الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صراع الديكة في السودان

محمود جديد

2023 / 4 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


===============

في عام 2019 وبعد انتفاضة شعبية ثورية عارمة أُطيح بالرئيس السوداني السابق عمر البشير ، غير أنّ الحسم النهائي كان على يد الجيش، وقوات التدخّل السريع ، ويبدو أنّ هاتين الأداتين ركبتا موجة التغيير لإنقاذ أنفسهما من جهة ، ولقطع الطريق على التغيير الجذري من جهة ثانية ، وقطع الطريق على تسليم البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية ، والمحافظة عليه من المحاسبة في الداخل ، من جهة ثالثة … .
وهكذا أفرزت الأحداث بروز مركزي قوة في السودان مختلفين في النشأة والتكوين ، ودروس وعبر التاريخ علّمتنا أنّ الصراع بينهما سيكون شبه حتمي في المنعرجات الهامّة ، لتصفية أحدهما الآخر، وثمّ الانفراد بالسلطة , وهذا ماسنوجزه في هذا المقال :

كما هو معروف ، كان رئيس قوات التدخّل السريع محمد حمدان دقلو ، المشهور بحميدتي تاجر إبل ، وأصبح قائداً لميليشيات الجنجويد سيّئة السمعة بسبب جرائمها في دارفور ، والتي نجم عنها متابعة عمر البشير من قِبَل محكمة الجنايات الدولية .. وبعد الحسم في دارفور ، تحوّلت إلى قوّات التدخّل السريع ، وتضاعف عددها حتى وصل إلى مائة أالف مقاتل ، وبمرسوم من البشير حصل حميدتي على رتبة عميد ، وتدرّجت حتى رتبة فريق ، وحسب تقديري أنّ الرئيس السوداني كان يتعمّد الاحتفاظ بهذه القوات لتكون سنداً له في مواجهة أيّ إنقلاب عسكري محتمل ، لأنّ السودان عرف العديد من الانقلابات العسكرية عبر تاريخه بعد الاستقلال .. وعلى كلّ حال، أصبح الفريق أول البرهان رئيساً لمجلس السيادة ، وحميدتي نائباً وحيداً له .
بقي الرجلان متفاهمين عندما كانا في مواجهة المعارضة المدنية، فوعدا ولم يصدقا في موضوع نقل السلطة إليها ، وتجربة حمدوك رئيس الوزراء السابق معهما مريرة في هذا المجال .. ولكن ما يؤسف له هو بروز خلافات وتناقضات بين صفوف المعارضة السودانية ، ممّا أثّر سلباً على دورها .

الخلافات بين البرهان وحميدتي :
—————————————-
استطاع حميدتي أن يحصل على تمويل ذاتي مباشر من خلال مناجم الذهب ، ودعم من السعودية والإمارات اللتين ساندهما في حرب اليمن بقوات من عنده ، وتوسّعت علاقاته العربية والدولية ، وتنامى دوره في الساحة السودانية، وازدادت ثقته بنفسه على إمكانية القدرة على الاستئثار بالسلطة لوحده ، فأخذ يبدو وكأنّه يرغب ويريد إبعاد الجيش عن الحكم ، وتسليم السلطة للمدنيين … وخاصة أنّ يوم 11 / 4 / 2023 كان موعداً نهائيا سبقه وعدان في الإعلان عن تعيين رئيس وزراء جديد ، وقد حاول البرهان أن يبرّر سبب هذا التأجيل بالموضوع الشائك وهو دمج قوات التدخّل السريع في الجيش ، وهو الدافع المباشر الرئيسي الذي كان سبباً لنشوب القتال ، لأنّ هذه الخطوة قد يعتبرها جميدتي ضربة قاصمة له ، وربّما يراها أنّها ستجرّده من وسائل القوّة ، وستذوب في القوات المسلّحة، وتتبعثر ، ويُسرّح قسمٌ منها لاحقا، عندئذ تحين تصفيته هو من الواجهة الأمنيّة والسياسية بسهولة ويسر .. وقد رافق هذه التطورات خيبة أمل شعبية من تحسّن الأوضاع المعيشية ، بينما ازداد الشعب السوداني فقراً ، ولم تنفع النظام السوداني خطواته التطبيعية مع الكيان الصهيوني ، ولذلك أصبح تفجير الصراع إلى مداه الأخير مناسباً لحميدتي يوم السبت تاريخ : 15 /4 / 2023 والبدء بمحاولته الانقلابية ….
موازين القوى بين الجيش ، وقوات التدخّل السريع :
————————————————————-
تمتلك قوات التدخّل السريع كثرة عددية مقاتلة تعادل جيشاً ، وهي مزوّدة بعربات "تويتا "مجهزة برشاشات خفيفة وثقيلة ، وبقواذف مضادة للدبابات ، ولكنّ هذه القوات تفتقر إلى الأسلحة الثقيلة كالمدفعية ، والدبابات ، وإلى الطائرات والصواريخ … الخ ، غير أنّها سريعة الانتقال والتحرّك والمناورة ، والقدرة على القتال والاختباء في المدن والغابات ، ولكنّها عاجزة عن خوض معارك مباشرة مع القوات المسلحة ، وبالتالي تصبح الكمائن والإغارات وسيلة مناسبة لها ، وفي الوقت نفسه فإنّ القيادة والسيطرة عليها صعبة ومعقدة ، وكذلك تأمينها المادي بالسلاح والذخائر .. الخ
أمّا بالنسبة للجيش السوداني فهو من الجيوش المسلّحة والمدرّبة القوية في القرن الإفريقي ، وضباطه مدرّبون جيداً ، ومزوّد بعتاد عسكري ثقيل ، وبالطائرات بمختلف أنواعها ، كما أنّ عواطف الشعب السوداني ستبقى راجحة لصالح الجيش ، بغض النظر عن نأي الأطراف المدنية عن الصراع الدموي المؤسف والمؤلم الحالي ..
الآفاق المحتملة للصراع الدموي الراهن :
————————————————-
الاحتمال الأوّل: استمرار الصراع حتى ينتصر أحد الأطراف على الثاني ، وفي هذه الحالة ستبتدئ مرحلة حكم عسكري جديد ، وهذ1 الاحتمال مستبعد في المنظور القريب ، إلّا إذا حدثت انشقاقات بين صفوف أي طرف ..
الاحتمال الثاني : استمرار القتال حتى إنهاك الطرفين ، وعدم وجود أي أمل من قبلهما في تحقيق النصر ، وفي هذه الحالة قد يقبلان بتلبية الدعوات الداخلية أو الخارجية لوقف القتال ، واللجوء للجوار تحت إشراف عربي ، أو إفريقي ، أو دولي ، وتقديم الضمانات لهذا الاتفاق .
الاحتمال الثالث : عند حدوث تدخلات عسكرية خارجية إفريقية أو دولية ، وفق قرار مجلس الأمن ، أو خارجه .
الاحتمال الرابع : تشكيل جبهة وطنية شعبية سودانية واسعة للمطالبة بوقف القتال والدمار والخراب ، وتسليم السلطة لحكومة وحدة وطنية مخوّلة بكافة الصلاحيات العسكرية والمدنية ، مع الدعوة لانتخابات برلمانية خلال مدة محددة قريبة . وقد أُعلِن البارحة عن تشكيل "مجموعة من القوى جبهة مدنية لإيقاف الحرب بهدف العمل على استعادة مسار الانتقال المدني الديمقراطي الشامل، والخروج الكامل للمؤسسة العسكرية من الحياة السياسية والاقتصادية (..) بما يقود لجيش مهني موحد عبر خطوات سلمية"
وفد تظهر احتمالات أخرى غير محسوبة .
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو : مادور العامل الخارجي في تفجير الأوضاع في السودان ، وحسب قناعتنا هنا ، أنّ العامل الداخلي كان الأبرز من خلال الصراع لاحتكار السلطة ، مع العلم أنّ هناك قوى خارجية دائماً لديها رغبة في تمزيق هذا البلد الغني بثرواته الفقير بواقعه المعاشي والاقتصادي، ووجود تنافس دولي لاستغلال تلك الثروات …
وعلى كل حال ، فإنّ قرار الدول بسحب مواطنيها بالسرعة القصوى لإنقاذهم من جحيم السودان الأمني والمعاشي والطبي مؤشّر قوي على ديمومة الصراع لآجال غير قريبة ، وكلّ ما نتمنّاه هو خلاص السودان من مأساته الراهنة ، ونجاح الجبهة المدنية الجديدة في تحقيق أهدافها …
في : 28 / 4 / 2023








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا تعلق كل المبادلات التجارية مع إسرائيل وتل أبيب تتهم أر


.. ماكرون يجدد استعداد فرنسا لإرسال قوات برية إلى أوكرانيا




.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين: جامعة -سيانس بو- تغلق ليوم الجمعة


.. وول ستريت جورنال: مصير محادثات وقف الحرب في غزة بيدي السنوار




.. ما فرص التطبيع الإسرائيلي السعودي في ظل الحرب الدائرة في غزة