الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هِيَ أشْياء تحدثُ وكفى

عبد الله خطوري

2023 / 4 / 23
الادب والفن


تقصدُ المِرآةَ المعلقة في الحمام.تنظر. تتمعن.تمسح آثارًا ما بَدَتْ لها على الزجاج. تصفف شعرها.تسوي فستانها. تعمد إلى إبراز ما تبقى من فتنتها بعد سنين عديدة قضتها في الكفاح بكل ما تملك من غال ورخيص من أجل ضمان لقمة عيش في زمن صعب جدا.في البداية _والحق يُقال_ لم يكن دافعها إلى ذلك كسب الرزق، وإنما نزق الشباب وشيء من شبق أحست به وهي بعد فتاه، فكانت أولى مغامرتها مع آبن البلدة القريب من منزلهم في قرية الجبل النائية عن المدينة.كان يحبها، ذلك ما قاله، وهي صدقته، وكيف لا تصدقه وهي كانت في أمَسِّ الحاجة إلى سماع مثل ذلك الكلام الجميل الذي يُتَوِّهُ القلب والعقل معا من شاب وسيم يافع قوي مليئ بالحيوية يهصرها بين أحضانه، فتُحِس نفسَها محاصرة بحنان طالما آفتقدته في طفولتها.كان يحسن معاملتها .. معه، تنسى العالم وما فيه من نكد .. تسافر بين ذراعيه تجوب المزارع والأدغال في غفلة عن الرقباء .. كانت عيناه أول شيء لفت نظرَها فيه في كل لقاءاتهما .. سوداوان بِهالة من وَميض وألق نفاذين .. ينظر إليها تلك النظرة الخاصة الفشي شكل، فيتزلزل كيانها كله .. كانت سهاما، بل نبالا، بل شُهبا من نار ونوار تخترق أحشاءها كمُدًى حادة تستقر في شغافها بردا وسلاما.لقد كانت مجنونة بهما به وبكل ما يحفه ويحيط به .. تلك الأيام الأولى من الوله الأول مرقتْ سريعة خاطفة وسعيدة .. ناولته ما أراد، وأخَذَتْ هي الأخرى ما كانت تصبو إليه .. شاب يهتم بها يعملها كإنسانة من لحم ودم وشعور يناجيها يُشبع رغبات مكبوتة في جسدها ماذا تريد أكثر .. معه، أدركَتْ معنى العتق من حصار الشرنقات القميئ، وكيف يصعد المرء قمم الأعالي حيث الوعول والخيول المتوحشة تتعالق والأتربة المصهدة بحَرِّ الشموس والأشجار العملاقة .. هناك يمكث ردْها من الزمن منتشيا بأفياء القرمز والبهاء، يغني مع الحساسين، يرقص والماعز البري، يغوص في غيابات السدف غائبا عن هذا العالم وأشيائه السخيفة .. أحبك أحبك أحبك.. كانت تهتف لاهثة منتشية بكل قطرة من عرق تنهمر من صدره على نهديها النافريْن ياحسراه كان يعصر حلاوتها مثل برتقالة طازجة طرية مشلحة بها مزازة بطعم خاص يضعها بين حقويه يضغط يرتشف رواء آلصبا الذي لن يعود يدفع يهوي بكل ثقله إلى الأسفل ثم يصعد من جديد إلى أعلى عليين يسمو فتمسك هي بأغصانه تتشبت بوريقاته الملقاة بسخاء على الضفاف والحوافي والأودية والجرف بين مد وجزر تعلو التلال تنحدر تتموج بسلاسة متوحشة غاضبة جائرة ساخطة .. كانت الدوائر القرمزية تطفر من عينيها المغمضتين، وكانت السماء تضحك والبدر يغني وجناديب المساء تعزف لحنا رائقا شيقا .. نداوة آسْتَشْعَرَتْها بِلَذَّةٍ غريبة كحُلم آلمعتوهين كنشوة اليرقات تزيح غشاوتها تحلق طيرانها الأول بأجنحة الحياة ترفرف ..آآه.. كَـكَرْكَرَة الصغار الذين لا يأبهون بمشاكل الكبار ومتاعبهم .. أحبك أحبك أحبك .. ذلك الصوت الجامح الثائر يخرج من أعماق أعماقها منتصرا ظافرا بعد أن أنهكه الغرق في سراديب المتاهة .. خَدَرٌ كالسكر كالشهد كالعسل نمَّلَ كل شبر في جسمها الفاتر، فآستسلمتْ للدوار يغشيها في يَم في ضباب في غبش لا تتبين فيه أي شيء .. ما أحلاها ظلمة تغطس فيها العيون لا ترى غير مُقلٍ تتلولب تدور تستدير تغوص تَعْرُجُ بلا هداية تستكين في عَمًى رغيد لا يَرَى لا يُرى تنام في دَعة هناك تشط في الغياب لا تؤوب أبدا .. كل شيء كان في بدايته .. الفتوة البأس الجأش العنف العنفوان وصولة الانتشاء .. لقد مضى كل ذلك الآن، لكنها غير نادمة .. لقد عاشت لحظتها كفَراشة بربيع قصير في أويقات خاطفة مع رَجُلها الأول ستظل عالقة بذاكرتها لا تبرح حناياها .. إنها الإشعاع والبريق الوحيد في حياتها .. أوووف .. غير أن الأمور، بعد رحيل العزيز الغالي إلى البلد السحيق، انقلبت على رأسها وحدها بعد أنْ نجح هو في الحصول على أوراق خولتْ له أن يصبح فاكَنْسِيُا/عاملا بالخارج يزور البلدة صيفا فقط، ويطوف في أرجائها مزهوا بريشه الجديد كديك رومي سخيف، بينما ظلت هي الدجاجة دجاجة وكفى .. فمثله يستطيع إدراك ما يريد من شقراوات وحسنوات، فكيف ستثيره آمرأة بلدية محنطة في قشرتها الغليظة كبطيخة خريف أدركها آلبوار .. لكن، رغم كل ما حدث ،فهي ليست نادمة على حتى حاجة ..بالزعـط.. قالت للمرأة الماثلة كالشبح أمامها .. حركتْ كتفيها بطريقة لا مبالية .. تنفستْ بعمق .. هي أشياء تحدث وكفى ..بالزعـط.. الله يلعن بوها همـزة هادْ الدنيا وخلاص ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج عادل عوض يكشف كواليس زفاف ابنته جميلة عوض: اتفاجئت بع


.. غوغل تضيف اللغة الأمازيغية لخدمة الترجمة




.. تفاصيل ومواعيد حفلات مهرجان العلمين .. منير وكايروكي وعمر خي


.. «محمد أنور» من عرض فيلم «جوازة توكسيك»: سعيد بالتجربة جدًا




.. فـرنـسـا: لـمـاذا تـغـيـب ثـقـافـة الائتلاف؟ • فرانس 24 / FR