الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لامركزية الانترنيت وفكرة خلق خدمات أكثر أمانًا ومتانة وعدلا

رويدة سالم

2023 / 5 / 1
العولمة وتطورات العالم المعاصر


صدر عن (براس دي مين – ط1: 2013 وط2: 2015) كتاب "أقزام دون عمالقة: الهندسة اللامركزية وخدمات الإنترنت Nains sans géants : architecture décentralisée et services Internet " لفرانشيسكا موزيانيFrancesca Musiani, ، الباحثة في معهد علوم الاتصال بالسربون، والمكلفة بالبحث في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي وفي معهد علوم الاتصال (ISCC)، والتي تُنسِّق حالياً برنامج عمل لصالح المشروع الأوروبي ناكستليب NEXTLEAP (الجيل التكنو-اجتماعي ومدخل التشفير القانوني والخصوصية).
وقد حاز هذا الكتاب على جائزة المعلوماتية والحريات سنة 2013، كما أُعيد نشره في 2015 بتمويل من اللجنة الوطنية للمعلوماتية والحريات CNIL، ويحتوي على 351 صفحة، ويضم مقدمة عامة تتطرّق إلى مُقاربة لامركزية لخدمات الإنترنيت، وتدرس ثلاث حالات هي سوسيولوجيا التجديد في الزمن الواقعي والتجديد والمجدِّدون في "النظير للنظير" الـPeer-To-Peer (P2P). وخاتمة تتناول موضوع أقزام وعمالقة وتطرح البديل لخدمات الإنترنت وتدعو إلى إعادة بناء الشبكات وموضوع الحقوق ونتاجها. وأما فصول الكتاب، وهي خمسة، فقد تناول أولها التجديد والإنترنيت المعمّمة، وتطرّق الثاني إلى الـP2P اللامركزي والابتعاد عن الشبكة لإعادة صياغتها، في حين يدور الفصل الثالث حول محرك البحث المُوزَّع على المستخدمين "فارو faroo" ويتناول الرابع برنامج تخزين الملفات "ووالا" Wuala أو فن التسوية بين ما هو معمم وما هو مركزي، ويتناول الفصل الخامس البرنامج المجاني لتبادل البيانات "تريبلار" Tribler والـP2P القادم أو إنشاء الـP2P كقيمة لصالح أوروبا.
يتقصّى هذا الكتاب أشكال الهياكل اللامركزية للإنترنت، ويُبيِّن كيف لشبكة عنكبوتية مّا توزّع مسؤولية عملها على "هوامشها"، وتُنسِّق ذاتها حسب نموذج غير هرمي، أن تزدهر في عالم الإنترنت المُعاصر بالغ التنظيم. ويذكر أن اللامركزية هي عنصر رئيس في نشأة الإنترنت، التي كانت، في البدء، تهدف بالأساس إلى خلق تواصل بين آلات متباينة ومتباعدة جغرافياً، دون المرور عبر نقطة واحدة. ولكن اليوم، صارت القيمة المسيطرة هي التمركز، حول الأطراف الفاعلة الكبرى، تلك "العملاقة" التي تراقب حقول خوادمها الضخمة معظم حركة الاتصالات الإنترنتية. ويوضّح أنه، مع ذلك، لم يتمَّ التخلّي عن المبدأ الأصلي بالكامل، إذ في جميع مجالات التطبيق، يستكشف مطورو البرامج بدائل لامركزية أخرى. وهؤلاء المبرمجون هم "الأقزام" الذين يقدّمون محركات بحث جديدة وشبكات اجتماعية ومساحات تخزين، تقوم جميعها بتوزيع الموارد والمهارات بين مُرتادي الشبكة.
مثل هذا النظام يُثير قضايا تنظيم السوق، وكفاءة التقنيات، واستدامة النماذج ، فضلاً عن حماية الخصوصية والحق في سرِّية البيانات الشخصية. وكما يُشير جيفري بوكر في تصديره للكتاب، يقودنا ذلك إلى مساءلة حَوْكَمة الإنترنت، ومن أجل فهم هذه المسألة السوسيو- تقنية المحورية في وقتنا الراهن، يتوجَّب علينا تحليل البدائل وفقاً للأداء الحالي. وهو، بالتحديد، الأمر الذي برع في سبر غوره، بطريقة ذكية ومُدرِكة لكل جوانب الموضوع، كتاب "أقزام بلا عمالقة". هذا العمل الرائد، الذي كافأته اللجنة الوطنية للمعلوماتية والحريات بجائزتها السنوية وبالدعم المادي لإعادة طبعه في نسخة ثانية، نظراً لأنه يُركِّز على قضايا الخصوصية ويبحث البُنى اللامركزية في ضوء أحدث التطورات الجارية، مثل اعترافات إدوارد سنودن حول ممارسات المراقبة المنفّذة من قبل أجهزة الاستخبارات الأمريكية.
قبل أن يُقدّم نفسه على أنه جَرِد إثنوغرافي شامل، يسعى الكتاب إلى أن يكون مساهمة في الدراسات حول حَوْكَمة الإنترنت، مقدِّماً بدائل لأدائها الحالي. وتعرض المقدمة العامة طبيعة الدراسة وتقترح مراجعة للعديد من الأعمال السوسيولوجية التي تناولت الهياكل التكنو- منطقية، وآليات الإنترنت. كما تُسلّط الضوء على الحاجة إلى دراسة الهياكل التقنية من خلال شبكات التفاعل والمفاوضات والخلافات التي تُساهم في تشكيلها.
ويحيلنا العنوان، "أقزام دون عملاقة"، إلى "الأقزام" العديدين، أي تلك الخدمات اللامركزية بنظام الـ P2P، التي تعمل مستقلة ودون الحاجة إلى "العمالقة"، أولئك الفاعلين الكبار في الإنترنت والى بُناهم التحتية المركزية. ويقوم الفصل الثاني بتعريف الـ P2P على أنه "مجموعة من التقنيات التي تم نشرها وتطويرها لنقل التخزين أو الحَوْسبة أو المسؤولية أو القدرات إلى هوامش شبكة الإنترنت".
يستعرض الفصل الأول تاريخ الإنترنت من وجهة نظر "موجهة الـ P2P". وتُذكِّر المؤلفة أن الإنترنت ذاتها قد تم تصميمها في الأصل كنظام الـ P2P للتواصل المتناظر بين الثنائيات. ومع ذلك ، ففي أوائل التسعينيات ، عندما كانت الإنترنت في طريقها لتكون مُتاحة للجميع، صارت الاتصالات غير المُتناظرة والخدمات المركزية مُهيمنة بشكل متزايد مع إدخال بُنى تحتية قوية للغاية ومركزية مثل غوغل. نلاحظ مع ذلك ، ولادة جديدة راهنة لـلـ P2P، لأسباب إيديولوجية (مناهضة للمركزية) ولتلبية احتياجات براغماتية ، مثل أفضل احترام ممكن للخصوصية (يشير الكتاب إلى "الخصوصية عبر التكنولوجيا").
يتناول كل فصل من الفصول الثلاثة التالية دراسة حالة من حالات خدمات الإنترنت المبنية على نموذج لامركزي. يتم تحليل هذه الحالات الثلاث - والتي تحمل اسماً وهمياً للحفاظ على السرية – انطلاقاً من فكرة أساسية يتمُّ توصيفها في عنوان الفصل المعني.
يُناقش الفصل الثالث – الموسوم بمحرك بحث "موَّزع على المستخدمين" - حالة سلادير، وهو محرك بحث يسعى لأن يكون لامركزياً بالكامل عبر توزيع فهارس البحث الخاصة به على أجهزة مستخدميه. ويعالج الفصل 4 دريزل ، وهو خدمة تخزين الـ P2P والتي تهدف إلى مشاركة ملفات على أجهزة كمبيوتر نظراء بدلاً من مشاركتها على خادم مركزي (مثلما هو حال دروبوكس على سبيل المثال). يؤكد هذا الفصل، المُعنوَن بـ"فن التسوية" بين المُوزَّع والمركزِي، أهمية المبادلات والتوترات بين ما هو "موزع ومركزي"، ويوضح كيف أن خدمة تبادل الملفات قد اضطرت إلى التعزيز التدريجي للمظهر المركزي لبُنيتها التحتية (حقل خوادمها) من أجل ضمان موثوقيتها. ويتناول الفصل 5 حالة دولانك، وهو برنامج ظهر في الفضاء الجامعي وتطوّر في البداية انطلاقاً من نموذج مشاركة ملفات ليصبح بعد ذلك برنامج بث لتلفزيون P2P. تحت عنوان "بناء P2P كقيمة لأوروبا"، يوضح هذا الفصل كيف أنه وقع تبنّي وبناء الـ P2P كممارسة مشروعة أكثر من كونه قرصنة من خلال تحالفات بين الجامعات والشركات الخاصة والفاعلين السياسيين.
يُعَدُّ هذا الكتاب مساهمةً هامة في فهم أشكال التنظيمات اللامركزية والـ P2P ، التي لا تلقى إلّا القليل من التحليلات من قبل العلوم الاجتماعية والاتصالات. وكما لاحظ جيفري بوكر، يمكن لهذا البحث أن يجعلنا نُفكّر في السُبُل الأخرى التي سيكون بإمكان الإنترنت أن تتطور عبرها. كما أنه يسمح، من خلال الاستكشافات السوسيو- تقنية البديلة، بدرس الطرائق البراغماتية التي يتم من خلالها التفاوض على حَوْكَمة وهياكل الإنترنت. ويتعلق الأمر هنا، بالتأكيد، بالإسهام الذي سيكون بإمكان "أقزام" آخرين من بيننا أن يقدموه.
في الختام يمكننا القول أن هذا الكتاب يستكشف فكرة خلق إنترنت أكثر اتساعًا، حيث يتحكم المستخدمون في بياناتهم وتفاعلاتهم عبر الإنترنت بشكل أكبر. يناقش المؤلفون أهمية البناء اللامركزي للانترنيت وكيف يمكن تطبيقه لخلق خدمات إنترنت أكثر أمانًا ومتانة وعدلا. كما يقدمون أيضًا أمثلة على مشاريع ومبادرات نجحت في تطبيق البناء اللامركزي للانترنيت في مجالات مختلفة، مثل شبكات التواصل الاجتماعي والأسواق الإلكترونية ونظم التصويت عبر الإنترنت. بشكل عام، يشجع الكتاب القراء على إعادة التفكير في كيفية تصميم واستخدام الإنترنت، والعمل نحو مستقبل يتحكم فيه المستخدمون في حياتهم الرقمية بشكل أكبر.

ودمتم بخير








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو بين إرضاء حلفائه في الحكومة وقبول -صفقة الهدنة-؟| ال


.. فورين أفارز: لهذه الأسباب، على إسرائيل إعلان وقف إطلاق النار




.. حزب الله يرفض المبادرة الفرنسية و-فصل المسارات- بين غزة ولبن


.. السعودية.. المدينة المنورة تشهد أمطارا غير مسبوقة




.. وزير الخارجية الفرنسي في القاهرة، مقاربة مشتركة حول غزة