الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القوات الموازية وتحطيم الدولة في السودان

راتب شعبو

2023 / 4 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


أصبح وجود قوات عسكرية "موازية" أو خارج الهرمية العسكرية للجيش أو خارج سيطرة الدولة، من العلامات المميزة لزمننا الحالي في العديد من الدول العربية. نجد هذا في لبنان (حزب الله) والعراق (الحشد الشعبي) واليمن (الحوثيين) والسودان (قوات الدعم السريع)، وليبيا (حفتر) وسورية (الدفاع الوطني والميليشيات الطائفية). من هذه القوات ما يسند السلطة القائمة، ومنها ما يصارع ضدها. فتكون القوات الموازية مع القوات الرسمية للدولة، في حالة صراع منفلت أو في حالة تعايش يستبطن الانفجار، مهما كان هذا التعايش راسخاً وحميماً كما كان الحال في سوريا في ثمانينات القرن الماضي بين قوات (سرايا الدفاع) التابعة لرفعت الأسد، والجيش النظامي السوري. الخطير في هذه الظاهرة، التي تشكل إحدى أهم سمات فشل الدولة، هو أن تكون قوة التشكيلات العسكرية الموازية معادلة أو أعلى من قوة الجيش النظامي، الأمر الذي ينتج سلطتين متعايشتين الأمر الذي يُبقى واقع البلاد ملغوماً، كما تبقى الإنجازات السياسية (في حال وجودها) معرضة للانهيار في أي لحظة، كما هو الحال اليوم في السودان الذي كان قد قطع طريقاً لا بأس به نحو تأسيس حكومة مدنية وإعادة الجيش إلى مجاله المهني الخاص، بعيداً عن الشأن السياسي.
حين تعجز الدولة عن استيعاب الطيف الواسع لمصالح الفئات والشرائح الاجتماعية الواقعة في مجالها السياسي، بسبب نقص عموميتها، كما هو الحال في الدول المذكورة، يصبح بروز مثل هذه القوات الموازية ممكناً، ويحتاج فقط إلى من يمتلك المصلحة والإمكانات المادية اللازمة. يمكن أن تتشكل هذه القوات الموازية من أجل تحدي أو مواجهة الدولة، كما هو حال الحوثيين، ويمكن أن تتشكل من أجل مساندة الدولة، من خارجها، حين تعجز الدولة عن مواجهة احتجاجات مضادة، كما هو الحال في سوريا والسودان. كما يمكن أن تبرز القوات الموازية للتصدي لمهمة "تحرير" قصرت الدولة عن التصدي لها، ثم تتحول إلى قوة موازية للدولة، كما هو الحال في لبنان. وقد تتشكل القوات الموازية عقب تفكك الدولة كما حصل في ليبيا. وفي كل الأحوال فإن الدولة المعنية تخسر، في الواقع، ما يميز الدولة من "احتكار العنف المشروع".
إذا أمعنا النظر في البلدان التي تستند السلطة فيها إلى قوات موازية، نلاحظ مفارقة تقول إن الطغمة الحاكمة، من أجل احتفاظها باحتكار الحياة السياسية في مواجهة حركة احتجاج، يمكن أن تتخلى عن احتكار القوة الشرعية، وأن تستعين بقوات "غير شرعية" تستثمر في عصبيات غير وطنية، عصبيات طائفية في سوريا، وعصبيات قبلية وإثنية في السودان. الأمر الذي يمهد، مع الزمن، لدمار الدولة.
على خلاف حركات التحر الوطني والحركات الثورية المسلحة التي ملأت تاريخ القرن العشرين، لا تنطوي هذه التشكيلات العسكرية الموازية على مشروع سياسي محدد، ولا تستمد قيمتها إلا من قوتها المستمدة غالباً من تبعية خارجية. ومن أهم ما يميز هذه التشكيلات ويمنحها مجالاً حراً في الحركة هو افتراقها الواسع عن فكرة الدولة وما فيها من عمومية وطنية، فهذه التشكيلات لا تلتزم بقانون ولا باعتبارات قيمية، وتجمعها عصبية وولاءات شخصية، الأمر الذي يجعلها، في مواجهة الاحتجاجات الداخلية، أكثر تماسكاً من الجيش الرسمي وأكثر شراسة في القتال. هذا ما دفع حسن البشير، الرئيس السوداني المخلوع، إلى دعم ميليشيات الجنجويد وتحويلها إلى "قوات الدعم السريع" في 2013، ثم نقل تابعيتها من جهاز الأمن والمخابرات إلى القوات المسلحة في 2017، مع احتفاظها باستقلالها الذاتي، وإدخالها إلى الخرطوم لتكون القوات الخاصة بحماية الرئيس. وهذا أيضاً ما دفع عبد الفتاح البرهان، حين كان لا يزال في تحالف مع قوات الدعم السريع، إلى الاعتماد عليها في فض اعتصام القيادة العامة (حزيران/يونيو 2019)، الجريمة التي سوف يتردد الكثير من عناصر وكوادر الجيش السوداني في ارتكابها.
بالمناسبة، من اللافت أن تصدر مذكرة توقيف بحق الرئيس البشير، دون أن تصدر مذكرة مشابهة بحق محمد دقلو (حميدتي) قائد قوات الجنجويد التي وثقت منظمات حقوق الانسان الدولية، ولاسيما تقرير هيومن رايتس ووتش الصادر في 2015 والمستند إلى شهادات من ناجين ومن شهود عيان ووثائق سرية، الكثير من جرائمها في دارفور. هل يمكن رد ذلك إلى دوره في صد موجات اللجوء إلى أوروبا، حين تحولت ميليشيا الجنجويد، بقرار من البشير إلى "قوة حرس الحدود" وجرى تعيين حميدتي رئيساً لها، قبل أن تتحول تالياً إلى قوات الدعم السريع؟
بعد أن اندلع القتال بين الطرفين، صار مستقبل السودان في المجهول، وبات البناء السياسي السلمي الذي تحقق في السودان بعد نيسان 2019، في مهب الريح. لن يكون مفاجئاً أن تتمكن قوات الدعم السريع، استناداً إلى تاريخها الإجرامي وعصبيتها الداخلية ودعمها الخارجي، من التغلب على الجيش السوداني، والانقضاض، بعد ذلك، على القوى المدنية التي يغازلها حميدتي اليوم لكسب جمهورها، ثم إدارة الدولة بمنطق "الجنجويد". ولكن حتى لو تمكن الجيش من الانتصار، فإن قبضته العسكرية ستصبح أشد في وجه القوى المدنية، وسوف يميل أكثر باتجاه إسلامي لتعزيز تماسكه الداخلي. وأياً كان "المنتصر" فإن قيمته الوحيدة ستكون في نجاحه، إذا نجح، أن يكون "اللوياثان" الذي يسيطر ليحمي الآخرين من الآخرين، فارغاً من أي قيمة سياسية أو مدنية. أما الطريق التفاوضي، الذي تعرض إسرائيل (يا للقلب الكبير!) أن تستضيفه، بوصفها صديقة الطرفين، فلا يبدو أنه قابل للنجاح بعد أن أعلن الطرفان العداء المتبادل وبعد أن سال الدم بينهما، ولم يعد ثمة مكان للثقة. يبقى التدخل الخارجي احتمالاً ضعيفاً ولكنه وارد، ما يرشح السودان إلى أن تكون نسخة مكررة عن سوريا. ومن غير المستبعد، إذا عجز الطرفان العسكريان عن الحسم، وبعد أن بات تعايشهما مستحيلاً، أن يقتسما البلاد واقعياً، بانتظار ترسيم الواقع فيما بعد. وفي كل الأحوال، صحيح إنه لا مساحة البلد، ولا موارده حتى، هو ما يحدد جودة مجاله السياسي وجودة عيش أهله، ولكن في الحالة السودانية، من الراجح أن التقسيم بالنسبة للسودانيين، سوف يعني انكماشاً في البلد وفي المجال السياسي والعيش معاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صورة مفجعة لفلسطينية في غزة تفوز بجائزة -أفضل صورة صحافية عا


.. وسط تفاؤل مصري.. هل تبصر هدنة غزة النور؟




.. خطوط رفح -الحمراء- تضع بايدن والديمقراطيين على صفيح ساخن


.. تفاؤل في إسرائيل بـ-محادثات الفرصة الأخيرة- للوصول إلى هدنة




.. أكاديمي يمني يتحدث عن وجود السوريين في أوروبا.. إليك ما قاله