الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رائحة زنخة لمازوط يحترق

عبد الله خطوري

2023 / 5 / 5
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر


توقفت سيارة بيضاء كبيرة الحجم قدام رصيف المقهى.في سقفها مصابيح حمراء وبيضاء مُطْفَأَة لأن الوقت كان نهارا.نوافذها مُسيَّجَة بشبابيك من أسياخ الحديد.لها أربع عجلات ومقود أسود وكراسي سوداء.خلفيتها لم أعرف ما يوجد فيها، لأنها كانت مغلقَة بباب عريض مفتوح في الوسط بشق يفصل العربة الى نصفيْن.نصفٌ مكتوب عليه :
الأمن nationale ونصف مكتوب عليه :
الوطني Sureté بالأحمر والأسود ...
جثمت العربة حذاء لاتيراس بجانب شجرتيْن من آرنج، كانتا معزولتيْن لوحديْهما .. قالت الأولى :

_ما هذا الشيء العجيب أختاه ؟؟

قالت الثانية:

_إنها قصديرة تتحرك ...

أضافت الأولى:

_لكنها لا تشبه الأخريات اللائي يذرعن الطريق طيلة النهار والليل جيئة وذهابا...

عَقَّبَتْ الثانية مُؤَمِّنَةً :

_ هذا الشكل غريب عني أختاه، لم يسبق لي معاينته من قبلُ...

تساءلت الأولى:

_ تُرى .. ماذا تريد ؟؟؟

ولأن الثانية لم تفقه جوابا ردت ببساطة:

_ لستُ أدري...

وبينما هما كذلك، إذْ بالشقيْن يُفْتَحَان على مصراعيْهما يمينا ويسارا، فيخرج رجلٌ متجهم الوجه .. كان لا يضحك...

قالت الأولى :

_لمَ هو هكذا ؟؟

قالت الثانية:

_ كيف .. هكذا..

قالت الأولى :

_ انظري .. إنه لا يضحك ...

قالت الثانية :

_ إنه حزين...

قالت الأولى:

_مسكين...

قالت الثانية:

_نعم مسكين...

كان في يد الرجل اليمنى شيء ضخم
حاد لامع...

قالت الأولى:

_وما تلك التي بيمينه ؟؟

قالت الثانية:

_لستُ أدري

قالت الأولى:

_اُنظري اليها .. إنها كبيرة الحجم...

قالت الثانية:

_ نعم هي كذلك...

أردفت الأولى:

_إنها تلمع..

وافقتها الثانية:

_نعم هي كذلك...

يقترب الرجل الكالح منهما...

قالت الثانية:

_ اُنظري اليه إنه قادم نحونا...

تساءلت الأولى:

_تُــرَى ماذا يريد ؟؟

ولأن الثانية لم تفقه جوابا ردت ببساطة:

_لستُ أدري...

يتحسسهما الجهم مليا.يدنو من الأولى. يطوف حولها.يقف .. وفي لمح البصر يمرر الشيئ الحاد الضخم على جذعها... فتسيلُ مياه كالدماء .. وعلى الأرض تترنح وتسقط لاهثة أمام أنظار أختها المشدوهة .. وماكادت الثانية تنبس صارخة:

_ لا لا لا لا....

حتى كان العَبوس قد هوى على جذعها بجزة واحدة مررها في أحشائها دون جلبة أو صداع، مجرد خشخشة خاطفة ثم ... وفي الطريق، نفثت العربة دخانا أسودا.. وداخل السيارة، كان المتجهم يقطع الأغصان، غصنا غصنا .. وبالملقاط اللّهْـذَمِ يُقَلِّمُ الوُرَيْقَات الخُضْر ...

قالت الأولى:

_أختاه .. إن العالم يغيب في عيني...

قالت الثانية:

_إني أتألم

قالت الأولى:

_لا بد يكون الموت هو الذي رأيناه...

قالت الثانية:

_لا بد يكون كذلك...

قالت الأولى:

_هو ... الرجل صاحب الوجه العبوس...

كررت الثانية:

_صاحب الوجه الكالح...

اِسترسلت الأولى:

_نعم، أختاه...

تساءلت الثانية:

_ما العمل إذن ؟؟

أجابت الأولى:

_لا شيء عزيزتي .. اغلقي عينيكِ ونامي ...

قالت الثانية:

_وأنتِ ماذا ستفعلين ؟؟

قالت الأولى:

_سأنام أختاه .. فنامي نامي...

وفي الطريق، كانت السيارة تتقيأ يحموما من دخان قاتم تحرق المسافات تزفر مقطبة عابسة يصكُّ زَمُّورُهَا الآذان ...
وعندما تصل العربة البيضاء التي في سقفها مصابيح حمراء وبيضاء ونوافذها مسيجة بشبابيك من أسياخ الحديد إلى مزبلة المدينة، تقف وقوفا حادا، فينفتح الباب الخلفي على مصراعيْه، المصراع الأول مكتوب عليه: الأمن nationale
المصراع الثاني: الوطني Sureté بالأحمر والأسود ... وعلى حين غرة، يُلْمَحُ ساعدان مفتولان لرجل عابس يلقيان بأوراق خضراء وجذع شجرتين صغيرتين من آرنج في الخلاء .. أزهارهما عبقة الرائحة .. كانتا متعانقتيْن ...

قالت الأولى:

_نامي أختاه..

قالت الثانية:

_سأنام عزيزتي...

ثم تساءلت:

_ماذا سيحدث الآن ؟؟؟

ولأن الأولى لم تفقه جوابا ردتْ ببساطة:

_لستُ أدري...

وسالت مياه كالدماء، وآنتشرت في المكان رائحة زنخة لمازوط يحترق ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فولكسفاغن على خطى كوداك؟| الأخبار


.. هل ينجح الرئيس الأميركي القادم في إنهاء حروب العالم؟ | #بزنس




.. الإعلام الإسرائيلي يناقش الخسائر التي تكبدها الجيش خلال الحر


.. نافذة من أمريكا.. أيام قليلة قبل تحديد هوية الساكن الجديد لل




.. مواجهة قوية في قرعة ربع نهائي كأس الرابطة الإنكليزية