الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اما زال المثقفون على قيد الحياة - الثقافية؟

محمد حمد

2023 / 5 / 1
الادب والفن


أجد صعوبة بالغة في تحديد ورسم ملامح دقيقة، واضحة لمفهوم "المثقف" في هذا الزمان. وتزداد صعوبتي كلما أطلتُ النظر إلى خارطة النشاط "الثقافي" المترامي الاطراف. والذي يزيد كثيرا عن حاجة البشر العقلاء ! ربما لأننا نحب الاسترسال في الكلام ونقوله على عواهنه. ونهوى التنظير والتأويل، ونقع بسهولة في كمائن التفسير وشراك القيل والقال. ربما !
ولا يختلف الأمر بالنسبة للثقافة. فهي الآخرى فضاء شاسع تسكنه كائنات "مثقّفة" حالمة، تبحث عن ذواتها المصابة بالنرجسية والخداع، في دهاليز وأزقة الانترنت وامثاله.
فهل سال احدكم، ولو بدافع الفضول والتسلية، عن معنى كلمة "المثقف" في عالم اختلط فيه حابل الكلام الأنيق بنابل الثرثرة العقيمة؟ واصبح كل من هبّ ودبّ يشهر قلماً "يذبح الطير" كما يُقال. وكانه سيف يماني في ساحة الوغى ! ثم ينشر غسيله القذر على مواقع تعتاش عادة على صور نساء جميلات (ممثلات أو عارضات ازياء) واخبار وصور موتى حديثي الموت. وسط "مشهّيات" تزيد الأمور ابتذالا وقبحا، على شكل دعاء ديني حزين أو حكمة "بايخة" قالها حكيم قذفته امواج التفاهات على سطح الأحداث اليومية. فكسب نفرا من الاتباع والمريدين وحفنة من علامات الاعجاب، وهو الشيء الأهم. واصبح له "شأن" في شؤون الدنيا. واحتل موقعا مميزا في فراغ تحيطه فراغات متتالية، تنتهي جميعها الى الأرض اليباب، التي هي ثقافة عصرنا الجاهلي هذا.
في أوروبا مثلا، من النادر جدا أن تسمع عن كلمة مثقف أو يشار لها في معرض الأحاديث والكتابات والمقابلات التلفزيونية. فكلمة "مثقف" تمنح من يوصف بها شيئا من الخصوصية والامتياز وتهدف إلى إعلاء شأنه. وهذا شيء مرفوض وغير مقبول بالنسبة لثقافة العالم المتحضر. فهنا كل شيء يُسمى باسمه، سواء كان رئيس دولة أو عبقري زمانه. لا زيادة ولا نقصان. لا صفات مدح أو اطراء أو تبجيل أو تقديس. مثل مبدع وكبير وشهير ومتألق وعبقري. وغير ذلك.
وحسب معرفتي، في ايطاليا على سبيل المثال أن دانتي اليغييري صاحب "الكوميديا االالهية" هو الشخص الوحيد الذي توضع أمام اسمه في بعض الاحيان صفة معينة. مثل الكبير أو العظيم.
نحن لدينا قائمة طويلة من صفات نابعة من شعور بالنقص لدى من يستخدمها ولدى من يوصف بها. وهي في كل الاحوال جزء من سياسة التملق والمجاملة الرخيصة التي ترافق حياتنا الثقافية الهابطة إلى الدرك الاسفل من الحضيض. بل هي نتاج سنوات طويلة من الكبت والقمع والاضطهاد السياسي والاجتماعي، حتى صار أحدنا "مرغما" على استخدام صفة ما، جميلة طبعا، في مخاطبة الآخرين.
وإذا جاز القول، يمكن اعتبار الثقافة في عصرنا الراهن "البضاعة" الوحيدة التي لا تخضع لقواعد السوق ومبدأ العرض والطلب. ومن يلقي نظرة عابرة على "دكاكين" الثقافة في كل بلد، والعراق بشكل خاص، سيجد أن العرض تجاوز الطلب بعشرين مرة على أقل تقدير. رغم محاولات الإنقاذ البائسة التي يقوم بها البعض من أصحاب النوايا الحسنة. فدخلنا مرحلة التضخم والركود الثقافي. ونتج عن ذلك عزوف جماعي عن عالم الثقافة إلى عوالم "بديلة" لا يمكنها مهما كلف الأمر أن تعوض أو أن تملأ الفراغ الشاسع الذي تركته ثقافتنا الأصيلة.
قد تختلف الأزمنة وقد تختلف الأجيال، وتتغير الأساليب والمفاهيم، وحتى اللغة باعتبارها الناطق الرسمي و"لسان" حال بتي البشر. قد تمر عليها رياح التغيير العاتية ويصيبها الوهن جراء اللامبالاة. ولكن اي بلد تصبح فيه الثقافة "سوق خردوات" والمثقف يمارس فيه مرة دور البائع ومرة دور الزبون. لا يمكن أن يكون له مستقبل مشرق بين الامم. ويجب أن نقرأ عليه سورة الفاتحة. ونبكي على اطلاله التي ما زالت تُرى بالعين المجرّدة، ومن مسافات بعيدة !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهرجان كان السينمائي - عن الفيلم -ألماس خام- للمخرجة الفرنسي


.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية




.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي


.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب




.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?