الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حديث البيدق / أقطاب تتشكل. و أحلاف بما اكتسبت رهينة. 4/5

نورالدين علاك الاسفي

2023 / 5 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


لكن هل سافر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الصين حاملا نوايا جدية، هي تحريض بكين على التخلي عن روسيا. الحاصل؛ أنه ورغم بقائه في الصين ثلاثة أيام، لم يستطع الزعيم الفرنسي زحزحة شي جين بينغ قيد أنملة عن مواقفه المحددة. لذلك، على ما يبدو، قرر تغيير موقفه. و شرع في رسم صورة لدولة عظمى مستقلة تطالب بخط مستقل. و هي محاولة منه لاستعجال الأمور والإدلاء ببيانات صاخبة، تبقى حبيسة الشفاه. فليس لدى الفرنسيين سوى القليل من النفوذ الحقيقي للّعب بمفردهم. و من غير حلفاء واضحين لهذه الفكرة داخل الاتحاد الأوروبي. وسوف يواصل الانجراف نحو التبعية لأمريكا.(8) فالمؤسسة السياسية الأمريكية اليوم، تدرك حتمية المواجهة مع الصين، وأن هذه المواجهة ستؤثر في المجالات الاقتصادية والسياسية والتكنولوجية والجيواستراتيجية، وصولا إلى الحرب غير المباشرة التي يشنها الأمريكيون ضد روسيا.لذلك، فإن واشنطن تزعزع تدريجياً سياسة صين واحدة، على أمل تنفيذ سيناريو مشابه للسيناريو الأوكراني في المنطقة.فالولايات المتحدة، لن تكون طرفًا في الصراع، لكنها ستساعد تايوان بالأسلحة والاستخبارات وما إلى ذلك.
وأمام هذا المشهد الحرج؛ لذي تتابعه أوروبا بقلق؛ ستبقي على نفس أخير يسعفها على مجاراة ما يدور؛ فهي لن تخسر علاقتها مع الصين؛ و لن تسير في نفس الاتجاه التي دفعتها فيه أمريكا لمواجهة روسيا؛ ولنيكون في الوارد أن تخسر علاقتها مع الصين من أجل أمريكا؛ التي أدرك الغرب أنها حليف غير موثوق به.
أما الصين فهي الشريك التجاري الأول لأوروبا ولا يمكن الاستغناء عنها، وبالتالي هناك إرادة سياسية أوروبية لإعادة ترتيب علاقتها معها. وستكون الصين همزة الوصل في إعاده العلاقات الروسية الأوروبية لسابق عهدها بعدما انتهجت الولايات المتحدة سياسة عدائية تجاه روسيا بدافع الحقد التاريخي نحوها ومحاولة استمرار هيمنتها على كرسي رئاسة العالم بشكل منفرد، وبالتالي هذه الزيارة وما تضمنها من تصريحات هي رسالة واضحة بوجود عالم متعدد الأقطاب وبأن فرنسا تبحث عن دور أكثر قوة في النظام العالمي الجديد بعيدا عن الهيمنة الأمريكية التي أضعفت الاوروبي بشكل كبير، وبالتالي ترى في التقارب مع الصين مصلحة أكبر من استمرار تقاربها مع أمريكا. كما أن أحد الدوافع الرئيسية لهذا الاتجاه هو القوة الاقتصادية المتنامية لبلدان مثل الصين وروسيا.
فهذه البلدان تسعى بنشاط لتقليل الاعتماد على الدولار وتتطلع إلى تعزيز استخدام عملاتها في التجارة الدولية. و الصين تبذل ، على وجه الخصوص، جهودًا متضافرة لتعزيز استخدام اليوان، بهدف ترسيخه كعملة عالمية رئيسية في التجارة الدولية؛ و الناتج أن الفخ المنصوب لأوروبا على تعبير ماكرون؛ هو أنها في اللحظة التي تصل فيها إلى توضيح لموقعها الاستراتيجي، ستقع في اضطراب في العالم وأزمات لم يكن لديهم يد فيها.فالحكم الذاتي الاستراتيجي يجب أن يكون معركة أوروبا و بدون الاستقلال الذاتي الاستراتيجي، تخاطر أوروبا بالخروج من التاريخ.
و لم يكن ماكرون ليعزب عته ما هو مقدم عليه، فهو يدرك جيدا أن فرنسا ليست ندا للعملاق الصيني، لذلك رافقته أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، في رحلته لموازنة الثقل الصيني بثقل الاتحاد الأوروبي، بل اتصل أيضا بالرئيس الأمريكي جو بايدن، حتى لا يثير حفيظة واشنطن، التي تسعى لخنق بيكين لا الانفتاح عليها. و تلقى الرئيس الفرنسي دعما معنويا آخر من حلف شمال الأطلسي (ناتو)، الذي اعتبر أي مساعدة عسكرية من جانب الصين لروسيا ستكون خطأ تاريخيا له تداعيات بالغة.كل هذا الضغط الغربي حمله ماكرون معه إلى بكين، إلا أن الإليزيه غير متفائل كثيرا بشأن إمكانية فك الشراكة الاستراتيجية بين الصين وروسيا .ولكن الآن من الضروري تنفيذ هذه الاستراتيجية. فالحكم الذاتي الاستراتيجي أمر بالغ الأهمية لمنع الدول الأوروبية من أن تصبح تابعة بينما يمكن لأوروبا أن تكون القطب الثالث ضد الولايات المتحدة والصين. (9)
و ليس من الاستغراب في شيء؛ فرئيس الصيني شي جين بينغ، وصف علاقته مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، بـالصداقة الأبدية، بينما قال فلاديمير بوتين، إن كلاهما يقفان كتفًا إلى كتف في مواجهة الجهود الأمريكية العنيفة بشكل متزايد لردع روسيا والصين. و الادهى؛ أن فرنسا لا تملك ما تقدمه للصين للتخلي عن هذه الصداقة الأبدية، في الوقت الذي تمارس فيه الولايات المتحدة ضغوطات شديدة على بكين في ملف تايوان، وتفرض عليها تطويقا استراتيجيا عبر حلفائها الآسيويين.بل وصل الأمر إلى فرض واشنطن عقوبات على الشركات التكنولوجية الصينية مثل هواوي وتيك توك، وتحاول حرمان بيكين من تكنولوجيا أشباه الموصلات (الرقائق الالكترونية). و كلما زاد الضغط الأمريكي على الصين كلما اقتربت أكثر من روسيا، وعززت تحالفها معها، ما يهدد بهزيمة الجيش الأوكراني المدعوم غربيا إذا ما قررت بيكين دعم موسكو بالأسلحة والذخائر.
وهذه هي مهمة باريس، استبدال التشدد الأمريكي بلغة حوار هادئة يحترم فيها الغرب مكانة الصين كقوة عالمية لا يمكن تجاهلها.وبدل دفع بكين نحو موسكو، يتم فتح المجال لها لكي تكون شريكا للغرب، سواء اقتصاديا أو كوسيط في الحرب الأوكرانية، مع التلويح بعصا العقوبات إذا اختارت الصين تموين الجيش الروسي بالسلاح.
إن فرنسا تدرك أن الصين لعبت الدور الأبرز في إضعاف تأثير حزمات العقوبات المتتالية على الاقتصاد الروسي نظرا لعدم انخراطها فيها؛ كما خففت من وطأة العقوبات الاقتصادية على موسكو، و ذلك بتحويل جزء من الصادرات الروسية من الغاز الطبيعي نحو الصين بعد أن قررت أوروبا التخلي عنها تدريجيا. ومن بكين، اعتبر ماكرون، أن دعم روسيا يعني التحول إلى شريك لها، في إشارة إلى الصين، التي ترفض إدانة الحرب الروسية على أوكرانيا؛ وهنا تكمن صعوبة مهمة ماكرون في كسر التحالف بين بيكين وموسكو، المتواجدتين ضمن مجموعتي بريكس وشنغهاي للتعاون، الساعيتين لبناء عالم متعدد الأقطاب.
لذلك أكثر ما كان يتوقع أن يحققه ماكرون في زيارته الثالثة إلى بيكين، أن يقنع الزعيم الصيني، بإجراء مكالمة هاتفية مع الرئيس الأوكراني فولودومير زيلينسكي، وهو ما لم يرفضه شي جين بينغ، و عمل عليه لاحقا.وفق ما تحدث عنه الإعلام الفرنسي.فهذه المكالمة من شأنها أن تمنح دعما معنويا لكييف في حربها ضد روسيا، وأن توازن ولو جزئيا زيارة الزعيم الصيني إلى موسكو، وتسحبه قليلا نحو مربع الحياد.
ورغم أن الصين تدفع بحيادها دوما في الحرب الروسية الأوكرانية، إلا أن الدول الغربية لا تثق في هذا الحياد، وتعتبر أن بيكين أقرب إلى الموقف الروسي. فالمقاربة الفرنسية تجاه الصين أقل تشددا من التصور الأمريكي المشكك في نوياها، ويربط مبادرتها في أوكرانيا برغبتها في استعادة تايوان ولو بالقوة المسلحة، وهذا جوهر الخلاف بين باريس وواشنطن، إلا أنه لا ينفر الحليفين.
إن تسارع الأحداث في أوكرانيا يهدد بتوسع نطاق الحرب، ليشمل بلدان أخرى في أوروبا، خاصة بعد قرار بوتين نشر أسلحة نووية تكتيكية في بيلاروسيا، وتلويحه بإجراءات انتقامية ضد فنلندا بعد انضمامها إلى الناتو.ولا تريد فرنسا أن تتحول أوروبا إلى ساحة حرب نووية، لذلك لجأت إلى الصين التي لها صوت مسموع في موسكو، لتخفيف حدة الصراع وتفادي السيناريو الأسوأ، والمتمثل في اندلاع حرب نووية. ان ماكرون، يسعى ليكون المحاور الرئيسي للغرب مع الصين، بعد أن أخفق في أن يكون المحاور المباشر لبوتين (10).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو بين إرضاء حلفائه في الحكومة وقبول -صفقة الهدنة-؟| ال


.. فورين أفارز: لهذه الأسباب، على إسرائيل إعلان وقف إطلاق النار




.. حزب الله يرفض المبادرة الفرنسية و-فصل المسارات- بين غزة ولبن


.. السعودية.. المدينة المنورة تشهد أمطارا غير مسبوقة




.. وزير الخارجية الفرنسي في القاهرة، مقاربة مشتركة حول غزة