الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إقرؤوا الأدب تصحوا...

عزالدين بوروى

2023 / 4 / 24
الادب والفن


"واش باغي تخدم ، اختر شعبة العلوم" ، "واش باغي تربح فلوس صحيحة، اختر شعبة العلوم" ، " عنداك تختار شعبة الآداب راها شعبة ديال الكسالى..."
بهذه الطريقة يتم توجيه تلميذات وتلاميذ مؤسساتنا العمومية، هكذا يتم اختزال شعبة الآداب في عبارات قدحية صريحة مؤداها أنها شعبة من لا شعبة له، واختيار من لا اختيار له، وأنه لا يقبل عليها إلا أولئك العاجزين عن حل معادلات الرياضيات والمتتاليات الهندسية والحسابية. في زمن "التوجيه من اختصاص العوام" أصبح الأدب ملاذا لمن لا رغبة له في إتمام دراساته العليا أو لذلك الطالب المحدود الأفق . لكن السؤال الذي يطرح نفسه : هل هؤلاء الذين يلعبون دور الموجه على دراية بما تحمله عبارة الأدب من معنى ،أم أنهم فقط يلعبون دور المفتي في أمور لا علم ولا معرفة لهم بها؟
وأنتَ تلعب دور الموجه ،سواء لأبنائك أو لأبناء الجيران أو لأبناء العائلة، وقبل أن تحاضرهم عن الفيزياء والكيمياء والرياضيات ، لا تنسَ أن تذكر لهم أهمية الأدب في حياتهم وكيف أنه يعمل على توسيع إدراكهم ، بل الأكثر من ذلك أنه يزيد من إنسانيتهم.
ما الأدب إذن، يجيب جون سذَرلاند في كتابه "مختصر تاريخ الأدب" أنه( أي الأدب) العقل البشري في أقصى قدراته على التعبير عن العالم المحيط بنا وتفسيره، إنه يوسع عقولنا وحواسنا إلى الحد الذي نستطيع به أن نتعامل مع التعقيدات". أما في المعجم الوسيط لصاحبه إبراهيم أنيس فنجد أنه عرّف الأدب بأنه : رياضة النَّفس بالتعليم والتهذيب على ما ينبغي. وجُملة ما ينْبَغي لذي الصِّناعة أو الفن أن يتمسك به، كأدب القاضي، وأدب الكاتب. و الجميلُ من النَّظم والنَّثر، و كل ما أنتجه العقل الإنْسَاني من ضُروب المعرفة. وعلوم الأدب عند المتقدِّمين تشمل: اللغة والصَّرف، والاشتقاق، والنَّحو، والمعاني، والبيان والبديع، والعَروض، والقَافِية، والخَطّ، والإنشاء، والمحاضرات... وتطلق الآداب حديثا على الأدب بالمعنى الخاصّ، والتاريخ والجغرافية، وعلوم اللسان، والفلسفة.
قبل أن تتهكم على الأدب وتختزله في مجموعة مركبة من الحروف الأبجدية تذكر أن هذه الحروف استطاعت أن تترك أثراً بليغاً في نفوس شعوب هذا العالم الفسيح. إن هذه الحروف الأبجدية في جميع اللغات هي التي صنعت لنا أجناسا أدبية مختلفة سبرت أغوار النفس البشرية وأيقظت فيها الجانب الإنساني الحقيقي، وهذه الأجناس الأدبية لم تكن إلا القصة،الرواية،الشعر،المسرح،الملحمة، وباقي ما خلده العقل البشري من كتابات مختلفة التصنيف. حينما نقصي الأدب من حياة أبنائنا إننا نكون قد ارتكبنا جريمة مكتملة الأركان في حقهم سيؤدون ثمنها حتى لو سلكوا طريق الرياضيات والهندسة والفيزياء وغيرها من الشعب العلمية التي لا تقل أهمية عن شعبة الأدب.
إننا حينما ننتقد وجهات نظر العوام حول الأدب لا يعني أننا نضرب عرض الحائط أهمية المسالك العلمية من رياضيات وفيزياء وكيمياء ، وإنما نريد أن نؤكد على الأثر الكبير الذي يتركه الأدب في توسيع مدارك وخيال أبنائنا حتى لو اختاروا طريق الشعب العلميةـ إن الأدب يجب أن نحببه إلى أبنائنا في سنوات صباهم الأولى ، كأن نقرأ لهم حكايات ألف ليلة وليلة وهم على أَسِرّتهم يستعدون للنوم، أو كأن نزين لهم البيت بمكتبة جميلة ملأى بالقصص المصورة وروائع الأدب العربي والفرنسي والإنجليزي والروسي ، من مجاميع قصصية وروايات وغيرها . لكم أن تتخيلوا مهندسا معماريا قرأ أروع ما جادت به قريحة الأدب العالمي، ألن تؤثر فيه الأوصاف التي قرأها في سنوات صباه برواية من روايات فيودور دوستويفسكي وهو يصف شارعا من شوارع سان بيطرسبرغ ؟ ألن تساعده تلك الأوصاف مجتمعة على تصميم وإبداع نماذج أزقة وشوارع على درجة عالية من الجمال.
ألمْ يستفد سيجموند فرويد هو الآخر من كتابات دوستويفسكي الأدبية ؟ وهو الذي وصفه بالمعلم الأكبر، حيث أن ما من بحث كان يعكف سيجموند فرويد على دراسته في مجال علم النفس حتى كان يجد أن فيودور دوستويفسكي قد سبقه لتناول ذلك الموضوع في رواية من رواياته.
والآن ، إذا نحن قللنا من شأن الأدب واعتبرنا أن كل مهتم بالشأن الأدبي لا يعدو إلا أن يكون إنسانا كسولا ضعيف الذكاء، فكيف يمكن أن نسمي هؤلاء الكتّاب العظام الذين تركوا عظيم الأثر في نفوس البشر أمثال :شيكسبير،دي ثيرفانتيس، دوستويفسكي ،تولستوي، ديكنز، فولتير،بيكيت، همنغواي...والشعراء العرب الكبار أمثال : امرئ القيس،المتنبي، الفرزدق...وغيرهم من شعراء أوربا كدانتي ورامبو وبودلير وووردزوورث...! كيف إذن يمكن أن نلقب هؤلاء العظماء الذين اخترقت كلماتهم دواخلنا واستوطنت منطقة لاشعورنا شئنا أم أبينا. فهذا هو الأدب ، ودوره هو أن يساعدنا في رؤية الأمور بشكل أوضح، كما أنه يعمل على بيان كيف أن العالم في مجمله بتعقيداته وتناقضاته موجه إلينا كما ورد على لسان الأديب البريطاني جون سذرلاند.
ونحن ننتظر حلول الثالث والعشرين من شهر نيسان/أبريل كي نخلد اليوم العالمي للكتاب، لا ننسى أن نراجع أحكامنا بشأن الأدب ، هي فرصة لنا جميعا كي نصلح علاقتنا بالكتب الأدبية من روايات وقصص وملاحم وغيرها. لنجعل الأدب ديناً لنا ، ونواظب على قراءته ، فربما قد نعيد شيئا مما سرقه منا الزمن الرقمي؛ والذي هو الإعتكاف على مطالعة الأدب.
مجمل القول، إن للأدب دورا فعالا في تغيير ذواتنا قبل تغيير مجتمعاتنا، فالأدب لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم من أحكام مسبقة وآراء جاهزة تجاه قراء أو دارسي الأدب.
وهنا نأتي لنستحضر عبارة شهيرة للكاتبة النيجيرية نغوزي شيماماندا قالتها يوماً في سياق حديثها عن أهمية الأدب برحاب جامعة هارفارد :" لقد اخترت أن أجعل من الأدب دينا لي، لأنه يساعدني في دراسة مجمل تاريخ البشرية" .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد فوز فيلمها بمهرجان مالمو المخرجة شيرين مجدي دياب صعوبة ع


.. كلمة أخيرة - لقاء خاص مع الفنانة دينا الشربيني وحوار عن مشو




.. كلمة أخيرة - كواليس مشهد رقص دينا الشربيني في مسلسل كامل الع


.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا




.. كلمة أخيرة - سلمى أبو ضيف ومنى زكي.. شوف دينا الشربيني بتحب