الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في بسيكولوجيا حرب 1871 المقراني محارب من الشرق

عزيزو عبد الرحمان

2023 / 5 / 6
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


• تتناول هذه الدراسة الميزات النفسية للقادة العسكريون لثورة 1871 ( المقراني محمد و احمد ) باستخدام المنهج الوصفي الاسقاطي انطلاقا من نماذج المحاربين في ثقافة الشرق القديم
• تنطلق الدراسة من الكل الى الجزء حيث تحدد ميزات ثقافة الحرب في الشرق وخصائص المحارب الشرقي وتقوم بإسقاطها على الشخصيتين من خلال دراسة المواقف والكتابات والمأثورات ولغة الجسد
• تندرج الدراسة ضمن علم النفس الحربي وتقدم سندا قويا للدراسات التاريخية باعتبار ان الحقيقة التاريخية متعددة الوجهات
• تجيب الدراسة على أسئلة جوهرية تتعلق بمواقف الرجال اثناء الازمات والحروب
• تقدم الدراسات إجابات وتفسيرات للمواقف التي اتخذها رجال الحرب بالنظر الى محيطهم وثقافتهم وتفكيرهم آنذاك
• تعتبر دراسات علم النفس الحربي مهمة لإصدار الاحكام بخصوص ما يمكن اعتباره أخطاء تاريخية موازة مع نتائج دراسات علم الاجتماع الحرب _ التنظيم _ التاريخ السياسي _ الاثار _ الأنثروبولوجيا للوصول الى حقيقة تاريخية كاملة
• ربما تستطيع دراسات علم النفس الحربي ان تجيبنا على السؤال المهم لماذا انهزمنا في الحرب ؟ وعلى السؤال اكثر أهمية منه لماذا ما نزال نعتبر انفسنا غير منهزمين ونحن نحيي تاريخ هؤلاء الرجال الذين ضحوا بأنفسهم من اجل وجودهم لا ننتبه الى طريقة تفكيرهم واتخاذهم للقرار ونكتفي بالسرد والوصف لما وقع من احداث كل مرة مما يفتح المجال واسعا للكثير من التأويلات التي لا نجد إجابة عنها ففي حالة الشيخ المقراني تطرح تساؤلات كثيرة كيف ثار الرجل على فرنسا وقد خدمها لمدة طويلة هل حين وصل الامر به الى المساس بمصالحه ام ان الامر قضية ووجود ؟ وفي حالة الأمير عبد القادر مثلا يطرح امر استسلام الأمير وكانه خيانة مطلقة وكان الأمير عبد القادر لم يقم بحرب ولم يواجه جيشا قويا ودولة عظيمة ولم يقم باي شيء يستحق الذكر ان اهمال دراسة طريقة تفكير القادة وطرق اتخاذهم للقرار على المستوى الفردي والجماعي والتنظيمي يجعلنا عاجزين عن الإجابة عن هذه الأسئلة ويترك تاريخنا فريسة سهلة للأقوى في هذا المجال ( المدرسة الفرنسية ) التي تعرف بقوة علماء الاجتماع فيها وقوة علم النفس الحربي بشكل مذهل
• لذلك فإننا نرى انه من الواجب المرور من المستوى الوصفي للأحداث حين ذكر المعارك وتحركات الجيوش والمواقف الى التحليل الفردي والجماعي والتنظيمي لمعرفة طريقة التفكير طرق اتخاذ القرار السياق الاجتماعي والثقافي السائد للوصول الى حوصلة للخيارات المطروحة آنذاك ومعرفة ما ذا كان القرار المتخذ هو الأنسب ام اكنت هناك خيارات أخرى مطروحة لم ينتبه اليها القادة آنذاك ؟ ان الهدف من كل هذا هو أولا الوصول الى حقيقة نسبية بشان هذه الثورات وثانيا معرفة الأخطاء التي وقعنا فيها وعدم تكرارها مرة أخرى فالتاريخ في البادية والنهاية يدرس من اجل تفادي الوقوع في نفس الأخطاء لأنه يعيد نفسه
مفهوم الثقافة : نعني بالثقافة نمط العيش ( التفكير _ الممارسات _ الاعتقادات _ الطموح _ ردات الفعل ) صحيح ان مصطلح الثقافة هو مصطلح شامل ولكنه يحمل أسس ومعايير جد واضحة تعتبر قوانين لا يمكن الحياد عنها وتشكل في ذهن الشخص الضابط الأعلى للسلوك او كما سماه فرويد الانا الأعلى ، ان سلوك الفرد كيفما كان يتحرك برغبة في العمق ويصقله الضمير ثم الانا الأعلى ، وتعتبر السلطة وفقدان التملك والموت المحركات الثلاث لسلوك الانسان كيفما كان لكن التعامل مع هذه المحركات يختلف من فرد الى اخر داخل الثقافة نفسها ويحكم هذا الاختلاف نمط التنشئة والعلاقة مع الوالدين في الطفولة والصغرى ، ضف الى ذلك فان الامر يختلف من ثقافة الى أخرى بين ثقافة الشرق وثقافة الغرب
مفهوم ثقافة الشرق : هي الثقافة السائدة منذ الاف السنين من الصين الى المحيط الأطلسي مدعومة بالديانات الطاوية والهندوسية والكنوفوشوية والإسلام والمسيحية الشرقية فلا يجب ان ننسى ان المسيح ليس من أوروبا بل هو رجل من الشرق من الناصرة وقد انقسمت الكنيسة لاحقا الى كنيسة شرقية وكنيسة روما



ميزات الثقافة الشرقية : تتميز الثقافة الشرقية بميزات تميزها عن الثقافة الغربية في الكثير من النواحي تشكل هذه النواحي وتضبط سلوكيات الافراد والجماعات في الشرق وسوف نذكر هذه الميزات ونقوم بإسقاطها على مواقف قادة ثورة 1871 الشيخ محمد واحمد المقراني الملقب بومزراق
مفهوم الحياة بين الشرق والغرب : يعتبر مفهوم الحياة ابدي في الشرق بينما الحياة لها بداية ونهاية في الغرب لذلك فان المشارقة يعتبرون الموت انتقال من حياة لاخرى قد تكون احسن وبالتالي فان الميت في الشرق مقدس حي يزورنا في المنام ويعطينا النصائح ويوجهنا الى الطريق المستقيم ومن نتائج هذا الاعتقاد ما يلي :
_ لا يحرص الشرقي على حياته مثلما يحرص الغربي على ذلك لذلك نجد الشرقي يواجه الموت بسهولة وفي بعض الأحيان يتمناها بالنسبة لرجل الشرق فان الموت خيار من الخيارات المطروحة وقد تكون افضل الخيارات بين خيارات أخرى مثل ترك الأرض او الخضوع لسلطان نقرا في ذلك مقولة الشيخ المقراني الشهيرة ( اقبل ان يقطع السيف عنقي ولا اخضع ليهودي ) بين الموت وترك الأرض يختار الرجل الشرقي الموت بشرف بين ترك الاهل وعدم الذود عنهم والموت يختار الشرقي الموت بدل ذلك ربما هذا ما يجعل رجل الشرق شجاع في المواجهة حد التهور ما يخيف رجل الشرق هو العار وليس الموت التقليد موجود في القديم منذ عهد الساموراي الذي اذا انهزم يغرس سيفه في قلبه اذن بالسنية لقادة ثورة 1871 فان إمكانية الموت واردة بل وجميلة لانها تمنح لقب الشهيد والموت بشرف هذا التقليد يعرف في ثقافة الشرق ب ( عشق الموت ) وهي حالة يصل اليها المقاتلون مؤمنون بان موتهم يضمن لهم الخلود الخلود الذي بحث عنه جلجامش وخلدته كل الحضارات الشرقية بطريقة او باخري بمصطلح او باخر لكنها تلتقي في نفس الفكرة ( انت حين تموت سوف تخلد ) لذلك لا نرى عجبا من تصرفات مقاتلي هذه الثورة وهم يهاجمون المدفعية دون احتساب خطر الموت اكثر من ذلك فان الزاوية الرحمانية جمعت مريديها والبستهم الاكفان وتم تقديمهم شهداء الى الله وحين نقرا مذكرات الضباط الفرنسيين فانهم يعترفون انهم كانوا يدكون الفرسان بالمدفعية ليعاود هؤلاء الفرسان الاجتماع مرة أخرى ومهاجمة الفرنسيين بالنسبة لرجال الشرق فان ما قام به الفرنسيون عمل جبان لان تقليد القتال في الشرق هو القتال ( رجل لرجل ) وليس الرمي عن بعد وبالنسبة للشيخ محمد المقراني كان فان سلوكه كان كسلوك أي جندي اخر وسط الجنود فلم يتحصن في قلعة او مركز او مكان محروس لقد سار على راس جيشه لمواجهة العدو اثباتا لذاته وثقافته الشرقية التي تخشى الجبن اكثر من الموت
تأثير الدين في ثقافة الشرق : تعتمد ثقافة الشرق على النهج الروحي بينما تعتمد ثقافة الغرب على الجانب العملي لذلك نجد الرجل الشرقي لا يقوم باي عمل دون مسحة دينية انه حين يقوم من فراشه يقول بسم الله وحين يحسب البيض يقول بسم الله وحين يبني بيتا وحين يتزوج وحين يقوم باي شيء لذلك فان طرح سؤال هل الثورة هي ثورة الشيخ المقراني ام ثورة الزاوية الرحمانية هو طرح اما جاهل بسياق المجتمع آنذاك او طرح خبيث يدخل ضمن سيسيولوجيا الحرب التي ارتكبها العدو لأجل تفريق الصف ، انه لا يمكن تصور زعيم في الشرق دون سلطة دينية حتى ان لقبه يحمل لقب الشيخ او الحاج بدل السلطان او الأمير وهي القاب دينية ، وقد رفض الرجل لقب باشاغا لأنه لا يدخل ضمن ثقافة الشرق المرتبطة بالدين ارتباطا تاما وظل على لقب الشيخ والحاج ، ولم يكن ليتصرف دون استشارة رجل الدين الأكبر آنذاك فكل عمل شرقي دون دين هو عمل غير مبارك والعكس صحيح لذلك نرى ذلك التلاحم بين السلطة الدينية التي تشكل روح الشرق وبين المقاتلين في ثورة 1871 اما الخلاف بين السلطتين فهو دس للسم في العسل لقد قاتلت السلطة الدينية آنذاك ممثلة في شيخ ازوية تاسلنت السعيد بن ابي داوود جنبا الى جنب مع القادة العسكريين وايد الشيخ الحداد الزعيم الأكبر الثورة ولم يكن له ليرفضها لان الجماعة قالت ذلك وهي ميزة شرقية أخرى تضع الفرد وسط الجماعة والجماعة سند للفرد
الجماعة والفرد في ثقافة الشرق : في ثقافة الشرق فان الفرد مسؤول عن جماعته يتحمل وزر اخطائها ويتفاخر بمفاخرها نقرا في الادب القديم قول الشاعر : وما انا الا من غزية ان غزت غزوت وان ترشد غزية ارشد ، ولذلك فان تصرف أي شخص من الجماعة تتحمل الجماعة مسؤوليته وتقف معه وتحميه ان كان فردا فما بالك ان كان زعيما وبالمقابل فان الزعيم لا يخرج عن جماعته مهما حدث نقرا ذلك في مواقف ر الشيخ المقراني وقت المجاعة حين اشترى القمح من ماله الخاص لإطعام الجماعة ، ونفس الموقف يتخذه الرجل حين ثار العمال في البيبان وقتلوا أربعة عمال ايطاليين في المنجم فقام الشيخ بدفع دية الرجال من ماله وما تزال مقبرتهم الى اليوم قرب حمام البيان على الطريق الوطني رقم خمسة لم يكن الشيخ يومها ليقول خذوا الذين قتلوا الرجال الى السجن انا برئ منهم ، بالمقابل حين رفض الرجل لقب بباشاغا وقفت جماعته معه ورفضت أيضا هذا اللقب وحين حدث صراع سلطة بينه وبين فرنسا ما بعد الإمبراطورية كان موقف الجماعة مع موقف الرجل ، لذلك فان من لم يقف مع الجماعة يتهم بالخيانة ، وفي هذا الاطار لم يكن للشيخ المقراني ان يتنازل عن الحكم او يهرب او يبدل البلد ان تصرفا كهذا كان سوف يوصمه بوصمة الخيانة الى الابد ويفقده سمة الخلود التي توسم بها لليوم
التمسك بالماضي في ثقافة الشرق : الثقافة الشرقية متمسكة بالماضي وتعتبره مقدس كل ما تركه الأجداد هو ارث مقدس لا يجب التخلي عنه التميز بالأجداد التمسي بمسمياتهم بينما نجد روح التجديد في الغرب تماشيا مع المصلحة ، ان الرجل الغربي يغير ارضه موقع لباسه لغته اذا ما أدت المصلحة الى ذلك ان هدف ثقافة الغرب هو العيش براحة بينما هدف ثقافة الشرق هو اثبات الوجود لذلك نجد في ثقافة الشرق :
_ تقديس أسماء الأجداد واستمرار تسمية الأبناء بهم وخصوصا الأجداد الخالدين الذين تماشت تصرفاتهم مع الثقافة الشرقية نجد اسم الرسول محمد يتكرر في كل عائلة فقادة ثورة 1871 اسمهما معا اسما للرسول محمد فواحد محمد والأخر احمد المقراني ( الذي تستمر الكتب المدرسية بعدم ذكره بهذا الاسم وتفضل لقب بومزراق حتى يخيل للقارئ ان الزعيمين ليسا شقيقين )
_ تقديس ارث الأجداد وممتلكاتهم والدفاع عنه حتى الموت اذا تطلب الامر لذلك نجد الشرق مليء بالنزاعات على الانتماء لأصل معين ( النسل الشريف مثلا ) او تركة معينة ( زعامة روحية امارة ) ونموذج ذلك الصراع على الزعامة بين الشيخ محمد المقراني وعمه عبد السلام المقراني بعد وفاة الخليفة
_ يجعل تمسك الشرقي بالماضي لا ينحو بطريقة كافية نحو الابداع فيما عرفه جيرفت هوفستد ( Hofstede) برفض المخاطرة ان الشرقي لا يغير أسلوب لباسه ولا طريقة عيشه بسهولة ، في القتال استخدم الثوار السيوف والبنادق ولم تلجا قيادة الثورة الى تطوير سلاح المدفعية منطقيا لم يكن يمكن الانتصار على مدفعية بجموع فرسان تحمل سيوفا لكن الشرقي لا يرى السيف أداة ويوازيها بأداة انه يراها سيءا مقدسا به بركات الأجداد من علي بن ابي طالب صاحب السيف الشهير ذو الفقار ، هل كان يمكن تصور مقاتل شرقي دون سيف طبعا لا ، بينما فكر الغرب بطريقة قتالنا وجهز لنا سلاحا فتاك هو المدفعية فكل المعارك التي ذكرها الجنرالات الفرنسيون كانت تبدا بدك القرى بالمدفعية ثم الهجوم عليها بعد الاحتراق لم نفكر نحن في تطوير أي سلاح ضد العدو لأننا لم نكن نقاتل لأجل الدنيا كان نقاتل لاثبات الوجود واثبات الوجود في الشرق كما ذكرنا ليس الحياة براحة بل هو الدفاع عن وجودك وحتى الموت في هذه الحالة هو حياة وحياة ابدية
النماذج الأسطورية في الشرق مقابل الواقعية في الغرب : تنتشر في الشرق نماذج تجمع بين الحقيقة والخيال ( الصالحين _ الشجعان جدا _ الأقوياء جدا ) بينما تنشتر في الغرب نماذج الذين قدموا خدمات نافعة ( مخترعون ومهندسون وواضعي نظم جديدة ) ان حلم الرجل الشرقي ان يصنع مجدا بينما حلم الرجل الغربي ان يعيش براحة لذلك ففي ثقافتنا لليوم ما زلنا ننعت الذين تجنبوا الموت لأجل الراحلة بالخونة بينما الذين ماتوا او تحملوا المشاق والسجن والعذاب ننظر اليهم بنظرة تقديس ونبجلهم ونتجاوز عن اخطائهم ان وجدت ، بين هذا وذلك اختار الشيخ المقراني خيار ثقافته الشرقية ولم يكن من الممكن اختيار خيار اخر وحصل منا على التقدير اللازم لليوم في الشرق مثل قديم يقول ( اذا اردت ان تحظى بالتقدير مت او سافر ) وفي ثقافتنا الدينية الذين ماتوا في القتال جهادا هم احياء عند ربهم يرزقون لماذا اذن نختار طريقا اخر
السيطرة على المشاعر في الشرق وكبت الألم في الشرق مقابل التعبير عن الألم والتصريح بالعجز في الغرب : في التنشئة الاجتماعية الشرقية للشرق الذكوري المبني على السلطة وقوة الحضور وتوفير الحماية التي يناط بها الذكر لا يسمح للذكر بالألم والبكاء منذ الطفولة يقال للطفل لا تبكي انت رجل لذلك فان التصريح بالمشاعر وابداء ضعفها ممنوع في الشرق مباح في الغرب لا نكاد نعثر لاية وثيقة يقول فيها الشيخ المقراني انه يشعر بالخوف او الضعف رغم ان تكافؤ القوة بينه وبين فرنسا لا يقاس يبدا ذلك من مرحلة الطفولة من بعد مسافة السلطة بين الاب وابنه حتى النساء النموذج الأمثل لهن هي المرأة التي تستمر في القتال بعد وفاة زوجها او اخيها من الخنساء الى لالا فاطمة في ثورة 1871 هناك قرى ابيدت عن اخرها واستمرت النساء في القتال دفاعا عن الوجود حيث تذكر الوراية الشعبية ان قرية الدريعات التي احرقها الجنرال سيرز باعترافه في السادس عشر من اوت 1871 وهي اخر القرى التي صمدت مع الثورة دافعت النسوة بعدها عن محاولة القادمين مع الجيش الفرنسي لأخذ ممتلكاتهم وشرفهم وتمكنت النسوة من صد العدو وبقيت في ذاكرة الجماعة لفظ يا الدريعيات تبركا بصمود غير طبيعي للأنثى يرفض الألم والشكوى والبكاء ، في ذراع الميزان تصمد الجيوش تحت امرة امراة اسمها خديجة بنت بلكانون ويحصي العقيد روبن تسعين معركة بينها وبين جنوده مثلما يذكر الضابطين راندون ومكماهون فاطمة سيد احمد ( الملقبة نسومر من فرنسا وللأسف بقينا نستخدم هذا اللقب لليوم بدل الاسم الحقيقي ) ، ان كتم الألم وقت الازمات ضروري في الشرق وهو خصلة متفردة ( الراجل يبان في الشدة ) بينما نقرا في كتابات ضباط فرنسا تصريحا بالمعاناة ويراه الغربي طبيعي فحين نجد عبارات لقد بذلنا ما في وسعنا لأجل ذلك ولكننا فقدنا مراكزنا يبدو الامر مقبولا لكن في الشرق لا عذر لك ام ا ان تنتصر واما ان تموت
الولاء التام في الشرق مقابل المصلحة في الغرب :العشيرة والأرض والدين والاسرة قضايا لا تناقش في الشرق قابلة للنقاش في الغرب ، لا يمكن تصور رجل شرقي يترك ارضه ويهرب الزعيم الثاني للثورة الشيخ احمد المقراني الملقب ببومزراق مصر على الرجوع الى ارضه رغم فترة المنفى ورغم ان فرنسا عرضت عليه مصالح أخرى الشرقي حين يموت يوصي بدفنه في ارضه على مرتفع جبل او تحت شجرة او قرب قبر جده او اين ولد ، خروج الرجل عن الجماعة امر غير مقبول الشيخ الحداد تطلبه الجموع الثائرة فيقول انا معكم هل يمكن تصور موقف اخر للشيخ الحداد مثلا ، لذلك فان مباركة الزعيم للجماعة واعمالها يضمن له مكانته فيها ونبذه لها يجعله غير محبب من هذا الاطار هل يمكن تخيل ان الشيخ الحداد لاحقا يدعوا الى طاعة فرنسا وهو امر غير مقبول جماعيا ؟ الوثيقة الموجودة انها وصيته يجب تحليلها ماديا ونفسيا وسوسيولوجيا رجل في الثمانين زاهد يريد الحياة الأبدية وفي الإسلام الذي هو جزء من ثقافة الشرق فان مرتبة شهيد هي اعلى المراتب حتى انه يشفع في سبعين من اهله هل يترك رجل شرقي هذا الخلود ويذهب للمصلحة الشخصية ؟ هذا امر جد مستبعد في الشرق لذلك نوصي دوما بدراسة الاحداث التاريخية بفرق عمل متعددة التخصصات وعدم الاكتفاء بالرواية والوثيقة وفقا لما ينص عليه المنهج العلمي
في نهاية المطاف وبعد هذا التحليل القصير لثقافة الشرق فان هناك بعض الإجابات عن الأسئلة لم يكن بالإمكان تجنب هذه المواجهة لانها كانت بين ثقافتين مختلفتين تماما وهذا ما يفسر قوة الصدمة واشتداد المعارك حيث احصى ضباط فرنسا 350 معركة خلال سنة وهو عدد مهول ، يمكن أيضا تفسير المواقف المؤججة بالعاطفة للثوار لم يكن القتال مخطط له بشكل كاف كان يشبه انتفاضة شعبية كما يقول الكولونيل روبن في حقيقة الحال كان القتال هدفا في حد ذاته لم يكن القتال غرضه النصر بل اثبات الوجود سواء انتهى بنصر او بموت فان الموت هنا افضل انه الطريق الى الخلود التي يعشقها الشرقي منذ بداية حضاراته في بابل ، قد يفسر الامر أيضا اختلاف القوة والأدوات المستخدمة والتكتيتك الحربي كان ثوار 1871 يستخدمون ميراث اجدادهم سيوف وبنادق بينما كان الفرنسيون يستخدمون ما يحقق مصلحته باقل خسائر ( هدف الغرب دوما الراحة وتجنب الخطر ) كان ثوار 1871 يهاجمون جماعة في شكل كوكبة وهو امر معروف منذ زمن ماسينيسا مؤسس دولة الجزائر حيث كان قائدا لكوكبة فرسان نوميديا التي كسرت هيبة جيش حنبعل في زاما قائد كوكبة فرسان يتكرر مرة أخرى في الشيخ احمد بومزراق يذكر روبن ان كوكبة فرسان بومزراق كانت تهاجم مجتمعة وبقوة ولها قدرة كبيرة على المناورة لم يكن من حل معهم الا المدفعية بينما لم تكن المدفعية ضمن تراثنا ربما كانت تعبر الامر جبنا ان ارمي رجلا عن بعد لاني أخاف الاقتراب منه وبعد انهزام كوكبة الفرسان لا ترى الثقافة الشعبية فيها انهزاما بل تراه شجاعة نادرة يذكر المؤرخ يحي بوعزيز شعرا شعبيا لرجل صادف بومزراق بعد انسحابه باتجاه الماين وهو على فرس اسود وغبار البارود على برنوسه لم يصف الشاعر القائد بالهزيمة بل وصف من لم يقفوا معه بالخذلان ( موقف الجماعة يجب ان يكون مع الزعيم ) يقول الشاعر الباز خدعته الغربان ___ احزن احزن يا ثلي مجانة
في اخر المطاف سوف يظل موتنا مقدرا في كل الأحوال ويجب عليك ان تموت بطريقة لائقة هكذا يفكر الشرق دوما ، بينما يفكر الغرب بطريقة مغايرة يمكنك تجنب الموت والخسائر اذا درست جيدا خصمك الانكفاء على الذات ميزة شرقية خالصة ودراسة الخصم ( العزو الخارجي ) ميزة غربية خالصة لم يكن بالإمكان التعايش بيننا وبين الفرنسيين ولن يكون هناك تعايش النقاط المشتركة بيننا قليلة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا: اليسار يدعو لجبهة موحدة لمنع اليمين المتطرف من الفوز


.. فرنسا: اليمين المتطرف يرشح بارديلا رئيسا للوزراء في حالة فوز




.. الانتخابات الأوروبية: ما أسباب ودلالات صعود اليمين المتطرف ف


.. في ظل انتخابات برلمانية مبكرة في فرنسا...يسعى اليسار لتوحيد




.. ماكرون يحذر من خطر صعود اليمين المتطرف على فرنسا والاتحاد ال