الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حيثيات وسياق - التسوية السياسية الأمريكية - !

نزار فجر بعريني

2023 / 4 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


تضليل الرأي العام السوري وتهميش دور السوريين في التأثير على مآلات الصراع بما يتوافق مع مصالحهم المشتركة ، شكّل أكبر إنجازات قوى" الثورة المضادة للتغييرالديمقراطي" -بقيادتها الأمريكية الروسية، ومرتكزاتها في مصالح وسياسات أصحاب مشاريع السيطرة الإقليمية، والسوريّة - ومشاركة فاعلة من بعض شخصيات ومنصّات طيف واسع من النخب السياسية والثقافيّة السوريّة ، وقد حققت نجاحات كبيرة في صناعة رأي عام سوري منفصل عن حقائق الواقع ،عديم الوزن ، إلى درجة بات القسم الأعظم من السوريين ، على صعيد النخب والعامّة ،إمّا غير مهتمّ بما يحدث ، أولا يعرف حقيقة طبيعة ما يحاك من سياسات وخطط لرسم خارطة سوريا الجديدة ، في إطار خارطة طريق " تسوية سياسية "، ولا طبيعة أدوار الأطراف"الخارجية"و"السورية"في تنفيذها، بما يساعد" القوى المتورّطة " في العمل بأريحيّة من خلف ظهر السوريين ، أصحاب الحقوق والمصلحة، وفي غفلة منهم !!

أرجو أن يُقرأ بعناية ما أطرحه حول طبيعة التسوية السياسية الأمريكية ،(١) في أهدافها وسياقاتها وقواها وآليات عملها في " الجزء الاوّل" من هذه الدراسة ؛ على أمل أن يتناول "الجزء الثاني " قراءة تفصليّة لخطوات وإجراءات التأهيل والتطبيع المتزامن لسلطات الأمر الواقع ، قبل كارثة الزلزال الطبيعي، وما بعدها ؛ ويعمل " الجزء الثالث " على عرض نماذج من " القراءات " التي تفتقر للموضوعية والشمولية ، ويؤدّي ترويجها، وتحويلها إلى وعي سياسي ، إلى تغييب حقائق التسوية عن السوريين المهتمين بمعرفة حقائق الواقع ، وإدراك مخاطر المرحلة ، وسياقاتها ، ومآلات تطوّرها ، والمعنيين بوحدة سوريا الجيوسياسية ، بما هي وطن نهائي لجميع السوريين، دون تمييز في الحقوق و الواجبات والضامن لمصالح السوريين المشتركة.
الجزء الأول،
مقدمة :
يعيش السوريون ظروف زلزال سياسي مدمّر ، لن تقلّ نتائجه خطورة على حاضر ومستقبل حياتهم وبلادهم عن الزلزال الطبيعي ، وسيترك نتائج أكثر خطورة على المدى الطويل. فقد تكون اخطار الزلزال الطبيعيّ مؤقّتة، ويصعب ردّها ، لكنّ المؤكّد أنّ متطلّبات التعافي منها، ترتبط بوسائل الخروج من دوائر هزّات الزلزال السياسي الإرتدادية ،و تمر بالضرورة بطريق التعافي من أمراض الوعي السياسي المضلّل ، وأكاذيب الدعايات ، التي تحرم السوريين من معرفة طبيعة العدو ، وآليات مواجهته !!
في التوصيف العام ، يواجه السوريون اليوم عواقب وخيارات " تسوية سياسية أمريكيّة " ، ستغيّر شكل وجوهر سوريا التي عرفناها قبل ٢٠١١!
تحت ذرائع وحجج مختلفة ، ترتبط ظاهريّا بهدف" وضع خطوات عملية من أجل الحد من القتال في سوريا ، ووقف " الحرب الأهلية "،ومن أجل" إعطاء المزيد من الوقت لجهود المجتمع الدولي ولإنجاح جهود عملية انتقال وطنية"، طَرحَت منذ ٢٠١٥ في جزأين، مؤسسة مركز بحوث RAND الأمريكي (مؤسسة بحثية تعمل على تطوير حلول للتحديات التي تواجه السياسات العامة الأمريكية ، وتضع المؤسسة ما تصل اليه من بحوث واستنتاجات على طاولة صنّاع القرار في واشنطن )، ما يعتبره القائمون عليها مسار "حل سياسي"،"( يتناقض في الأهداف مع ما اعلنته بعض بنود "مسار جنيف بشكل ضبابي حول انتقال سياسي)، يؤدّي في النتيجة الى تثبيت مواقع الحصص والنفوذ التي حصلت عليها الدول المتورّطة في الخيار العسكري ، التي تحكمها سلطات الأمر الواقع ، وتؤدّي في ظل ترحيل هدف الانتقال السياسي والتحوّل الديمقراطي إلى أجل غير مسمّى ، وفي اعتبار النظام شريك اساسي لإنجاح هذا المسار ، الى تقسيم سوريا بين اربع سلطات متناقضة ؛ النظام ، هيئة تحرير الشام ، الجيش الوطني وقسد !!
إذا صحّ القول بأن المشكلة ليست في وجود" تسوية سياسية" بحدّ ذاتها - طالما هي الحالة الطبيعية لنهاية الحروب العسكرية، عندما تصل موازين قوى الحرب إلى حالة عجز الجميع عن تحقيق مكاسب على الأرض، فيتداعون الى تسوية سياسية، للوصول إلى صفقة، تشرعن الحصص التي صنعتها معارك الحرب، وموازينها- فإنّ المعضلة التي يواجهها السوريون، الذين دفعوا أثمان الحرب الظالمة ، ويأملون بالوصول الى حالة سلام واستقرار دائمة، مركّبة،يمكن شرح طبيعتها ، بالإشارة إلى أهمّ حقائق الصراع .
في ربيع ٢٠٢٠ ،مع وصول حروب إعادة تقاسم الحصص ومناطق النفوذ إلى نهايتها ، بتوقيع اتفاقيات ٥ آذار بين الرئيسين التركي والروسي، دخلت" قوى الثورة المضادة " في مرحلة صناعة "التسوية السياسية"، بما يتفق مع ما حققته من مصالح في سياق الحرب ، وفي غياب كامل للقوى والأطراف التي تمثّل مصالح السوريين المشتركة؛ بعد "تحييد" نخب الحراك الثوري ، وفشل صيرورة تحوّل " نخب المعارضة السياسية والثقافية التاريخيّة " ، العربية والكردية، إلى ممثل حقيقي لمصالح السوريين المشتركة، كبديل، أو كمحاور لسلطة النظام ،و سلطات الأمر الواقع الجديدة ، وبات ما تقدّمه من وعي سياسي وثقافي يساهم في فبركة رأي عام سوري ، منفصل تماما عن حقائق الواقع، يعّزز انقسام السوريين وعجزهم عن إدراك الحقائق ، والمساهمة في دفع الصراع إلى المآلات التي تخدم مصالحهم المشتركة.
الهدف الأساسي للتسوية السياسية الأمريكية هو إضفاء الشرعية السورية والدولية على الحصص التي أفرزتها موازين قوى الحرب المستمرة بين ٢٠١٥ ٢٠٢٠ ،( تقاسم الحصص ومناطق النفوذ بين قوى الثورة المضادة)،بما يحافظ بالدرجة الأولى على حصّتها ووكيلها ، وعلى وجود سلطات الأمر الواقع المتشابهة في الدور والسياق ، ويجدّد بنية " النظام السوري " ، ويحوّل سورية جغرافيا وبشريا إلى كانتونات متصارعة على الثروة والسلطة والإرتزاق للأجنبي، وتمنع نهائيا إعادة توحيدها سياسيّا، وتقطع جهود السوريين وآمالهم للعمل معا لمواجهة جميع العواقب التي نتجت عن كوارث الإستبداد والحرب والزلازل .(٢)

جوهر مشروع " التسوية السياسية الأمريكية "،(الذي يقوم على مبدأ إعتراف متبادل ، يؤسس لقيام" تهدئة مستدامة " بين جميع سلطات الأمر الواقع، وخارطة طريق تأهيل متزامن ، يحافظ على الحصص ومناطق النفوذ التي صنعتها حروب تقاسم الحصص بين ٢٠١٥ ٢٠٢٠ )، يضمن مصالح جميع قوى الثورة المضادة للتغيير الديمقراطي، سواء بقيادتها الأمريكية الروسية أو الشركاء الإقليميين و الأذرع السورية، ويثبّت سلطات الأمر الواقع الميليشياوية، ويحوّلها إلى حالة " طبيعية " مُستدامة ، تؤسس لعوامل تفشيل الدولة السورية ؛ وتؤكّد النهاية المأساوية لسيرورات الحل السياسي الوطني، و آمال بناء الدولة الوطنية الديمقراطية!!
ما يجعل جهود التسوية السياسية الأمريكية خطرا محدّقا على وحدة سوريا الجيوسياسية ليس فقط توافقها مع سياسات قوى الاحتلال الخارجية، روسيا وإيران وتركيا ، بل ، علاوة على ذلك ، تقاطعها مع مصالح سلطة النظام السوري في إعادة التأهيل والتطبيع ، ومع مصالح قيادات سلطات الأمر الواقع الميليشياوية، التي من مصلحتها دوام الوضع القائم وشرعنته؛ كما ومن مصالح "المعارضات السوريّة" ، التي باتت تعوّل على اجندات القوى الخارجية ، وتتبادل الولاء والدعم لسلطات الأمر الواقع- قسد والجيش الوطني و الهيئة ... تماما كما هو حال " نخب " الموالاة؛ ولا يعني الجميع ما سينتج عنها من إدخال السوريين في صراعات عمودية ، طائفية وقومية ، لا نهاية لها، ومن تفشيل مقوّمات الدولة السورية!
◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇
(١)-
قدّ م مركز بحوث RAND الأمريكي في ٢٠١٥ دراسة في جزأين حول طبيعة "التسوية السياسية " التي يعتقدون أنّها تخدم في مآلاتها مصالح الولايات المتّحدة وسياساتها السوريّة ، الساعية إلى إقامة موطىء قدم على الجغرافيا السوريّة، يتقاطع مع مصالح وسياسات القوى التي تورطّت في خيار الحرب ، دون أن يبالوا لواقع تناقض نهجها ونتائجها في الجوهر مع "مسار جنيف "، وقيام حل سياسي وطني( وقد تقاطعت مع أطروحات روسية متشابهة في الطبيعة والأهداف ! ).
الاقتراحات الأساسية في مشروع" سلام" RAND التي تُنفَّذ خطواتها بحذافيرها منذ ٢٠١٥ بالتنسيق مع روسيا وإيران ، ومشاركة تركيا خلال ٢٠١٧ وعبر " مسار آستنة "، بشقّيه السياسي والعسكري.
بعض مما جاء في حيثيات الدراسة ، التي شكّلت لاحقا قاعدة لمشروع التسوية السياسية الأمريكي:
●《يجب أن يكون الهدف الرئيسي للولايات المتحدة وشركائها التفاوض على وقف دائم للأعمال العدائية مع دعم الحوار الطويل الأمد حتما بين الفصائل السورية فيما يتعلق بالشكل المستقبلي للدولة السورية. ( ترى أن مستقبل سوريا يُبنى على أساس وجود " الفصائل السورية !!" ، وفي إطار علاقات تفاهم بين قياداتها !!).
"ولأنّ هدف إعادة توحيد سوريا في ظل قيادة وطنية متفق عليها ومع مجموعة واحدة من الهياكل الأمنية – هو أمر بعيد،( بمعنى- قيام حل سياسي وفقا ل ٢٢٥٤ قضية مؤجّلة ، إلى أجل غير معروف !!- لأنّه ليس في خطط وسياسات واشنطن ، ولا يتوافق مع مصالحها !) يجب النظر في كيفية توفير الحكم الأساسي للمناطق التي تسيطر عليها المعارضة في الفترة الانتقالية( وهل ستبقى انتقالية!!؟)》. ( قيام كانتونات ، تحت سلطات أمر واقع !!)

●" تنفيذا لما ورد في وثيقة مبعوث الأمم المتحدة الخاص ستافان ديمستورا ، (أن تكون سوريا "دولة ديموقراطية غير طائفية قائمة على المواطنة والتعددية السياسية، وتمثيل جميع عناصر المجتمع السوري، وسيادة القانون واستقلال القضاء والمساواة في الحقوق، وعدم التمييز وحقوق الإنسان ومبادئ التصالح الوطني ، وعلى "التزام السوريين بإعادة تأسيس جيش وطني قوي موحد عبر نزع أسلحة الجماعات المسلحة ودمج أعضائها من الجماعات التي تدعم الانتقال لمرحلة جديدة وتأسيس دستور جديد "،قد يكون مرغوبا ، لكنّه هدف غير واقعي بالمدى المتوسط" ، ( ما يجعل الأهداف واقعيّة هو ، بالدرجة الأولى ، تقاطع نتائجها وسياقات تحققها مع مصالح الولايات المتّحدة ، أليس كذلك ؟ )
يجب النظر في كيفية توفير الحكم الأساسي للمناطق التي تسيطر عليها المعارضة في الفترة الانتقالية.
ولذلك، نقدم في هذا المنظور أربعة نماذج لتحقيق اللامركزية ‎التي قد تنشأ نتيجة لتسوية سلمية، أو حتى في غياب مثل هذا الاتفاق الشامل. وعلى الرغم من أن إضفاء الطابع الرسمي على هذه الاتفاقات بين الأطراف وتحت رعاية دولية يكون مفضّلا ، يكون تطور هذه الترتيبات بحكم الواقع وليس بحكم القانون. وبطريقة أو بأخرى، يجب أن تعكس هذه الترتيبات حقيقة السيطرة المحلية حتى وإن كانت ستستمر بشكل مؤقّت…"
(٢)-
شهدت منطقة "إدلب" وبالتحديد جنوب الطريق الدولي “M4” تصعيداً روسياً منذ آذار/ مارس 2021 حتى نهاية نيسان/ إبريل 2021، ومنذ ذلك الوقت لم تشهد منطقة إدلب تصعيداً قوياً كالسابق، خاصة في محاولات التسلل والاشتباكات البرية المباشرة، مع تواصل القصف المدفعي وغارات الطيران الحربي والطيران المسيَّر في المنطقة، في حين شهدت جبهات شمال شرق سورية في منتصف آب 2021 وتحديداً في منطقة "عين عيسى" تصعيداً كبيراً من فصائل المعارضة المدعومة من تركيا ضد مجموعات "قسد”.
ربّما يرجع عدم التغيُّر في نُسَب السيطرة ليس فقط إلى حرص النظام وروسيا وفصائل المعارضة على الإلتزام بشروط وقف إطلاق النار في إطار مذكّرة موسكو التي تم توقيعها بين تركيا وروسيا في ٥ آذار ٢٠٢٠ ، و إلى رضى تركيا بما حصلت عليه من حصص ، بل إلى قوّة عصا الولايات المتّحدة الغليظة ، وحرصها على الحفاظ على الحصص في ظلّ موازين القوى القائمة .
على أيّة حال، وفقاً لخريطة السيطرة العسكرية التي يُصدرها "مركز جسور للدراسات" بالتعاون مع "منصة إنفو رماجين لتحليل البيانات"، فإنّ نِسَب سيطرة القُوَى على الأرض هي على النحو الآتي:
《▪︎حافظت فصائل المعارضة على نسبة سيطرتها وهي: (10.98%) من الجغرافيا السورية، وتتوزع مناطق سيطرة المعارضة في إدلب ( سيطرة مشتركة بين "الهيئة "- المدعومة أمريكيّا - ، و "جبهة التحرير" ، المدعومة من تركيا- الإضافة لنا )،وشمال حلب، وفي منطقة تل أبيض ورأس العين في الرقة والحسكة، وفي منطقة "الزكف" و"التنف" (المنطقة 55) في جنوب شرق سورية.
• حافظ" النظام السوري" على نسبة سيطرته (المشتركة مع النظامين الروسي و الإيراني- إضافة لنا ) ، وهي: (63.38%) من الجغرافيا السورية، وهي سيطرة شِبه تامة على محافظات الساحل والوسط وجنوب سورية، وسيطرة على أجزاء من المحافظات الشرقية ومحافظة حلب. وتحوَّلت سيطرته على محافظة درعا إلى سيطرة شاملة بعد عملية تصعيد بدأها النظام على درعا في تموز/ يوليو 2021 وانتهت باتفاق السيطرة الشاملة على المحافظة في 1 أيلول/ سبتمبر 2021، بينما بقيت سيطرة النظام على محافظة السويداء سيطرة هشَّة مقتصرة على الفروع الأمنية ومؤسسات الدولة دون دخول "الجيش" إليها.
• حافظت قوات سورية الديمقراطية "قسد"، ( المتداخلة مع مواقع نفوذ روسية وإيرانية وحكومية- لنا)، على نسبة سيطرتها وهي: (25.64%) من الجغرافيا السورية، وهي نفس النسبة المسجلة منذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، وتشمل أجزاء واسعة من محافظة دير الزور والرقة والحسكة، وأجزاء من محافظة حلب. وأصبح من الممكن تقسيم مناطق سيطرة "قسد" وَفْق انتشار القواعد العسكرية للتحالف الدولي أو للقوات الروسية، فقواعد القوات الروسية تنتشر بشكل أساسي في المناطق التي انسحبت منها قوات التحالف، إضافة لقاعدتها الرئيسية في مطار "القامشلي".
• بطبيعة الحال لم يَعُدْ لتنظيم "داعش" أيّة سيطرة عسكرية على الأرض السورية منذ شباط/ فبراير 2019. ".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Ynewsarab19E


.. وسط توتر بين موسكو وواشنطن.. قوات روسية وأميركية في قاعدة وا




.. أنفاق الحوثي تتوسع .. وتهديدات الجماعة تصل إلى البحر المتوسط


.. نشرة إيجاز - جماعة أنصار الله تعلن بدء مرحلة رابعة من التصعي




.. وقفة طلابية بجامعة صفاقس في تونس تندد بجرائم الاحتلال على غز