الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف تستعبد شعبًا في ثلاث خطوات

فيصل الماجد

2023 / 4 / 24
كتابات ساخرة


تحرص الدول الاستعمارية على أن تبقى الدول الأخرى ضعيفة خائرة القوى تعصف بها الأزمات وتقيدها الأغلال؛ حتى تسيطر عليها وتمتص خيراتها وتجعلها تابعة لها تدور في فلكها، وحتى تضمن عدم دخولها في مضمار الدول المنافسة لها.
ولكي تحقق تلك الدول مآربها؛ فلا بد أن تخطو خطواتٍ ثلاثًا من خطوات الشيطان. ولكن إذا كان زعيم الدولة المستهدَفة رجلًا وطنيًّا من الطراز الأول، محبًّا لشعبه، عاشقًا هائمًا بوطنه لا همّ له إلا الصعود به في مدارج العزة والكرامة والرقي والازدهار، إذا كان الزعيم كذلك؛ فلن يجرؤ أحدٌ على أن يخطو خطوة واحدة تنال من تلك الدولة المحصّنة بقائدها المخلص، فضلًا عن أن تخطو الخطوات الشيطانية الثلاث.
إذن فعلى الدولة الاستعمارية تلك أن تزيح هذا الأسد الذي يحمي الدولة الهدف، وتنصّب مكانه تابعًا مطيعًا هو من ربائبها وصنائعها، والتاريخ مليء بحالات الاستبدال هذه، ولا مندوحةَ لذكر أمثلة على ذلك. ويُفضَّل أن يكون هذا الزعيم الجديد متدثِّرًا بعباءة العَداء للدول الاستعمارية، يكيل لها الشتائم صباحَ مساءَ حتى تطغى رائحة عطر الثوروية على رائحة العَمالة النتنة. فإذا ما كان هذا الزعيم ديماغوجيًّا متمرِّسًا، كثير الخطب المنبرية، عازفًا بمهارة على الأوتار الحساسة لشعبه؛ كلما كان كذلك فهو (عز الطلب) وسينال الرضا التام من أسياده، ويضمن البقاء في سدّة الحكم حتى يأتي عزرائيل فيقتلعه كما تُقتلع الشجرة الخبيثة.
والآن ليس على تلك الدولة الاستعمارية إلا أن تضع قدم عميلها على الطريق ليمضي في إكمال الخطوات الثلاث المدمّرة لشعبه، وليست المصلحة للدولة الاستعمارية فحسب؛ يل سيستفيد هو من سهولة قيادة شعبه كما يُقاد القطيع، بعد أن يجهز على إنسانية شعبه كما سنرى.
أولى تلك الخطوات هي تقويض اللبنة الأساس في بناء أي مجتمع، ألا وهي الأسرة، وهذه الخطوة لا تحتاج كبير جهدٍ لتنفيذها؛ إذ يكفي إخراج المرأة من مملكتها الصغيرة والزجَُ بها في سوق العمل لتُطحن فيه حتى لا تجد وقتًا ترعى فيه زوجها وأبناءها، ولا يحتاج إخراجها من خدرها إلا إلى تضييق سبل كسب الرزق للرجل، حتى يستجدي المرأة أن تخرج للعمل لتسانده، مع أنه لا يجب على المرأة الإنفاق على البيت، ولكن للضرورة أحكامها، وبهذا يتخلخل تماسك المجتمع بعد انتزاع وتده الأقوى.
غير أن ذلك غير كافٍ تمامًا؛ فهناك لبنة أخرى يمكن أن ينبني عليها جيلٌ قويٌّ يهدد كرسيّ الزعيم، ألا وهو التعليم المتفوق، فقد يتخرّج فيه نشءٌ واعٍ متفتّح مطلع على التاريخ والسياسة والاقتصاد، وأيضًا - والعياذ بالله - الحرية والعدالة. لذلك سيكون لزامًا على الزعيم أن يدمّر هذا العرين حتى لا تلتهمه الأسود، فتراه يسطّح المناهج بحجة تطوير التعليم، ثم تراه يضيّق على المعلِّم في معيشته بضآلة المرتّب، وفي بيئة عمله بمبانٍ متصدعة ومستلزمات تعليم بائسة، ومكانة اجتماعية متدنية، بعد أن كان يُقام له تبجيلًا ويكاد أن يكون رسولًا، كما قال أمير الشعراء. وانظر عزيزي القارئ إلى ترتيب الدول المستهدفة من حيث جودة التعليم ضمن دول العالم، وسيتضح لك ما أقول.
يبدو أن الأمور تسير على ما يرام حتى الآن؛ فقد أصبح جيل الشباب، وهو الجيل الأخطر على الزعيم، أصبح جاهزًا للسير مع القطيع؛ ولكنّ هناك مصدرًا آخر يستمد منه الشباب العلم والمعرفة والمبادئ الفاضلة التي تهدد أمن الزعيم، إنهم القدوات، نعم القدوات، وهم جيلٌ قد تربى على يد الزعيم الوطني المغدور، ونشأ في بيوتٍ كانت الأم فيها مدرسةً تُعِدُّ شعبًا طيب الأعراقِ، كما قال حافط إبراهيم. إضافة إلى ذلك فإن ذلك الجيل قد تعلم في مدارس كانت مناراتٍ تهدي السائرين، يعمل فيها معلمون ذوو هيبةٍ تضارع هيبة الوزراء، وذوو مكانة سامية في المجتمع. إذن ما الحل إذا كنا نرى علماء دين وسياسة واقتصاد وتاريخ، يلتف حولهم الشباب ويعتبرونهم مُثُلًا عُليا ورموزًا تُحتذى؟ الحل يسير يا فخامة الزعيم، قم بمحاربة تلك القدوات بطريقتين: الطريقة الأولى شيطنتهم بالتخوين والعَمالة لجهات معادية، وتلطيخ سمعتهم من خلال الإعلام المأجور. فإذا نجحت هذه الطريقة كان بها، وإن لم تنجح فلن تضيق السجون الكثيرة عن ابتلاعهم وإخفائهم عشرات السنين بعد أن يتم تلفيق التهم وتزوير القضايا وتغليظ الأحكام، ويُحبَّذ الإعدام؛ ليكونوا عبرة لغيرهم من المتلبسين بتهمة الشرف والغيرة الوطنية.
والآن، وقد تم تنفيذ الخطوات الثلاث، وأصبح الشعب جاهزًا للسير خلف الزعيم دون إرادة؛ فإن من حق الزعيم أن يستدعي الشاعر طرفة بن العبد لينشد بين يديه أرجوزته التي قالها في صباه:
خلا لك الجو فبيضي واصفُري
ونقّري ما شئت أن تنقّري
قد رحل الصياد عنك فابشري
ورفع الفخ فماذا تحذري؟!
وسيُحجِم الشاعر عن إنشاد البيت الأخير من الأرجوزة خوفًا من بطش الزعيم، وسيردد مقولته الشهيرة: حال الجريض دون القريض.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احمد حلمي على العجلة في شوارع روتردام بهولندا قبل تكريمه بمه


.. مراسل الجزيرة هاني الشاعر يرصد التطورات الميدانية في قطاع غز




.. -أنا مع تعدد الزوجات... والقصة مش قصة شرع-... هذا ما قاله ال


.. محمود رشاد: سكربت «ا?م الدنيا 2» كان مكتوب باللغة القبطية وا




.. جائزة العين الذهبية بمهرجان -كان- تذهب لأول مرة لفيلم مصري ?