الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علي وطفة في مرآة الثورة السورية

صابر جيدوري

2023 / 4 / 29
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


قرأت باهتمام بالغ مقال المفكر السوري الدكتور علي وطفة المنشور في موقع أخبار الشرق بعنوان: "أدونيس والثورة.. إشكالية الموقف وغموض الرؤية" الذي أشار فيه إلى بعض الثورات التي اجتاحت العالم رفضاً للظلم والطغيان، موضحاً مواقف الكثير من المفكرين والمثقفين من هذه الثورات، ومبيناً أن كبار المفكرين كانوا دائماً يأخذون مواقف الانتصار للثورة، وجلهم شارك فعلياً في الحركات الثورية وضحوا بحياتهم من أجلها، ولهذا نجده في سياق مقاله يُعاتب الشاعر أدونيس على موقفه الخجول من الثورة السورية في الوقت الذي كان قد أيد فيه الثورة الإسلامية في ايران وخصها بقصيدة مشهورة بعنوان: "تحية لثورة إيران"..

ما أُريد أن أقوله لكل المهتمين بفكر الأستاذ الدكتور علي وطفة: إن أكثر اللحظات خصوصية في حياة الإنسان تلك التي يُشركنا فيها المفكر تجربته الإبداعية.. عندما يمنحنا الفرصة لنتأمل ولادة إحدى أعماله الثورية.. لقد كنت محظوظاً بالفعل عندما تيسرت لي قراءة ما أبدعه أستاذنا الكبير في مجالات التربية والاجتماع والسياسة والثقافة والثورة.. كما أنني كنت محظوظاً عندما أُتيحت لي الفرصة لمعاينة أجواء ميلاد مقال من مقالاته عن الثورة السورية التي تناول فيه بالنقد والتحليل موقف المفكرين والمثقفين من الثورة.. ولا أُبالغ إذا قلت إنني كلما قرأت له مقالاً أو بحثاُ أو كتاباً أزدت منه قرباً وحباً واحتراماً وتقديراً..

هو المفكر الذي ليس بحاجة إلى شهادتي ليعلم أنه مفكر طليق في إبداعه.. لقد أدركت من كتاباته أنه مناضلاً ومدافعاً عن أكبر القضايا الإنسانية.. مقالاته التزام أخلاقي ضد الظلم والمعاناة.. لم يحل بينه وبين الدفاع عن القضايا التي تُمجد الكرامة الإنسانية أي حائل مذهبي أو طائفي أو مناطقي.. اعتاد أستاذنا الجليل أن يُعبر عن مثل هذه القضايا بصراحة كبيرة وبكثير من الرحمة والمودة، ولا زال ملتزماً بذلك في مضامين ما يكتب من مقالات وما ينشر من كتب وأبحاث.. إنه مفكر يُعتبر كمنبع للحرية.. حرية تحرص كتاباته على خوض غمارها، حيث يبدو عشقه للنقاشات الاجتماعية الكبرى.. إنه مأخوذ بانفعاليته المتوازنة.. يُقحم نفسه ويلتزم بالدفاع عن الشعوب ومحاربة القمع والعنصرية والتخلف من أجل سلام عادل ودائم على أرض الوطن العربي من محيطه إلى خليجه..
إن التقييم الموضوعي لما يكتبه مفكرنا الكبير نجده عند الباحثين التربويين الذين يتهافتون على قراءة أبحاثة وكتبه المتعددة.. لم يحصل أنني اشتركت في مناقشة رسالة ماجستير أو دكتوراه إلا ورجع الباحث إلى كتب وأبحاث الدكتور علي وطفة لينهل منها علماً نافعاً..

مفكرنا نتاج أصيل لإبداعه.. إبداع يستمد منابعه من وطنيته الصادقة.. من ضلال أشجار الساحل السوري.. من أزقة وحواري مدينة دمشق.. من آثار سهل حوران وسنابل القمح الذهبية.. من حمص والحسكة والجولان.. من مساحة الوطن الجريح.. من معاناة أطفال سوريا.. من حركاتهم وسكناتهم.. من حزنهم وألمهم.. من عطر نباتات حدائق حلب وتحليق حمامها الزاجل.. هذا هو مفكرنا المهاجر الذي كنت أتوقع ويتوقع معي الكثيرون أنه سينال من التقدير والاحترام في وطنه الكثير.. ولكن مع الأسف الشديد أنه ممنوع من الدخول إلى أرض الوطن.. ربما بسبب نزعته الإنسانية الواضحة، تلك النزعة التي ينطلق من خلالها لمواجهة ثقافة الصمت لدى المقهورين والمحرومين.
والمستقرئ لكتابات الدكتور وطفة قبل انطلاق الثورات العربية المعاصرة وبعدها، يكتشف ذلك التوجه الإنساني الذي يهدف إلى إيقاظ وعي الطبقات المستلبة، وتمكينها من رفض كل أشكال القهر والظلم والطغيان.. لتتجاوز واقعها في تناقضاته المختلفة.. وصولاً إلى حياة حرة كريمة.. هذا هو أستاذنا الثائر الذي يعتبر بحق أحد ألمع العقول ليس فى سوريا فقط، وإنما فى العالم العربى والعالم الثالث أيضاً..

من خلال هذا معرفتة الموسوعية الأصيلة والشاملة والمتكاملة، تبلورت شخصية مفكرنا الفريدة، الذى رفض أن يوضع فى إطار المثقف المترفع المنعزل فى برجه العاجى.. بل
اختار مكانة "المثقف العضوى" هذا المثقف الذي وصفه جرامشي بالمثقف الذى يرتبط بمجتمعه ويهتم بقضاياه ويناضل من أجلها.. إن مواهبه وكفاءاته لم تغفر له أن يكون بعيداً عن الثورة السورية.. وهنا أفتح قوساً لأقول: إن هذا "المثقف العضوى" لم يمنعه العمل الأكاديمي من الانخراط فى صفوف الثورة، بل إنه دخل إلى غمارها من الأبواب الصعبة.

فقد كان من الميسور جداً بالنسبة لمفكر مثله يحظى بهذه الكفاءات العلمية النادرة أن يتسلق السلم السياسى إلى أعلى المناصب لو اختار الطرق الملتوية، ومارس وتمثل ثقافة النفاق والرياء.. لكنه اختار أن يكون ثائرا حراً مدافعا بلا هوادة عن العدل الاجتماعي والديمقراطية وحقوق الإنسان وحرياته الأساسية.. في ظل ظروف بالغة القسوة والتعقيد.. فتحية طيبة وتهنئة خالصة مقرونة بالتمنيات الصادقة لرائد المدرسة النقدية في التربية العربية المفكر السوري الأستاذ الدكتور علي وطفة الذي أتاح لي فرصة قراءة مقالاته القيمة عن الثورة السورية، تلك المقالات التي تشبه المعشوقة التي فيها الذكاء والجمال والثورة معاً..!! وكل الشكر والتقدير لجهوده المبذولة اتجاه ثورة الحرية والكرامة.. كل الحب والتقدير له لأنه كرس حياته للتربية.. فأنتج لنا تربية من أجل الثورة والحياة والأمل والحرية.. تربية فضحت كل الديكتاتوريات الصغيرة منها والكبيرة .. تربية أصلت وجذرت منظومة القيم الإنسانية الحضارية في مضامين التربية العربية .. تربية أسست لمفاهيم الوحدة الوطنية ومبادئ حقوق الإنسان وحرياته الأساسية.. تربية أخذت على عاتقها مواجهة كل المشاريع الطائفية المقيتة ربيبة الجهل والتعصب..

كلية التربية – جامعة دمشق
مقيم حاليا في باريس








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عنف الشرطة الأميركية ضد المتظاهرين المتضامنين مع #غزة


.. ما الذي تحقق لحركة حماس والفصائل الفلسطينية من القبول على مق




.. VODCAST الميادين | علي حجازي - الأمين العام لحزب البعث العرب


.. حزب العمال البريطاني يخسر 20% من الأصوات بسبب تأييده للحرب ا




.. العالم الليلة | انتصار غير متوقع لحزب العمال في الانتخابات ا