الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رجوع الشاهد عن شهادته امام المحاكم الجزائية

وليد عبدالحسين جبر
محامي امام جميع المحاكم العراقية وكاتب في العديد من الصحف والمواقع ومؤلف لعدد من

(Waleed)

2023 / 5 / 1
دراسات وابحاث قانونية


تعليق على قرار محكمة التمييز
بموجب قرارها المرقم( 10560 / الهيأة الجزائية / 2019) نقضت محكمة التمييز الاتحادية قرار محكمة جنايات نينوى الهيئة الاولى والصادر بتاريخ 2 / 6 / 2019 الذي قضى بتجريم متهم وفق أحكام المادة الرابعة / 1 وبدلالة المادة الثانية / 3 من قانون مكافحة الارهاب رقم 13 لسنة 2005 والحكم عليه بالسجن لمدة خمسة عشر سنه استدلالا بالمادة"132 / 1 " من قانون العقوبات حيث ثبت لمحكمة التمييز من خلال تدقيق الحكم " أن محكمة جنايات نينوى أخطأت في تقدير الادلة المتحصلة ضد المتهم لأنه انكر التهمه المسندة اليه تحقيقا ومحاكمة فيما يخص الانتماء الى تنظيم داعش الارهابي وان الشاهد ضده قد تراجع عن شهادته عند حضوره امام محكمة الجنايات فتكون الادلة غير كافية وغير مقنعه لتجريم المتهم وفق التهمه المسندة اليه وحيث أن المحكمة قضت خلاف ذلك فيكون قراراتها غير صحيحه قرر نقض كافه القرارات والغاء التهمه والافراج عن المتهم لعدم كفاية الادلة ضده واخلاء سبيله حالا مالم يكن مطلوب عن قضيه اخرى استنادا لأحكام المادة 2/1/259 من قانون اصول المحاكمات الجزائية واشعار دائرة السجن بذلك وصدر القرار بالاتفاق في 2019/6/22"
وكون ان القرار اعلاه قد تضمن جزئية قانونية ربما تثير جدل قانوني وفقهي و يجب ان تكون منطلق لإعادة النظر في الشهادة كدليل اثبات وخطورة عدم تدقيق الشهادات عند تدوينها والاستماع لها لإنها قد تبرئ انسان مجرم وقد تجرم انسان برئ فقد اشار القرار المشار اليها الى مسألة رجوع الشاهد عن شهادته امام محكمة الموضوع وبالتالي تكذيبه لأقواله السابقة التي ادلى بها امام محكمة التحقيق ، وهذه حالة تقع كثيرا في المحاكم ولا غرابة فيها إذ قد يكون الشاهد قد ادلى بأقوال كاذبة اثناء التحقيق لإسباب عدة واراد ان يتدارك ذلك اثناء المحاكمة وقد يحصل العكس إذ قد يكون الشاهد تحدث بالحقيقة اثناء تدوين اقواله امام محكمة التحقيق ومن ثم تعرض لترغيب او ترهيب اثناء المحاكمة فرجع عنها وهذه استدلالات خاضعة لتقدير محكمة الموضوع استنادا الى المادة( 215) من قانون اصول المحاكمات الجزائية" للمحكمة سلطة مطلقة في تقدير الشهادة فلها ان تأخذ بها كلها او بعضها او تطرحها او ان تأخذ بالأقوال التي ادلى بها الشاهد في محضر التحقيق الذي قامت به الشرطة او محضر التحقيق الابتدائي او امام محكمة اخرى في الدعوى ذاتها او ان لا تأخذ بأقواله جميعها"
لذلك يرى القاضي " سلمان عبيد عبدالله " احد قضاة محكمة التمييز في كتابه " شرح قانون اصول المحاكمات الجزائية " ط1/ 2015 ص147 " ان الشهادة طريقة اثبات ضرورية ولكنها في نفس الوقت طريقة ضعيفة وخطرة اذ انها ترتكز من جهة على مشاعر الحواس وذاكرة الشهود وهي عرضة للزلل ومن جهة اخرى ترتكز على قرينة مشكوك فيها من الصدق والاخلاص .."
ومن خلال مناقشتنا للقرار من النواحي القانونية يتبين لنا ما يلي :
اولا: ان الشاهد في رجوعه اثناء المحاكمة عن اقواله المدونة امام قاضي التحقيق قد ارتكب جريمة يعاقب عليها قانونا بموجب المادة (251) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 التي اشارت الى ان "شهادة الزور هي ان يعمد الشاهد بعد ادائه اليمين القانونية امام محكمة مدنية او ادارية او تأديبية او امام محكمة خاصة او سلطة من سلطات التحقيق الى تقرير الباطل او انكار حق او كتمان كل او بعض ما يعرفه من الوقائع التي يؤدي الشهادة عليها" فهو وان كان حرا في اداء شهادته وليس للمحكمة اجباره على اداء افادة معينة الا انها من خلال تدوين اقواله ومطابقتها لما ذكره امام محكمة التحقيق فلها اشعار محكمة التحقيق لاتخاذ الاجراءات القانونية بحقه كون ان رجوعه عن ما ذكره في شهادته السابقة وان مثل تناقض قد يهدر شهادته كدليل في الدعوى الا انه جريمة يعاقب عليها القانون وفقا للنص المشار اليه قبل قليل.
ثانيا : ان محكمة التمييز في قرارها اعلاه عدلت عن اتجاه لها سابق في قرارات عدة حيث ان بموجب الصلاحية الممنوحة قانونا لمحكمة الموضوع استنادا للمادة (215) كما ذكرنا قبل قليل فأن لها ان تأخذ بالشهادة المدلاة أمام قاضي التحقيق وترجيحها على الشهادة التي أدليت أمامها، حيث قضت محكمة التمييز بموجب قرارها المرقم (1005) الصادر في 11/ 4/ 1964 والمنشور في كتاب " دور الشهادة والخبرة في الدعوى الجزائية " للدكتور " عدنان سدخان الحسن "ط1/ 2012 ص(46)نقض الحكم الصادر بحق المتهم الذي يقضي ببراءته من التهمة الموجهة إليه وإعادة تلك الأوراق إلى محكمتها بغية إدانته حيث أشارت إلى " أن الأدلة متوفرة في هذه القضية وهي شهادة الشهود المدلاة أمام قاضي التحقيق والذين أكدوا على أن المتهم المذكور اقتحم المجلس وأطلق النار من مسدسه على المشتكي فهذه الدلائل كافية ولا عبرة بالشهادات التي أديت أمام المحكمة والتي اعتراها التلفيق" كما اعتبرت في قرارها المرقم( 108 ) الصادر في 26 / 2 / 2007 " ان تراجع المتهمين عن شهاداتهم المدونة امام قاضي التحقيق وتطابقها مع وقائع الدعوى لا يغير من وقائع الدعوى وادلها" وكذلك قرارها المرقم (1191 ) في 28 / 3 / 2006 " ان رجوع المتهمين عن شهاداتهم امام محكمة الجنايات لا تقلل من قيمتها القانونية" لا سيما وانها في قرار اخر لها اشارت الى " ان اقوال المشتكي والشهود المتأخرة... والمتناقضة فيما بينها تكون عرضة للتلقين ومثارا للشك والشك يفسر لصالح المتهم" وجميع هذه القرارات منشورة في المصدر الذي اشرنا اليه في بداية المقال للقاضي " سلمان عبيد عبدالله ". لان غالبا ما يكون تراجع الشهود عن شهاداتهم بطلب من ذوي المتهمين او اخرين او نتيجة ضغوط احد اطراف الدعوى ، خاصة وان الشهادة كلما كانت قريبة من الحادث كانت اقرب للحقيقة .
ثالثا : لاشك في ان لمحكمة التمييز الاتحادية الرقابة على أعمال المحاكم كافة، ومن ضمن مراقبتها على أعمال المحاكم هو مراقبة الشهادة وكيفية اعتمادها كدليل من أدلة الحكم الذي تبني عليه أحكامها، إذن لمحكمة التمييز الاتحادية سلطة الرقابة على تقدير قيمة الشهادة في القانون الي القضايا كافة سواء في الدعاوى المدنية أو الجزائية أو الشرعية، فلها السلطة الواسعة في تقدير الأدلة الجزائية عند تدقيقها للأحكام والقرارات والأوامر والتدابير الصادرة من محاكم الموضوع فإن وقع أي خطأ جوهري في تقدير هذه الأدلة من قبل محكمة الموضوع وادى هذا الخطأ إلى صدور حكم مخالف للقانون فإن المحكمة المذكورة تتصدى لمثل هذا الخطأ الجوهري لغرض تنبيه المحكمة المذكورة إلى إتباع الطريقة القانونية الصحيحة في إصدار القرار. وحيث أن الشهادة هي من بين تلك الأدلة الجزائية، بل هي من أهم تلك الأدلة فهي إذن تخضع الرقابة محكمة التمييز الاتحادية. لذلك رأت محكمة التمييز في قرارها المرقم (616) الصادر في 14 / 11/ 1978 " ان الشهادة التي استندت إليها محكمة الموضوع لا تكفي لإدانة المتهم، كأن تعتمد محكمة الموضوع في حكمها على شهادة واحدة لم تعزز بأي دليل آخر، فتقوم محكمة التمييز الاتحادية بنقض مثل هذا القرار الصادر من محكمة الموضوع"
رابعا : ان محكمة التمييز في القرار اعلاه استعملت صلاحيتها الواردة في المادة (259/ أ/ 6) من قانون اصول المحاكمات الجزائية "نقض الحكم الصادر بالإدانة والعقوبات الاصلية والفرعية واية فقرة حكمية اخرى وبراءة المتهم او الغاء التهمة والافراج عنه واخلاء سبيله" لذلك قررت الغاء التهمة والافراج عن المتهم دون الحاجة لإعادة الدعوى على محكمة الجنايات لتطبيق قرارها .
اذن قرار محكمة التمييز موضوع تعليقنا اتجاه جديد في موضوعة اتخاذ الشهادة كدليل في الدعوى الجزائية من عدمه وامكانية اهدارها واجازة رجوع الشاهد عنها ويمكن للمتقاضين الاستئناس به في لوائحهم الدفاعية او التمييزية و كتبنا ما بوسعنا من تعليقات وقراءات حول الموضوع املين ان نكون قد وفقنا لإنارة شيء من الضوء القانوني على موضوع هام جدا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في اليوم العالمي لمناهضة رهاب المثلية.. علم قوس قزح يرفرف فو


.. ليبيا.. المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان تصدر تقريرها حول أوضاع




.. طلاب جامعة السوربون يتظاهرون دعما لفلسطين في يوم النكبة


.. برنامج الأغذية العالمي: توسيع العملية العسكرية في رفح سيكون




.. الأونروا: الرصيف البحري المؤقت لا يمكن أن يكون بديلا للمعابر