الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملحوظات في موضوع الإتفاق السعودي الإيراني : توطين النازحين 2

خليل قانصوه
طبيب متقاعد

(Khalil Kansou)

2023 / 4 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


نتابع في هذا الجزء تلمس الأمور التي قد تظهر على الساحة اللبنانية،نتيجة إرتدادت الإتفاق السعودي الإيراني و نحن لا نفصل بينها وبين الساحة السورية . لا بد في هذا الصدد من تبيين وجهة نظرنا بإيجاز حول التيارات السلطوية ـ السياسية التي تجاذبت في التاريخ المعاصر الساحة العربية ،خصوصا في المشرق ، و هي كما نعتقد ثلاثة تيارات تمثل ثلاثة مفاهيم للمسألة العربية :
1ـ المفهوم الإسلامي : الهادف إلى إحياء دولة الخلافة الإسلامية العربية ، بما هي وريثة شرعية لدولة الخلافة العثمانية ، بمختلف الطرق الممكنة من ضمنها الإعتماد على الإستعمار البريطاني . ( الدولة العربية الهاشمية ـ المملكة العربية السعودية ). نذكر هنا أيضا " أمير المؤمنين " في شمال إفريقيا .
2 ـ المفهوم المصري : إحياء دولة الخلافة المصرية العربية ، كبديل للدولة العثمانية و لدولة المماليك من قبلها ، مواصلة أو استكمالا لدولة محمد علي ( دولة الوحدة الناصرية العربية )
3 ـ المفهوم القومي : الذي تعددت ترجماته بحسب تيارات فرعية جعلت من البيئة الثقافية منطلقا للتعرف على الأصل و النسب ، للتشارك معه حيث تتوافر الظروف لذلك و تدعو الحاجة إليه ( القوميون السوريون ، الحركات الوطنية المغاربية في شمال إفريقيا ) . بينما واظبت تيارات أخرى على التمسك بمقولات قومية وحدية أو إتحادية ، شاملة على اساس اللغة و الدين ( البعث العربي الإشتراكي ) .
نكتفي بهذه التوطئة ، فنحن لسنا هنا بصدد البحث في المسائل العقائدية ، لنقول أن هذه التيارات تواجدت على الساحة السورية ـ اللبنانية ، حيث دخلت في صراعات عنيفة فيما بينها تحت تأثير دول المعسكر الغربي دعما للمشروع الإستعماري الإستيطاني الصهيوني ، الذي بدأ العمل على تنفيذه كما هو معروف بالإستعمار المباشر بعد سقوط الدولة العثمانية و ما يزال مستمراعلى شكل تنابذ " ديني " أسطوري . تحسن الإشارة هنا إلى أن مجمل الحركات السياسية القومية التي تصارعت على الساحة المذكورة و في عمقها العراقي ، لم تنجز دولة وطنية حقيقية.
لننتقل من بعد إلى مسألة توطين النازحين السوريين في لبنان .يبدو الأمر لاول و هلة عبثيا ، فأغلب الظن أن دول المعسكر الغربي ، التي تتبنى مشروع التوطين ، تريد الفصل نهائيا بين سورية و لبنان ، بعد أن فرضت إقامة علاقات ديبلوماسية بين البلدين ، حيث أن تمريره يُظهر تدني مستوى الوعي السياسي ، نتيجة "مرض الطفولة الذي ما تزال الحركات السياسية القومية تعاني منه" إذا جاز التعبير .
يتبادر إلى الذهن أن الدول الغربية تسعى عن طريق توطين النازحين السوريين و الفلسطينيين ، إلى تعديل الميزان الطائفي في لبنان ، الذي لم يستطع يا للأسف ، اللبنانيون إلغاءه في حياتهم السياسية و الإجتماعية . بكلام اكثر صراحة ووضوحا ، يريدون إيجاد أكثرية طائفية طاغية يمكن إلحاقها بالخلافة الإسلامية الخليجية بعلاقة تبعية أو بيعة ( التي تدعي أحقية الوصاية على " الأمة العربية ـ الإسلامية" بحسب المصطلح المتداول في أدبياتها  ) منعا لتصحيح العلاقة بين اللبنانيين و السوريين كوسيلة للخروج من المأزق الخانق الذي يتخبطون فيه ، إلى كيان وطني سيد منيع ملائم لإقتصاد إنتاجي و للعيش المشترك .
ينهض السؤال هنا عما ستؤول إليه العلاقة بين فسيفساء الطوائف اللبنانية من جهة ، علما أن الحرب على سورية أظهرت أنها إمتداد لنظيرتها في سورية ، فمن المعروف أن غالبية السكان في لبنان هم سوريو الأصل . هذا إذا إفترضنا أن الرابطة الطائفية تكفي لإندماج عدد كبير من النازحين من طائفة دينية معينة في نسيج إجتماعي مهلهل .
فما يتبادر إلى الذهن لاول وهلة ، هو من أين سيأكل و يشرب الموطّنون و الأصليون في لبنان ، عندما نأخد بعين الإعتبار أوضاع سوق المواد الغذائية و الطاقة و الدواء ، المضطربة ، ناهيك من تردي البنية التحتية و الفوضى و الفساد المستشريين في الإدارة و تعطيل التعليم الرسمي و تزايد أعداد المهاجرين تحت وطأة الضائقة المعيشية . لا سيما ان الضغوط التي يمارسها ممثلو دول المعسكر الغربي المشاركة في الحرب على سورية على أ مراء السلطة الحاكمة في لبنان ، تشجيعا على تسهيل توطين النازحين ، تترافق مع إجبارهم على مقاطعة سورية و إقفال أبواب التواصل معها ، كما لو صارت سورية من وراء اللبنانين و البحر من أمامهم ، بالضد من المنطق و العقل .
من البديهي أن هذا كله يكشف لنا معالم مخطط قيد التنفيذ ، يؤدي إلى ازمة سكانية تتفاقم تدريجيا في ظل نظام غيتو على حي أو ناحية واحدة أو أكثر من البلاد . و نحن نعرف إستنادا إلى تاريخ الإستعمار أن تطبيق نظام الغيتو في أي مكان ، كما في قطاع غزة مثلا ، هو في حد ذاته تعبير عن نية مضمرة لشكل من أشكال الإبادة الجماعية .
لا يمكننا أيضا في سياق التفكر في مآلات " مسألة النازحين " المحتملة ، أن لا نأخذ بالحسبان إحتمال وقوع إقتتال في بعض المناطق بين النازحين الموطّنين من جهة و بين السكان الأصلين من جهة ثانية من أجل إحكام هيمنة الطائفة الأقوى أو الحلول مكان الآخرين و ترحيلهم . مهما يكن ، علينا أن لا ننسى أن الصراع لا يدور في لبنان خلف أبواب مغلقة ، و بالتالي فإن الحسم لا يتحقق بسرعة و إن تحقق فإنه لا يكون دائما . و على الأرجح بهذا الصدد أن كثيرا من التوقعات سقطت نتيجة تبدل المراهنات و متغيرات الظروف . فلقد انتهت الآن حروب غوطة دمشق ، و تدمر و حلب ، و توسطت الصين لإصلاح ذات البين السعودية ـ الإيرانية ، إلى جانب مساع مشابهة مستمرة يبذلها الروس بين سورية و تركيا ، و ما الخلافات بين الدول الخليجية سوى دلالات على عدم تطابق حساب الحقل و حساب البيدر دائما ، لا سيما في الساحة اللبنانية ـ السورية ـ العراقية . ينبني عليه أن الكلام عن "التوطين" في الراهن حيث الظروف صارت أقل ملاءمة لمثل هذه العملية ، يخفي في أغلب الظن حرف الأنظار عن التسويات تحت رعاية الصين و روسيا ، و وضع العراقيل لإبطائها و إفشالها .لا ننسى إن " مشكلة النازحين " هي من صنع دول المعسكر الغربي و كلما ضعف هذا الأخير سهل تفكيكها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موريتانيا: ماذا وراء زيارة وزيريْ الدفاع والداخلية إلى الحدو


.. إسرائيل وحسابات ما بعد موافقة حماس على مقترح الهدنة في غزة




.. دبابة السلحفاة الروسية العملاقة تواجه المسيرات الأوكرانية |


.. عالم مغربي يكشف عن اختراع جديد لتغيير مستقبل العرب والبشرية




.. الفرحة تعم قطاع غزة بعد موافقة حماس على وقف الحرب