الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لقاء بعد طول غياب .. ! ( قصة قصيرة )

جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)

2023 / 5 / 2
الادب والفن


في صباحٍ صيفي حار ..
والسوق مكتظ بالباعة ، وبالمتسوقين .. تسارعت فجأةً نبضات قلب الاستاذ ( خيري ) ، وهو يرى أمامه حب حياته ، وقد عادت بعد أكثر من عشرين سنة زواج قضتها في الغربة ، ومعها أربعة أبناء كان يمكن لو قُدر له أن يتزوجها لكانوا الآن أبنائه ..
لكن فرحته لم تدم سوى ثوانٍ قليلة .. لقد لحستها المفاجأة فأنطفأت فجأةً .. بعدها لَم يجد في نفسه الرغبة ، ولا اللهفة بالاقتراب منها ، ولا في الحديث اليها ، ومطارحتها الذكريات الجميلة التي كانت تجمعهما معاً يوماً ما .
وبعيدا عن الضجة والزحام ..
انزوى في أحد الأركان .. سلّط نظره على وجهها وكامل جسدها لا يكاد يحولهما .. مبهوتاً غير مصدق لما يرى .. فقد أحدث ظهورها بهذا الشكل الغريب في داخله .. صدمة .. أين ذهبت تلك المفاتن ، وأين اختفى ذلك الجمال .. ؟
لقد رأى أمامه امرأة مختلفة كلياً :
امرأة قد شارفت على الخمسين يبدو عليها العز الذي يوفره لها ثراء زوجها الفاحش .. ترتدي ثياب نساء أهل الخليج الفاخرة .. غطّاها الشحم كلها .. امتلأ جسدها وتبلدت حركتها .. تتنفس بصعوبة كسمكة خارج الماء .. حتى وجهها المنتفخ الذي يطفح بالعرق لم ينجو من كتل الدهون ، فاسمّر قليلاً وازداد امتلاءً ، وتهدلت قسماته وذبل بهاءه .. تتنقل بحملها الثقيل بخطوات بطيئة ، وأنفاس لاهثة متقطعة من محل الى آخر .. متجاهلةً أيدي المتسولين الممدودة .. يلاحقها أبنائها الاربعة في تثاءب وضجر .. وجوههم متشابهة كأنها وجه واحد !
وفي لحظة خاطفة ومض في ذاكرته الماضي القريب الذي استيقظت تفاصيله فجأةً في ذهنه ، فعادت به الأفكار متسارعة الى ذكريات عشقه القصير العمر ل ( ميسون ) ..
كان يوماً بهيجاً عندما قدمتها له زميلتة في العمل :
— ميسون عادل .. موظفة جديدة ..
تمتم بلا مبالاة :
— أهلاً وسهلاً ..
— الاستاذ خيري .. موظف في الدائرة القانونية ..
— تشرفنا ..
وتم التعارف ..
تراشقا بنظرات سريعة دون أن يبدو على أحدهما أي أثر يُذكر ، فالأمر بدا عادياً لا يستحق الاهتمام ..
في البداية لم ينتبه اليها إلا ضمن حدود ضيقة لا تتجاوز الزمالة في العمل ، ومع تكرار اللقاءات .. العفوية منها ، والمتعمدة تغير مجرى الاحداث تغيراً دراماتيكياً سريعاً ، وبمرور الأيام أصبح هو من يبحث عنها ، ويرسم الخطط للقائها ، وأصبح كل ما كان يمت لها بصلة في صميم اهتماماته ، وخططه المستقبلية ..
وماذا بعد الحب غير الزواج .. ؟
لكنه اكتشف من خلال لقاءاتهما المتعددة بأنها عالية التطلع .. كثيرة الاعتداد والزهو بنفسها .. اثارت كلماتها عن المستقبل وتصورها له أحاسيس مختلفة في قلب خيري ووعيه ، فهو يرى أن افراطها في الاحلام يُعد انفصالاً عن الواقع ، فرؤيته للمستقبل مغايرة تماماً على الأقل في تواضعها .. أدرك فارقاً في الآراء لم يفهمه في البداية ، وعندما تعرف على اسرتها تبين له انها لم تكن تعيش على قدر مستواها الاجتماعي والمادي البسيط .. بل تتطلع الى ما هو أعلى .. فهِم حينها ما كان غافلاً عنه ، فبدأت بعد ذلك المسافة بينهما تتسع وتتباعد ، وأصبح الفراق مسألة حتمية لا مفر منها ، وسرعان ما رُفض الطلب نهائياً .
وبعد فترة لم تطول كثيراً انقطعت ميسون عن العمل ، وقيل انها تزوجت من أحد الأثرياء العرب .. سعودي أو ربما كويتي ، وغادرت الى لندن لتعيش هناك ، وقالوا ايضاً .. هل كانت ستتزوج ذلك العجوز لو لم يكن ثرياً ؟ لقد باعته على أي حال رخيصاً من أجل أول عابر سبيل ممتلئ الجيوب ..
وكانت الصفعة الأعنف من صفعات القدر في حياة الأستاذ خيري .. !
وبالعودة الى السوق ..
ازداد الجو حرارة مع تقدم النهار وارتفاع الشمس ، وبدأت الحركة تخف .. أفاق الاستاذ خيري من ذهوله .. أرسل ضحكة استهزاء قصيرة .. هز رأسه أسفاً ثم غادر السوق ، وترك ميسون تُكمل مشوارها في التسوق بعد أن انتزعها نهائيا من قلبه ومن ذاكرته والى الابد ، وحمد الله على ما آلت اليه أحواله ، وطفق عائداً الى بيته وزوجته .. مبتهجاً سعيداً مسروراً يملأه الحماس .. الى تلك الانسانة التي قَبِلته كما هو رغم الميزات التي كانت تتحلى بها من جمال ونسب وغنى ، ولم يحصل بعد الزواج أن جرحته يوماً أو تعالت عليه أو على أهله ، وكانت زوجة ممتازة وأم مدهشة .
وعندما دخل الدار صادف زوجته منكبة على عملها اليومي الشاق في الطبخ والتنظيف .. تفرس ملهوفاً في وجهها الجميل بعينين تفيضان حباً كأنه لم يراه من قبل .. أقبل عليها .. فتح ذراعيه وعانقها ثم انهال على وجهها وعنقها تقبيلاً .. أجفلت المسكينة ، وهي تنتفض دهشةً ..
فهو لم يفعلها من قبل أبداً ..
لم يغيب عن ذكائها ما كان يدور في رأسه من تخيلات فقالت وشفتاها تفتران عن ابتسامة ساخرة :
— لماذا تبحلق بي هكذا كأنك لم تراني من قبل .. ؟
أجابها بنبرة صادقة :
— أنا لا أمل النظر اليكِ .. يا لوحتي النادرة .. أنا فعلاً محظوظ بكِ .. !
— ما هذا الكلام الجميل .. ؟ منذ متى .. ؟ هل ما تقوله حقاً أم هو مجرد كلام معسول وراءه حاجةٌ ما .. ؟
وكان الجو مدججاً بالهياج والانفعال .. تستيقظ في داخله فجأةً طاقة من الرغبة العابثة .. يهمس :
— ما رأيك أن تأتين معي الى …. ؟
يغمز وهو يومئ الى الفراش بحركة خفيفة من رأسه ..
تجيبه بعصبية مفتعلة :
— ما الذي جرى لك اليوم .. ؟ ألا تراني مشغولة .. ؟
يحاول أن يجرجرها الى الفراش ، وهي تمانع وتتلكأ ، وترسل ضحكة اغراء ودلع قصيرة ..
— تعالي لأثبت لكِ أن كل ما قلته صحيح ، ونابع من سويداء القلب ..
تهز رأسها رافضةً في عناد طفولي .. يفتح فمه كأنه يريد أن يصرخ ، فتُسارع لاغلاقه براحة يدها ..
توشوش وهي تكز على أسنانها من خلال ابتسامة ضيقة ، وتقول بصوت منخفض :
— أش أش ششش .. ( تضع اصبعها على فمها ) إخفض من صوتك .. الأولاد يسمعون ويفهمون .. يا عجوز .. يا مجنون ..
يهمس متغزلاً :
— مجنون بحبك .. يا أحلى وأطيب وألذ زوجة ..
تُصارع ترددها للحظات ثم تستسلم طائعةً سعيدة ، وتعلن عن القبول بإيماءة خجلى من رأسها .. !!

( تمت )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟


.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا




.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس