الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مات اليسار التونسي ولم يكتسب أي نفوذ داخل الجماهير لأنه كان يدافع عن طبقة غير موجودة إلا في الكتب

بشير الحامدي

2023 / 4 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


اليسار التونسي بكل تسمياته يمكن القول أنه مات في المائة سنة المنقضية ولم يكتسب نفوذا داخل الجماهير. قد يقول البعض ما هذا الحكم المسقط الاعتباطي وقد يصمك البعض ببعض النعوت التي والحقيقة تقال لا يردّ عليها ولا يجب إعارتها أي اهتمام من قبيل أن هذا الطرح يعلي الاتجاه الفلاني أو يسقط في مساحة الطرح العلاني أو هو يصب الماء والزيت وكل السوائل في طواحين من هب ودب لتقزيم هذا اليسار.
لكن لنترك كل هذا جانبا وتعالوا نرى الأمور كما هي في التاريخ والواقع. فالقوى السياسية التي تقول عن نفسها يسارية وهنا تعترضنا إشكالية أخرى متعلقة بتحديد هذه القوى فهل اليسار هو مجموع القوى ذات المرجعية الماركسية بمختلف اتجاهاتها ستالينية ماوية تروتسكية مضاف إليها تلك القوى التي تقول عن نفسها أنها قوى قومية عربية وتتبنى ايديولوجيات متنوعة هي أيضا من البعثية إلى الناصرية إلى البعثية السورية إلى القذافية.
في مقالنا هذا سنتحدث عن اليسار بصيغته التونسية أي اليسار الذي يبدأ عند ماركس وينتهي عند القذافي أي ذلك الذي يقول عن نفسه تقدمي وهنا لابد من أن نسوق ملاحظة تبدو لي هامة ولابد منها وهي أن الاتجاهات القومية في أغلب بلدان العالم لم تصنف اتجاهات يسارية لا في الهند ولا في باكستان ولا في روسيا ولا في فرنسا ولا في جنوب افريقيا ولا في أمريكا بل كانت عموما تصنف على أساس قوى برجوازية لبرالية كما في الهند وباكستان وروسيا أو قوى برجوازية عنصرية أو فاشية كما في فرنسا وفي ألمانيا وايطاليا
إذن اليسار بصيغته التونسية يسار مجموعات تحكمها الأيديولوجيا قراءتها للتشكيلة الاجتماعية الاقتصادية قراءة ساذجة سطحية تصنيفية هذا إن توفرت فعند كثير من المجموعات لا نعثر على هذه القراءات بل كل ما نجده هو مقولات منزوعة من سياقها لكتابات ماو أو لينين أو ستالين مسقطة اسقاطا على واقعنا هذا دون الحديث عن أطروحات الاتجاهات القومية التي لا رابط لها مع المجتمع والتاريخ العياني الذي تمر به أقطار المنطقة وكل ما هناك هو تمجيد للقادة والمخلّصين والذين لا يكونون إلا من حاملي السلاح.
هذا هو المناخ الذي كبرت فيه أجيال اليسار التونسي وهذه هي الأرضية الثقافية التي أنشأت مثل هذا اليسار.
اليسار التونسي لم يفهم في أربعينيات القرن الماضي كما لم يفهم أبناؤه الشرعيون اليوم وبعد ما يناهز القرن من الزمن أن ليس هناك في بلادنا طبقة عاملة بل أغلبية من السكان لهم مصلحة مشتركة وأن التحرر عير مفصول عن ضرورة إرساء العدالة الاجتماعية وأن ليس هناك ثورات على مراحل وأن ليس هناك دولة رعاية اجتماعية وأن عهد الوطنية والسيادة قد ذهب دون رجعة وأنه عليه التخلص من أطروحات حركات التحرر الوطني وبناء أطروحات التحرر الطبقي القائمة على استقلالية الأغلبية وعلى سيادتها على القرار وسيادتها على الثروات والموارد ووسائل الإنتاج وعلى التغيير الجذري وبسياسات راديكالية وهي سياسات الأغلبية المكونة من الأربعة أخماس من السكان وليس سياسات الطبقة العاملة وسياسات التأميم والقطاع العام والرأسمالية الوطنية فالأربعة أخماس من السكان هم المليونين بين بطال و خدام والمليونين ربة بيت والمليون شاب والمليون ونصف موظف مفقر والمليونين مزارع فقير.
وما لم يدركه هذا اليسار هو أن عملية تذرر كبيرة صارت الآن واقعا حدثت في هذا الطور من التقدم الصناعي فالمجتمع الصناعي القديم الذي أنتج " العمال" هو الآن بصدد تذرير كل طبقات المجتمع فتركيز الثروة يقتضي ذلك وما يصلح لرأس المال كان يفرضه دائما.
لقد مر رأس المال من مرحلة "دعه يفعل دعه يمر" إلى مرحلة "دعه يفعل دعه يقوض". وعملية التقويض هذه عملية شاملة. فهي كما في الاقتصاد كما في السياسة. لقد ذهب زمن الأحزاب العقائدية الكبرى ذات المليون منتسب كما ذهبت معامل المائة ألف خدام .
عملية التركّز صارت غير مسموح بها وغير ذات مردودية. التفتيت هو الذي يقدم مردودية عالية فالقاطرة يجب أن تبقى بكل عرباتها ولكن لا رابط بين هذه العربات فكل عربة هي مستقلة بذاتها ويمكن نقلها إلى أي جهة أخرى دون إحداث ضرر بالقاطرة كقاطرة فلا ضير إن كانت عرباتها موزعة واحدة في الهند والأخرى في جيبوتي أو تونس والثالثة في البرتغال لا ضير في ذلك ما دامت عائدات نشاط كل العربات يتراكم في حساب واحج معلوم.
اليسار التونسي لم يفهم أن التجمع الدستوري الديمقراطي مات ليس لأن نظام بن علي سقط لا أبدا بل مات لأنه لم يعد الحزب ذو المردودية بالنسبة للبرجوازية التونسية
وعلى نفس المسار ستموت حركة النهضة وسيموت حزب عبير موسي وسيموت الاتحاد العام التونسي للشغل ليس لأنهم ليسوا أدوات للنظام بل لأنهم لم يعودوا ذوي مردودية بالنسبة للبرجوازية التونسية.
انتخب قيس سعيد عام 2019 فرأت البرجوازية التونسية أنه يمكن أن يكون عصفورها النادر دون أن يكلفها الكثير فساعدته وهي تحقق به الان كل عملية التقويض التي تحدثنا عنها دون خسارات تذكر في صفوفها فكل الخسارات تقع في الضفة الأخرى ضفة الأغلبية وسيستمر الوضع على هذا النسق إلى أن تعي هده الأغلبية ضرورة تحقيق استقلاليتها على كل مؤسسات النظام وتغييره تغييرا جذريا وبسياسات راديكالية.
متى تعي الأغلبية ذلك ؟
هذا متروك للمستقبل فالمستقبل ليس ما نتكهن به أو تنطق به استنتاجاتنا.
21 أفريل 2023








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين الاتهامات المتبادلة والدعم الكامل.. خبايا العلاقة المعقد


.. الشيف عمر.. أشهر وأطيب الا?كلات والحلويات تركية شغل عمك أبو




.. هل ستنهي إسرائيل حربها في غزة.. وماذا تريد حماس؟


.. احتجاجات طلابية في أستراليا دعما للفلسطينيين




.. أصداء المظاهرات الطلابية المساندة لغزة في الإعلام • فرانس 24