الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اليسار الجديد والعمل النقابي

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2023 / 5 / 1
ملف 1 ايار-ماي يوم العمال العالمي2023: دور وأهمية التضامن والتحالف الأممي للطبقة العاملة


" سأبعث بهذه الدراسة من Cyber ، لان مدير البوليس السياسي ، وبالتنسيق مع ( صديق ومستشار الملك ) كان يشوش عليّ وأنا اشتغل ، حين كان يطفأ شاشة الحاسوب ، وعندما ادركوا انني انتهيت من التصحيح قطعوا الكونكسيون عن منزلي Un tortionnaire et un bourreau مملكة الرعب " .
منَ الاجماع عليه ، ان الوضع النقابي ، أي المركزيات النقابية التي كانت فاعلة ومؤثرة حتى رحيل الحسن الثاني ، لم تعد كذلك مع الملك محمد السادس . فإلقاء نظرة دقيقة على الوضع الذي توجد فيه وعليه المركزيات النقابية الثلاث ، " الاتحاد المغربي للشغل " ، " الكنفدرالية الديمقراطية للشغل " ، ونقابة " الاتحاد العام للشغالين "، يعطي لكل محلل للمسار النقابي للمركزيات ، حجة الحكم بنهاية عهد النقابات ، ومنه نهاية عهد النقابيين الصناديد . فتحولت النقابات التي كانت مزعجة ، الى نقابات حمائم منخرطة كل الانخراط ، في المشروع المجتمعي للدولة المخزنية .
لقد عرف الجهاز النقابي ، وعرف النقابيون ، تحولات عديدة منذ العشرية الأولى من الالفية الثالثة ، واصبح وضع النقابات ومطالبها التي كانت مزعجة ، لا يفي بالمقصود الذي اجتمع عليه كل النقابيون التقدميون ، خاصة عند ربطهم النضال النقابي بالمشروع الأيديولوجي الذي افلس بدوره ، مثل افلاس العمل النقابي منذ التحاق قياداته بالدولة الآمرة ..
لقد تم تراجع الزخم الذي عرفت به بعض النقابات ك " الاتحاد المغربي للشغل " ، و " الكنفدرالية الديمقراطية للشغل " ، بسبب تسييس العمل النقابي ، وربط التواجد داخل النقابات ، بالتنظيمات السياسية المرخص لها ، او التنظيمات الغير مرخص لها ، أي تلك التي تنشط خارج قانون الحريات العامة ، وتلك التي تعتقد انها تناضل في السرية التي ما هي بالسرية . فانعكس هذا التناقض والاختلاف السياسي ، على الوضع النقابي الذي اصبح يناضل بالبيانات والبلاغات التي لا تهدد في شيء الدولة البوليسية المخزنية ، التي تحق علم اليقين بالوضع الحقيقي للأجهزة النقابية ، وبالبطاقات السياسية للنقابيين من مختلف الجهات ..
فمنذ مجيء محمد السادس والتقاءه بنوبير الاموي ، تغير ( زعيم ) نقابة " الكنفدرالية الديمقراطية للشغل " ، وبقدرة قادر تحولت النقابة بعد نفضها للنقابيين الحقيقيين ، الى جهاز تابع للدولة لا ضدها .. وأصبحت " ك د ش " ، التي كانت تزعج الدولة ، تدافع الدفاع المستميت عن ( السلم الاجتماعي ) الذي لا يزال الى يومنا ، ولم ينتهي هذا ( السلم ) رغم مرور اكثر من ثلاثين سنة عن إعلانه . انه سلم اجتماعي ضد العمال ، والاجراء ، والموظفين ، وعموم الشعب ، بدعوى قضية الصحراء الغربية ، التي جعلت الجمود سيد موقف جميع النقابات .. وكلنا يتذكر كيف كانت الأوضاع عندما زادت الدولة عشر سنتيمات في ثمن الخبز في بداية الثمانينات ، وتسببت تلك الزيادة في الهبّة الشعبية في 9 يونيو 1981 ، كما ان الجميع يتذكر الهبّة الشعبية في يناير 1984 ، بسبب زيادة طفيفة في اثمنة الخبز ، وواجها النظام بقمع تسبب في ازهاق أرواح المئات من المتظاهرين ..
الآن ما يجري على الوضع النقابي ، والحاق جميع النقابات بالدولة ، هو ما جرى للأحزاب السياسية التي مارست المعارضة البرجوازية ، فكانت تزعج الحكم بمطالبها ، لإدخال بعض الإصلاحات ، ليس حبا في الإصلاح ، بل سببه هو الحفاظ على النظام السياسي حتى لا يسقط ، فتضيع مصالحهم المتداخلة مع الدولة ، التي نجحت في افراغ تلك الأحزاب من لبّ وجوهر مطالبها ، مثلما افرغت المركزيات النقابية من جوهر نضالها الأساسي ، لتصبح مثل الأحزاب ، نقابات الدولة لا نقابات الفئات الاجتماعية التي تتظاهر بتمثيلهم وبالدفاع عنهم .
ف " ك د ش " لم تعد كما كانت في سنة 1978 ، وحتى الإعلان عن الاضراب العام في يونيو 1981 ، وتغيرت بالكامل منذ ان استقبل محمد السادس ( زعيم ) النقابة محمد نوبير الاموي . ونقابة " الاتحاد المغربي للشغل " ، تحولت هي بدورها من جسم مزعج ، الى حمائم تشتغل ضمن توجهات الدولة لا ضدها ، ونقابة " الاتحاد العام للشغالين " ، أصبحت اسم من دون مسمى .. فالضعف الذي ضرب صفوف المعارضة بمختلف تلاوينها ، انعكس على الوضع العام داخل النقابات ، التي أصبحت مثل الأحزاب جزءا من الدولة لا ضدها ..
ورغم ان كل نقابة كانت تتبع حزب معين ، مثلا تبعية " ك د ش " لحزب الاتحاد الاشتراكي حزب زمان وليس حزب الآن ، فان تنظيمات سياسية لليسار الجديد ، كانت تنشط داخل " ك د ش " ، لكنها كانت تجابه بالقمع من قبل النقابيين المنتمين للحزب ، ومن قبل القيادة النقابية التي أصبحت مثل احزابها ترتبط بالنظام ، بعد ان طلقت دعوات ومطالب الجمهورية ، ومنها من طلق دعوة الملكية البرلمانية ، وهي الدعوة التي تسببت لنوبير الاموي بسنتين سجنا ..
وانْ اردنا التساؤل عن الوضع الراهن للنقابة ، لخلصنا الى انّ الصراعات وحب الزعامة الذي كسر شوكة " الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية " ، تم اسقاطه على النقابة التي أصبحت تعكس الصراع السياسي في الساحة ، ولا تعكس المشروع العام الذي ناضل من اجله الرعيل الأول من الحركة التقدمية المغربية .. ف " ك د ش " ومنذ استقبال محمد السادس لنوبير الاموي ، تكون قد فقدت بريقها ، وتكون ومن خلال قبولها ( السلم الاجتماعي ) ، تخدم وتشتغل ضمن توجهات المشروع الأيديولوجي والسياسي للدولة المغربية ، خاصة وبعد الانسحابات التي تعرضت لها من قبل تنظيمات ، خرجت او انفصلت عن " الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية " ، وامام استئثار ( الزعيم ) الاموي بالنقابة التي أصبحت في ملكه ، وفوتها الى صهره ك ( زعيم ) لا يشق له غبار ، تكون " ك د ش " قد فقدت ما بقي لها من بريق ، وتكون بداية جديدة قد رسمتها ، وهي بداية تعكسها الوضعية الحالية التي عليها الاتحاد الاشتراكي ، الذي اصبح مجرد اسم بدون مسمى . فالدولة المخزنية حققت الانتصار الباهر على الأحزاب البرجوازية التي كانت تزعج ولم تكن ضد النظام ، وحققت الانتصار الأكثر من بارع في الحقل النقابي التي اصبح يسبح بحمدها اتقاء ( للتهديد ) من الفرق السياسية الراديكالية التي كانت تنشط داخل النقابة ..
لكن ماذا عن وضع اليسار الجديد داخل نقابة " الاتحاد المغربي للشغل " ؟
كل الحركات اليسارية رغم قلتها ، ورغم ضعفها البيّن ، تجمع على خدمة الطبقة العاملة ، من خلال الانضمام الى النقابات الأكثر تمثيلية في السوق .
اذا كانت أكثرية واغلبية اليساريين قد انضمت الى هذه النقابة " الاتحاد المغربي للشغل " ، فان بعضهم انخرط امّا في نقابة " ك د ش " ، لكنه كانوا يعاني من الضغوط المفروضة عليه ، سواء من قبل الحزب الذي تتبعه النقابة " الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية " ، او من طرف نقابيين آخرين انفصلوا عن الحزب وبقاءهم ينشطون رغم الانسحاب من الحزب ، داخل النقابة التي يسيطر عليها الحزب ، او من طرف نقابيين فضلوا النشاط داخل " ك د ش " ، رغم انهم مجرد اتباع ، وليسوا بمؤثرين .. وهو الصراع الذي لم يبق حبيسا داخل " ك د ش " ، بل امتد ليطال إطارات أخرى عكست هذا الصراع ، كنقابة " الاتحاد الوطني لطبلة المغرب " Unem " .. لكن السؤال . هل حقق أغلب اليساريين تكتيكهم قبل الوصول الى الاستراتيجية التي تم التنظير لها ، ومن قبيل المستحيل الوصول اليها اذا لم يتم النضال ضمن المشروع الأيديولوجي الذي سيظهر قبل 30 غشت 1970 ، وآلياته هي بناء الحزب الماركسي اللينيني ، حتى انّ بعضهم ،وفي احلك الازمة التي مر منها قسط من اليسار الراديكالي ، رفع شعاره المعهود " لنبني الحزب الثوري تحت نيران العدو " ، وهو الحزب الذي لا تزال مجموعات يسارية تحلم به منذ 30 غشت 1970 ، ولم تصل الى بناءه .. والسؤال : هل التأسيس لحزب " النهج الديمقراطي العمالي " ، كان هو الحزب الذي رُفِعت شعاراته منذ ثلاثة وخمسين سنة مضت ، وما زالوا يُنظّرون له ، ويشتغلون من اجله ، رغم تقلبات الطقس بين بارد مرة ، وسخون مرات ..
اذن ما دور اليسار الجديد المعروف ضمن نقابة " الاتحاد المغربي للشغل " ب " النقابيون الديمقراطيون " ؟ .
وهل سينجح هؤلاء " الديمقراطيون " المنتمين الى نقابة " الاتحاد المغربي للشغل " في تحقيق القفزة النوعية ، التي كانت سقطة مدوية ، منذ خروجهم عن بعض الأحزاب البرجوازية الصغيرة ؟
وكيف تتعامل قيادة " ا م ش Umt " البورصية ، مع هؤلاء اليساريين الماضويين للتراث الماركسي اللينيني ؟
تشكل دريعة التعامل مع " الاتحاد المغربي للشغل " ، أحد التساؤلات المقلقة لليساريين ( الديمقراطيين ) ، سواء منهم العاملين في الحقل النقابي داخل هذا الاطار ، او بالنسبة لأولئك الذين يعملون مباشرة في الميدان السياسي .
ف ( ا م ش ) مقارنة مع ( ك د ش ) الرخوية ، ومقارنة مع ( ا ع ش Ugtm ) ، هو النقابة التي تؤطر اكبر عدد من الاجراء ، ومن العمال ، والمستخدمين ، والموظفين ... الخ ، انْ لم نقل على الأقل جل عمال الصناعة ، والمناجم ، والنقل .... الخ ، ولأطره طبعا تجربة طويلة في ميدان العمل النقابي .
كما ان المكتسبات التي حققتها بعض القطاعات المنتمية الى النقابة ، وبفضل تحكم أهمّ أطر ( ا م ش ) في إدارة وتدبير هذه المكتسبات ، عبر مصالح الشؤون الاجتماعية .. كل هذا يجلب تعاطف أوسع فئات العمال مع جهاز ( ا م ش ) ، على اعتبار انه هو الذي حقق هذه المكاسب ، وهو الذي يُمكّن من التمتع بها .
فضمن التساؤلات المطروحة على اليساريين الديمقراطيين ، ما يتعلق بإمكانية العمل الديمقراطي داخل جهاز ( ا م ش ) ، علما بان العناصر المتحكمة فيه ، والتي تتوفر على سند مادي ومالي اجتماعي ، لا تسمح بأدنى صراع يوحي للتيارات الأخرى ، بإمكانية تثوير مواقفها داخل المنظمة ، ما عدا اذا قبلت بالالتحاق كأفراد ( غالبا منفصلين ) ، وبما فيهم مؤسسين أولين لحركة تيار اليسار الجديد في بداية السبعينات .
ويفضل اغلب المناضلين ، عدم الدخول في أي صراع مع توجهات الجهاز المخزنية ، مقابل ان يسمح لهم بالتحرك داخل جهاز ( ا م ش ) ، والقيام بعمل جبهوي او جماهيري . فقد بينت التجربة ان هذا العمل ، يضرب في صفر كلما ارتأى الجهاز ضرورة توقيف هذا العمل ، الذي يدفع الشغيلة الى مبادرات غير مؤطرة من طرفه .
فالسؤال الدائم يضل هو . لماذا العمل في ( ا م ش ) ؟ ومن اجل ماذا ؟
1 ) النقابة على الطريقة الامريكية :
إذا عدنا الى الوراء ، والقينا نظرة على الحركة العمالية من بدايتها الى يومنا هذا ، وبالخصوص منذ ان بدأت الاتصالات الأولى التي قامت بها " الكنفدرالية العمالية للنقابات الحرة " ، التي تعمل وفق التصور السائد في النقابات الامريكية ، مع النقابيين المغاربة في بداية الخمسينات، من اجل تشكيل قطب نقابي خارج عن النفود الشيوعي المتمثل في " الفدرالية النقابية الدولية " ، ثم انتقلنا لنتمعن في الغاية الخاصة التي أولتها الدولة ممثلة في القصر ، لقيادة ( ا م ش ) ، وواصلنا النظر الى ما آلت اليه الطبقة العاملة من تشتت ، وتفشي الرشاوى ، والزبونية في علاقة العمال بالجهاز البورصي ، خاصة في قطاعاته الأساسية ، للحظنا وبدون استغراب ، انّ مخطط فصل الطبقة العاملة فصلا شبه مطلقا عن الساحة السياسية . بل ان ذاك المخطط وصل الى حد تمييع وعي الطبقة العاملة ، ولو في حدوده النقابية الضيقة . فالنضالات الوطنية ، بل وحتى القطاعية ، أصبحت شبه منعدمة . والجهاز البورصي حريص على ان لا يتحرك العمال ، لا في حدود حل المشاكل المتعلقة بمؤسستهم المهنية ( المعمل ) . بل وداخل كل مؤسسة اصبح العامل يجري وراء المسؤول النقابي من اجل حل مشاكله الشخصية. والصراع مستمر بين واقع العمال ( وتوافد العنصر الشاب ) الذي يدفعهم الى التوحد ، وبين الجهاز البورصي ( الذي ارتبط كذلك بأرباب العمل وبالدولة ، من خلال اشرافهم الجماعي على المصالح الاجتماعية للعمال ) ، والذي يسعى ان يجعل من العامل ، مجرد فرد زبون يلجأ اليه كما في الطريقة الامريكية ، لتحقيق مصالحه الشخصية ، فيتم تغييب الفكر النقابي ، لتصبح النقابة مؤسسة مستقلة تفرض وصايتها على العمال .
اما على المستوى السياسي ، فالانفصام شبه تام ، بحيث يمكن لقادة ( ا م ش ) ان يتجاهلوا الوضع السياسي ، دون ان يثير ذلك انتباه العمال . واكثر من هذا ، يمكن ان يدلوا بتصريحات سياسية " ثورية " ، بالمقارنة مع الوضع ، ومع متطلبات النقابات الأخرى ، وأحزاب المعارضة ، دون ان يلزموا انفسهم بتنظيم نضالات عمالية تتماشى وفق تصريحاتهم . بل وحتى العمال لا يشعرون بان التصريحات السياسية لقادة ( ا م ش ) تلزمهم .
2 ) تجربة اليسار الجديد و نقابة ( الاتحاد المغربي للشغل :
الآن واليوم قبل الامس ، فالواقع الموضوعي يدفع الطبقة العاملة الى خوض نضالات واسعة وموحدة ، وذلك من خلال نضالات قطاعية ووطنية ، في ظروف تنضاف فيها يوما بعد يوم ، معطيات ترجح المزيد من الانفجارات الاجتماعية ، وترجح تطور مسلسل التغيير السياسي ، بفعل عوامل خارجية وداخلية بالخصوص ، وعلى رأسها تحرك الشارع من اجل اصلاح سياسي وقوي ، وقوى نقابية أخرى مثل ( قواعد الكنفدرالية الديمقراطية للشغل ، وقواعد الاتحاد العام للشغالين ) ، اللتين تحاولان ربط النضال الاجتماعي والسياسي في معركة واحدة ، وانْ كان ذلك في افق تعديل دستور 2011 فقط ، وانتزاع اعتراف الدولة بالتعددية النقابية التي تعني ضمنيا ان تفتح أبواب المشاركة في تدبير الشؤون الاجتماعية للعمال . أي فتح منفذ هام بالنسبة للنقابيين . فاذا كنا قد سجلنا في السابق ان اطر حزب التقدم والاشتراكية قبل 20 فبراير ، تكتفي بان يعترف بها كتيار داخل ( ا م ش ) ، وان تخصص لهم حصة معينة من المقاعد في الأجهزة ، مثل الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ، فان السؤال " ما العمل " ، مطروح في جدول اعمال النقابيين الديمقراطيين وحدهم . فبعد اكثر من خمسين سنة من نشوء اليسار الجديد اصبح اليوم المناضلون الديمقراطيون تيارا بشريا واسعا داخل ( ا م ش ) . بل اكثر من هذا ، اصبحوا يشكلون ربما العناصر الأساسية التي تضمن ل ( ا م ش ) حيوية ونشاط مكاتبه الجهوية والجامعية . ومع ذلك فان القمع الذي تعرض له اليسار الجديد ، وواقع التشتت الفكري والتنظيمي ، يجعل هؤلاء الديمقراطيين المناضلين ، يشعرون بان عملهم داخل ( ا م ش ) هو هبة من الأطر البورصية ، ويحاولون ما امكن الحفاظ على ما يعتبرونه ضمنيا امتيازا ، قد يسحب منهم في حالة خروجهم على التوجه المحدد من أعلى ، خضوعا لرغبات القصر .
من الناحية الذاتية ، يعود كذلك هذا التصرف ، الى خلل في التفكير الذي تغيب عنه العقلانية ، ويعرف نوعا من التعوّد او التكيف ، تكيف جيل ارتبط بتجربة ، واستخلص دروسها ، لكنه لا يعي بان الظروف التي حكمت التجربة واستخلص دروسها ، لكنه لا يعي بان الظروف التي حكمت التجربة السابقة ، ليست هي الظروف الحالية .
ويمكن القول ان اليسار الماركسي اللينيني / اليسار الجديد ، تعامل بشكل يسراوي في ظروف كانت تحتاج الى شيء من اليمينية المتعقلة ، واليوم يتعامل بنوع من اليمينية في ظروف تحتاج الى شيء من اليسروية المتعقلة كذلك .
ان تجربة اليسار الجديد داخل البروليتارية في بداية السبعينات ، كانت تتمثل في بعض المحاولات الفردية او الجماعية المعزولة جدا . وقد فشلت جلها . ومن ضمن أسباب ذلك ، انه كان يظن انّ " الثورة غدا " ، وشكْلُ عمله القاعدي وسط العمال ، كان يدخله صراعا مباشرا مع الجهاز البورصي ، باعتبار انه الحاجز الذي يحول دون ولوج الطبقة البروليتارية للنضال الثوري Un frein . هذا في ظروف تميزت بعزلة اليسار الجديد عن الساحة السياسية ، مع ما كان للدولة المخزنية البوليسية نفسها من تناقضات ، هزت أركانها مرتين . ( الانقلاب العسكري في سنة 1971 و 1972 ..) .
3 ) الظروف الجديدة :
اما اليوم فهناك على الأقل ثلاث معطيات ، تغير بشكل جوهري الظروف المحددة للتجربة السابقة .
أولا . النقابيون الديمقراطيون ، يعانون أساسا من مشكل التوجه السياسي ، وليس من مشكل التواجد داخل الطبقة البروليتارية . بل انه يصبح متواجدا ليس فحسب في الإطارات الجهوية . بل له كذلك مداخل الى دار النقابات .
ثانيا . الوضع الاجتماعي مليء باحتمالات الانفجار الجماهيري ، وتدخل مركزيتين نقابيتين ، وقوى الشعب المعارضة ، في معركة سياسية على الأقل في حجم معارك بداية الستينات من حيث برامجها .
ثالثا . ان التظافر الموضوعي والظرفي في وضعية المغرب ، بين الاتجاه العالمي المناضل من اجل حقوق الانسان والديمقراطية ، وبين توجه الدول العظمى الى اصلاح البيوت الداخلية للدول التبعية ، يفقد لخصوم الديمقراطية سندا كان بالأمس لا مشروطا .
لقد تعود النقابيون الديمقراطيون على القول ، ان افق اهداف أحزاب المعارضة محدود . واذا امكن القول انه فعلا محدود ، فلا بد من تسجيل أنّه على محدوديته مبني على ممارسة سياسية فاعلة ، بينما الآفاق البعيدة لهؤلاء ، تقف في حدود الرأي السياسي الفاقد للممارسة السياسية الفاعلة .
فالقول انّ افق هذا الاطار او ذاك جد محدود ، لكن آفاق المعركة الاتية ، تتحدد ليس بطروحات هذا الاطار او ذاك ، وانما بمدى تدخل اكثر القوى الطبقية والاجتماعية ، من اجل المزيد من الضغط على مختلف المكونات السياسية ، لتثوير برامجها وفق المستوى الذي يصل اليه الصراع السياسي والاجتماعي .
فهل يستطيع المناضلون الديمقراطيون ، الدفع بهذا التغير الى ابعد الحدود الممكنة في المرحلة الحالية ؟
فهل يستطيعون من اجل ذلك ، الدفع بالطبقة البروليتارية المنضوية داخل ( ا م ش ) ، الى معترك الصراع النقابي والسياسي ، لتلتقي في خندق واحد مع قوى الشعب المغربي ؟
أم سيتخذون في الظروف الحالية مواقف محافظة ، يتركون فيها الغطاء السياسي والنقابي لقوى المعارضة الاسلاموية ويكتفون بخدمة الجهاز البورصي ، في انتظار ان يستوعبهم الواحد تلو الاخر .
قد نطرح سؤالا سياسيا على اطر ( ا م ش ) :
ألا يرغبون في مواكبة التطور الحالي ، لربما يحافظون على مصالحهم بعد ان يتم الاستقرار من جديد ، بناء على توازنات جديدة ؟
ألا يجب الاعتقاد ، ان الجهاز البورصي واع تمام الوعي ، مثله مثل جميع القوى ، بدقة المرحلة ، وبان لا احد يستطيع التكهن بالحدود التي يمكن ان تقف عندها البروليتارية ، في حالة دخولها الى معركة التغيير ، لذلك جلُّ القوى تضع لنفسها حدودا ، تحاول عدم تجاوزها حتى لا تضر بمصالحها .
هكذا البعض يضغط علانية ويتفاوض ، او " يغمز من تحتها " لأصحاب الحال . اما ( ا م ش ) الذي اصبح أولا وقبل كل شيء جهازا ماليا ، يتحكم في مؤسسة نقابية ، ومندمجا بالبنية الاقتصادية ، والاجتماعية ، والسياسية القائمة ، فانه يفضل التغيير من داخل نفس البيئة السياسية ، وهو في ذلك متخلف حتى بالنسبة لحزب من الأحزاب مثل " حزب صديق الملك فؤاد الهمة الاصالة والمعاصرة " ، وحزب " التجمع الوطني للأحرار " الذي كلما شعر بعاصفة النضالات الجماهيرية تقترب ، الاّ ومال شيئا ما في اتجاه المعارضة البناءة ، طبعا معارضة الملك التي تعارض حكومة الملك .
فلا غرابة اذن ان نجد ، ان الاطار الأكثر جذرية حتى 1999 ، هو الاطار الذي ليس له كثيرا ما يخسره من مصالح معركة الديمقراطية ، فلا هو يستفيد من إدارة الشؤون الاجتماعية للعمال ، ولا هو بمحاور مقبول من طرف وزارة الداخلية ، كما انه يزخر بالمناضلين الجذريين في القاعدة ، الذين يرون ان الوضع الداخلي والدولي الحالي ، ليُشَكّل فرصة ذهبية ، لتحقيق ما عجزت عنه قوى المعارضة منذ سنة 1956 ، الى يومنا هذا .
ألا يمكن ان تشكل هذه المعطيات ، مبررا لبناء تحالف نضالي ، بين مناضلي قواعد ( ا م ش ) ، و مناضلي قواعد ( ك د ش ) ، من اجل الدفع بالطبقة العاملة الى احتلال الفضاء النقابي والسياسي ، وفرض سياسة اقتصادية واجتماعية ، لصالح الشعب والجماهير الكادحة ؟
والسؤال . لماذا لم تعلن المركزيات النقابية ( ا م ش ) ، و ( ك د ش ) ، وأحزاب المعارضة البرجوازية ، الاضراب العام في اوج حركة 20 فبراير ؟ .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ظاهرة غريبة.. السماء تمطر أسماكا في #إيران #سوشال_سكاي


.. مع تصاعد الهجمات في البحر الأحمر.. تعرف على أبرز موانيه




.. جنود الاحتلال يحتجزون جثمان شهيد من المنزل المستهدف في طولكر


.. غارة إسرائيلية استهدفت منزلا بمنطقة الصفطاوي شمال غزة




.. قائمة طويلة من لاعبين بلا أندية مع اقتراب فترة الانتقالات ال