الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في مبادرة الإدارة الذاتية لحلّ الأزمة السورية

ضيا اسكندر

2023 / 4 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


تُعَدُّ الأزمة السورية واحدة من أكثر الأزمات تعقيداً في العالم؛ نظراً لتعدّد أطرافها ما بين محلية، وإقليمية، وأخرى دولية، وتعدّد وتباين مصالح كل طرف إلى حد التشابك وأحياناً التعارض.
وقد شهدت المنطقة في الآونة الأخيرة كثافة في الاتصالات الدبلوماسية ومجموعة من المبادرات العربية والدولية (مبادرة دول أستانة، المبادرة الأردنية – خطوة مقابل خطوة). علاوةً على زخم الزيارات التي قام بعض وزراء خارجية الدول العربية إلى دمشق، وزيارة وزير خارجية الأخيرة إلى (السعودية والجزائر وتونس). والتي تصبُّ جميعها في مسعى حل الأزمة السورية سياسياً بعد أكثر من (12) عاماً على بدئها.
في هذا السياق، أطلقت الإدارة الذاتية مبادرة بتاريخ 18/4/2023 تضمّنت تسعة بنود، للتوصل إلى حل سلمي وديمقراطي ينهي معاناة الشعب السوري.
أتت على ذكر الأسباب التي أعاقت الوصول إلى الحلّ السياسي للأزمة السورية حتى الآن، إلا أنها لم تذكر الأسباب التي أدّت أصلاً إلى هذه الكارثة الإنسانية الفظيعة. وـمن المعروف أنه كي تشخّصَ أي مشكلة ينبغي تسليط الضوء على أسبابها أولاً، ومن ثم طرح طرق علاجها. فلا هذه ولا تلك تطرّقت إليها المبادرة. والأزمة برأينا هي نتيجة أسباب مؤلمة؛ اقتصادية وسياسية واجتماعية وديمقراطية.. إلخ. تراكمت على مدى سنوات وتفاقمت، إلى أن أدّت إلى هذا الانفجار الكبير.
واكتفت بالقول في هذا الموضوع: "إن الافتقار إلى السياسة الديمقراطية والاجتماعية وفقدان الاعتراف بخصوصية سائر المكونات وحقوقها هو أساس الأزمة السورية".
مما لا شك فيه أن ما ذُكِر أعلاه هو أحد الأسباب، أما الأسباب الحقيقية فهي في مطرح آخر تماماً؛ إن اعتماد النظام في نهجه الاقتصادي على الليبرالية بنسختها المتوحشة، مع الضعف الشديد لمنسوب الحريات، والتدخل الشرس للأجهزة الأمنية في كل شاردة وواردة من حياة المجتمع، وانتشار الفساد الكبير وتغوّله، واتساع رقعة البطالة والفقر الأسود.. والقائمة تطول، هي السبب الرئيس للأزمة.

وأغفلت المبادرة ذكر الدول - باستثناء تركيا - التي تحتلّ مساحات واسعة من الأرض السورية، وتجاهلت الاحتلال الأمريكي للتنف ولمناطق أخرى في شمال شرق سوريا، والاحتلال الإسرائيلي للجولان. وكان من المفيد لو أنها أشارت بوضوح إلى كافة الاحتلالات التي تجثم على أراضينا والمطالبة برحيلها. لا سيما بعد أن طالت اتهامات الإدارة الذاتية بأنها (عميلة) لأمريكا وتستقوي بها. وبالتالي تخشى انسحابها من المناطق التي تحتلها.

ومع كل هذا، فالمبادرة إيجابية في العموم؛ لأنها تحمل في طياتها مجموعة من رسائل التطمين للداخل السوري وخارجه.
أما بالنسبة للداخل السوري؛ ففيها تأكيد أن مشروع الإدارة الذاتية لم يكن يوماً انفصالياً، كما يروّج خصومها. لأنها تدعو إلى وحدة البلاد أرضاً وشعباً، وإلى عدم جواز إقصاء أو تهميش أيّ قوة سياسية في الوطن.
وهذا التأكيد من شأنه تبديد الهواجس التي لطالما كانت حاضرة لدى شرائح سياسية سورية، في طليعتها القوى الموالية لسلطة حكومة دمشق.
وبخصوص موضوع الثروات والموارد التي تديرها الإدارة الذاتية بحكم الأمر الواقع، والتي تعرضت بسببها للعديد من الاتهامات، من أنها (تسرق) النفط وتبيعه لدول الجوار، حارمةً الشعب السوري الذي يخضع لسيطرة النظام منه، على الرغم من أن أي مطّلع منصف يعرف أن معظم آبار النفط في هذه المنطقة التي تم تحريرها من داعش والإرهاب بعد سنوات طويلة من المقاومة، تم تدميرها وهي خارجة عن الخدمة، وأن الطاقة الإنتاجية ضعيفة، وكل ما هو موجود بالكاد يتم استهلاكه للحاجة المحلية، والقسم الآخر يتم استخدامه من أجل الداخل السوري، فقد أكدت المبادرة أن هذه الثروات ملكٌ لجميع السوريين دون تمييز.

ولم تنسَ المبادرة النازحين والمهجرين، سواء في الداخل السوري أو في الشتات، حيث أعلنت استعدادها لاستقبالهم وفق إمكاناتها المتاحة على الرغم من التهديدات والهجمات التي تواجهها.
وبتقديري أن هذا البند يمثل قمة الرومانسية السياسية؛ فالنازح داخل البلاد لا تغريه عملية نقله من مخيم إلى آخر؛ لأن الظروف متشابهة. كما أن إمكانات الإدارة الذاتية في ظل الحصار الذي تعاني منه، والتهديدات التركية التي لم تنقطع، تُعدّ متواضعة. لا سيما أن قسماً مهماً من ريع مواردها مخصص لمواجهة العدوان والتحضير للتصدّي له وما يكبّدها ذلك من نفقات. أما المهجرون خارج البلاد، وخاصة المقيمون منهم في الدول الأوروبية، فإن احتمال عودتهم في ظل عدم الاستقرار وتخبط البلاد بأوضاع معيشية صعبة ضعيف جداً، وغالباً لن يقبلوا بالعودة ويفضّلوا أرض البلاد على ما (ينعمون) به في بلاد الغربة على علّاتها.
وربما جاء هذا البند في المبادرة لتكريس مفهوم أن الإدارة الذاتية صادقة في لمّ الشمل، وجادّة في المساهمة بحلّ مشكلة هذا الملف الإنساني.
وفي رسالة إلى الجار التركي؛ فقد أكدت الإدارة الذاتية أنها ليست ولن تكون معادية للشعب التركي. وما يجري حالياً من خصومة بين الدولتين السورية والتركية؛ سببه السياسات والإجراءات العدوانية لحكومة تحالف حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية، وعندما ينتهي احتلالها للأراضي السورية وتكفّ عن التدخل في الشأن السوري، فسوف يعود الأمن والسلام ليسود علاقة البلدين الجارين.

وأكدت المبادرة على أهمية القرار (2254) وجميع القرارات الأممية ذات الصلة، المتعلقة بحل الأزمة السورية سياسياً. ولو أن صياغة العبارة فيما يتعلق بالقرار المذكور لم تكن موفقة، وقد توحي للقارئ بأنها ذُكِرت رفعاً للعتب.
نحن نعتقد أن مفتاح التغيير الجذري الشامل والعميق لكافة بُنى النظام يكمن في الاستناد إلى هذا القرار الدولي الذي ينص على تشكيل (جسم انتقالي - حكومة انتقالية) تشمل النظام والمعارضة، وعلى تغيير المنظومة التشريعية وفي طليعتها الدستور، وعلى الإفراج عن المعتقلين السياسيين ومعرفة مصير المفقودين، وأخيراً إجراء انتخابات نيابية ورئاسية بموجب قانون انتخاب جديد وعصري وبإشراف الأمم المتحدة، وذلك بعد مضي سنة ونصف من تشكيل الحكومة الانتقالية.

وأخيراً، وليس آخراً، يعلم القاصي والداني أن الإدارة الذاتية كانت مستبعدة طوال الأزمة من أي نشاط تفاوضي متعلق بحلّ الأزمة السورية؛ من تاريخ صدور القرار الأممي رقم (2254) عام 2015 مروراً بلقاءات دول الترويكا (روسيا وإيران وتركيا) الكثيرة في أستانة وسوتشي وتشكيل اللجنة الدستورية.. وحتى تاريخه.
وهذا الاستبعاد غير المبرر لم يصبّ يوماً في مصلحة حل الأزمة السورية بأي شكل من الأشكال.
فها هي قد أطلقت هذه المبادرة التي تدعو إلى تأسيس نظام إداري سياسي ديمقراطي تعددي لا مركزي يهدف لإخوة الشعوب، ويحفظ حقوق الجميع دون استثناء، في منطقة متعددة الأعراق وموطن لأعداد كبيرة من السكان العرب والكرد والسريان والآشوريين والتركمان والأرمن والشيشان واليزيديين، لا إلى مشروع عنصري أو قومي. فقد أكدت الحياة أن المركزية الإدارية الشديدة لم تعد تصلح لإعادة بناء الدولة، وعندما تدعو إلى إدارة لا مركزية على غرار الكثير من دول الغرب، وحتى بعض الدول العربية كالإمارات العربية المتحدة، فهي تهدف للوصول إلى:
"النموذج الاجتماعي الديمقراطي والبيئي المبني على حرية المرأة وحماية البيئة، المطبّق في مناطقنا، وهو الكفيل بتشكيل مرتكز ولبنة أساسية للتوصل إلى حل للأزمة في سوريا، وتقديم الحلول الناجحة لكلّ القضايا التي يعاني منها المجتمع السوري".

وتبقى مبادرة الإدارة الذاتية إحدى وجهات النظر في حل الأزمة السورية. وأعتقد أنه من خلال لقاء وحوار القوى والأحزاب والشخصيات الوطنية المؤمنة بالحل السياسي، مع ممثلي النظام وبوجود راعٍ أو ضامن دولي لتنفيذ ما سوف يُتفَق عليه، يمكن أن نصل إلى قواسم مشتركة تجعلنا نقترب من بعضنا أكثر، وصولاً إلى سوريا جديدة؛ علمانية وديمقراطية ولا مركزية وعادلة وقوية.
فهل ستستجيب حكومة دمشق لهذه المبادرة ويبدأ الحلّ السياسي للأزمة السورية التي طالت كثيراً، لينعم أبناء الوطن ببداية النهاية لآلامه ومعاناته، ونضمن عدم تكرار الأزمة مستقبلاً؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استعدادات دفاعية في أوكرانيا تحسبا لهجوم روسي واسع النطاق


.. مدير وكالة المخابرات الأميركية في القاهرة لتحريك ملف محادثات




.. أمريكا.. مظاهرة خارج جامعة The New School في نيويورك لدعم ال


.. إطلاق نار خلال تمشيط قوات الاحتلال محيط المنزل المحاصر في طو




.. الصحفيون في قطاع غزة.. شهود على الحرب وضحايا لها