الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول كتاب ( استراتيجية نزع القداسة )

حمزة رستناوي

2023 / 5 / 1
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


أهداني الصديق علي الأمين السويد مشكورا باكورة نتاجه الفكري كتابه المعنون ( استراتيجية نزع القداسة) وسأكتب عددا من الملاحظات ذات الصلة:
أولا- ينتمي الكتاب إلى تيار التنوير الديني المعاصر، هذا التيار الذي يعمل على توليد فهوم جديدة للاسلام مُختلفة عن المُكرّس السائد في التراث الاسلامي، عبر إعادة الاعتبار للقرآن الكريم كنص مُؤسس للاسلام بعيدا عن النصوص الثانوية الأخرى الشارحة أوالمُصادرة للمعنى مُمثَّلة بالأقول المنسوبة للنبي محمد أو الصحابة أو التابعين أو أئمة المذاهب ومؤسسي الفرق الكلامية والصوفية. يدّعي مُمثلي هذا التيار بأن الاسلام السائد المُكرس اليوم في حياة وخطابات المُسلمين هو بمثابة دين مُوازي تم انتاجه في العصر العباسي وهو بمثابة تحريف للاسلام المحمدي/القرآني. فقي الفقرة المعنونة ب (كهنة الأديان الموازية )ص50 يورد الكتاب " وأصبحت كل منظومة يدعو إليها كاهن جديد عبارة عن اسلام جديد أو مادة كهانة جديدة تحوم حول الاسلام الذي جاء به محمد، فتلتقي معه أحيانا في أمور شكلية وتختلف عنه في كل قضية مفصلية، ويعتمد تعاليم لم يأت بها اسلام النبي محمد ، فصارت تلك النسخ المُشوهة للاسلام تستحق تسمية ( الأديان الموازية )التي هي مادة وسوط الكهنة الجدد لاستعباد الناس– ص50 ويضيف: أسهمت القداسة المُكتسبة لعلماء المسلمين في تعطيل البحث المُعمق في معاني الآيات القرآنية ، وعملت على تحنيط فهم معاني بعض مفردات واشارات القرآن في توابيت فهم أولئك العلماء" وقد أدى ذلك لنشوء قيم دينية تشبه قيم الاسلام شكلا، ولكنها مشوشة وغير واضحة مضمونا- ص52.. النماذج المُتأسلمة- ص52.
تعقيبا على ذلك تفترض هذه المدرسة وجود أصل نبوي/قرآني مُحدّد وأنه تم الانحراف عنه لاحقا، وتعتبر أن جهود إعادة الاسلام إلى أصوله الصافية مُمكنة وضرورية لتحسين حال المسلمين ومجتمعاتهم اليوم.

ثانيا- على اعتبار أن عنوان الكتاب يتضمن مصطلح ( نزع القداسة ) أرى أنه كان من المُفيد تسليط الضوء على نشوء هذا المصطلح عالميا، والاسهامات العربية السابقة في تطبيقه وضبطه، حيث ظهر désacralisationبالفرنسية مع René Guénon (1886-1951) وقد قام محمد أرغون باستخدامه في مقاربة الخطابات الاسلامية في كتابه ( الفكر الاصولي واستحالة التأصيل) حيث صدرت الترجمة العربية له 1999

ثالثا- يورد الكتاب الجملة التالية " وهذا ما كان يفعله كهنة الآلهة الخرافية -ص50. تعقيبا على ذلك يمكن القول إن التمييز بين الآلهة الخرافية والآلهة الحقيقية يستند إلى المنظور الإيماني الخاص والنسبي الذي يؤمن به الشخص نفسه، ولا يوجد معايير موضوعية تفيد في ذلك.

رابعا- ملاحظة تقنية: كون الكتاب يحتوي نصوصا كثيرة منقولة من كتب التفاسير الكلاسيكية لغرض مناقشتها ونقدها ، ويحتوى على نصوص من فتاوى من مواقع الكترونية دعوية اسلامية لنفس الغرض، ربّما كان من الأفضل تميز الاقتباسات بخط أصغر أو نوع مُختلف من الخط لسهولة القراءة والتمييز.

خامسا- يقدم الأمين في الفصل الأول المعنون ب( مطلح نزع القداسة وطرائق تشكلها) عرضا سلِسا ومُفيدا لمراحل تشكل القداسة الدينية وحضور هذا المفهوم في الخطابات الاسلامية القديمة والمُعاصرة ويكشف عن تهافت الكثير من هذه التفسيرات ، وخطورة هذا التكريس بكونه من ظواهر الاستبداد وثقافة التجهيل المُبرمج غير بريء النوايا.

سادسا- يقدّم الكتاب الآية 88 من سورة النمل " وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ" كمثال على تطبيق مبدأ نزع القداسة ، ويعرض الكاتب لأقوال معظم كتب التفاسير القرآنية المشهورة القديمة منها والمعاصرة (14 كتاب) ويقيم حوارا نقديا معها، ويفتتح الأمين الحوارات النقدية على الطريقة السقراطية من قبيل: مَن تُخاطب هذه الآية؟ ما هو زمن الحَدث المذكور في متن الآية؟ لماذا؟ كيف؟ ..الخ. يقوم الأمين هنا بتحييد النصوص الثانوية المُفسرة المنسوبة للنبي محمد والصحابة والتابعين لكونها تصادر على المعنى من خارجه، ويناقش بذكاء وندِّية تفسيرات الطبري ص62وغيره ويسعى لإقامة مُقارنات مفيدة بينها.

سابعا- في الفصل الثالث يقدّم الأمين معلومات علمية عامة حول جيولوجيا كوكب الأرض بما سوف يخدم التفسيرات الجديدة للآية المذكورة فيما يخص الجبال وقوامها وحركتها. لقد كان الشرح بسيطا وممتعا ، ولكنه ربما كان مُسهبا بما يتجاوز كمية المعلومات المطلوبة لغرض التفسير.

ثامنا - الموضع الذي اختاره الأمين لتطبيق مبدأ نقد القداسة كان غير إشكالي، ولا يعرض لمصالح تتناول أولويات الحياة والعدل والحرية، وهذا ما ساهم في صعوبة تقييم هذه محاولته البحثية الأولى في هذا الكتاب، ومردوها المباشر في حياة المسلمين. في حوار شفوي مع الكاتب أشار لي بكون هذا الكتاب هو فقط محاولة أولى، وأنه بصدد التصدي لهكذا مشروع قد يتناول الآيات التي تتناول موضع الحرية في القرآن الكريم.

تاسعا- يؤكد الكتاب على حضور مبدأ (نقض الفرض) في حجج المُتكلمين والمُفسرين المسلمين عموما، ويؤكد على حضور مبدأ نزع القداسة ( المرحلي) في الحوارات القرآنية نفسها وكونه أسلوب قرآني أصيل كما في الحوارات حوارات الله سبحانه مع ابليس وفي حوارات الأنبياء والنبي محمد مع الكافرين والمشككين بدعواتهم.

*استراتيجية نزع القداسة -علي الأمين السويد- دار بروا للطباعة والنشر- القامشلي، سوريا 2003








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بسبب نقص الغاز، مصر تمدد فترات قطع التيار الكهربائي


.. الدكتور غسان أبو ستة: -منعي من الدخول إلى شنغن هو لمنع شهادت




.. الشرطة الأمريكية تفض اعتصام جامعة فرجينيا بالقوة وتعتقل عددا


.. توثيق جانب من الدمار الذي خلفه قصف الاحتلال في غزة




.. نازح يقيم منطقة ترفيهية للتخفيف من آثار الحرب على أطفال غزة