الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا لم ينهض العرب و المسلمون وتقهقروا

علي سيريني

2023 / 4 / 27
الفساد الإداري والمالي


تحدث العلماء والمفكرون العرب والمسلمون عن النهضة طويلا و بمحتوى زاخر. غير أن الإطناب في الحديث والضرب عريضا في التفصيلات الكثيرة، لا يعطيان صورة واضحة وبسيطة للقارئ العربي أو المسلم. بما أنني قدمت سابقا مقترح مشروع النهضة إلى جهات ذات سلطة وحكومة، أرى ضروريا تسليط الضوء على هذا الموضوع، لأننا نشهد اليوم إنهيارا حقيقيا لأطراف هذه البلاد المترامية التي تسمى بالعالم الإسلامي تارة، وبالعالم العربي تارة أخرى وبالشرق الأوسط أغلب الأحيان. فالمهازل التي تحدث بالسودان تجسد في الواقع ليس إنحطاط السودان فحسب، بل إنحطاط المنطقة برمتها، ومن ورائها أمة تتهاوى وتنهار بإستمرار في وهدة التخلف والتقهقر والفقر والهزائم المتوالية!
كما حال معظم الناس في بلادنا في طرح التساؤلات العميقة، لما آلت إليه أمورنا إلى هذا الإنحطاط المزري، كنت أفكر وألاحظ بإستمرار التفاوت الكبير بيننا وبين الغرب. كنت دوما أتأملُ أن هذا التفاوت لن يتوقف عند الحدود الراهنة، بل يتعدى إلى إختلال كلي، نصبح فيه كالأمم التي سُحقت في الماضي وأمست في ذمة التأريخ. ولم يتبق من هذه الأمم سوى مجموعات بسيطة وهزيلة، تبدو في وجودها كأدوات وتحفيات، وكأنّ الأمم الأقوى تعمدت الإبقاء عليها كنماذج تراثية-متحفية لتزويد المحتوى للإنتاج الفني للأمة الغالبة.
أعيش في الغرب منذ حوالي ربع قرن، درست في مدارسه وجامعاته، كما درست في مدارس بلادنا وجامعاتها. في الواقع إن التخلف الذي أصابنا، والتقدم الذي وصل إليه الغرب ما هما إلا الفرق الذي صنعه العلم، نعم العلم. فالمسلمون والعرب متخلفون علميا، وبالتالي تخلفوا في المناحي الأخرى تباعا، السياسية والإقتصادية والثقافية والإجتماعية الخ. وما صعد الغرب إلى القمة إلا بالعلم والتفوق فيه. هذا الفرق بدأ تدريجيا منذ القرن السادس عشر إلى يومنا الحاضر. فكان الإتجاهان متعاكسين، كلما صعد الغرب درجة، نزل العرب والمسلمون درجة أو درجات، إلى أن أصبحوا عالة بالكلّية على الغرب في شتى مناحي العلم والإنتاج، وهذا هو المحزن حقا والأخطر، أخطر من إقامة المجازر بحق شعوبنا أكثر من مرة وفي أكثر من بقعة. ففي وقتنا الراهن لا يملك العرب والمسلمون مرجعيتهم العلمية في أي مجال من مجالات العلم. المرجعية اليوم هي مرجعية غربية (أمريكية-أوروبية) أولا، ثم تملك الأمم الأخرى القوية مرجعيات علمية لها مثل الصين وروسيا واليابان وكوريا الجنوبية. أي أن هذه الأمم تستطيع أن تستقل بمرجعيتها العلمية وتعتمد عليها في نهوضها وتقدمها، بمعزل عن المرجعية الغربية التي لعبت دورا كبيرا في تأسيس هذه المرجعيات العلمية.
بدأت بكتابة عدة مقترحات مشاريع في هذا المجال منذ عام 2006، وقدمتها إلى حكومات عدة في منطقتنا. ومن ضمن من قدمت لهم هذه المقترحات منذ عام 2016، تأتي دولة قطر في المقدمة، ثم دول خليجية أخرى ودول أخرى خارج نطاق الخليج. في هذه المقترحات، طرحت كيفية بناء المرجعية العلمية العربية الإسلامية المستقلة عن الغرب. وكان السقف الزمني الذي يستغرقه بناء هذه المرجعية هو عشرة أعوام كحد أدنى، وعشرين عاما كمدة لإتيان الثمار. وبما ان هذه المقترحات كانت ذات أهمية إستثنائية، وحاولت لفت إنتباه أصحاب الشأن إليها، سافرت إلى دولتين إحداهما هي قطر، وأقمت فيها خمسة أيام. السفرتان تمت على حسابي الشخصي، ولم يدعم أي طرف أيا من تكاليف الرحلتين والإقامة. إلتقيت بفضيلة الشيخ الدكتور علي القرةداغي في مقر إقامته بالدوحة، وسلمته ثلاث نسخ في أوراق صلبة وملفات جلدية أنيقة أثارت إعجاب فضيلته فعلّق قائلا "هذه الملفات أعدت بعناية وجديرة بتقديمها للملوك والأمراء"! وصلت المقترحات إلى أمير البلاد والمعنيين في الحكومة. على أن نسخة من هذه المقترحات وصلت إلى سفارة قطر مسبقا.
يبدو أن القطريين لم يجدوا في هذه المقترحات أي أهمية جديرة تلفت إنتباههم. وعلى غرارهم فعلت الحكومات والسلطات الأخرى الذين وصلتهم المقترحات (منهم أمراء ورؤساء ووزراء). بيد أن القطريين وجدوا في ديفيد بيكهام (لاعب كرة القدم البريطاني المشهور المتقاعد) مشروعا عظيما، وهو القيام بالدعاية لكأس العالم في قطر، وهو ما حدا بقطر أن تدفع له مبلغ مئتي مليون دولار. على أن بيكهام حصل على مبلغ سبعة وعشرين مليون دولار لقاء مشيته لعدة دقائق في العرض الذي أقيم يوم إفتتاح كأس العالم، ليبلغ مجموع المبلغ حوالي ربع مليار دولار. على أن هذا المبلغ لا يساوي شيئا أمام ما دفعته قطر للدول الغربية بإسم مصاريف كأس العالم والتي تراوحت بين 230 إلى 300 مليار دولار. ومن الممكن قياس الدول الأخرى في المنطقة على قطر، في مسألة الأولويات التي تضعها على جدول أعمالها. فعلى أقل تقديرومنذ عام 2016 وإلى اليوم، خسرت الدول الخليجية عدة ترليونات من الدولارات (حسب التقديرات تبلغ مئات الترليونات) بسبب دفع الأتاوات لدول الغرب، وصفقات الأسلحة البالية، وخسارة الأسهم، وإنخفاض قيمة البترول أحيانا، والتبذير والفساد، وتحويل العملة الصعبة إلى بنوك الغرب والإستثمارات التي ستظل أرباحها تودع في البنوك الغربية ولن تعود إلى ديارها. وهذه الأرقام ليست مبالغة فيها، لأن إنتاج النفط والغاز في دول الخليج هو إنتاج هائل. مثلا تبيع السعودية لوحدها، في العقد الأخير، حوالي سبعة ملايين برميل نفط يوميا، بغض النظر عن إنخفاض الإنتاج في العام الماضي. أما إنتاج الكويت فهو حوالي ثلاثة ملايين برميل يوميا. فيما يبلغ إنتاج البحرين حوالي 100 مليون برميل سنويا. ويبلغ إنتاج عمان حوالي مليون برميل نفط يوميا. بينما تنتج الإمارات العربية المتحدة حوالي ثلاثة ملايين برميل يوميا. وتنتج قطر حوالي مليون برميل يوميا. أما العراق، فما هو معلن ورسمي يشير إلى حوالي خمسة ملايين برميل يوميا. على أن الإنتاج أكبر من هذا بكثير بسبب وجود الفساد والسرقات في إنتاج النفط، وبيع النفط إلى الشركات العالمية عن طريق التهريب. لكن مع هذه الأرقام الخيالية في إنتاج النفط لوحده، لكننا نلاحظ تخلفا كبيرا في منطقة الخليج على المستوى العلمي والصناعي والتكنلوجي والإقتصادي، ناهيك عن وجود الفقر ونقص الخدمات في أكثر من دولة من هذه الدول المنتجة للثروات الطبيعية. في الواقع، من الممكن البدء في بناء المرجعية العلمية العربية الإسلامية المستقلة بمبلغ كالذي دُفع للاعب البريطاني بيكهام. على أن المبلغ الذي نحتاجه لإقامة نهضة عربية وإسلامية لا يتعدى بضعة مليارات قليلة، لا تساوي شيئا أمام الهدر والتبذير الذين نشهدهما في زمننا المعاصر. لو كنا بدئنا العمل في هذه المشاريع منذ عام 2006، لكنا الآن أمام بوابة نهضتنا الحقيقية، نطرقها لتفتح لنا بوجه عصر جديد من النهضة الحقيقية. ولو كنا بدءنا في عام 2016 لكنا قطعنا ثلث الطريق وأكثر. ولكننا الآن أضعف وأهلك من تلك السنين الخواليا! وما تبقى هنا وهناك، سيتحول اليوم أو غدا إلى حطام محروق، يمتد فوقه الدخان عاليا، على غرار الدبابات والعجلات العسكرية العتيقة في السودان وفي الدول العربية الأخرى. وما يمتلكه العرب والمسلمون وسط غبار التقهقر والإرتفاع الخيالي لسعر الخبز، هو تصدير الكميات الهائلة للفقراء والجوعى إلى بلاد الغرب، بجانب تصدير الملايين من براميل النفط. وإذ يواجه معظم اللاجئين الموت في البحار، أو الموت البطئ في المعتقلات التي يعامل فيها اللاجئون كمخلوقات ملفوظة من أفواه قبيحة ومنبوذة، تصل براميل النفط بأمان ووقار، وتودع الأموال في بنوك الغرب لعلها تعود يوما إلى بلادنا.
والسلام على نهضة العرب والمسلمين في الحياة وبعد الممات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 200 يوم على حرب غزة.. ماذا جرى في «مفاوضات الهدنة»؟| #الظهير


.. مخاوف من اتساع الحرب.. تصاعد التوتر بين حزب الله وإسرائيل| #




.. في غضون أسبوع.. نتنياهو يخشى -أمر- الجنائية الدولية باعتقاله


.. هل تشعل فرنسا حربا نووية لمواجهة موسكو؟ | #الظهيرة




.. متحدث الخارجية القطرية لهآرتس: الاتفاق بحاجة لمزيد من التناز