الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن الصحافة المصرية ..

أحمد فاروق عباس

2023 / 5 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


يحتفل كل عام فى ٣ مايو باليوم العالمي للصحافة ، والصحافة فى العالم كله تتوجه لقارئ ، وبالتالى فمن حق قارئها أن يقول رأيه وملاحظاته في عملها .. وإذا كان كلامنا عن الصحافة فى بلدنا ، فالسؤال هو :
إذا قرأنا الصحافة المصرية الآن ..
فهل نعرف منها شئ عن مصر ؟
هل نفهم منها شئ ذو قيمة ؟!
وحديثى عن الصحافة المصرية ينسحب على الصحافة العربية أيضا .. وكثيرا ما كنت اتابعها فى نسخاتها الورقية قديما ، وفى نسخاتها الإلكترونية اليوم ..
واذا تركنا السياسة ومشاكلها جانباً ، هل نعرف من الصحافة المصرية شيئا عن الزراعة في مصر ؟ عن أحوال زراعة وتجارة وتصنيع القطن مثلا ؟ وما تغير فيه ؟
هل نعرف منها شيئا عن زراعة وصناعة محصول رئيسي فى جنوب مصر تقوم عليه حياة واقتصاد عشرات الملايين هو قصب السكر ، وعن مشاكل وأحلام زارعيه ؟
هل نعرف شيئا عن الفواكه المصرية وأماكن زراعتها وأهم منتجيها وقصصهم ؟ هل نعرف منها شيئا عن الصناعة المصرية ..
أين الصحافة الاستقصائية عن الصناعات المصرية ، الخاص منها والعام ، الوارد منها والصادر ، الجيد منها والردئ ، ومن هم روادها وأعمالهم وتاريخهم وحياتهم ..
هل اخذتنا صحيفة مصرية إلى مدينة العاشر من رمضان مثلا ، والصناعات التى بها ، واعداد مصانعها ، وتصنيف نشاطاتها ، وأعداد العمالة ونوعيتها وفيها قصص صحفية عن المنتجين ، وأحوال الطبقة العاملة هناك ، وعن معدلات الأجور ... إلخ ، هل فعلت ذلك فى مدينة ٦ أكتوبر أو أى مدينة صناعية مصرية ؟
هل عرفنا منها أى الصناعات متوطنة في مصر ، أو ما الذى نتمنى توطينه فى بلادنا في المستقبل وبأى طريقة ؟
هل عرفنا من الصحافة المصرية أية بيانات أو إحصاءات وليس مجرد كلام مرسل عن عشرات القضايا المهمة .. عن التدخين في مصر مثلا ، أو أعداد المدمنين ونوعيات ما يتعاطونه وبأى الطرق تأتى هذه السموم ؟!
هل تقدمت الصحافة المصرية ( فيما يخص التحقيقات الصحفية ) خطوة أبعد من مقدمة شديدة العمومية ثم أخذ رأى هذا الخبير أو المسئول السابق والسلام !!
لماذا لا يقوم الصحفيون المصريون كما يفعل نظرائهم في الغرب بالاستعانة بدراسات وأبحاث تخص الموضوعات التى يكتبون فيها ، واكساب موضوعهم أرقام وبيانات وإحصاءات ، بالإضافة إلى ملاحظاتهم الشخصية ، بدلا من الكلام العام ثم أخذ رأى شخص أو شخصين في موضوع التحقيق !!

هل لأى صحيفة مصرية أى مراسل فى البلاد المجاورة أو القريبة - وليست البعيدة - لمصر ؟
هل لصحيفة مصرية واحدة مراسل فى ليبيا مثلا ينقل لنا أخبارها وما يجرى فيها ، ويجرى حوارات مع مسئوليها فى السياسة والإقتصاد وغيرهما ؟ هل لنا مراسل فى السودان ؟ هل هناك مراسل مصرى واحد لأى صحيفة فى أثيوبيا ، نفهم منه - وليس نقلا عن وكالات أجنبية لها أهدافها المتفقة مع سياسات دولها - ما يجرى على الأرض فى أثيوبيا ، وعن طبيعة الشعب هناك واهتماماته ، وعن أحوال البلد الاقتصادية والاجتماعية ، وثقافتها وفنونها ..
هل لمصر مراسل صحفى فى العراق ؟ أو فى سوريا ، وبعد عشر سنوات من أصعب واقسى ما واجهت سوريا فى تاريخها كله !! هل لنا أى صحفى في الجزائر أو فى اليمن أو فى تركيا ، يعيد التحقيقات القوية لمكتب الأهرام فى تركيا فى التسعينات وبداية الألفية ..
لماذا لا نقرأ فى الصحافة المصرية موضوعات متعمقة عن سياسات التعليم في مصر مقرونة بإحصاءات ودراسات ، أو عن السياسات الصحية مقرونة ببيان عن أعداد المستشفيات والمراكز الطبية في مصر ، وأعداد الأطباء ، والنقص أو الزيادة في تخصصات معينة ، لماذا لا تلقى أضواء على الأمراض المتوطنة في مصر وترفع من مستوى المعلومات الصحية والطبية لقراءها ؟
لماذا لا نقرأ شيئا عن مرفق العدالة في مصر ، قضاة ومحامين ، وعن عملهم ، ومشاكلهم وأحلامهم ، وتغيرات مهنهم ومستقبلها ؟
لماذا لا تستكتب الصحافة المصرية علماء أو خبراء أو فنيين فى تخصصاتهم في موضوعات الساعة ، بدلا من صفحات الرأى التى أصبحت حكرا على صحفيي كل جريدة أو مجلة ..
تفعل ذلك الصحافة البريطانية أو الأمريكية مثلا وغيرهما ..

فتطلب من خبير فى مجاله مقالا عن صناعة السيارات أو صناعة الزجاج في مصر ، ومن آخر مقال عن مرض من الأمراض المتوطنة في مصر ، أو من خبير ثالث مقال عن أسلوب رعاية الاطفال وتنشئتهم في مصر والخطأ والصواب في ذلك ..
أو مقال عن تربية الطيور أو عن صحارى مصر وما بها من أوجه الحياة ، أو من خبير إقتصادى أو سكانى مقال عن تقييم نظرية مالتس بعد مائتى عام من ظهورها ، أو الصواب والخطأ فى آراء كينز بعد ما يقرب من قرن من صدور كتابه الرائد النظرية العامة للتشغيل والفائدة والنقود ، أو سلسلة مقالات عن تقييم السياسات الضريبية في مصر ..
كذلك لا نرى في الصحافة المصرية إلا فيما ندر أى صدى لعمل السفارات الأجنبية والبعثات الدبلوماسية فى مصر ، ولا أى لقاءات مع رجالها ومبعوثيها ..
لقد بالغت الصحافة المصرية فى الإهتمام بناحية واحدة من نواحى النشاط فى مصر ، وهى الناحية السياسية ، واهملت جوانب الحياة الأخرى المهمة ، فليس بالسياسة فقط يحيا الإنسان ، وحتى فى النواحي السياسية تعانى الصحافة المصرية من قصور واضح ..
فلا يوجد صحفى مصرى واحد - فيما اعلم - عظيم الاطلاع على التفاصيل الدقيقة للسياسة المصرية ومن مصادرها المباشرة ، فلا يوجد صحفى مصرى يستطيع أن يقول على ما يكتبه أنه يروى " القصة من الداخل" كما يفعل نظراءه في الغرب ، ممن كانت مصادرهم داخل الإدارة السياسية فى بلدانهم تتيح لهم رواية القصة بلسان أبطالها ..

أخيرا ..
يشكو الصحفيون دائما من أن صحفهم أصبحت لا تبيع ، والجواب ببساطة لأن القارئ لم يعد يجد فيها ما يريد ..
وقد قدم أصحاب " مدرسة السياسة أولا وأخيرا " أن السبب هو قلة الحرية ، واستبداد السلطة ، وهو رأى غير صحيح ، وحتى على اعتبار صحته ، فربما يصدق ذلك على الشئون السياسية ، ولكن ما علاقة ذلك بتحقيقات ومقالات وحوارات غنية وعميقة فى شئون الاقتصاد والصناعة والخدمات وتطور المجتمع ؟
إن الحرية السياسية فى مصر لم تكن فى أفضل أحوالها في الستينات ، ولكن الصحافة المصرية كانت وقتها فى أفضل أحوالها ، وكانت توزع مئات الآلاف يوميا ، وأكثر من مليون فى الإعداد الأسبوعية !! وكان قارئها يعرف منها أحوال مصر والعالم والتيارات المؤثرة فيه وبأقلام كبار الكتاب ، وأعداد الصحف المصرية فى الستينات - الأهرام والأخبار - متاحة على موقع أرشيف لمن يريد مطالعتها ..
قول آخر شاع في السنوات الأخيرة ، وهو أن وسائل التواصل الإجتماعي أخذت إهتمام الناس بعيدا عن الصحافة ، وهو فى رأيي أيضا غير صحيح ، فهناك طيف واسع جدا من الموضوعات لا تستطيع وسائل التواصل الإجتماعي تغطيته أصلا فضلا عن تغطيته بكفاءة ، وهو ما يعطى الصحافة ميزة قوية لو أحسنت فهمها واستغلالها ، ومازال فى مصر ملايين القراء في إنتظار شئ جاد وحقيقى ومفيد من الصحافة المصرية فإذا هو يرجع إلى سابق عهده معها ..
آن للصحافة المصرية أن تهتم بمصر الأخرى ، مصر العميقة ..
وآن للمصريين أن يعرفوا شيئا وأن يفهموا شيئا عن بلدهم .. ومن صحافتهم الوطنية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -أمام إسرائيل خياران.. إما رفح أو الرياض- | #مراسلو_سكاي


.. استمرار الاعتصامات في جامعات أميركية.. وبايدن ينتقد الاحتجاج




.. الغارديان: داعمو إسرائيل في الغرب من ساسة وصحفيين يسهمون بنش


.. البحرين تؤكد تصنيف -سرايا الأشتر- كيانا إرهابيا




.. 6 شهداء بينهم أطفال بغارة إسرائيلية على حي الزهور شمال مدينة