الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مرايا الغياب/ بشير البرغوث6

محمود شقير

2023 / 4 / 30
الادب والفن


وصلنا الصين بعد عصر أحد الأيام، وكان الطقس صيفياً. استقبلنا في المطار بعض العاملين في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني. خرجنا من المطار وركبنا السيارات الرسمية السوداء إلى الفندق. سارت بنا السيارات في شوارع بكين العريضة المزدحمة بالسيارات وبالدراجات الهوائية وبالناس. الفندق من أكبر الفنادق في المدينة. نسيت اسمه، ربما كان اسمه فندق بكين.
أمضينا اثني عشر يوماً في الصين، زرنا خلالها عدداً من المدن، وأجرينا عدداً من اللقاءات مع مسؤولين في مخلتف القطاعات السياسية والاقتصادية والثقافية. زرنا ساحة تيان آن مين ومشينا فيها وسط خلق كثيرين من السياح ومن المواطنين. (هنا، وقعت مواجهات دموية بين قوات النظام والمعارضة التي ترفع شعار الديمقراطية على النمط الغربي) زرنا القصر الإمبراطوري ومشينا في ساحاته، وتفرجنا على بعض غرفه التي يبلغ عددها تسعة آلاف وتسعمائة وتسع وتسعين غرفة.
زرنا معبداً بوذياً في واحدة من مدن الصين. زرنا استوديو للتصوير السينمائي، وهناك شاهدنا شريطاً عن تفاصيل العمل في فيلم "الإمبراطور الأخير" وهو إنتاج صيني_ إيطالي، وكنت شاهدته في إحدى دور السينما في براغ. زرنا مقر اتحاد الكتاب. زرنا مصنعاً للآلات الثقيلة، ومشغلاً للحرف اليدوية، ومزرعة غاصة بالأشجار المثمرة. زرنا بيتاً عادياً من بيوت المدينة لكي نطلع على حياة أسرة صينية. زرنا ملجأ للعجزة يقيم فيه حشد من الرجال المسنين (طلب منهم المسؤول أن يعبروا عن ترحيبهم بنا، صفقوا بأيديهم مثل أطفال في مدرسة، وكان المشهد مثيراً للأسى). صعدنا إلى قمة جبل لزيارة أثر قديم. التقط المرافقون لنا صوراً فوتوغرافية شتى. تناولنا الطعام الصيني في عدد من المطاعم. أهدانا المضيفون كتباً فيها خطب وكتابات لماوتسي تونغ، ولدينغ زهاو بينغ. ذهبنا إلى الأسواق، تفرجنا على السلع الصينية، على أقمشة من الحرير وعلى حقائب من الجلد. اشترينا هدايا للأهل وللأصدقاء.
ونحن في بكين، أخذنا المضيفون الصينيون إلى حفل فني، تغني فيه وترقص وتؤدي ألعاباً مبهرة فرقة صينية بملابس تقليدية تراثية، وتعزف موسيقى صينية تحتاج إلى دربة خاصة للانسجام معها ولمتابعتها حتى النهاية. جلسنا، بشير وأنا، إلى مائدة قريبة من خشبة العرض، ورحنا نتابع الحفل الفني مع حشد من السياح الأجانب ومواطني المدينة.
كان الحفل باعثاً على البهجة. بعد الحفل عدنا إلى الفندق، وكنا على وشك أن ننهي رحلتنا.
كانت الصين في تلك الأثناء تطبق سياسة الانفتاح الاقتصادي، وتسعى للتخفيف من أثر المطالبة بالديمقراطية السياسية على النمط الغربي، بإشاعة المزيد من الحرية الاقتصادية. وكنا، بشير وأنا، نصغي إلى ما يجري في هذه البلاد العريقة، ونشفق عليها في الوقت نفسه من مغبة التفكك والدخول في الفوضى. كنا نشفق عليها أيضاً من مغبة الإخفاق في الجمع الناجح بين السوق الحرة والعدالة الاجتماعية، والتوزيع المنصف للثروات (تتضارب الآن آراء المحللين السياسيين والمفكرين حول ما يجري في الصين. بعضهم يرى في ذلك تحولاً نحو الرأسمالية مع بقاء القيادة في أيدي الحزب، ويجري التدليل على ذلك بالحراك الاقتصادي الملموس في المدن، وبالفقر وضعف الخدمات في الريف، وبعدم الانتباه إلى تلويث البيئة لغايات تكديس الربح، حيث يوجد الآن في الصين ما يقارب عشرين ألف مصنع كيمياوي مشيدة على ضفاف الأنهار. والأنهار أصبحت مياهها ملوثة لأن المصانع ترمي نفاياتها فيها. كما يجري التدليل على ذلك أيضاً بإنعاش الطبقة الوسطى اقتصادياً واجتذاب ممثليها إلى صفوف الحزب، والتسبب جراء ذلك في التباس هويته الطبقية. وبالطبع، فإن لقادة الحزب والدولة الصينية آراء أخرى تؤكد على الطبيعة الاشتراكية للنظام).

13

كتبت في دفتر اليوميات:
يطرح بشير على محدثه في بعض الأحيان أسئلة شبيهة بالكمائن. هو لا يطرحها من أجل اختبار محدثه ومعرفة مقدار ما يتسم به من وعي أو معرفة. إنه يطرحها لاختبار فكرته هو حول أمر ما، أو لبلورة فكرة تتشكل في رأسه.
مرة، ونحن جالسان في صالة الفندق الذي حللنا فيه في بكين، جال بعينيه في أنحاء الصالة، ثم سألني: ما هي تكلفة بناء هذا الفندق في اعتقادك؟ أجبت دون تدقيق: ربما عشرة ملايين دولار. بدا مستغرباً من إجابتي، لأن بناية الفندق تزيد عن عشرين طابقاً، ما يجعل تكلفته أكثر من ذلك بكثير. وهو لم يذكر رقماً محدداً، لكنه قال إن التكلفة أعلى مما قلت.
ومرة أخرى، سألني في معرض التعليق على مآل الثورة الروسية ونحن نتابع التطورات التي تحدث في موسكو إبان زيارتنا للصين: هل كان خيار البلاشفة صحيحاً حينما اختاروا الثورة؟ ماذا لو أنهم اختاروا خط الإصلاح؟
صمتنا معاً بضع لحظات، وحينما هممت بالكلام قال: لست أطلب منك جواباً الآن، هذا أمر يحتاج إلى تمحيص وتدقيق.
وذات مرة، كنا نجلس في مكتب الغد للدراسات في عمان. سألني انطلاقاً من علاقتي بأعداد غير قليلة من المثقفين الفلسطينيين والأردنيين: إلى أي حد يقترب المثقفون من أفكار اليسار؟ وما هي المؤشرات على ذلك؟
أجبته عن سؤاله، ويبدو أن بعضاً من إجابتي كان نابعاً من رغبات ذاتية أو من تفاؤل غير مبرر.
لم يقل شيئاً. كان يتابع ما أقول، ولم يخبرني إن كان مقتنعاً بما قلته أم لا.
يتبع...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة


.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟




.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا