الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


برلمان لحماية الإستبداد والفساد

يسري حسين

2006 / 10 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


تعرض الحاكم في بريطانيا لهزة شديدة , نتيجة تراجعه في الإنتخابات المحلية وإرتفاع صوت أحزاب المعارضة المحافظة والليبرالية , التي حققت نسبة عالية من المقاعد داخل الحكومات المحلية والبلديات .
لم ينتظر رئيس الوزراء وزعيم الحزب الحاكم كثيرا , إذ أسرع في خطوة سياسية وقائية لتجديد حكومته للرد على ماجرى من إنتكاسة في الإنتخابات المحلية . أعلن بلير حركة تنقلات هي الأشمل على حكومته فأقال وزير الداخلية تشارلز كلارك وأبعد وزير الخارجية جاك سترو , ونقل وزير الدفاع , وأحدث تغيرات شاملة في المواقع الوزارية مثل التجارة والتعليم . ولم يترك رئيس الوزراء موقعا داخل حكومته على حاله , حتى يجدد ثوبه الحكومي أمام الرأي العام لإقناعه بقدرته على الإستمرار .
ترتب على < الإنقلاب الأبيض > الذي قاده < بلير > هزة واسعة في دوائر الحكم , حتى تبدو الحكومة وكأنها جديدة وشابة لإمتصاص حركة التمرد داخل الحزب الحاكم نفسه , وإقناع البريطانيين بأن النظام يستجيب لنداء التغيير .
وأذكر كلمة للزعيم الراحل جمال عبد الناصر قالها بعد نكسة يونيو < حزيران > عام 1967 وبعد مظاهرات الطلاب في عام 1968 , إذ قال < الشعب يريد التغيير وأنا معه > وقدم عقب خطاب شامل له بيان 30 مارس < آذار > مجموعة قوانين لصالح الصحافة والحريات , إستجابة لنداء الشعب بالتغيير والتعديل وتجديد الوجوه الوزارية .
والمصريون منذ وصول الرئيس مبارك إلى الحكم يطالبون بالتغيير , لكن القيادة لا تنصت ولاتستجيب لهذا النداء . وكان أخر إستجابة عكسية لمطالب الحريات والإصلاح السياسي , تجديد الحكومة لإستمرار قانون الطوارئ المفروض أيضا منذ ربع قرن كذلك إلغاء الإنتخابات المحلية . وهكذا تكون الديمقراطية على الطريقة المباركية والتي تقول < لا خضوع ولا إستسلام ولا إعتراف بإرادة الشعب > ومن لا يعجبه ذلك يضرب رأسه في الحائط ! . والمصريون بالفعل يضربون برؤوسهم في حائط الجمود السياسي والإجتماعي والإقتصادي منذ ربع قرن , حيث لا توجد في الافق علامات على أن الرئيس سيخضع لرغبة الرأي العام , فهو ليس < بلير > فشعبه مطيع , ولديه برلمانه الجاهز والذي يستجيب لمطالبه ويوافق على تقييد الحريات وخنق حركة التعبير , بأغلبية مزيفة في البرلمان دائما تنحاز إلى إجراءات القمع والديكتاتورية .
ورغم خطوة توني بلير السياسية الجريئة فإن التمرد عليه لا يزال مستمرا . ويرى الرأي العام أن رئيس الوزراء هو الذي عليه الرحيل عن المسرح السياسي نتيجة سلسلة من الأخطاء , بدأت بالحرب على العراق وإستمرت في الإخفاق لمعالجة القضايا الداخلية مثل الأمن والصحة والتعليم مع إنتشار الفساد والفضائح الأخلاقية . وفي البيئات الديمقراطية من يفشل يرحل , أما في بلادنا فأن الفاشل يستمر لأن الأمن يدعمه والبرلمان بأغلبيته الكاسحة يقف بجواره .
والفساد البريطاني لا يمكن مقارنته بالعربي , أو مايحدث في مصر , فلا يوجد في بريطانيا من هرب بالمليارات إلى الخارج , أو أن يتحول مندوب إعلانات خلال فترة قصيرة إلى مليونير , عبر الغش والفساد وعمليات النصب والإحتيال .
إن القانون البريطاني يضبط الفاسدين من المنبع ويمنع نموهم , وهناك حرمة للمال العام . والفساد الذي نتحدث عنه في بريطانيا لا يتجاوز ماحدث في حكومة المحافظين السابقة عندما حصل وزير هو < تيم هاملتون > على رشوة من رجل أعمال لا تتجاوز عشرة ألاف جينية إسترليني . وكان لكشف الفضيحة سقوط حكومة جون ماجور بالكامل , التي لا حقها ملف الفساد بهذه العينة وطاردها حتى أسقطها الرأي العام في إنتخابات عام 1997 .
وعندما نتأمل ما يحدث في مصر الأن , نرى أن الحكومة غائبة تماما عن غليان الرأي العام , الذي يصدمه كشف ملفات الفساد . ويكفي أن نذكر ما حدث في مؤسسة قومية للصحافة هي < الأهرام > التي تم نهبها من رئيس مجلس إدارتها السابق , الذي إستولى على ما يصل إلى 4 مليارات جنيه , عبر المكافآت والبدلات والحصول على عمولات من نشر الإعلانات .
والعجيب في الأمر أن إبراهيم نافع لا يزال يكتب ويتحدث عن حرية الصحافة وحقوق الصحافيين وسلامة المؤسسات القومية الصحفية في مصر ! . كما يدلي برأيه في قضايا تتعلق بالأمن والإرهاب والفتنة الطائفية ! .
والظاهرة المصرية في رفض التغيير والتشبس بمقاعد السلطة , تعود إلى منطق سياسي يرى بأنه ليس للشعب حق الإعتراض أو التدخل أو المطالبة بعقاب وزير أو مسئول كبير , ساعد صاحب عبارة غرقت بركابها نتيجة الإهمال والنصب والتحايل على القانون والفساد .
إن في مصر ظاهرة عجيبة للغاية وهي أن رئيس الديوان الجمهوري عضو في مجلس الشعب ! , أي أنه يمثل قصر الرئاسة والشعب في الوقت نفسه . وهذا لم يحدث حتى في العهد الملكي الذي نصفه بالبائت . فلم يكن أحمد حسنين رئيس ديوان الملك فاروق يملك الجرأة والتبجح للحصول على عضوية مجلس النواب . إذ كيف يمثل الملك الحاكم والشعب . فهل يمكن تخيل رئيس بلاط قصر باكنجهام الملكي يجلس في مجلس العموم البريطاني المنتخب ؟! .
وكان زكريا عزمي رئيس الديوان الجمهوري , أعلن بصراحة شديدة أن صاحب < عبارة الموت > ممدوح إسماعيل صديقه وأنه < إبن بلد > يعرف أخلاق القرية وقيم الصداقة وأنه لن يتخلى عنه أبدا ! . وقد هرب ممدوح إسماعيل إلى الخارج بعد أن رفض مجلس الشورى إسقاط الحصانة عنه . ولم يفعل ذلك إلا بعد أن تأكد من خروج صاحب العبارة إلى لندن ! . كان ممدوح إسماعيل يتولى أمانة الحزب الحاكم في دائرة مصر الجديدة , الموجود فيها قصر الرئيس مبارك الجمهوري .
ولم يُعرف عن صاحب عبارة الموت أنه سياسي ماهر أو حزبي محترف ليصل إلى هذه المكانة على قمة الحزب الحاكم في دائرة الرئيس وعائلته . ويقال أن رئيس الديوان الجمهوري هو الذي أدخل إسماعيل إلى مجلس الشورى بتوجيه منه بسبب الصداقة التي بينهما . والحقيقة أن الموضوع مرتبط بتحالف المال مع السلطة . وقد سمحت أجهزة الدولة ودوائر الفساد بهروب ممدوح إسماعيل , وهو يعيش في بريطانيا , يتمتع بنظامها الديمقراطي وعندما كان في مصر إعتدى على الديمقراطية بتأييده قانون الطوارئ ولإحتلاله لمقعد في مجلس نيابي , دون حق أو مؤهلات سياسية , سوى صداقته مع زكريا عزمي رئيس الديوان الجمهوري .
وقد وقع نواب في مجلس الشعب المصري على عريضة تطالب بالتحقيق مع < عزمي > لمعرفة دوره في تهريب ممدوح إسماعيل , كذلك كشف الغطاء عن التحالف بين المال والفساد والنفوذ السياسي في أرض الكنانة .
وكاعادته رفض مجلس الشعب قبول عريضة موقعة من نواب منتخبين لأن رئاسة < البرلمان > التي يتولاها د . احمد فتحي سرور , هي لمنع الممارسة الديمقراطية , ولا تمثل مصلحة الشعب ولا تطلعه إلى ديمقراطية حقيقية .
وأداء مجلس الشعب المصري خلال عصري السادات ومبارك , هو قيد على الحرية والديمقراطية . عندما جاء السادات بإنقلاب مايو الأسود على نظام عبد الناصر في عام 1971 , قام هذا البرلمان بخطوة غريبة لم تحدث في أي برلمان يحترم نفسه . فقد أسقط العضوية عن رئيسه آن ذاك د . لبيب شقير وعشرات الأعضاء , الذين كان نظام السادات قد وضعهم في السجن بإسم ثورة مايو ضد مراكز القوى .
وقد أطلق على هذه المذبحة يوم الديمقراطية , وعيد مجلس الشعب ! . ولا يزال هذا العيد مستمرا وتوج إنجازاته بموافقة سريعة على تمديد < قانون الطوارئ > لمدة عامين , حماية لعصر الحرية الذي تعيشه مصر وأزهى أيام الديمقراطية في ظل حكم الرئيس مبارك الذي يتولى السلطة منذ ربع قرن , ولا توجد إشارات على أنه سيتنحى في يوم ما كما يعد رئيس الوزراء البريطاني توني بلير شعبه بذلك .
والرئيس مشغول بإعداد المسرح لتوريث نجله السلطة . ويقوم جمال مبارك بنشر نفوذه في دوائر الحكم والحزب والإعلام . وأصبحت كل الصحف الحكومية بدون إستثناء تروج له وتمهد الطريق للتوريث وإنتقال السلطة من الأب إلى الإبن .
شنت صحيفة < روزاليوسف > التابعة لنفوذ جمال مبارك حملة رهيبة ومنحطة ضد الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل , لمجرد ذكره أن التوريث سيحدث هذا العام وفي ظل حكم الرئيس حتى يضمن نقل ولاية السلطة إلى نجله وهو على قيد الحياة . والحملة التي تعرض لها هيكل تدل على إسلوب الموجة الجديدة التي تقود معركة التوريث بل أدب أو حياء .
ومن عجائب مصر أن يوافق برلمان منتخب على تكبيل الشعب بقانون الطوارئ , غير القادر على محاربة الإرهاب , لأن وجوده وإستمراره هو الذي يفرز التطرف والإحتقان الطائفي , نتيجة غياب تنمية ومشروع وطني ثقافي يدفع مصر نحو الأمام .
إن مجلس الشعب المصري بالموافقة على تمديد قانون الطوارئ والعجز عن النظر بملف زكريا عزمي , هو فضيحة للديمقراطية وعثرة أمام تطور مصر السياسي والحضاري .
وعندما ذهب الشيخ رفاعة الطهطاوي إلى فرنسا مع بعثة طلابية أرسلها حاكم مصر محمد على , رأى أن الشعب الفرنسي متقدم ومزدهر بسبب نظامه النيابي ووجود برلمان يحرص الحرية ويطلق طاقات الشعب ويحرض على سن قوانين تشجع الصناعة والتجارة وحركة التفكير والإبتكار وإزدهار الفنون .
وحينما أقف في ميدان < وستمنستر > وأرى مبنى البرلمان البريطاني أتأكد أنه سبب نهضة هذا الشعب , فلم يوافق أبدا على قانون للطوارئ أو إعتقال الناس أو تبرير القبض عليهم .
لقد حاول رئيس الوزراء الحالي ووزير داخليته السابق تشارلز كلارك , إصدار قوانين لمحاصرة حرية التعبير ولمتديد فترة الإحتجاز دون محاكمة . حدث ذلك وبريطانيا تعرضت لعمليات تفجير سقط فيها 52 قتيلا . غير أن برلمان الحرية رفض كل مشروعات بلير لإصدار تشريعات مقيدة للحريات . وإتهمه النواب صراحة بعدم معرفة روح الحياة الدستورية البريطانية إذ أنها تستند على فتح أبواب الحرية وليس إغلاقها , حتى لو كان الأمر يتعلق بتفجيرات إرهابية في شبكة المواصلات العامة.
إن البرلمان البريطاني يحرص منابر الحرية والديمقراطية ويحميها بالتشريعات والقوانين , ويدرك أن المجتمع السليم والصحي يحتاج إلى مناخ حر للإزدهار والتقدم . بينما المجتمعات المكبلة بالفساد والإستبداد تعاني من التخلف وإنتشار الأمراض الإجتماعية وبروز التعصب والتطرف والصراع الطائفي .
وإذا كان البرلمان البريطاني يناصر الحرية لإزدهار الشعب , فأن مجلس الشعب المصري يتباهى بفرض القيود والموافقة السريعة على مد قانون الطوارئ . ويتبجح نائب من الحزب الوطني هو محمد أبو العينيين , رجل أعمال يتاجر في السيراميك , بأن هذه الخطوة لحماية مصر ! . وأتذكر سؤال للشاعر أحمد فؤاد نجم عندما قال عن أي مصر يتحدثون : < العشة : أم القصر > ؟ ! .
وكان مجلس الشعب المصري تحت رئاسة أحمد فتحي سرور إشتهر في دورات سابقة بنواب المخدرات ونواب القروض الذين إستولوا على أموال البنوك ونهبوها . وهذا البرلمان الحالي هو بالتأكيد برلمان الطوارئ والإستبداد وحماية الفساد . وقد سمح لقوات الأمن بإعتقال النائب أيمن نور زعيم حزب الغد في دورة سابقة . وتعرض هذا النائب البرلماني السابق للضرب والإهانة وهو حاليا في السجن يعاني من الإحتضار , نتيجة أنه تجرأ ورشح نفسه في الإنتخابات الرئاسية ضد مبارك .
ويذكر التاريخ المصري أن د . احمد فتحي سرور هو البرلماني الوحيد في العالم الذي يقود حملة على الحرية والديمقراطية ويسقط الحصانة عن نواب شرفاء ويرفض رفعها عن نواب متورطين بالفساد وإستغلال النفوذ . ومن الغرائب أن يحضر هذا لارجل مؤتمرات برلمانية دولية ويتحدث بإعتباره برلماني يحافظ على حقوق الإنسان وحق الأفراد في التعبير والمعارضة .
وسرور يتولى رئاسة إتحاد البرلمانيين العرب . وهذا الموقع يعبر عن حالة التدهور الديمقراطي في عالمنا العربي , وأن البرلمانات العربية ليست مجرد ديكور شكلي فقط , وإنما تعمل على عكس كل المجالس النيابية في العالم المتحضر في إعتقال الديمقراطية وتحديد إقامتها وفتح الطريق أمام الفساد وأنظمة الحكم الديكتاتورية التي تحكم بالحديد والنار .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المستشفى العائم الإماراتي يستقبل مزيدا من الجرحى والمرضى من


.. إدارة الخدمات الصحية في وزارة الدفاع السعودية نشرت 27 مرفقا




.. الموفد الأمريكي هوكستين يزور بيروت لبحث سبل خفض التصعيد العس


.. 17 شهيدا بغارات إسرائيلية على وسط وجنوبي قطاع غزة




.. إخلاء سكان مدينة أمريكية بسبب حرائق في الغابات