الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سلبيات وسائل التواصل الاجتماعي

صبري فوزي أبوحسين

2023 / 4 / 25
الادب والفن


لا ريب في أن عالم ما بعد الألفية الثانية يعتمد بشكل كبير على استثمار الشبكة الدولية للمعلومات (إنترنت) وتوظيف التقدم التكنولوجي، في مجالات كثيرة من حياتنا.
وكلما ازداد هذا التقدم وكثرت مجالات حضوره، أثر في تغيير نمط حياة الناس وطريقة تعليمهم وتثقيفهم وتربيتهم، وتشكيلهم الروحي والعقلي والخلُقي. وهذا ما يجعل مدارسة موضوع وسائل التواصل الاجتماعي التكنولوجي ضرورة حتمية، ويستدعي منا أن تكون مدارسة قائمة على حوارصريح شجاع على كل المستويات، وفي كل مواقع التربية والتعليم والتثقيف والدعوة والإعلام: في البيوت، والأندية، وأماكن تجمع الناس، وفي المدارس، وفي الكليات وفي الجامعات، وفي دور العبادة، وفي الأجهزة المسؤولة عن الإعلام في وطننا...
وتعد وسائل التواصل الاجتماعي( (Social media) الأداة التكنولوجية الأكثر تأثيرًا الآن، وهي مصطلح مركب إضافي وصفي، مكون من ثلاثة ألفاظ: الأول موصوف، وهو (وسائل) وتعني الأدوات، والثاني مصدر مضاف إليه وهو (التواصل) ويعني التلاقي، والثالث مصدر صناعي صفة، وهو (الاجتماعي) وتعني البَشَرِي.
وهذا المصطلح (وسائل التواصل الاجتماعي) يعني في مجمله: ﻤﺠﻤﻭﻋﺔ ﻤﻥ ﺘﻁﺒﻴﻘﺎﺕ ﺍلإﻨﺘﺭﻨﺕ ﻴﺘﻡ ﺒﻨﺎﺅﻫﺎ ﺒﺎﺴﺘﺨﺩﺍﻡ ﺘﻜﻨﻭﻟﻭﺠﻴﺎ ﺍﻟﻭﻴﺏ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺘﺴﻤﺢ ﻟﻠﻤﺴﺘﺨﺩﻤﻴﻥ ﺒﺘﺒﺎﺩل ﺍﻟﻤﺤﺘﻭى ﺍﻻﺘﺼﺎﻟﻲ، ﺃﻱ ﺃﻨﻬﺎ ﺘﻁﺒﻴﻘﺎﺕ ﺘُﻤَﻜِّﻥ ﺍﻟﻤﺴﺘﺨﺩﻤﻴﻥ ﻤﻥ إنشاء صفحات أو ملفات شخصية، تربطهم بأصدقائهم، وتمكنِّهم من التواصل معًا، من خلال تبادل الرسائل الشخصية عبر البريد الإلكتروني الخاص بالملف الشخصي للمستخدم، أو من خلال ترك التعليقات المختلفة التي يتشارك فيها المستخدمون، وقد تحتوي الملفات أو الصفحات الشخصية على صور أو ملفات فيديوهية أو ملفات صوتية! ويقسم باحثون مصطلح (وسائل التواصل الاجتماعي) إلى قسمين: الأول في كلمة(media) التي تَعني وسيلة من وسائل الإعلام تتيح التواصل أمام الأفراد! والثاني في كلمة (Social)، والتي تعني أن العملية الاتصالية تسير في وجهين: المرسِل المبدِع للرسالة، والمستقبِل المُتَلَقِّي لها، والمبدع لرد فعل تجاهها!
ومن أمثلة هذه المنصات (Facebook)، و((Twitter، و((Snapchat، و(Instagram)، وWhatsApp))، و(YouTube)، ومنها كذلك ما يكون له جانب مهني مثلLinkedIn، وقد تدخل من ضمنها المدونات مثل(WordPress)، و(Blogger).... وغيرها.
وقد أصبح استخدام منصات التواصل الاجتماعي جزءًا أساسيًّا للتواصل اليومي واستقبال المعلومات لكثير من الأشخاص في العالم؛ فهناك من يستخدم مواقع التواصل الاجتماعي وسيلةً للترفيه والتسلية وتقضية الوقت، وربما لإضاعة الوقت، وهناك آخرون أدركوا مدى قوة وسائل التواصل الاجتماعي، فاستخدموها بشكلها الفعال؛ إذ أسهمت في تيسير التلاقي بين البشر وتسريعه، ففور إنشاء الإنسان المستخدم حسابًا إلكترونيًّا يمكنه من التواصل عبر شبكة الإنترنت مع غيره من الأشخاص على مستوى العالم إلكترونيًّا؛ لمشاركة المعلومات والأفكار والآراء والرسائل ...وغيرها من أنواع المحتوى الرقمي: المكتوب والمرئي والصوتي وما يرفق به من ملفات ومعارف ومعلومات وإحصاءات.
وكل يوم يزيد عدد المهتمين بهذه الحالة التواصلية الإلكترونية الرقمية حتى صارت شعبية جماهيرية، فلا تقتصر على النخبة في المجتمع من باحثين وأدباء ونقاد وفنانين ومبدعين، بل شملت العامة من الناس: متعلمين أوأميين، صغارًا وشبابًا وكبارًا، في البلد الواحد، أو في أي دولة أو في أية بقعة من أنحاء العالم وبقاعه.
ومن ثم ظهرت إشكالية فكرية مثارة في الآونة الأخيرة تدور حول الموقف الحضاري والثقافي لكل أمة ودولة من هذه الحالة الكونية سلبًا وإيجابًا، جمودًا وانفتاحًا، إهمالاً وتوظيفًا، فائدة وضررًا، وأظن أننا- في ظل الجمهورية الجديدة لمصرنا- تجاوزنا مرحلة الجمود والسلبية والإهمال، ... وغير ذلك من مظاهر التخلف والرجعية، وأننا ننتقل إلى مرحلة التعامل المنفتح الإيجابي المفيد الفاعل من هذا التحول الرقمي الحياتي والكوني، شريطة أن نعصم أنفسنا جميعًا، لا سيما جيل الشباب، من السلبيات المدمرة الموجودة خلال التعامل مع هذه الوسائل..
ولعل في ذلك ما يدعو إلى أن نهتم- مؤسسيًّا وشعبيًّا- بتقديم صورة مصرالعريقة والأنيقة في عالم ثقافة الصورة وعالم وسائل التواصل الاجتماعي، التقديمَ المنهجيَّ الأمثلَ، بأن نُوظِّف هاته التقنيات التكنولوجية في كل ما يحمي ثوابتنا، ويعلن عن هويتنا، ويواجه كل ثقافة مُسيَّرة مُوجَّهة، أو مُضادَّة عدائية أو مُضلّلة خادعة، تستهدف الأجيال الشابة أو العوام!

سلبيات وسائل التواصل الاجتماعي
لوسائل التواصل الاجتماعي سلبيات كثيرة تضر الفرد والأسرة والمجتمع، بل والوطن كله، ويمكنني أن أحددها في الآتي:
1 سلبيات تضر النفس:
وهي عادات تضر الفرد المدمن هذه الوسائل في نفسيته وتنال من روحه وهِمَّته، وتتمثل في إصابته بأمراض نفسية وعصبية خطيرة كالقلق والاضطراب، والاكتئاب، وقد يصل الفرد المدمن لهذه الوسائل إلى مرحلة اليأس والقنوط والإحباط؛ وذلك بسبب عدم الرضا بالنفس وعن النفس، وعدم الثقة بها، وعدم قبول واقعه المعاش، بسبب المقارنة بالغير. وما أصدق قول الشاعر سلم الخاسر(ت180هـ) في التعبير عن هذه الحالة النفسية المحطمة وخطورتها:
من راقب الناس مات هما
وفاز باللذة الجسور
2 سلبيات تضر الجسد:
وتحدث بسبب انشغال الإنسان بهذه الوسائل المُلهية انشغالاً كبيرًا حتى ينسى الطعام والشراب، وتتقلب مواعيد نومه ويقظته، ويلتزم المكتب أو المكان الذي به وسيلة التواصل فينسى الحركة والرياضة...إضافة إلى متطلبات جسده الأساسية الأخرى، مما يؤثر على جسده بأضرار وأمراض تتمثل في نحافة مفرطة أو سِمنة عالية أو تقوس في ظهره أو أعضائه الأخرى، أو تصلب العمود الفقري... وغير ذلك من الأمراض الجسدية الناجمة عن هذا الإدمان التكنولوجي!
وقد تسبب هذه الوسائل في تجاهل الإنسان النظافة الشخصية حيث لا يهتم بشعر رأسه وأعضاء جسده الأخرى، وهذا صرنا نراه في بعض الشباب غير المبالي في شكله في الأماكن والمواصلات العامة والخاصة!
3 سلبيات تضر العقل:
حيث أثبت دراسات علمية عالمية أن مدمني وسائل التواصل الاجتماعي لمدة ثلاث ساعات يوميًّا يكونون عرضة لخطورة عقلية كبيرة تتمثل في مشكلات خاصة بالصحة العقلية، فضلاً عن التلوث الفكري عن طريق المحتوى القائم على الفهم المغلوط، والمحتوى السيء الإباحي، والمحتوى الإرهابي، والمحتوى المعادي لثوابتنا وهويتنا، والفتاوى الشاذة، والفتاوى الضالة والمضلة، مما يوقع في الفِتَن...
كما يلاحظ في مجال التعليم أن إدمان هذه الوسائل يؤدي إلى تشتيت أذهان الطلاب، وإضعاف مستوى تركيزهم في تلقي العلوم والمعارف بالمدارس والجامعات ودور العلم المختلفة، فنلاحظ تدنِّي المستوى الدراسي، والغياب المتقطع أو المستمر، والتسرب من التعليم!
4 سلبيات تؤثر في الأخلاق:
إن مدمن هذه الوسائل من الأطفال والشباب يُضيِّع وقته، ويُفرِّط في أثمن فترات حياته، وقد يكتسب لغة منحطة، وغالبًا ما يتحول إلى إنسان مستهلك، مسرف، مبذِر، بسفه وخبل وجنون! كما أنه يقع في رذائل كثيرة في التعامل مع أسرته وشارعه، مثل: العنف في أخذ حقوقه، والكسل في أداء واجباته، وعدم الاحترام للآخرين، والتحرش، والتنمر، والوقوع فريسة للآخرين فيتعرض للابتزاز، حيث يتحكمون فيه ويُسيِّرونه في طريق السوء والغواية والفساد والإفساد!
5 سلبيات تضر المجتمع:
وتتمثل هذه السلبيات في مخالفة الآداب العامة، وأحيانًا مخالفة القانون، وفي العزلة، وعدم القدرة على تكوين علاقات متوازنة مع الآخرين، وفي الانشغال عن الأسرة، والتفكك الأسري، وانقطاع صلة الأرحام، وعدم الإحساس بالآخرين، حيث الاعتماد على وهم التواصل الافتراضي الذي لا يغني عن التواصل الحقيقي المباشر بين أفراد الأسرة الواحدة، والشارع الواحد، والبيئة الواحدة، كما يُبتَلى مدمن وسائل التواصل الاجتماعي بالوقوع في البَطالة والعَطالة وعدم الإنتاج، والتواكل والاعتماد على الآخرين في توفير متطلبات حياته الرئيسة من طعام وشراب وملبس... وغيرها!
ويوجد الآن وسيلة تربوية قد تكون مرضًا وخطرًا حقيقيًّا تسمى (ضغط الأقران peer pressure) أو ضغط المجتمع المحيط، وهي هنا تكون مجتمعًا إلكترونيًّا عن طريق هذه الوسائل! وتعني-كما في الموسوعة الإلكترونية الحرة- التأثير الذي تمارسه مجموعة الأقران أو المراقبين أو شخص ما لتشجيع مراهق واحد أو أكثر على تغيير توجهه أو قيمه أو سلوكياته بهدف الامتثال لجماعة أو تيار جديد أو وافد!
6 سلبيات تضر الوطن:
حيث يتلقى مدمن هذه الوسائل أخبارًا مفبركة، أو معلومات مفتراة، أو شائعات، ويتعامل معها على أنها حقائق ووقائع! ويبني حياته عليها، وقد يشارك في نشرها! مما يوقعه ويوقع الآخرين من المواطنين في كوارث وصراعات وشجارات مواقف حادة! بل قد يضر اقتصاد وطنه، وقد يحدث قلاقل أمنية، ومشاكل سياسية، فيتحول إلى منافق أو عميل متآمر أو خائن بطريقة غير مباشرة، وقد تكون غير مقصودة! وقد يجند ضد المصلحة العامة لبلده، وأحيانًا ينشئ المراهقون منشورات دون مراعاة لما فيها من عواقب مسيئة أو مخاوف الخصوصية، وأحيانًا تكون وسائل التواصل هذه ذات دور في الأعمال الإرهابية المدمرة تبريرًا أو تخطيطًا أو تصويرا ونشرًا! مما يؤثر على صورة الوطن في الخارج، فيضر المجال السياحي الذي يقوم بدور حيوي في توفير العملة الصعبة الضرورية في كل اقتصاد ! فضلا عما يسمى السرقات الإلكترونية عن طريق قراصنة الشبكة العنكبوتية الذين يستغلون المعلومات الشخصية فيعتدون على الناس ويوقعونهم في مفاسد أخلاقية أو حياتية أو مادية ....
فما أحوجنا جميعًا إلى أن نتحد في وقفة فردية وجماعية جادة وصادقة في التوعية بما في هذه الوسائل الطارئة والغازية من سلبيات، وأنها تستهدفنا في أخص خصوصياتنا! فلا بد أن نكون حذرين، ومتيقظين، ولنتذكر قول الله تعالى: (يَا أيُّها الذينَ آمنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ)، والمؤمن الحق كيس فطن، لا يلدغ من جحر أو يقع في مصيدة أو فخ أو شَرَك! وعلى كل منا أن يعلم أنه على ثغر من ثغور الإسلام، وثغر من ثغور الوطن، فليحافظ عليه، وليعمل على ألا يُؤتَى من قِبَله!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنانة غادة عبد الرازق العيدية وكحك العيد وحشونى وبحن لذكري


.. خلال مشهد من -نيللى وشريهان-.. ظهور خاص للفنانة هند صبرى واب




.. حزن على مواقع التواصل بعد رحيل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحس


.. بحضور شيوخ الأزهر والفنانين.. احتفال الكنيسة الإنجيليّة بعيد




.. مهندس الكلمة.. محطات في حياة الأمير الشاعر الراحل بدر بن عبد