الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كتاب شمس الرجاء (24) --- الفصل الثاني والعشرون --- القصة الثانية والعشرون: رجاء المَتروكين

توماس برنابا

2023 / 5 / 1
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


كانت عزيزة تجلس في كل صباح أمام بيتها المتواضع ذو الطابق الواحد والذي يقع في الشارع الرئيس للقرية والمؤدي إلى مُجمع خدمات القرية من مدارس، والوحدة الصحية، والوحدة المحلية، ومكتب البريد،... وغيرها من الخدمات.

عزيزة كانت أمية لا تعرف القراءة والكتابة وكانت لا تمتلك جهاز تلفزيون ولا راديو ولا حتى تليفون! مات زوجها منذ خمس أعوام ولقد تركها أبناؤها بمنزلها بعد زواجهم.. ولم ترى أحدًا منهم إلى الآن منذ ثلاث أشهر مُتصلة..

كانت عزيزة تعيش على معاش زوجها المتوفي وكان يكفيها وترفض أي مال يأتيها من أولادها الذكور ولم يكن لها ذرية من البنات..

كان يحلو لها أن تجلس منذ الصباح الباكر على عتبة بيتها لتشاهد أهل القرية وهم ذاهبين وراجعين أمامها في هذا الشارع الرئيسي.. كانت عزيزة تعلم الكثير والكثير عن أغلب أهل القرية.. فمتعتها تكمن، ليس في عمل أو قراءة أو مشاهدة تلفزيون أو سماع راديو، بل في حياة الناس والحديث عنهم والتفكير فيهم بل إيضا في إطلاق الأحكام على سلوكيات الناس المختلفة والتدخل في شئونهم..

"ها هي أم فتحي، تلك الفتاة الناشز الغاضبة من زوجها منذ أشهر عديدة، وابنها فتحي الصغير، ذاهبين إلى المدرسة.. لن أرد عليها السلام حتى ترجع لزوجها! أهالينا علمونا أن المرأة لزوجها ويجب أن تعيش خاضعة مُطيعة لزوجها وأهل بيته مدى حياتها.."

وأشاحت بيدها بعيدًا!

"وها هو مشهود ابن جابر العُسيلي الذي أغضب أباه غضبًا أودى بحياته حينما عصاه وتزوج من خارج القرية.. يوم لك ويوم عليك! وإلى أين ستذهب من الدنيا الدوارة يا مشهود! فلتذهب بعيدًا عن هنا..!"

والتقطت بيدها فرع شجرة جاف وأخذت تُطيح بها في الهواء من أمامها مُتمتمة ببعض الكلمات الغير مفهومة..

مشهود كان يُشاهدها وهو يتأسف على تلك المرأة التي كانت كتلة من النشاط في شبابها.. وها هي الآن تهذي وحيدة متروكة من الجميع منذ أن مات زوجها عم توفيق رحمه الله!

كانت عزيزة تتابع جميع الذاهبين والراجعين، تشيح بيدها، أو بعصاها، أو بوجهها، وتصيح مرة، وتسكت أخرى، تُتمتم لنفسها بكلمات غير مفهومة ثم تقف لتجلس مرة أخرى لساعات وساعات كل صباح حتى تذهب للسوق، ثم تطبخ طعامها لتعاود الكَرة مرة أخرى عند الغروب...

*****

تذكر مدحت وهو يقرأ هذه القصة العديد من كبار السن الذين يعرفهم من الأقرباء والمعارف والجيران وعاهد نفسه أن يزورهم تباعًا وبصورة دورية..

في تمام الساعة السابعة، كان لقاؤه مع الأستاذ نشأت عبر الأنترنت..



حوار الليلة الثالثة والعشرون


- مساء الخير يا صديقي العزيز مدحت..

- مساء الخيرات يا نشأت! أني أرى وجهك وقد أشرق ابتهاجًا..

- واضح أن المشاعر الإيجابية مُعدية يا صديقي! قل لي هل قرأت قصة اليوم؟

- بالطبع يا صديقي.. جعلتني أدرك مُعاناة بعض كبار السن حينما يُتركون من ذويهم بمفردهم!

- كبار السن يمتلؤن حكمة وخبرة قد تفيدا الشباب الغض في حياتهم، لكنهم لا يُدركون ذلك ويُفضلون صحبة أقرانهم.. والوحدة قاتلة يا صديقي سواء مع الكبار أو مع الصغار!


فلا تترك نفسك وحيدًا! فالإنسان كائن اجتماعي بطبعه.. ومهما استوحدت بعيدًا عن الناس للقراءة أو الدرس، أو مضطرًا لإنعزالهم عنك، ستكون في حاجة دائمة إليهم.. فلم يُخلق للإنسان فكرًا ولسانًا عبثًا! فلا بُد من أوعية أخرى يملأها بأفكاره وأن تُملأ أوعيته الفكرية والنفسية من قبل أخرين!

- هل الإنسان بحاجة إلى الناس بهذا الشكل يا نشأت؟

- لن تجد يا مدحت أي وحيد أو مستوحد يخلو من أعراض الكآبة، أو من أمراض الهذيان والهلاوس السمعية والبصرية أحيانًا! فالذهن البشري المُعتاد على صحبة الناس، إن إنفض الناس عنه، طفق يخلق من الوهم أناسًا أو أصدقاء خيالين، أو أشباحًا يحادثهم أحيانًا أو ليهرب منهم ويتجنبهم أحيانًا أخرى وهم ليسوا موجودين في الحقيقة!

وغالبًا ما تقتحم المستوحد الذكريات المؤلمة، والذنوب الغير مُعترف بها، والاخفاقات الكثيرة التي قد نساها منذ زمن! لكنها تعاود الظهور إلى ذهنه مالِئه إياه بكل سوداوية ممكنة تُذهب العقل!

- يجب علينا يا نشأت وأنا أتعهد بذلك أن نزور ونجالس ونساعد هؤلاء الذين شاءت الظروف أن يُتركوا من الناس رأفةً بحالهم المُزري..

- يُمكنك الخروج من مشاعرك السلبية حينما تقوم بذلك يا مدحت، خاصة حينما يكون هدفك نبيل وشريف!

- نعم يا صديقي.. عندك كل الحق! عن ماذا ستكون قصة الغد؟

- ستكون عن طالب متفوق في الثانوية العامة كان يُعاني من التنمر في مدرسته وفي الحي السكني الذي يسكن فيه لأنه كان يعمل مع والده في نبش القمامة! فإلى اللقاء!

- إلى اللقاء يا نشأت..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جندي روسي يتخلص من مسيرة أوكرانية عبر ضربها بـ-كيس بطاطس-


.. مشاهد للحظة اندلاع حريق هائل بقسم شرطة في مصر




.. ولادة نمرين من فصيلة مهددة بالانقراض


.. شبان في ولاية بنسلفانيا يسرقون الأعلام الأميركية المعلقة على




.. شاهد: قصف روسي لميكولايف بطائرات مسيرة يُلحق أضرارا بفندقين