الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما أسباب تميّز مسلسل جعفر العمدة فنيًّا...؟ أنموذج نقدي لعمل فني مرئي طبقًا للمنهج الذرائعي النقدي العربي بقلم العراقي : عبد الرزاق الغالبي

عبد الرزاق عوده الغالبي

2023 / 5 / 2
الادب والفن



المقدمة:
لايخفى على كل بشر دب على هذا الكوكب، من الأدب قد التحق بالفن بعد الثورة الصناعية واشتداد التركيز على هذا الموضوع بعد نشر سفر الحداثة إبان الحرب العالمية الثانية، فصار الأدب جزءًا لا يتجزأ من الفن وهو عزف بالقلم دون الفرشاة بالرسم والعود في الموسيقى والمشهد في المسرح والصورة في الفنون المرئية، ففرض الفن المرئي نفسه جنساً بينياً ذرائعيًا, وأصبح خلط بين مكتوب وعيني, وتصدرت مصر الأمة العربية في الفن البصري(الفن السابع)، لكن اختفاء النقد العلمي من الساحة العربية وانتشار النقد الإنشائي الشللي جلب الإهمال والإسفاف والتشظي ودفع هذا الأمر ابداعي بمرود التخلف بعيدًا عن ساحات الأدب المرئي والمكتوب، فسيطر عليها من هب ودب، حتى اختلط فيها الحابل بالنابل، فرجحت كفة المكتوب معولًا دفنت فيه المرئيات في قبر التخلف، لكن الإبداع لا يموت أبدًا، كونه روح وثّابة، تثب من تحت التراب وتنتصب بشدة حديدية وتجمل نفسها بنفسها أمام مرآة الزمن والحقيقة الهاربة من الزيف والنفاق والكذب، وتزين حالاتها التي قبحت بفعل سيل النفعية والتهميش لعظماء الفن العيني تحت سيقان الفاشنستات، لكن صورة الإبداع لا يخفيها غربال، لكي تعطي أجمل الصور، وهذا نموذج مبسّط حي لعمل متقن، حيك بأصابع فنية ماهرة، شدّ عيون الناس نحو مساحة تقاس بالسنتمرات, ومسح جنسيات أبناء عدنان وجعلهم جنسية مبصرة واحدة، وحدهم أمام شاشة صغيرة بعدد من السنتمترات، فالفن والرياضة كفيلان بالحب وتوحيد المجتمعات، هما مؤشرات للخير وطرد الحقد والشر وزرع الخلق والتمرد على الفئوية والطائفية والعرقية وجميع العناصر السلبية في نفسيات الخلق...
جعفر العمدة والملكة صفصف رمز لا ينسى للفن الحقيقي المتزن والمتوازن... يستحق بكل جدارة أن يكون مدار بحث للمنهج الذرائعي النقدي العربي، ومضة استيقاظ ووخز إبر لميت طال رقاده, لربما يصحو

ضميرالأمة والنقد العلمي, ويتذكرالمتلقي العربي أن سعادة الناس تكمن في الفن والأدب والرياضة، وإن التسلية (entertainment) الجادة طريق للثقافة بخط متوازي مع العلم والفلسفة....
المستوى الذرائعي البصري :
-عتبات العمل في مسلسل جعفر العمدة:
1. العنوان : مأخوذ من مجتمع يكتنز في قوامه شخصيات الرغيف اليومي والسعي خلفه بجدية وحرص, وشخصيات الرغيف لا تزال تعيش بيننا ونسمع أصواتها وهي تنادي لتشعل أضواء الحياة في كل جانب وزاوية وشارع من شوارع الأمة العربية، البائع المتجول والعمدة والأستاذ....ووو... وجميع العناوين الأخرى التي تتحرك على ساحات مصر العزيزة وهي شخصيات محببة للشعب العربي أخلاقيًّا.
وهذا المسلسل صورة واحدة لمشهد عائلي متمايز بأفراده وصراعاته اليومية بين الخير والشر وهو صورة واقعية لأحداث يومية تكاد أن تكون مستهلكة لولا الإبداع الفني الكبير والخبرات التشخيصية التي نقلته نحو الكرسي الأمامي في رمضان2023 ... لنتفحص تلك النقلة المميزة نقدياِ من العراق ....
2. الحوار: وكان الحوار مدروسًا دراسة وافية اجتماعيًّا وأخلاقيًّا، ولو كان بلهجة عامية، لكن اللهجة المصرية مقبولة من جميع الشعوب العربية فوق كوكبنا الأرضي, وهي تملأ حيز التواصل حد حاشية القدح التواصلي, فهي مفهومة من جميع سكان الكوكب من العرب بجانبها الجمالي, وقد دفعها التفوق الفني لتنزع الفصاحة التركيبية وترتدي أردية التعقل والحكمة الاجتماعية وهذا هو المطلوب أخلاقيًّا لعمل يبث لعائلة مسلمة صائمة مشدودة لشاشة التلفزيون: مثال لبطل العمل(جعفر) وهو ينصح (سيف) في أهمية الصمت:
- صمتك عند الفوز ثقة
- وعند الغضب قوة
- وعند الإساءة حكمة
- وعند الاستفزاز انتصار
- وعند السخرية رفعة
- وعند الحاجة عزة نفس
- وعند الحزن صبر وتوكل
وهذا المثال يعطي رجحان للحوار كلسان متفوق للعمل الدرامي، وهذا المثال ردّ واف للرفض اللغوي في جدلية وإشكالية الحوار على إنه يتوجب أن يكون مكتوبًا بالفصحى لكونه يشكّل ارتقاء متصاعدًا باتجاه اللغة وليس قائلها... مراجعة هذال المشهد فديويًّا....
3. إيقاع المشاهد اليومية(الحلقات الثلاثين):
كانت إيقاعات المشاهد (الحلقات) واقعية غير مبالغ فيها, تتحرك بصورة ديناميكية لمجتمع عربي بسيط وأصيل, يكتنز في حياته عامل الخير والشر ليعطي صراعًا دراميًّا مبسطًا أخرجه الإبداع الفني من زاوية الاستهلاك نحو زاوية الإبداع حتى صار مميزًا، سرق المشاهدات من جميع أقرانه من المسلسلات الرمضانية الأخرى التي قدّمت مواضيع أقوى بكثير من موضوع هذا المسلسل، وهذه النقطة بالذات هي التي يبحث عنها الجانبان الصانع والمستهلك, وهو (درجة التشويق) فهو بتفوّقه الفني يشدّك نحو الشاشة بمسامير الترقب والانفعال, ويولّد في المشاهد روح العجلة والترقب بالانتظار حتى جعل المشاهد يتصوّر نفسه واحدًا من عائلات المسلسل، لدرجة أن المشاهد بدأ يشعر بالوحشة والفراق بعد الحلقة الثلاثين لكونه لا يريد لهذا المسلسل أن ينتهي, لأنه يحكي عن موجودات حياة كل متلقي فينا بمعالجات نفسية تحرك التشويق، والتشويق هو الهدف الأساسي لكل مشاهد.....
4. مسرح الأحداث المرئية : منطقة بسيطة شعبية معروفة من جميع سكان الكوكب وهي (السيدة زينب )....صار كل عربي شاهد هذا المسلسل يتوق لزيارة هذه المنطقة، ليتفقد الأماكن التي حدثت فيها قصة هذا المسلسل التي تجاوزت كل سلبية وأعطت رموزا للإنسان المصري الجميل حتى بسلبياته... وهنا يساهم المسلسل بالتوق السياحي لمناطق مصر الشعبية الجميلة ويعطي انطباعًا جيدًا ودعاية للسياحة في مصر ....لم يكن هناك أي مبالغة في الزمكانية للعمل لكون السيدة زينب لا تزال منتصبة بشموخ وجمال وسط القاهرة العزيزة عاصمة أم الدنيا حتى كتابة هذه الحروف...لكن المبالغة جاءت في دور هالة صدقي الملكة صفصف, وهذه المبالغة كانت إضافة جميلة أعطت للمسلسل ومضة ونكهة كوميدية عبرت عنها الممثلة بخبراتها الفنية الرائعة حتى صارت نقطة إبداع لا تنسى وحبس إبداعي يستدعي منها الإطراد في الإبداع للخروج من شخصية صفصف لشخصية أبدع وأجمل إن شاء الله......

المستوى الفكري والرسالة الإنسانية الموجهة للمشاهد:
كان هذا المسلسل مخزن وفصل دراسي تعليمي زرعت فيه كل القضايا التي يواجهها الإنسان المصري بشكل خاص والعربي بشكل عام، حيث يذكرنا بالقيم الجمالية التي يتحلّى بها الإنسان العربي والعائلة العربية المتشعبة بالأقارب (الخال والعم وابن الخال وإبن العم ....الخ) وهذا العلاقات لا توجد في المجتمعات الغربية, بل يمتاز فيها المجتمع العربي والإسلامي, نبدأ من (الأقربون أولى بالمعروف) لكن رسالة هذا المسلسل تركز على أن المشاكل,وليس المعروف, هو من يأتيك من الأقربين، والرسالة الأخرى هي التربية وجمال الخلق والتصرف والجيرة .... ونرى هذه القيم بشكل واضح بالتشابك السردي للأحداث، فالتشابك الحدثي والسردي في ثيمة الموضوع: صراع بين أقارب لعائلتين متجاورتين ومتداخلتين في حارة واحدة، كان صراعًا دراميًّا بسيطًا غلبت علية مسحة السيناريو الجميلة والمدروسة والإخراج الدقيق والمبدع، فمال نحوالجانب الفني متفوقًا على الجانب الأدبي بشكل أكثر، لكون هذا التشابك هو تشابك قيَمي وليس حدثي, لذلك وُظِّف الحدث لخدمة القيمة الإنسانية ...تصارعت فيه القيم الإنسانية الإسلامية والعربية السائدة في المجتمع العربي في العديد من المجالات, أذكر منها ما يلي:
 الحب X الحقد
 الإخلاص X الغدر
 التربية الصحيحة X التربية الخاطئة
 احترام الكبير للصغير وصلة القرابةX الأبوة السلبية واحتقارها
 الجوار X وعدمية احترام الجيرة
 النفاق والكذب X الصدق والولاء
 الربا X ومساعدة المحتاج بالإقراض المجرد من الفائدة
 تعدّد الزوجات X المشاكل
 هدر الوئام العائلي X تعدّد الزوجات دون سبب شرعي لما أراده الله بهذا التعدد
فقد كانت جميع تلك القضايا عرض سلوكي نفسي للنقاش بشكل تساؤلات مرئية وأجوبة وحلول مدروسة وضعها المسلسل أمامنا لنحترمها وننتقد الأضداد فيها، بنهايات شيقة لكل قضية من تلك القضايا بمعالجات درامية راقية أعطتنا النتائج التالية:
1. الصراع القيمي : بين القيم الأخلاقية المتصارعة في بوتقة البؤرة الفنية والأدبية لتعطينا درس لجمال الخير وقوته من قوة الشخصية المتماثلة به(شخصية جعفر العمدة وصفصف وسيد العمدة)
2.التداخل الفني بين الشخصية والممثل: وهذا التداخل سبّب اندماجًا نسبيًّا عند جميع الممثلين انعكس على أدائهم الفني, فتجاوز المسلسل الحقيقة بالاتجاه الجمال فصار ميزانًا للإبداع الجمالي الفني.
3.الدفع الانفعالي : تفوق الشكل الفني على الجانب الأدبي (الشكل على المضمون) لذلك صار الحدث عكّاز يساعد الممثل على النهوض لإظهار أعمق ما لديه من طاقات فنية تبهر المتلقي وتزيد من التشويق عنده حسب نظرية التلقي...والمثال على ذلك نطرحه كسؤال : من الأجمل هالة أم صفصف...!؟! أحمد فهيم أم سيد العمدة..!؟! حتماً سيُحارالمتلقي بإجابته على هذه الأسئلة لسبب بسيط هو إن التماثل بين الشخصية والممثل ونسبية الاندماج الفكري والفيزيائي بينهما زادت نسبته وسار نحو الاندماج بسبب قوة الدفع الانفعالي الإدراكي لدى الممثل المتأتّي من الخبرة المتراكمة والموهبة.....
المستوى الإجرائي الفني:

 الإخراج والتصوير والشخصيات:
 حالة هذا المسلسل يذكرنا باستراتيجية شكسبير ومسرحه المحظوظ (fortunate theatre) حيث ألف شكسبير 36 مسرحية شعرية لم يكتب حبكة واحدة منها, وإنما استعار حبكات مسرحياته من كتّاب وأحداث قديمة, قسم منها واقعية وأخرى أسطورية, وكتبت تلك الحبك بأسلوب شعري, ووضع في كل مسرحية نوع مختلف لفلسفة معينة شهدت على عظمته كأعظم مسرحي في العالم لكل العصور, وقام شكسبير بإخراج جميع مسرحياته بنفسه, وصارهذا الدأب استرتيجية عالمية يتبعها المبدعون في العصور اللاحقة لعصر شكسبير حتى يومنا هذا، ونهج المخرج (محمد سامي) نفس هذا النهج العالمي, وكتب حبكة مسلسله بمفهوم قيَمي شعبي بسيط, وضع له سيناريو راقٍ ومدروس من قبل السيناريست (مهاب طارق) الذي كتب السيناريو بتفوق, وأضاف لهذا التفوق الإبداع من خلال الحوارات المدروسة لكل مشهد, وهذا التعاون الإبداعي بين السيناريست والمخرج خلق أرضية مصقولة لا ثقب فيها, فصارت ديباجة لمسرحة العمل, مصقولة ومتساوية للعب أدوار الممثلين الذين تفوّقوا على الشخصيات حسب خبراتهم وعمق تلك الخبرات، ظهر جليًّا في أدوارهم، إذن لم يكن هدف المخرج هدف حدثي وأنما هدف فني وظّف فيه الحدث لخدمة الفن حسب نظرية الفن للفن, فجاء الميزان الإحالي رباعي التكوين، برزت فيه رؤوسٌ أربعة في السباق التماثلي بين الفن والحدث:
- محمد رمضان : تسابق محمد رمضان مع جعفر العمدة, وتفوق عليه حين تجاوز دور الممثل واتجه نحو الشخصية ليختبئ فيها ويمتزج معها في إطار واحد... فنسى المشاهدُ محمد رمضان بكل محاسنه وسيئاته, ومابقي للمتلقي سوى جعفر العمدة, أحبّه بكل ما فيه وتابعه 30 حلقة دون ملل...
- هالة صدقي : سندريلا المسلسل ظاهرة فنية لامثيل لها، دخلت في أعماق صفصف الملكة ولم تخرج منها أبدًا، وهذه مسؤولية ثقيلة تحملها الممثلة الرائعة ومحبوبة الملايين هالة صدقي وستبقى وشبشبها تبحث عن باب للخروج من برج صفصف الذهبي نحو شخصية ماسية أكبر, وهذا مصطلح جديد تطلق عليه الذرائعية (سجن الإبداع), وهو أن يبدع الممثل بشخصية معينة ويبقى حبيسها حتى يأتيه دور آخر يتفوق فيه ليعبر فوق الجسر التفوق من الدور السابق نحو الدور الجديد، ليتخلّص من سجنه السابق في برجه الذهبي حين ينتقل إلى سجن جديد, وسيكون انتقال هالة صدقي أجمل إن شاء الله من إبداع إلى آخر لتسعدنا بأدوارها الرائعة، وستبقى الذرائعية تنتظر وترصد هذا التنقل بإبداع أجمل، ونحن كلنا ثقة ننتظرها على جرف الفرات في مدينة الناصرية مدينة العلم والأدب, في الموسم القادم من رمضان لك جولة أيتها الملكة صفصف ....آلاف القبلات على جبينك الجميل.....
أحمد داش: رغم صغر سنه ودوره الثانوي لكنه شكل رباعية جميلة في هذا المسلسل جعلته يسبق عمره في الإبداع ، أتمنى أن لا يسجن نفسه في برج سيف(سيف) الذهبي لأن العروض ستنهال عليه...
أحمد فهيم:تجاوز أحمد شخصيته الذاتية, وعاش في جلباب سيد العمدة الطفولي التصرف وكان يمتلك الطيبة والبراءة لدرجة إن دمعته تتأرجح فوق جفنه, وتتسابق مع مخارج الحروف...والله أحبه كل مشاهد وشفق عليه وتمنى له انتقامًا منصفًا, حتى جاءت الحلقة 30 وكأن ثقل انزاح من كاهل المتلقي بعد أن وضع رجله على رقبة الشر ليعلن قوة الخير كنهاية لهذا الصراع الأبدي وهذه ومضة ودلالة إرتكازية تشير نحو مبدأ الأخلاق العالمي.....
كأن الاندماج الانفعالي عند هؤلاء الأربعة أخرجهم من بؤرة الممثل نحو بؤرة الشخصية بتفوق....تحياتي لهم ولمحمد سامي....

بقية الممثلين: أجاد الجميع أدوارهم بدائرة مرتبة ساقها المخرج بعصا الإبداع من الحلقة الأولى حتى الحلقة ال30....ما عدى زينة الزوجة الرابعة لم تتوفق في الذوبان في الدور, فصار لديها انفصام بين الممثل والشخصية, فظهرت وكأنها غريبة عن كادر المسلسل...

 المستوى النفسي والرصد المرئي:
التصوير السينمائي حرفة فنية راقية ومتقدمة, وهي حقل للإبداع التشخيصي، ما بالك إذا كانت تدار من قبل مخرج عبقري ذو رؤية خلاقة في اختلاس المشاعر المصورة بتسليط الكاميرة بشكل نفسي لرصد الإرهاصات النفسية التي تنعكس على بوابات الإحساس والتأثر البشري من خلال مناطق الجسد المتصلة بالإدراك الحسي مثل :الوجه والعيون والحركات الفيزيائية في الجسد، فقد عرّفنا هذا المخرج على أدق التفاصيل والمسالك التي يربط بها الإنسان بالإحساس, ويرسم قناة بين الخارج والداخل في عالم الممثل و(عالم التلقي) الخارجي مع الإحساس المزدوج للشخصية والممثل من خلال :
- قنوات السلوك
- والتقمص النفسي
- والتوازي المعرفي(التناص الفني)
- الرصد الذكي المختزل لمناطق الجسد وعمومية المشهد
وعلينا أن نعرف ذلك من خلال استخدام المخرج كاميراته المدروسة، هو يدرس كل حركة بدقة نفسية ويسلط عدسة عينه نحوها ليعطيك وينقل لك ما يدور في دواخل شخصيته بشكل دقيق, لذلك استطاع هذا المخرج (محمد سامي) أن يقدم الشخصية من الداخل, ويعرضها فوق قسمات الوجه والعيون ليجعل المتلقي يبكي ثم يضحك مع إرهاصات الممثل في آن واحد، فصار العامل النفسي أكبر من العامل الحدثي المرئي... أي الشكل أكبر من المضمون بالأسلوب الأدبي، بذلك عرفنا, بل درسنا, شكلانية العمل بحركات وألوان عيون وقسمات وجوه كل شخصية من شخصيات العمل, بسبب الاختصار الدقيق في المشهد على حساب الجزء الحيوي الخارجي المتحرك: مثال المخرج لا يشتت انتباه المتلقي بصورة الممثل الكاملة وما يدور حوله, بل يختصر ذلك بالتركيز الموضعي في المنطقة المختارة من جسد الممثل ليظهر حركتها وانفعالها بشكل واضح بشاشة كاملة، مثال :عندما شاهد جعفر العمدة (بلال شامه) في (بيت سيف) وهرب منه تبعه جعفر ومسك يده على السلم فركز المخرج الكامرة على اليد فقط....أما قسمات الوجه والشفاه والعيون فقد كانت جميعها شخصيات مختزلة أدت أدوارها بشكل متفوق ربطه المخرج بدواخل الشخصية النفسية ومتلقيها معًا....واستطعنا, كمتلقين, أن نميز نسبية امتزاج كل ممثل وذوبانه في سائل الشخصية المذاب بحرارة الإخراج الإبداعي والرصد الذكي المختزل، حتى صار المتلقي يعيش حالة الممثل ويشاركه الانفعال، فصار الكل يعاني من انتظار صفصف لتنهي الموقف بشبشب...
تصدرت صفصف المشهد وانتصرت على هاله تبعها جعفر وانتصر على محمد رمضان ثم سيف الذي أنتصر على أحمد داش ثم أحمد فهيم ليتجاوز بطفوليته أحمد ويعيش في سيد .... وداد ودلال انتصرت شخصياتهما الشريرة على اسميهما العائلي....ما عدى الزوجة الرابعة (عايدة) انفصلت عن زينة وظهر لديها القلق النفسي بالتخاصم بين ذاتها الإنسانية و شخصيتها التمثيلية وبدأت كانها غريبة عن كادر العمل...فصنع هذا الإنتصار الفني البروز الكامل لهذه المسلسل بين مسلسلات رمضان 2023....

المستوى الأخلاقي بمسلسل جعفر العمدة:
إن كل مجتمع مهما تكن درجة تمسّكه بالخلق الكريم، لن يكون أبدًا مجتمعًا من الملائكة، وإن الشرّ كان ولا يزال وسيظلّ موجودًا في كل مكان يوجد فيه إنسان، بيد أن الحقيقة لا تكون مسوغًا للعمل ( )على تحويل الناس إلى شياطين، ومن جهة أخرى فإنّ القضاء على الشر قضاءً كاملًا هو ضرب من المستحيل، بل لابدّ من العمل على محاصرته في أضيق مكان ممكن، وإذا كان هناك تعارض بين الخير والجمال، فلنقل بين الدين والأخلاق من جهة، والأدب والفن من جهة أخرى، فلماذا ينبغي أن تكون الأولوية للأخلاق على الأدب...؟ والإجابة سهلة وهي أن الشرّ يسمّم الحياة ولا يبقي معه مجالًا للاستمتاع بأيّ شيء، وإذا طُلب من الأديب أو الفنان الإقلاع عن الترويج للشرّ والفساد في عمله، يستطيع أن يجد موضوعات أخرى لا تُحصى يبدع فيها أدبًا وفنًّا يستمتع به، فلا هو إذًا ولا القرّاء سيفوتهم ما ينشدونه من متعة، أمّا إذا تركنا الأدباء والفنانين المنحلّين يغرون بالفاحشة ويعملون على نشر الإباحية، فلن يمكن تدارك الأمر بحال من الأحوال، فإن تماسك الأمم وقوتها الأخلاقية أهم مليارات المرات من متعة فنية تجلب وراءها التفكك الأخلاقي والانحرافات النفسية والآفات الإجتماعية ...إذًا لابدّ من خلفية أخلاقية تصون الأدب من الانحراف وتحارب الإسفاف والتحلّل الأخلاقي في الأدب ..... وهذا ما تدعو له الرؤية الذرائعية بمستواها الأخلاقي, لذلك كل فيلم أو مسلسل يلقى للمجتمع يجب أن يلتزم بالمستوى الأخلاقي, فنرى في جميع الأفلام العربية والأجنية لا يمكن لمجرم أن يهرب من العدالة في النهاية تمثّلًا بالجانب الأخلاقي المتمثّل في :
1. مدخل البؤرة الأساسية الثابتة للعمل الأدبي أو الفني (static core):
يثبت فيها الناقد المفاهيم المركزية للنص، المتمثّلة :
وحدات التحليل الأخلاقي في البؤرة :
• أيديولوجية الأديب الفكرية
• تكنيكاته الأدبية
• واستراتيجيته النصية
• ونظرته نحو مجتمعه والعالم بمنظور إنساني
• رسالته الأخلاقية نحو المجتمع التي لا يمكن مسّها نقديًّا إذا كانت تنضوي تحت المنظومة الأخلاقية العالمية, ولا تخدش الحياء الإنساني, وتكون بعيدة كل البعد عن العنصرية والطائفية ونشر العنف والظلم والاستغلال والعبودية، وتدعم تلك المحطة الذرائعية, وهذا نراه في هذا المسلسل, رسالة لصراع جيران في منطقة من مناطق القاهرة والجيران عائلتان متقاربتان ومتداخلتان, والعراك الحاصل بينهما هو صراع بين الخير والشر, وليس بلطجة ولصوصية....أتمنى أن أكون وفّقت مع فائق اعتذاري....

عبد الرزاق الغالبي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا