الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مرايا الغياب/ بشير البرغوثي 5

محمود شقير

2023 / 4 / 24
الادب والفن


عرفته عن قرب حينما سافرنا معاً إلى الصين صيف العام 1991.
خرجنا معاً إلى مطار الملكة علياء. من بيت أخته في جبل عمان خرجنا إلى المطار. كان الوقت ليلاً. في المطار، جلسنا في صالة الشرف لأننا من مسافري الدرجة الأولى. في الصالة، تحدثنا في السياسة. تحدث بشير باستفاضة. تحدث عما تواجهه الأحزاب الشيوعية من أزمات في زمن البيريسترويكا، وعن ضرورة تخطي هذه الأزمات أو التقليل من تأثيرها السلبي. تحدث عن السياسة في فلسطين. تحدث عن السياسيين، عن ثباتهم وعدم ثباتهم على مواقفهم. تحدث عن الصدق في المواقف وعن عدم الصدق في المواقف. انتهينا من حديث السياسة ونهضنا متوجهين إلى الطائرة.
وصلنا بانكوك، وكان يتعين علينا أن ننام فيها ليلة واحدة، ثم نستأنف السفر إلى الصين. توجهنا إلى أحد فنادق المدينة حيث تم حجز غرفتين لنا فيه. وبعد أن استرحنا بعض الوقت في الفندق، خرجنا للتجول في المدينة. كانت بانكوك في ساعات المساء حافلة بالنشاط وبازدحام حركة السير في الشوارع، وكان الطقس حاراً أكثر مما ينبغي.
ذهبنا إلى متجر متخصص في تفصيل البدلات والقمصان. صاحب المتجر هندي يتحدث الانجليزية. اتفقنا معه على تفصيل بدلات من قماش فاخر وقمصان من حرير لاعتقادنا بأن الأسعار هنا معتدلة. دفعنا له جزءاً من ثمنها ووعدناه بدفع الباقي لدى عودتنا من الصين. بحثنا عن مطعم تناولنا فيه وجبة من السمك. دعونا معنا على العشاء شاباً فلسطينياً كان معنا في الطائرة، وهو مسافر إلى الصين لإحضار بضائع لمتجره في عمان. بقينا وقتاً غير قليل في المطعم الفسيح الغاص بالزبائن. أمضينا وقتاً طيباً هناك.
حينما غادرنا الصين، كان يتعين علينا أن ننزل في مطار بانكوك، وأن نقضي ليلة واحدة في المدينة، ثم نستأنف السفر عائدين إلى عمان. توجهنا إلى فندق في المدينة، قام المضيفون الصينيون بحجز غرفتين لنا فيه. وصلناه في الليل، وكان الوقت متأخراً، فلم نخرج إلى أي مكان.
في صباح اليوم التالي، تناولنا فطورنا في مطعم الفندق، ثم ذهبنا إلى متجر الخياط الهندي، استلمنا البدلات والقمصان ودفعنا ما تبقى من أثمانها (شعرنا في ما بعد بأننا تسرعنا في تفصيل هذه الملابس، لأن الهندي لم يتقن عمله على النحو المطلوب. قال بشير مازحاً: نرتديها في المناسبات غير الرسمية، ولن يلحظ أحد ما فيها من عيوب)، ثم اتجهنا إلى المطار، وعدنا في الطائرة إلى عمان.
في الصين، مشينا معاً فوق سور الصين العظيم، ومشينا غير مرة في شوارع بكين وساحاتها الفسيحة. جلسنا مراراً نتبادل أطراف الحديث في صالة الفندق الذي استضافتنا فيه قيادة الحزب الشيوعي الصيني. وبشير لا يتصنع المواقف كما بدا لي عن قرب. يمارس حياته اليومية في بساطة، يصغي إليه قادة الحزب الصيني وهو يتحدث في الشأن السياسي، ثم يقول لي كاشفاً عن تواضعه في نهاية كل اجتماع: قلنا ما عندنا ولم يعد لدينا شيء آخر نضيفه. إلا أنه كان في كل اجتماع جديد يجد ما يضيفه، وكان في الوقت نفسه، معنياً بالتعرف على أبعاد التجربة الصينية في شكلها المعدل الحديث.
وحينما كنا نزور بعض المؤسسات الثقافية لمقابلة أدباء وفنانين، يقول: جاء دورك في الكلام، فيترك لي المجال لكي أتحدث، ولكي أستفسر عن واقع الحياة الثقافية في الصين. وفي الساعات التي لا تكون فيها اجتماعات، كنا نفترق وقتاً، ونلتقي وقتاً آخر، فيكون ذهنه مشغولاً بما يجري في الاتحاد السوفياتي في تلك الأيام التي شهدنا فيها انقلاباً عسكرياً لم يتكلل بالنجاح على سلطة غورباتشوف، وهو الانقلاب الذي مهد السبيل لظهور يلتسين على مسرح الأحداث.
وفي أوقات أخرى، كنا نبتدع سخريات مشتركة إزاء بعض القضايا والمواقف. سخريات من النوع الذي لا يؤذي أحداً ولا يخدش كبرياء أحد.
يتبع...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟


.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا




.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس