الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يعيش الرئيس

مهتدي مهدي
روائي

(Muhtady Mahdi)

2023 / 4 / 28
الادب والفن


كلما هتفت جماهيره الغفيرة «يعيش الرئيس» ارتعدت فرائصه خوفاً، وعزز من التحصينات الكفيلة بإطالة أمد بقائه على كرسي الرّئاسة لسنوات طويلة أخرى. كان ثمة هاتف في داخله يقول: «لماذا هم يهتفون هكذا؟! وهل أنا ميت حتى أعيش؟!»
لقد اعتاد على الحياة الرئاسيّة. من القصور الفارهة، والسيارات الفخمة، إلى حب الظّهور كشخصيّة أولى في البلاد.
لذلك فأن فكرة تولي شخصية أخرى منصبه، أمر لا يستطيع أن يستوعبه أو يشغل باله بالتفكير به. ومع تلك الحناجر التي تصدح بالعمر المديد للطاغية. يقوم بإقالة قادة أكفاء من مناصبهم، وتنصيب آخرين موالين له مكانهم، إجراء تعديلات وزارية، واستحداث جهاز قمعي جديد، تثقل تكاليفه الباهظة، كاهل المواطن البسيط، من خلال فرض المزيد من الرسوم والجباية عليه.
في الآونة الأخيرة أصيب الرئيس الملك بفوبيا الموت غيلة، فصار يخشى من ظله الذي يخطف من أمامه خلسة، خلال وجوده داخل القصر الرئاسي أو خارجه. فيجفل أثر ذلك هلعاً وهو ينادي على الحرس بقلب يخفق، مستفسراً عن ذلك الغريب الذي صار يرافقه مثل ظلّه! فيقول له رئيس الحرس : «أبداً سيدي الرّئيس لا يوجد أحد. فجميع نقاط الحراسة مشغولة بالجنود المتأهبين والحذرين، المكان كله مسيطر عليه بكاميرات المراقبة.»
« لكنه للتو أطل عليّ وأنا أهمّ بالدخول!» قال الرئيس ذلك مشيراً إلى وجوده في الباحة. ثم مجدداً سأل: «أيوجد هنا غرباء؟!» فكان الجواب كالمعتاد «أبداً سيدي لا أحد» في اليوم التالي استبدل جميع الحرس في القصر الرئاسي. بعد أن ساورته الشكوك حول ولائهم له، لكن الأمر لم يتغير ولو بشيء بسيط مع ذلك الغريب المخاتل الذي كان يرهب الرئيس، في الداخل والخارج، أمام الباب ووراءه، في نومه ويقظته. فاستعان بأحد الأطباء النفسيين بسرية تامة، بسبب هذه الأوهام التي تنتابه بين فينة وأخرى، الأوهام التي قوضت سعادته، واغتالت كل تطلعاته وأحلامه، لتمسي ملازمة له مثل ظلّه.
بعد الفحص والمعاينة والسّؤال المتوجس، من قبل الطّبيب النفسي الذي همس في سره، «إن رئيسنا صار يخشى من ظله!!» ثم قال له: «إنه خيال العظماء الجامح من يصنع تلك الصور. فالعظماء مختلفون في كل شيء. فهم حريصون وحذرون من الأخطار المحدقة بهم وببلادهم». بهذا الكلام ارتفعت معنويات الرئيس قليلاً فحرك جيوشه على طول الشّريط الحدودي الفاصل، من الشرق، والغرب، ليعلنها حرباً لا هوادة فيها على أعدائه، المتربصين بمملكته الرئاسية! ثم استعان بأكثر من مسدس، وبندقية، ضمهما في أماكن متعددة داخل القصر قرب النّوافذ، ومقاعد الجلوس، وسرير نومه. واحتفظ بثلاثة مسدسات كأسلحة شخصيّة يحملها داخل القصر. دس الأول في قراب كان مربوطاً في حزام أعلى جنبه الأيسر، مثل رجال العصابات. والثاني كان يتدلى من حزامه، مثل أفلام الغرب الأمريكي. في حين أخفى المسدس الثّالث في قراب بحزام جلدي على ساقه! وهو يرتدي بزته العسكريّة الصحراويّة، فصار مثل « فان دام» في فيلم «الجندي العالمي». فالذي يراه بهذه الهيئة، يتصور أن عدوه يكمن له وراء الباب، أو في خزانة الملابس.
في تلك الأثناء كانت هنالك جيوش مليونية تحشد للإطاحة به. جيوش لا يستطيع التّصدي لها أمهر جنوده المطيعين، من قادة، وضباط في الأجهزة القمعيّة، السريّة والعلنيّة.
لكن جندياً واحداً استطاع أن يدرك كنهها. كان بصدريته البيضاء وسماعة الأذن، قد انفض لتوه من حلقة مكونة من مجموعة من الجنود الذين لهم نفس الهيئة، بعد أيام وأسابيع قضوها من أجل التعرف على طبيعة هذا الجيش الخلوي الذي داهم الرئيس بغتة في رأسه. فزاد أوهامه، وهذيانه.
ما كان يجول في أفكار الرئيس آنذاك بعد تشخيص حالته وإعلامه بالأمر.
عدوه الحقيقي الذي لم يكن في الخارج ولا في الداخل. إنما كان في داخل جسده، وفي رأسه، تحديداً. كان جيش من الخلايا التي تنقسم إلى ما لا نهاية، لتكون على هيئة ورم سرطاني!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال