الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل حقا أن الصين تعمل على القضاء على النظام العالمي السائد حاليا...؟ ( 3 )

آدم الحسن

2023 / 5 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


قبل انهيار الاتحاد السوفيتي السابق و تفككه بسبب فشل تجربته في بناء الاشتراكية التي اعتمدت على نظام ديكتاتورية البروليتارية بأكثر من عقد من الزمن أدرك الصينيون أن هنالك خلل بنيوي في نظام ديكتاتورية البروليتارية , هذا النظام الذي اوقف العمل بقوانين اقتصاد السوق و الذي ادى الى اصابة العملية الإنتاجية في نواحي مختلفة بشلل حقيقي و تباطأ في التطور و النمو , فسارع الإصلاحيون في الحزب الشيوعي الصيني لإنقاذ سفينة البناء الاشتراكي في بلادهم من خلال إعادة توجيه كفة و اسس العلاقات الاجتماعية في الإنتاج فأخذوا الجوانب الإيجابية التي افرزتها التجربة السوفيتية و مزجوها بالجوانب الإيجابية التي افرزتها تجربة اقتصاد السوق الحر في البلدان الغربية حيث تمت عملية المزج للعناصر الإيجابية لهاتين التجربتين في وعاء صيني لتفرز نموذج جديد اطلقوا عليه " الاشتراكية ذات الخصائص الصينية " .
امتازت الاشتراكية ذات الخصائص الصينية بتوزيع مجالات النشاط الاقتصادي بين القطاع الحكومي الذي ركز نشاطه في بناء العمود الفقري للهيكل الاقتصادي للصين خصوصا في مجال الصناعات الثقيلة و الطرق و الجسور و سكك الحديد و الصناعات العسكرية و تكنولوجيا الفضاء و الصناعات الاستخراجية و التعدين مع اعطاء دور كبير و نشط للقطاع الخاص الصيني و للاستثمار الأجنبي للعمل في كافة الجوانب التكميلية للاقتصاد الصيني مع إنعاش العلاقة التشاركية بين القطاع الحكومي و القطاعات الأخرى .
لقد تمكن الصينيون من تجاوز الانهيار الحتمي الذي يسببه الالتزام العقائدي بديكتاتورية البروليتارية و بدأوا بتطبيق المرحلة الأولى من الصعود الجديد التي اطلقوا عليها مرحلة " الثراء اولا " حيث امتازت هذه المرحلة بإعطاء اولوية قصوى لزيادة حجم الناتج المحلي الإجمالي للصين , و يمكن اختصار صفات هذه المرحلة بأمرين اساسيين :
اولا : سيطرة الدولة على حوالي 70% من الناتج المحلي الإجمالي في الصين .
ثانيا : اطلاق العنان لشرائح الطبقة الرأسمالية الصينية التي تشكلت في ظل عملية الإصلاح الاقتصادي كي تنمو بسرعة و معها الاستثمار الأجنبي لتمارس نشاطها في حوالي 30% من النشاط الاقتصادي في الصين .
يمكن تشبيه مرحلة " الثراء اولا " كالتخطيط لصنع قالب كيك ( الناتج المحلي الإجمالي ) كبير الحجم حتى لو ادى ذلك الى تقسيم هذا القالب الى قطع غير متساوية و التي توزع بين ابناء الشعب الصيني , المهم هو حجم كبير لقالب الكيك و ليس للعدالة في التوزيع , فتكاثر عدد الأغنياء في الصين بسرعة و في زمن قصير لم يحدث مثلها في أي بلد من بلدان العالم حيث وصل عدد المليونيرية الى اكثر من 4500 مليونير صيني و عدد المليارديرية الى حدود 220 ملياردير صيني .
لقد صفق الساسة في الغرب تشجيعا للنمو السريع للطبقة الرأسمالية الصينية فضخوا بكل امكانياتهم من الاستثمارات لتطوير و توسيع الشراكة مع هذه الطبقة الرأسمالية الصينية الصاعدة ضنا منهم أن تغييرا جوهريا سيحدث في الصين يقضي على كل بقايا النهج و الفكر الاشتراكي في الصين , لكن ما حدث خالف كل توقعاتهم و حساباتهم حيث وجدت مجتمعاتهم الرأسمالية نفسها أمام قوة اقتصادية عملاقة و نظام اقتصادي موجه يقوده حزب شيوعي ...!
ثم جاء موعد المرحلة الثانية لهذا الصعود و التي اطلقت عليها القيادة الصينية " مرحلة الرخاء المشترك " .
منذ فترة ليست بعيدة بدأت الدولة الصينية بشكل تدريجي إعادة التوازن الى العلاقة بين النمو الاقتصادي و العدالة في توزيع الثروة من الناتج المحلي الإجمالي , هذه العودة التدريجية للعدالة الاجتماعية هي الصفة الأساسية للاشتراكية ذات الخصائص الصينية , انها تشبه الاهتمام بصنع قالب الكيك بأكبر قدر ممكن من الحجم مع أيجاد طريقة لتوفير عدالة واقعية في تقسيم قالب الكيك بين ابناء الشعب الصيني .
لقد تسبب انهيار الاتحاد السوفيتي الى تشكل عالم يتحكم فيه قطب واحد هو القطب الأمريكي , خلال تلك المرحلة هيمنت الولايات المتحدة الأمريكية على مقدرات كل شعوب الأرض , و قد جسد الرئيس الأمريكي جورج بوش الأبن هذه الهيمنة المطلقة بقوله : " مَنْ ليس معنا فهو ضدنا " , في تلك الفترة صار الكثير من المتابعين للشأن الاقتصادي و السياسي العالمي يتحدثون عن إن القرن الواحد و العشرين هو القرن الأمريكي فجاء الجواب المعاكس من شرق العالم , من الصين .
لقد نجحت الصين في إثبات انه لا يمكن لأمريكا الاحتفاظ بقدرتها على الهيمنة على العالم و أن هنالك مسار جديد يؤدي الى تشكل أقطاب متعددة حيث ستكون الصين احد اهم هذه الأقطاب .
فهل يمكن القول أنه لو لا الصين لظل العالم تحت خيمة الهيمنة الأمريكية لسلسلة عقود زمنية قادمة طويلة .... ؟
قد يكون الجواب ب " نعم " هو الجواب الصحيح و الواقعي .
مع كل خطوة صعود تنجزها الصين للوصول لقمم الاقتصادية تتبلور معها الإمكانيات بشكل متسارع لخروج العالم من تحت خيمة الهيمنة الأمريكية و بذلك شكلت الصين القاطرة الرئيسية التي تسحب دول العالم خارج هذه الهيمنة و تُوفرْ الظرف الموضوعي لبناء عالم متعدد الأقطاب , حيث أنشأت الصين مسارات مستقلة عن المسارات التي تهيمن عليها الولايات المتحدة الأمريكية لتمكين نفسها و لتمكين الدول الأخرى بالاعتماد عليها لمواصلة النمو و التطور بعيدا عن الضغوط و الإملاءات الأمريكية و لم تقتصر هذه المسارات الصينية على الجوانب الاقتصادية و المالية فقط بل شملت ايضا مسارات عديدة في تكنولوجيا الفضاء و الاتصالات و الأنترنيت و وسائل التواصل الاجتماعي و اجهزة الملاحة عبر الأقمار الصناعية و غيرها .... و مستقبلا ستشمل هذه المسارات الصينية كافة المجالات و منها النشاطات الرياضية و الثقافية .
هنالك اختلافات جوهرية في نهج الصين في العلاقات بين الدول و النهج الأمريكي و من اهم هذه الاختلافات :
اولا : تحترم الصين الخصوصية في تجربة البناء التنموي لكل بلد و لا تفرض قوالب جاهزة على الدول تتعارض و خصوصية الواقع الاجتماعي و الإمكانيات الاقتصادية لهذه الدول .
بالمقابل لدى امريكا نهج ثابت يعبر عنه البنك الدولي و صندوق النقد الدولي تفرضه على الدول الخاضعة لسيطرتها , اركان هذا النهج الأساسية : تعويم للعُملة الوطنية , انهاء الحماية للصناعة الوطنية و الغاء دور القطاع الحكومي في العملية الإنتاجية و الاقتصار على القطاع الخاص و الاستثمار الأجنبي فيها .
ثانيا : اساس سياسة الصين الخارجية هو عدم التدخل في الشأن الداخلي للدول , أما لدى امريكا فهنالك قوالب جاهزة تجبر الدول على تطبيقها بشتى الطرق , من هذه الطرق الاحتلال العسكري المباشر .
ثالثا : تعمل الصين على تحييد الجوانب السلبية في علاقتها مع أي دولة أو كيان و جعل الجوانب الإيجابية في علاقاتها الاقتصادية و التجارية الخارجية هي التي تحاصر الجوانب السلبية في علاقتها مع الدول كافة و لا تسمح للجوانب السلبية في العلاقات بالتأثير على الجوانب الإيجابية في هذه العلاقات , لذلك نرى مثلا أن الشريك التجاري الأول لتايوان هي الصين و ليست امريكا .
رابعا : ترفض الصين استخدام سلاح العقوبات الغير شرعية على الدول أي تلك العقوبات الغير مدعومة بقرارات من مجلس الأمن الدولي , بعكس النهج الأمريكي في فرض العقوبات .
خامسا : تدعو الصين الى ضرورة ابعاد الهيئات الرياضية كاللجان الأولمبية عن الصراع الساسي بعكس الغرب و امريكا خصوصا التي تزج بالرياضة و النشاطات الإنسانية الأخرى في ساحة التناحر السياسي بين الدول .
سادسا : ترى الصين أن الفرص الاستثمارية المتاحة في المشاريع التنموية في عموم دول العالم هي اكثر بكثير من الإمكانات المتاحة لجميع الدول , لذلك فأن الصين لا ترى وجود أي معنى منطقي للصراع أو حتى التنافس بين الدول للاستحواذ على هذه الفرص و تعتبر أن هنالك ضرورة لأجراء تنمية عالمية شاملة .
سابعا : تسعى الصين لجعل طريق الحرير الصيني الجديد مسارا لبناء تنمية عالمية مشتركة اساسها المنافع المتبادلة بين كافة الأمم و أن يكون هذا الطريق بديلا حقيقيا للطريق الأمريكي الذي يعتمد على عسكرة المجتمع الدولي على طريق نشر القواعد العسكرية الأمريكية في عموم القارات و الذي زاد عددها على 800 قاعدة عسكرية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلسطينيون يرحبون بخطة السداسية العربية لإقامة الدولة الفلسطي


.. الخارجية الأميركية: الرياض مستعدة للتطبيع إذا وافقت إسرائيل




.. بعد توقف قلبه.. فريق طبي ينقذ حياة مصاب في العراق


.. الاتحاد الأوروبي.. مليار يورو لدعم لبنان | #غرفة_الأخبار




.. هل تقف أوروبا أمام حقبة جديدة في العلاقات مع الصين؟