الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول الإلقاء الشعري

رابعة خضر الخطيب

2023 / 5 / 5
الادب والفن


بالرغم من أنني لم أجرّب ولا مرة إلقاء قصيدة من قصائدي لا أمام جمهور ولا حتى بفيديو، إلا أنني لا أنكر جماليات الإلقاء الشعري وزد على ذلك أنني اعتبره مرحلة مهمة أيضًا في الشعر إذ أن الإلقاء تمظهر للشعور والمعنى ليس فقط من خلال الصوت والنغم المنبعث والمنساب من فم ملقي القصيدة وإنما أيضًا من خلال حركات الجسد وخصوصًا ملامح الوجه((لمعة العينين وحركات الجفون بين الاغماض والفتح، حركات الشفاه والوجنتين، والعلامات التي تظهر على الجبين والوجنتين)) إضافة إلى حركات الأطراف واليدين بين القبض والبسط والصعود والنزول بتواتر مع الصوت.
أرى أن الإلقاء الذي لا يتخيل القصيدة وينفذ إلى المعاني عبر عيش القصيدة لا يكون مؤثرًا، فالقصيدة المكتوبة تظل تنوعا ما في جانبها النظري بينما إلقاءها يخرج بها إلى نوع من الممارسة الشعرية للقصيدة، فالقصيدة المكتوبة تجسيد لغوي لمعاني وعواطف وأحاسيس بينما الإلقاء عبر تماهي الشاعر مع لغة القصيدة ومضامينها تتجسد القصيدة فيه ومن خلاله لتصل إلى السامع.
يعتبر معظم محبي ومؤيدي الشعر التقليدي العمودي أو محبي شعر التفعيلة أن الإلقاء فقط للقصيدة العمودية لأنهم يرون أن جماليات الإلقاء تنبع من الوزن وهذه برأيي نظرة خاطئة وضيقة لأنها أولا تجعل الملقي يهتم فقط بمراعات الوزن في الإلقاء فيغض النظر عن ما تحمله كل مفردة من عواطف ومشاعر وأحاسيس فحتى لو كانت قصيدة واحدة مثلا ومنظومة على البحر الطويل مثلا فإن ذلك لا ينفي أن لكل بيت طريقته في الإلقاء وحتى لكل مفردة من المفردات طريقتها، لأن الإيقاع الموسيقي المنقول عبر الإلقاء هو إيقاع داخلي يرتبط بتلون مشاعر ملقي القصيدة وإيقاع خارجي يتعلق بطريقة نظم القصيدة والأسلوب الموسيقي الذي اعتمده الشاعر.
وثاني سبب لاعتباري تلك النظرة محدودة هو لنفيها وابعادها قصيدة النثر عن الإلقاء، فكل قصيدة قابلة للإيقاع وذلك يرجع كيف يستطيع الملقي أن ينقل العواطف والأحاسيس بحرارة إلى المستمع، فقصيدة النثر تحتوي على إيقاع يعود إلى أسلوب الشاعر في الكتابة ولو كان الوزن غير متعارف عليه وغير مألوف فإن لها أبضا إيقاعا داخليا يتعلق بالعاطفة والشعور.
حيث أن الإلقاء ليس طريقة عامة وشاملة يتم تعميمها على كل القصائد لأن كل قصيدة تتمتع بفضاء وعالم خاص بها وعندما نلج ذاك العالم يصبح بإمكاننا إلقاؤها بشكل يؤثر في ذائقة المتلقي.
فمثلا قد أقرأ قصيدة "بقية حياة" الدرويش فإنني سأقرأها بجو من الكآبة والحزن، ولو قرأت قصيدة المعري "ضجعة الموت رقدة" أيضًا سأقرأها في جو من التأفف والتذمر"
وإذا قرأت أحد قصائد إيليا أبي ماضي التفاؤلية فإن ذلك سيختلف عن إلقائي للقصيدتين آنفتي الذكر، ومثال أخير إذا قرأت قصائد قيس بن الملوح في مرحلة فراقه عن ليلى تلك القصائد المشحونة بالنوى والهوى والشوق فإننا سنقرأها بذاك الجو المملوء بالوجد.

أخيرا فإن إلقاء قصيدة ليس بالأمر الهين ولا السهل إلا أن الملقي لو استطاع أن يحصل وجد قصيدة فسوف ينجح في عملية الإلقاء بينما إذا كان الشاعر غير فاشل في إعادة عيش وتخيل قصيده واستعادة وجدها فإن أيضا قد ينجح في إيصال مشاعر وعواطفه ومعانيه إلى المتلقي في جو من السحر والعاطفة .
فالإلقاء عبارة عن مسرحة القصيدة، حيث الوقوف مباشرة والعيش في القصيدة وتمثيل مشاعرنا وعواطفنا، حيث تمثلها أطرافنا وملامح وجوهنا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت


.. عاجل.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة غداً




.. سكرين شوت | إنتاج العربية| الذكاء الاصطناعي يهدد التراث المو


.. في عيد ميلاد عادل إمام الـ 84 فيلم -زهايمر- يعود إلى دور الس




.. مفاجآت في محاكمة ترمب بقضية شراء صمت الممثلة السابقة ستورمي