الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأردن وإيران .. عقدة السياسة والمصالح -المؤجلة-

ياسر قطيشات
باحث وخبير في السياسة والعلاقات الدولية

(Yasser Qtaishat)

2023 / 5 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


يحتار الكاتب او المختص في الشؤون الدولية في البحث عن عنوان محدد المعالم يصف بوضوح طبيعة العلاقات السياسية بين الأردن وإيران، ومرد الحيرة أن علاقات البلدان لا تخضع حكما لمبررات موضوعية تؤدي الى التنافر والابتعاد، وفي نفس الوقت لا تدفعهما لعلاقات ودية ومتميزة، أسوة بعلاقات الأردن العربية والإقليمية.
فمنذ الثورة الايرانية عام 1979م وحتى اليوم، لم تشهد علاقات البلدان تطورات ملفتة للانظار، خاصة على الصعيدين السياسي والاقتصادي، فرغم عودة العلاقات الدبلوماسية بينهما عام 1990م، وحدوث تحسن تدريجي مطلع التسعينات بعد وفاة الخميني، ما لبثت ان توترت علاقاتهما منتصف التسعينات بعد اعتراض ايران على اتفاقية السلام الاردنية الاسرائيلية ومحاولتها التدخل في شؤون الاردن من خلال رصد تحركات دبلوماسيين ايرانيين داخل وخارج العاصمة عمان.
سماء العلاقات بين البلدين تلبدت بالغيوم من جديد عام 2000م مع انفجار انتفاضة الاقصى الثانية، حيث برز الدور الايراني بوضوح في القضية الفلسطينية خلال الانتفاضة، وحاولت لعب دورا محوريا على حساب ادوار أردنية تقليدية، واتهم الأردن طهران أنذاك بمحاولة البحث عن نفوذ في فلسطين يؤهلها لان تكون طرفا رئيسيا في معادلة الازمة الشرق أوسطية على حساب مصالح الأردن الامنية والسياسية، خاصة بعد ان اعلنت السلطات الاردنية انذاك عن افشالها اكثر من مرة محاولات ايرانية لتهريب الاسلحة الى الاراضي الفلسطينية.
وازدادت العلاقات توترا بعد عام 2003م اثر احتلال العراق والنفوذ الايراني الواضح في بغداد ما بعد صدام، واتهام الأردن ودول الخليج لإيران بتغذية الحرب الاهلية والطائفية في العراق والمنطقة طيلة السنوات الماضية، خاصة ان ايران نجحت في تحييد الادوار الاردنية والعربية عن العراق، وتبدلت موازين القوى لصالح ايران وبعض القوى العربية الرئيسية والفرعية، سوريا حزب الله حماس، ثم جاءت تصريحات الملك عبدالله الثاني عن "الهلال الشيعي" والتي عبرت عن الخوف الأردني والخليجي المشترك من الأطماع الإيرانية "الشيعية" بالمنطقة.
وهكذا دواليك تمر العلاقات بين البلدين تارة بعداء مبطن وقلق متبادل، وتارة بدبلوماسية حذرة تعبر عن انعدام الثقة بين الطرفين، حيث أن الجانبين لم ينجحا تماما في التوصل إلى أرضية علاقات تقوم على مصالح ثنائية مشتركة ومحددة لا تتأثر بعلاقات أي منهما الإقليمية أو الدولية.
وجدران هذه العلاقة "الهشة" مرتبطة بشكل وثيق بمستويات التطور بدول الخليج العربي، فكلما ارتفعت وتيرتها قل الاهتمام الاردني بالدور الايراني والعكس صحيح، وكأن الأردن يربط سياسته تجاه ايران بمستويات تطور عكسية مع دول الخليج، وليس وفق منظور سياسي خاص بمصالح الأردن بعيدا عن مصالح الأخرين!
والأردن الذي ليس له حدود مع إيران حتى في ظل النفوذ الإيراني في العراق، ولا يتعرض للتهديد المباشر منها، كما تحاول بعض الدول العربية وإسرائيل وأمريكا، اليوم، ان تروّج لذلك، تدور ازمته الفعلية مع إيران في ظل أربع أو خمس دوائر إقليمية ابرزها: الدور الايراني في سوريا، وفي عراق ما بعد الاحتلال، ودعم فصائل المعارضة الفلسطينية، ودعم حزب الله والتدخل في الملف اللبناني، وأخيرا التدخل بالبحرين خاصة، والشأن الخليجي عموما، ولا ننسى بالتأكيد الموقف الإيراني من علاقات الأردن بإسرائيل.
والواضح ان الاردن لا يود التقارب مع طهران بصيغتها الطائفية الحالية، لاعتبارات سياسية اقليمية ودولية اكثر منها محلية، على الرغم من ان الدول التي لديها مشاكل وخلافات سياسية وحدودية وطائفية مع ايران، مثل العراق والإمارات والبحرين وباقي دول مجلس التعاون الخليجي، لديها علاقات قائمة سياسية ودبلوماسية وزيارات متبادلة سنويا، فضلا عن تعاون تجاري واقتصادي بالمليارات! فمثلا تعتبر الامارات اكبر شريك تجاري لإيران في اطار المنظومة العربية، وبلغ التبادل التجاري بين الامارات وإيران عام 2012م اكثر من 17 مليار دولار، رغم ان خلافات البلدين السياسية والحدودية تاريخية.. فلماذا إذا يخرج الاردن عن طوق تلك الدول ويستعدي إيران لأهداف إقليمية وعربية، رغم انه ليس لديه مع طهران خلافات جوهرية تستدعي هذا العداء المبطن والحذر المتشدد، إلا ان كان ذلك ثمنا سياسيا لصالح الخليج والولايات المتحدة وإسرائيل!
ويرى اخرون ان ما تريده عمان من طهران هو الاطمئنان فعلياً الى ان الاردن لن يكون ساحة او هدفا للأطماع الإيرانية الطائفية أو التخريبية، بالمستقبل وفي أي ظرف، خاصة بعد تصاعد وتيرة الازمة السورية على نحو خطير، وهذا الأمر لا يخضع للتصريحات الرسمية بقدر ما يتضح من خلال مواقف وسياسات ايرانية تثبت حسن النوايا، لكن بالمقابل ايران ايضا متخوفة وقلقة من علاقات وتحالفات الأردن مع دول الخليج العربي، ومن سياسة المحاور والتحالف مع الولايات المتحدة وإسرائيل، ولا تطمئن الى هذا التقارب بأي شكل.
كما تنظر ايران لعلاقاتها السياسية مع دول المنطقة العربية على اساس التبعية والتمحور وليس على اساس التبادل المشترك والمصالح المتداخلة، ورغم انها حاولت في اكثر من مشهد ايجاد موطئ قد لها في الساحة الأردنية، اسوة بسوريا ولبنان، إلا انها فشلت في ذلك لغياب العوامل الموضوعية الموجبة لتواجدها اصلا في المشهد السياسي الأردني، فمن جهة الوحدة الأردنية محصنة ضد المؤثرات الخارجية التي سبق وتعرضت للاختبار في مواقف عديدة، ومن جهة ثانية لا تتمتع الساحة الأردنية بتمايز طائفي يغري ايران، فحاولت الدخول من باب القضية الفلسطينية وحسب، ومن جهة ثالثة هناك رفضا شعبيا ورسميا لأي دور "سياسي/ طائفي" ايراني في الاردن، فحتى الاحزاب والقوى السياسية والمدنية التي تميل احيانا الى السياسات الايرانية على خليفة دعمها للمقاومة وعدائها –الظاهر- لإسرائيل، تنتقد بشدة، بالمقابل، الدور الإيراني في العراق والبحرين ولبنان وسوريا!
على أية حال، من المفيد للطرفين اليوم فتح نافذة في جدار العلاقات المتوترة، ففي ضوء الازمات الإقليمية، وخسارة الأردن لأطراف هامة في معسكر الاعتدال، وخسارة ايران ايضا الاطراف استراتيجية في معسكر الممانعة، خاصة سوريا، فان التغيرات الاستراتيجية والمصالح الاقتصادية، قد تكون بديلا جيدا للأردن وإيران لإعادة النظر في علاقاتهما على قاعدة ان الثابت في العلاقات الدولية هو المصلحة، والمصلحة اليوم تقتضي استمرار الحوار والاتصالات بين البلدين، وفتح باب التعاون التجاري والاقتصادي ليكون جسرا قويا لتلطيف الاجواء السياسية، والاردن، اليوم، لا يملك القدرة لوقف النفوذ الايراني في المنطقة، ولا يمكنه ان يناصبها العداء مرتهنا على الدورين الأمريكي، والخليجي، وأقصى ما يمكن ان يفعله هو البحث عن مصلحته جيدا وتنويع علاقاته العربية والإقليمية بعيدا عن الاصطفاف وأحلاف الضرورة التي لن تجدي نفعا في المستقبل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريبورتاج: مزارعون في الهند مصممون على إلحاق الهزيمة بالحزب ا


.. السباق إلى البيت الأبيض: حظوظ ترامب | #الظهيرة




.. ماهو التوسع الذي تتطلع إليه إسرائيل حالياً؟ وهل يتخطى حدود ا


.. ترامب: لم يتعرض أي مرشح للرئاسة لما أواجهه الآن | #الظهيرة




.. -كهرباء أوكرانيا- في مرمى روسيا.. هجوم ضخم بالصواريخ | #الظه