الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وهم التخلص من التقويم الهيكلي وإجماع واشنطن

ياسين اغلالو

2023 / 5 / 7
السياسة والعلاقات الدولية


وهم التخلي عن التقويم الهيكلي وإجماع واشنطن
منذ سنة 1980 لم يعد صندوق النقد الدولي والبنك العالمي مرحبا بهما من طرف شعوب دول الجنوب، منذ ذلك الحين أضحت صورتهما في تمثلات الشعوب سيئة للغاية لكونهما علة الإجراءات اللاشعبية المفروضة على الحكومات التي ما فتئت تبرر فشلها بتبعيتها لتلك المؤسسات المالية الكائنة بواشنطن.
اعتادت المؤسسات المالية السالفة الذكر، فرض إجراءات جهنمية من قبيل خفض الميزانية الاجتماعية بشكل كبير وخصخصة المقاولات العمومية، ورفع أسعار الضروريات الأساسية. كما اعتادت مواجهة الانتفاضات الشعبية المناهضة لها من خلال دعم الأنظمة الديكتاتورية.
في سياق مناهضة سياسة التقويم الهيكلي لعب الرأي العام دور كبير في ممارسة الضغط على الحكومات ومطالبتها بالتراجع عن املاءات صندوق النقد الدولي لأن الشعوب لم تعد قادرة على تجرع سم هذه المؤسسات المالية. هذا الوضع دفع بصندوق النقد الدولي والبنك العالمي إلى نهج سياسة مالية جديدة في تسعينيات القرن الماضي شعارها الأساسي تقليص الديون ومحاربة الفقر. لكن ذلك لم يغير أي شيء في مضمونها الليبرالي على أرض الواقع، حيث لازالت تلك الإجراءات المرتبطة بالتقويم الهيكلي سارية المفعول والتي وجهت بمقاومة شعوب دول الجنوب. ولنا أمثلة عديدة على ذلك نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر دولة سريلانكا، حيث رفضت الحكومة قرضا بقيمة 389 مليون دولار مشروطا بإصلاحات سياسية مثل التقاعد وخصخصة الموارد المائية. وفي غانا رفض الرئيس السابق جيري رولنغز الانضمام إلى مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون، لكن منذ مجيء الرئيس أغيكوم كوفور إلى السلطة في عام 2001 خضعت غانا لإملاءات صندوق النقد الدولي، ومن بين الشروط التي فرضت عليها نجد طلب صندوق النقد الدولي باستراد ما يكلفه قطاع الماء بالكامل، بمعنى يجب على الأسر دفع تكلفة الماء كاملة بدون دعم الدولة، ويجب أن يكون سعر متر مكعب من الماء عند مستوى تغطية التكلفة الإجمالية لاستغلال الماء وتدبيره. بنفس المبدأ تم التعامل مع الكهرباء ، مما أدى إلى ارتفاع سعر الماء % 95. وفي عام 2004 قدم البنك العالمي قرضا بقيمة 103 دولار مقابل بيع توزيع الماء للشركات المتعددة الجنسية ، لكن كل هذا لم يمنع من ظهور مقاومات محلية ك الإتلاف الوطني ضد خوصصة الماء بجانب مقاومات أخرى عالمية تصب في مناهضة الخوصصة.
لم تسلم دولة التشاد هي الآخرى من إملاءات صندوق النقد االدولي، إذ دعم هذا الأخير مشروع خط الأنابيب الذي يربط دوبا الغينية بالنفط وبين محطة كريبي البحرية بالكامرون على مسافة 1070 كيلومتر، والذي قبل في البداية بمعارضة شديدة من قبل المنظمات الحقوقية والبيئية نظرا للمخاطر البيئة التي يمكن أن تترتب عنه. غير أن صندوق النقد الدولي والبنك العالمي برر ذلك المشروع باعتباره مجرد برنامج تجريبي يمكن أن يجني الشعب التشادي منه أرباحا كبيرة، حيث فرضا على الرئيس إدريس ديبي إنفاق 90 في مائة على الخدمات الاجتماعية وعلى استثمارات دوبا وحجز 10 في مائة لصالح الأجيال القادمة التي تم إداعها في ستي بنك في لندن تحت سيطرة صندوق النقد الدولي، غير أن الوضع سيختلف تماما عندما سيلجأ الرئيس إدريس أبيي إلى وضع يده على الأموال المخصصة للأجيال القادمة و سرقة جزء منه لمراكمة ثروته وتخصيص جزء الأخر لصالح تقوية الجهاز الأمني والعسكري من أجل مواجهة التوترات الاجتماعية القوية ومحاولات الانقلاب بدعم من المؤسسات المالية. بعد توقيف منح القروض من طرف المؤسسات المالية لدولة التشاد نظرا لما عرفته الدولة من توترات سياسية واجتماعية، استأنف البنك الدولي دعم المشروع بعد منح حكومة إدريس أبيي السلطة التقديرية في 30 في المائة بدل 10 المائة بمقابل استحواذ الشركات المتعددة الجنسية على الثروة الطبيعية وتضاعف ثروة الديكتاتور إدريس أبيي.
لقد أبانت هذه التجارب وتجارب أخرى تهافت المزاعم التي كانت مدخلا لاستغلال الشعوب الإفريقية وغيرها، إذ زادت الشعوب فقرا وتسلطا وتنامت الديكتاتوريات بدل سيادة الديمقراطية . ورغم انطلاق مباردة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون ومطالبتها بمحو الديون عن 18 دولة فقيرة مستحقة للبنك الدولي والبنك الإفريقي للتنمية وصندوق النقد الدولي، لكن بعد مرور أربع سنوات على هذه المبادرة حتى وجدت تلك الدولة نفسها مجبرة مرة أخرى على إجراء إصلاحات اقتصادية نيولبيرالية تماشيا مع سياسة التقويم الهيكلي، إنها أربعة تدابير هيكلية ليست في مصلحة الشعوب، وهي، الخصخصة، تحرير الاقتصاد، وفرض منافسة غير مشروعة بين الشركات المتعددة الجنسية على المنتجين المحليين، إنها "جزرة إلغاء الديون بعد عصا التكيف الهيكلي".
المرجع: إريك توسان، طغيان صندوق الدولي، الفصل الواحد والعشرون، ترجمة أطاك المغرب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حملة ترامب تجمع تبرعات بأكثر من 76 مليون دولار في أبريل


.. القوات الروسية تعلن سيطرتها على قرية -أوتشيرتين- في منطقة دو




.. الاحتلال يهدم مسجد الدعوة ويجبر الغزيين على الصلاة في الخلاء


.. كتائب القسام تقصف تحشدات جيش الاحتلال داخل موقع كرم أبو سالم




.. وزير المالية الإسرائيلي: إبرام صفقة استسلام تنهي الحرب سيكو