الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أبناء يهوذا

كريم عرفان

2023 / 5 / 4
الادب والفن


دراسة نقدية لرواية أبناء يهوذا للكاتب والأديب / صموئيل أمين

- إذا أردنا أن نبدأ حديثنا عن النص الروائى " أبناء يهوذا " فيجب أن نتحدث عن العنوان ؛ والذى يذكر لنا " يهوذا " رمز الخيانة في الديانة المسيحية وفى أدبياتها والذى أصبح فيما بعد رمز الخيانة في الأدب العالمى

- العنوان يشعرنا أننا سنتناول حالة الخيانة ولكن هذه المرة ليست من قبل يهوذا ..لا ..بل من ذريته ( المعنوية ) والتي تعيش بيننا والذين ينتمون إلى هذا السلسال ..سلسال يهوذا
اسم يهوذا أيضا يشير إلى البعد الدينى المنتظر عرضه في الرواية وأن الرواية ستحمل الكثير من الأبعاد العقدية والكنسية ..فيهوذا هو الذى خان سيده المسيح عليه السلام وباعه من أجل حفنة من الأموال ثلاثين من الفضة ؛ ثم جاء الغلاف ( وهو الترجمة البصرية الفنية للنص ) ليصور يهوذا الخائن ممسكا بصرة الأموال والخيانة تقطر من قسمات وجهه و هو ينظر نظرة جانبية ممتلئة بالحقد والغدر إلى الوراء إلى المكان الذى قام فيه بتسليم المسيح عليه السلام .
ولكن يثور التساؤل ..من البطل في هذا النص الروائى ؟
البطل في هذا العمل الروائى هو تلك الآية الإنجيلية التي جاءت في مقدمة الرواية والتي اقتبسها الروائى من إنجيل متى وهو أحد الأناجيل الأربعة التي تصور حياة المسيح عليه السلام وسيرته وتعاليمه وهذه الأناجيل هي ( انجيل متى –انجيل لوقا – انجيل مرقس – انجيل يوحنا ) وبالمناسبة فإن انجيل متى يعد أقدم هذه الأناجيل من الناحية الزمنية .
تقول الآية الإنجيلية :
" حينئذ ذهب واحد من الإثنى عشر ؛ الذى يدعى يهوذا الإسخريوطى ؛ إلى رؤساء الكهنة وقال : ماذا تريدون أن تعطونى وأنا أسلمه إليكم ؟ فجعلوا له ثلاثين من الفضة " انجيل متى اصحاح 26 آية 14 –15

وهذه الآية هي بمثابة المفتاح الذى يعبر بنا بوابة النص المتميز " أبناء يهوذا "
إذ صورت لنا الآية ..ثالوث مكون من ..
1 - سيدنا المسيح عليه الصلاة والسلام وهو المراد تسليمه والذى تمت خيانته من قبل تلميذه .
2- يهوذا الإسخريوطى التلميذ الخائن و أحد التلاميذ الإثنى عشر
3- السلطة الكهنوتية أو رؤساء الكهنة الذين أردوا التخلص من المسيح عليه السلام والقضاء على شخصه الكريم وتعاليمه السمحة .

- إذن فعلينا البحث عن هذا الثالوث والكشف والتنقيب عنه داخل النص الروائى وعلينا أن نعرف من يمثل المسيح عليه الصلاة والسلام في النص ومن يمثل يهوذا الخائن الذى سلم سيده وباعه نظير ثلاثين من الفضة ؛ ثم الضلع الثالث من يمثل السلطة الكهنوتية والتي أرادت التخلص من المسيح عليه الصلاة والسلام .

نبدأ أولا بمن يمثل المسيح عليه السلام ..قد نعمم ونقول إن من يمثل سيدنا المسيح عليه السلام بشكل عام هو شعب الكنيسة حسب النص الروائى أو المؤمنين به بشكل عام ..ولكننا نريد ان نحدد رجلا بعينه هو الذى يمثل شخص المسيح عليه السلام في النص الروائى أو لنقل هو الأقرب إلى تمثيل روح وتعاليم السيد المسيح عليه الصلاة والسلام .
وهذا الشخص هو القمص مينا ..
فالنص الروائى يصور لنا حياة الأستاذ بهجت والذى لم يتهاون أبدا في خدمة ربه وطاعته ولم يفعل أبدا ما يغضبه ؛ فهو شخصية مثالية إلى حد كبير حتى أنه أراد التقرب من الله سبحانه وتعالى قدر استطاعته وأراد سلوك الرهبنة وأن يصير راهبا ..لنقرأ بداية النص لنرى الشاب بهجت يصلى لله ويدعوه فهو يشعرنا أن بهجت قريب من الله تعالى فيقول :
" ربى وإلهى ..هاهى عيناى شاخصتان إلى السماء كأمة تتطلع إلى سيدها لا تدخلنى في تجربة صعبة لا أستطيع تحمل فقدها ؛ لا تسمح ياربى أن تسقينى كأسا مملوءة بمرارة الثكل " .
كذلك نرى الكلمات التي تدل على تدينه وتعلقه بربه سبحانه وتعالى " ما أصعب أن نفهم حكمتك يا إلهى ما اعجزنا عن استيعاب تصاريف القدر ؛ نعتقد اننا نقود سفينتنا في بحر الحياة فإذا بك القائد الحقيقى ؛ لا نعى مغزى الأحداث وهياج الأمواج ؛ فنجد مايسر القلب بعد ان نتصور أن السفينة تغرق " ص12

ثم بعد ذلك نراه وقد تم ترشيحه للمنصب الكهنوتى وكيف أنه فرح بذلك الترشيح لأنه سيخدم الرب ثم بعد ذلك يصبح القمص مينا ..وتمضى بنا الرواية لتخبرنا كيف أن هذا القمص ورجل الدين الذى يحترمه الجميع تعرض لمأساة هي الحدث الأهم والأبرز ويعد محور العمل الروائى وهو افتقاد ابنته دميانا على نحو مفاجئ ثم الأخطر من ذلك هو انتشار الإشاعات حول تركها المسيحية واعتناقها الإسلام ؛ وهو ما سيجعل القمص مينا في موقف شديد الحرج ..فهاهو الرمز الكنسى والكاهن وراعى شعب الكنيسة تترك ابنته الديانة المسيحية وتعتنق الإسلام

ويلفتنا النص الروائى إلى شخص القمص مينا فهو دائما يظهر بصورة مثالية عالية الأخلاق ؛ فهو محب للدين بشكل حقيقى وليس مزيف فهو –بحق – يريد أن يخدم دينه وكنيسته ؛ الكلمات التي تخرج من صدره تعبر عن صدق مشاعره تجاه الرب سبحانه وتعالى وتجاه شعب الكنيسة .
كذلك طريقة تربية ابنته فهو لم يقصر في تربيتها إذ يقول :
" لم أقصر في تربيتها علمتها منذ نعومة أظافرها كيف تصلى وكانت ناهد زوجته تتابع معها دروس مدارس الاحد "
حتى أن النص الروائى يختتم الفصل الخاص بالقمص مينا باللجوء إلى الله سبحانه وتعالى فيقول :
" ربى أنت وحدك تعلم الحقيقة ..وحدك تملك الحل ووضع نهاية لهذا الامر الخانق ..
أنت وحدك قادر على أن تمد يدك وتنتشلنى من الغرق في هذا البحر ..وحدك من يمكنه أن يقول لهذا الجبل الجاثم على صدرى انتقل فيرحل ..ارحمنى ..ارحمنى "
هذا هو الضلع الأول القمص مينا .


نأتى إلى الضلع الثانى في هذا المثلث وهو يهوذا الخائن ونبدا رحلة البحث عن يهوذا في صلب العمل الروائى ..
وكما قلنا من قبل فإن العنوان واختيار الآية الإنجيلية كمقدمة وأيضا البداية ..بداية الشخصيات بالقمص مينا يشعرنا بهيمنة البعد الدينى في النص الروائى ..
إذن فمن هو يهوذا ؟
بلاشك هو مكرم داود ؛ بدليل ماقاله مكرم داود نفسه فهو يقول : -
" تملكتنى مشاعر مختلطة من الغيظ والإحباط والغضب والحزن والدهشة والإنزعاج ؛ كلها أحاسيس احتوتنى في أحشائها مثل حوت عظيم ابتلعنى ؛ ورفض أن يلفظنى ؛ يوم سمعتهم في كل أرجاء الكنيسة يقولون إنهم اختاروا بهجت ليصير كاهنا لحاجة الكنيسة إليه ..
تبا لهم .. ألم أكن أنا الأحق ؟ ماامكانياته ؛ خادم لا يسمع صوته يكتفى ببعض الزيارات الخائبة لبيوت بعض الشباب ويسمى ذلك افتقادا " .

إذن فهو مكرم داود الذى أكلت الغيرة قلبه لاختيار بهجت كاهنا وتركه هو ..وهذه الكلمات لتشعرنا بشكل لايدع مجالا للشك أن مكرم لم يكن يخدم الرب أو الدين أو شعب الكنيسة خالصا من قلبه أو مريدا لوجه الله تعالى ؛ بل كان يفعل ذلك من أجل المنصب لذلك نجده يقول :
" ألعلهم انخدعوا بمعسول كلامه وزخرف قوله ؟ فلا أرشح انا .. أنا ملء السمع والبصر بخدماتى المتنوعة . هل نسى شعب الكنيسة من أسس فصول للتقوية بأسعار رمزية لأول مرة ؟ ألست انا من فعل ذلك ؟ وهل نسوا دروس الألحان القبطية ؟ "

إذن فمكرم لم يكن يقوم بتلك الأعمال الخيرية لوجه الله تعالى أو لخدمة اخوته من أبناء الكنيسة وإنما كان يفعلها لغرض واحد هو الحصول على المنصب الكهنوتى .
لذلك نراه وقد ترك الخدمة الكنسية والتفت إلى دراسته وعمله ..حتى أنه في داخله يردد اسم بهجت ولا يسميه باسمه الكهنوتى ويلفظ اسمه الكهنوتى ممزوجا برنة سخرية فيقول :
" انشغلت بدراستى وعملى وما عدت أسأل عما آلت إليه أحوال بهجت ..أوه آسف أقصد ( أبونا مينا ) حتى أصبحت أخباره وأسرته تملأ وسائل الإعلام " ص76
والحقيقة أن النص قد وصفه صراحة بيهوذا الخائن على لسان القمص مينا ..فيقول عن مكرم داود ..
" والمؤسف أن المدعو مكرم داود الذى كان يوما خادما في الكنيسة التي نشأت فيها خرج يؤكد أن دميانا اختارت بإرادتها عقيدتها الجديدة وأن على الكنيسة احترام حرية الإختيار ..كان مكرم خادما قبل أن تجرفه السياسة ويتحالف مع بعض التيارات ليستفيد من دعمهم له في الانتخابات ؛ أصواتهم هي ثلاثون فضة يريد ان يقبضها " ص20
إذن فمكرم – كما يصرح النص ووفقا لرؤية القمص مينا – هو يهوذا الخائن الذى باع دينه وكنيسته نظير الأصوات الانتخابية التي تمثل الثلاثين فضة التي باع بها يهوذا الخائن المسيح عليه السلام .
نأتى إلى الضلع الثالث وهو السلطة الكهنوتية وهى في النص الإنجيلى السلطة التي أرادت أن تتخلص من المسيح عليه السلام وتعاليمه ؛ أما في النص الروائى فالسلطة الكهنوتية ممثلة في الحبر الجليل ويرسم النص الروائى بعض التفاصيل الدقيقة للحبر فهو " يمالىء السلطة وينافق النظام وهو يعلم يقينا أن حلم الجلوس على الكرسى المرقسى بيد ولاة الامر بالقرعة الأمنية لا الهيكلية .."
إذن فالحبر الجليل لا يخدم الدين من أجل الدين أو من أجل حب المسيح عليه السلام بل من أجل الوصول إلى أعلى المناصب الكهنوتية وهو لايجد غضاضة في الإعتراف بذلك صراحة فيقول ..
" إنهم يمارسون معى لعبة العصا والجزرة يعرفون رعبى الشديد من إعادة سيناريو سبتمبر 1981 ويفهمون في ذات الوقت رغبتى في اعتلاء كرسى مرقس الرسول ومن يومها وانا أفضل الدعة والإستكانة وأتجنب المشاكل "
فهو على استعداد للتخلص من أي مبادئ دينية أو قيم كنسية ستحول بينه وبين بقاءه في المنصب وستجعله يشق طريقه نحو الكرسى البابوى .
إذن فهو لك الثالوث ..
القمص مينا – مكرم داود -- الحبر الجليل .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا