الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


«تسيّس الاتحاد الأوروبي»

امال قرامي

2023 / 5 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


تحتل تصريحات عدد من ممثلي الاتحاد الأوروبي ومواقف أعضائه من تونس الصدارة في مستوى التغطية الإعلامية واهتمام الرأي العامّ الذي يتابع هذه الخطابات التي لا تأخذ بعين الاعتبار الوضع الصعب الذي تمرّ به بلدان الجنوب بسبب العولمة والنظام النيوليبرالي وسياسات الانغلاق التي برزت بعد صعود أحزاب اليمين والتحولات المناخية وغيرها من العوامل، فضلا عن تحيّز أصحاب هذه الخطابات ودفاعهم الشرس عن وجهة نظر بلدان الشمال مرسّخين بذلك علاقات القوّة ومنطق الهيمنة. وتوضّح هذه المواقف ما سيترتب عن تسيّس «politisation» الاتحاد الأوروبي من نتائج وخيمة ستفضي بالضرورة، إلى تأزّم الوضع في تونس أكثر فأكثر.

وبالرغم من أنّ «التسيّس» يعدّ مصطلحا حديث العهد في العلوم السياسية فإنّ ذلك لم يمنع سرعة انتشاره إذ صار الحديث عن تسييس الدين، والإعلام والأكاديمية والمؤسسات الثقافية وحتى الرياضة..وباتت المطالبة بتحرير مجالات ومؤسسات من سطوة التسييس dépolitisation تفاديا للصراعات والمواجهات.

أمّا تسيّس الاتحاد الأوروبي الذي بدا واضحا في صياغة السياسات والاستقطاب الحدي والخلافات بين أهمّ الدول، فإنّه يخضع لاعتبارات داخلية وخارجية ذات صلة بفاعلين متعددين كأصحاب رؤوس الأموال، وأهل الإعلام والاحزاب السياسية وغيرهم، وهو يعود، حسب عدد من الدارسين، إلى محطات تاريخية متعددة وسياقات متنوعة (الأزمة المالية 2006، وصولا إلى البركسيت Brexit 2020 وأزمة كوفيد 2022).

ضمن هذا الإطار احتلّت أزمة تدفق المهاجرين اللانظاميين، وموقف النظام التونسي من هذا الموضوع والأزمة الاقتصادية-السياسية-الاجتماعية التي تمر بها الدولة التونسية أهميّة بالغة في توجيه النقاش وجهة سياسية بامتياز، وتبرير بعض المواقف وتبنّي بعض الاستراتيجيات للتأثير في اتّخاذ قرار مساعدة الحكومة التونسية من عدمها، وهو أمر يؤكّد أوّلا: أنّ مسار تسييس الاتحاد الأوروبي يتصاعد كلّما برزت الأزمات والأحداث الاستثنائية وكثرت التحديات، وثانيا :أنّ التسييس يشكّل الوعي الجمعي ويساهم في التعبئة السياسية وبناء التحالفات وتغيير خارطة الولاءات، وثالثا: أنّ التسييس باعتباره انخراطا في اللعبة السياسية، يفرض الوعي بالسياق الاجتماعي والرأسمال الثقافي وباستراتيجيات الابتزاز وغيرها من العوامل.

وعلى هذا الأساس فإنّ الأزمة الاقتصادية وتضخم ديون تونس وكيفية مساعدتها لا تمثّل شأنا داخليا خاصّا بل تتحوّل إلى موضوع تتناقش فيه الدول الأوروبية وتعمل فيه كل واحدة على بناء صورة للدولة التونسية وللنظام وللرئيس وللشعب والمؤسسات. ولا نبالغ أنّ هذا الموضوع بات خلافيا ومساهما في توتير العلاقات داخل الاتحاد الاوروبي ذاته ولذا لا ينفكّ أبر الأعضاء عن التذكير بالإكراهات والتنبيه إلى المخاطر وممارسة الضغوط من أجل فرض الموقف النهائي.

وأمام هذه التحركات النشطة ذات النسق السريع التي تحسب لوحدة الاتحاد الأوروبي وقوّته ألف حساب، وتعمل على دعم شرعيته باعتباره يمثل تكتلا سياسيا «ديمقراطيا» يجوز التساؤل هل تتخذّ الحكومة التونسية إجراءات مستعجلة؟ وهل سعت إلى بناء التحالفات والتأثير في القرار؟ وهل رسمت خطّة للمواجهة؟ وهل وضعت استراتيجية إعلامية رسمية للردّ أم أنّها اكتفت بالمتابعة وانتظار القرار بكل سلبية؟

لم يشفع لنا تاريخ طويل من وضع التصورات لتموقع تونس في خارطة العلاقات الدولية ، ولم يشفع لنا ما تراكم عندنا من خبرات سابقة في بناء التحالفات ولم تشفع لنا إرادة الحياة وتصميم الشعب على تغيير مراكز اتخاذ القرار والمعايير ونمط العلاقات بين الشمال والجنوب . ومن هذا المنطلق يتعيّن القيام بمراجعات أساسية فما هو مطلوب من الدولة التونسية: إدماج الأجسام الوسيطة ومختلف مكونات المجتمع الدولي في تنفيذ خطة الإصلاح الجوهري ودعمها والسهر على تحقيق الاستقرار الاقتصادي والمالي والسياسي، والعمل على اكتساب ثقة التونسييين/ات وطمأنتهم على ما سيؤول إليه بعد تنفيذ التصورات الجديدة لنظام حكم يجهلون مدى واقعيته إذ لا يخفى أنّ التاريخ التونسي يثبت أنّ نسق الاحتجاجات يتصاعد كلّما ضعفت المقدرة الشرائية وفقد التونسي إحساسه بالأمان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - انحياز وتمترس خلف الأحاديةالقطبيةبمعايير الاتحاد
Tayseer Al Al Alousi ( 2023 / 5 / 3 - 12:16 )
تماما دكتورة آمال أتفق معك وأحييك وتشخيصك الموضوعي في قراءة ظاهرة (تسييس) القضايا الاقتصادية الاجتماعية الثقافية ووضعها بأطر قرارات مسيَّسة (منحازة) بالاستناد إلى تمترس خلف الأحادية القطبية بالإشارة إلى أمريكا وموقفها تجاه (احتدام) الصراع (الدولي) في اوكرانيا واحتمالات مخرجاته في صنع التعددية القطبية ودحر الهيمنة!
هنا تشكل تونس مثلما دول أفريقيا الأخرى ساحة صراع يحاولون فرض إرادتهم أو [هيمنتهم] عليها بابتزاز، عبر تسييس قضايا (بانحياز مفضوح) مثل قرض البنك الدولي والموقف التونسي من المهاجرين ومثل قضية الدفاع عن السيادة التونسية داخلية وخارجية، ومحاولة إزاحة كلكل العشرية السوداء... وبدل دعم ولادة الديموقراطية واستكمال خطواتها الحرة المستقلة وبدل النظر عميقا في واقع تونس ومجريات الحدث واتجاهاته يصرون على اتخاذ موقف هجين يتسمى بالديموقراطية فيما يرتكب جريمة مصادرتها بوساطة ما يظهر من انحياز وابتزاز وابتعاد عن قراءة الواقع ومساره بدقة وموضوعية.. دمت أيتها الفاضلة وأؤكد أيضا اتفاقي مع دعوات تحذر من أي انزلاق في الأداء المحلي الوطني لكنني أمتلك الثقة بشعب تونس وقدراته في صنع الخيار الذي يريده.

اخر الافلام

.. -تشاسيف يار-.. مدينة أوكرانية تدفع فاتورة سياسة الأرض المحرو


.. ناشط كويتي يوثق آثار تدمير الاحتلال الإسرائيلي مستشفى ناصر ب




.. مرسل الجزيرة: فشل المفاوضات بين إدارة معهد ماساتشوستس للتقني


.. الرئيس الكولومبي يعلن قطع بلاده العلاقات الدبلوماسية مع إسرا




.. فيديو: صور جوية تظهر مدى الدمار المرعب في تشاسيف يار بأوكران