الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سره الباتع وتزوير التاريخ

عبدالجواد سيد
كاتب مصرى

(Abdelgawad Sayed)

2023 / 4 / 27
الادب والفن


يفتح الحديث عن مسلسل سره الباتع الباب لأكثر من حديث ، مابين السخف و السذاجة وإنعدام الضمير وإرباك الوعى الجمعى وتزوير التاريخ ، وأبواب أخرى مازلت موصدة أو مجهولة ربما نكتشفها أثناء الحديث ،،،
النص الأصلى الذى كتبه يوسف إدريس(1927-1991) صدر فى مجموعة قصصية بعنوان حادثة شرف صدرت سنة 1958م يتحدث فيه إدريس عن الريف المصرى الذى أتى منه إلى القاهرة حيث تخرج من كلية الطب جامعة القاهرة تخصص الطب النفسى ثم إحترف الأدب وإشتهر وزاع صيته و برغم يساريته فقد إتخذ موقفاً معارضاً من إستبداد حكام يوليو من عبدالناصر إلى السادات الذى حاول توظيفه وفشل ، وتوفى إدريس سنة 1991 بمرض فى القلب بعد أن ترك ورائه ميراثاً أدبياً حافلاً تحول كثير منه إلى أعمال سينمائية ومنه حكاية سره الباتع القصيرة التى تحولت أخيراً إلى عمل درامى على يد المخرج الإنتهازى خالد يوسف .
عندما تقرأ النص الأصلى لسره الباتع لن تخرج منه بشىء قاطع ، أهو نص إستهزائى بخرافات الفلاحين ، أم قطعة حقيقية من التاريخ ، أم تمجيد فعلى للهوية المصرية كما جاء فى المسلسل ، مصر إذا ضاعت منها هويتها لن ترجع مرة أخرى ، النص ليس أيام طه حسين ، ولا قنديل أم هاشم يحيى حقى، ولايوميات نائب فى الأرياف توفيق الحكيم ، ليس إنقضاضا على الثقافة التقليدية، تلك المهمة الكبرى التى قام بها هؤلاء الرواد ، كما أنه ليس تمجيداً لها أيضاً ، أنه لاشىء ، مجرد حكاية قصيرة تشبه فصل من فصول السيرة الذاتية ليوسف إدريس إبن الريف ، ورغم أن رأى إدريس كان معروفاً فى مصر والمصريين ، حيث كان دائم القول أن مصر بلد عجوز مثله مثل كل رواد النهضة ، فالنص الأصلى لسره الباتع سيحيرك فعلاً حتى اليوم ، ماذا كان إدريس يريد أن يقول؟ لقد ترك إدريس الباب مفتوحاً للأجيال حتى جاء خالد يوسف الإنتهازى ليخبرنا ماذا كان يريد إدريس أن يقول ؟
خالد يوسف هو أيضاً يسارى من أبناء الريف مثله مثل يوسف إدريس ، جاء إلى القاهرة وتخرج من كلية الهندسة ومن الهندسة تحول إلى الإخراج السينمائى ومن الإخراج السينمائى تحول إلى العمل السياسى وإنتخب نائباً فى البرلمان ومن البرلمان هرب إلى فرنسا بعد فضيحة جنسية دبرها له مكتب عباس كامل رئيس المخابرات ، ومن فرنسا عاد إلى مصر بعد أن تعهد بالبعد عن السياسة والإكتفاء بالعمل كمخرج ، وكان إخراج سره الباتع هو عربون الصداقة الجديدة فى خدمة النظام ، من إنتاج الشركة المتحدة للإعلام المملوكة لجهاز المخابرات المصرية الذى يسيطر عليه عبدالفتاح السيسى وأبنائه وسكرتيره المطيع عباس ، وذلك طبعاً فى تناقض تام مع سيرة حياة يوسف إدريس وأخلاقباته وأخلاقيات العصر الذى ولد ونشأ فيه وتعلم منه أن الإبداع رسالة وليس إرتزاق ،،،
لعب خالد يوسف بالنص الأصلى وجعل منه نصين وربما ثلاثة نصوص ، النص الأصلى الخاص بالسلطان حامد البطل الفلاح – أحمد صلاح السعدنى - قاهر نابوليون – أيمن الشيوى - الذى إكتشف إدريس أصل حكايته فى النص الأصلى للقصة بمحض الصدفة من سائحة أجنبية تدعى مدام يونيفرسال ، تعرف عليها فى مصر، وذلك بعد أن حيره البحث عن قصة مقاماته المنتشرة فى الريف لسنوات طويلة ، وذلك من خلال خطابات روجيه كليمان الأثرى الفرنسى الذى جاء مع الحملة إلى صديقه جى دى روان فى فرنسا ، والتى نشرها س مارتان عضو الأكاديمى فرانسيز ، وعثرت عليها السائحة الأجنبية صديقة إدريس وأرسلت له صفحات كتاب مارتان الخاصة بأصل حكاية السلطان حامد، أضاف إليه خالد يوسف نص حامد الحديث ، صنايعى الذهب البسيط الذى سيتحول إلى بطل يقاوم الإخوان كما جاء فى المسلسل والذى سيعثر على الكنز المدفون فى أحد مقامات السلطان حامد ، طبنجة نابوليون - أحمد فهمى - وحشر بين الإثنين الدكتور مسعود العمروسى تاجر الآثار - عمرو عبدالجليل - ومعه فاتنتين من نساء العالم العربى ، الدكتورة لونا - التونسية رانيا التومى - وإبتسام - شمس الكويتية ، وذلك على سبيل التشويق من جهة وزيادة بطولات حامد االحديث من جهة أخرى ، وبدأت المسرحية الهزلية فى تفاعل النصوص الثلاثة ، مع موسيقى راجح داوود الكئيبة ، وصوت محمد منير الحزين ، تفاعل لامعقول ساذج مصطنع سخيف كاذب بمشاهد ريف العشاق – حنان مطاوع - والوحدة الوطنية بين مرقس -عمرو موسى - وصابر - هشام الجخ - والكنائس المفتوحة للثوار، لن نستطيع متابعة كل هذه التفاصيل المسببة للغثيان، وسنكتفى منها بما نعتقد أنه الهدف من كل هذا العمل الدرامى الهراء ، إرباك الوعى الجمعى وتزوير التاريخ ، إرباك الوعى الجمعى وتزوير التاريخ بطمس مشهد الصراع الدولى الحقيقى لهذا الزمن ، تحالف الإنجليز والعثمانين والمماليك ضد حملة نابوليون ، وجعله بدلاً من ذلك صراع بين الفلاحين المصريين الأبطال وحدهم وبين حملة نابوليون التى حاول تشويهها بقدر الإمكان ، بإستثناء دور روجيه كليمان العطوف وبشار العبيط معتتق الإسلام ، إرباك الوعى الجمعى وتزوير التاريخ بتشويه المقولات التى بدأت تترسخ فى الوعى السياسى المصرى المعاصر بتشبيه الإخوان بالعثمانيين الجدد ، وتشبيه ضباط يوليو بالمماليك الجدد ، والتى تقترب كثيراً من وقائع التاريخ ، ففى المسلسل تجد التشبيه الغريب بين الفرنسيين الذين سيقهرهم حامد القديم والإخوان الذين سيقهرهم حامد الحديث ، وهذا طبعاً تشبيه غير حقيقى تماماً فالفرنسيين الذين جاء بهم نابوليون فى محاولة لضرب مصالح الإنجليز فى الهند ومعهم مطابع وعلماء ومشروع قناة السويس الذى ساهم فى خلق مصر الحديثة حاولوا فعلاً تحديث مصر وتغيير هويتها القروأوسطية الدينية ، بعكس الإخوان الذين لم يحاولوا اللعب بهويتها كما قال الدكتور يوسف إسكندر – محمود قابيل – بل أنهم حاولوا على العكس من ذلك تأصيل هذه الهوية الدينية المتخلفة تسهيلاً لحكم المصريين ، أما الفلاحين ، الدخلاء تماماً على المشهد التاريخى فهم الفلاحين الذين ظلوا أقناناً للأرض طوال قرون وعصور منذ أيام فرعون وحتى جندهم محمد على فى الجيش، ولم نسمع لهم سوى عن بعض إنتفاضات هنا وهناك ،،،
باع خالد يوسف ضميره ، بحفنة من الدولارات ، لإخراج عمل درامى هرائى من إنتاج شركة مخابرات عبدالفتاح ، ليظهر عبدالفتاح فى الحلقة الأخيرة ، معلناً تعطيل الدستور وتحرير مصر من الإخوان ، حامد الحديث الحقيقى الذى خبأه لنا المخرج الإنتهازى فى الحلقة الأخيرة من عمل درامى سخيف لايختلف عن مجموعة مسلسلات الإختيار ، عمل لو رآه صبى صغير وصدق ماجاء فيه ، سينشأ حتماً على كراهية التغيير وإحتقارالحقيقة والتاريخ ودول الكفار المتقدين الأشرار ، والإيمان فقط بأنه ليس فى الإمكان أحسن مما كان ، بطولات الفلاحين ومقامات الأولياء والسلطان عبدالفتاح ، الذى أنقذ مصر من فاشية العثمانيين الإخوان ، وأعادها إلى فاشية المماليك الضباط ،،،








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل