسة لما تنص عليها، كالنهضة مثلا حيث تولدت احزاب رجعية وتيارات ظلامية تنادي بها لكن ممارساتها نقيض تماما، والحداثة التي لا تشكل في الغالب الا صورة خارجية تخفي رجعية واصولية في العمق، ناهيك عن التنمية والعدالة والحرية....
في الختام ان توظيف مقولات تحمل في طياتها اقصاء للآخر مثل "العالم العربي الاسلامي" يعد اغتصابا لهذه المصطلحات، وهذا الاغتصاب يتجلى في التأثير النفسي السلبي الذي تحدثه عند الاخر، وكذلك في المرامي وراء توظيفها، وفي الغالب اهداف سياسوية، اظف الى ذلك عديد الشعارات التي لا تعبر عن حقيقة الايديولوجية المتشدقة بها. ينبغي الحرص اذن على روح التعددية الدينية والاثنية والثقافية وذلك لتجاوز اللغط المفاهيمي والمرور الى تنزيل برامج التنمية والنهوض الحضاري.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المجلس الحربي الإسرائيلي يوافق على الاستمرار نحو عملية رفح


.. هل سيقبل نتنياهو وقف إطلاق النار




.. مكتب نتنياهو: مجلس الحرب قرر بالإجماع استمرار عملية رفح بهدف


.. حماس توافق على الاتفاق.. المقترح يتضمن وقفا لإطلاق النار خلا




.. خليل الحية: الوسطاء قالوا إن الرئيس الأمريكي يلتزم التزاما و