الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعض خصائص العراق الفريدة

داخل حسن جريو
أكاديمي

(Dakhil Hassan Jerew)

2023 / 5 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


يكاد ينفرد العراق بخصائص فريدة تميزه عن دول الشرق الأوسط وربما دول العالم الأخرى,ففي العراق قامت أعظم حضارات العالم القديم في مناطق متعددة منه وفي أزمنة مختلفة , بينما لم تشهد دول العالم الأخرى بزوغ أكثر من حضارة مميزة وفي فترة معينة لم تتكرر بعدها, ففي اليومان مثلا قامت الحضارة الإغريقية لمرة واحدة, وكذا الحال في مصر بحضارتها الفرعونية ,وفي إيطاليا الإمبراطورية الرومانية ,وفي بريطانيا إمبراطوريتها البريطانية, وهكذا بالنسبة للإميراطوريات الأخرى الفارسية والعثمانية والفرنسية وغيرها. بينما تتجدد الحضارات العظيمة عبر العصور في العراق, تضمحل حضارة هنا لتقوم حضارة أخرى هناك , لكل منها سماتها وخصائها المتميزة , فالعراق بلد الحضارات العظيمة : الحضارات السومرية والأكدية والبابلية والآشورية والحضارة الإسلامية العباسية , التي ما زالت معالمها شاخصة حتى يومنا هذا في أور والوركاء وأكد وعقرقوف وبابل ونينوى والحيرة والحضر والبصرة والكوفة وبغداد وسامراء وواسط , وكأن أرض العراق جميعها متحف آثار حضاري .
ومن خصائص العراق الأخرى التي تميزه عن الكثير من بلدان العالم , أنه كان منذ الأزل نقطة مواصلات مهمة بين حضارات العالم القديم التي مرت من خلاله إلى مناطق العالم القديم في آسيا وأوربا وأفريقيا عبر غزواتها وسعيها لبسط نفوذها وفرض سلطانها , كالحضارة الفارسية والحضارة الرومانية والحضارة الإسلامية وغيرها , والتي إستقر البعض منها في العراق ردحا من الزمن وترك فيه أرثا حضاريا وأثرا واضحا بتركبيته السكانية , فلا عجب أن نرى سكان العراق اليوم فسيفساء سكاني زاهي بألوانه المختلفة , نسيجا مجتمعيا متجانسا من أصول مختلفة , كما تعبر عنه تركيبة العراق السكانية الحالية المكونة من العرب والكرد والتركمان والفرس والسريان والأرمن والآثوريين وغيرهم .
كانت الحضارة العربية الإسلامية أكثر هذه الحضارات أثرا وتأثيرا في تركيبة سكان العراق , حيث أن غالبية السكان أصبحت عربية , وهذا لا يعني عدم وجود عرب في العراق قبل الفتح الإسلامي , إذ قامت في العراق ممالك عربية هي : مملكة ميسان وهي مملكة عربية قديمة، نشأت في جنوب العراق في القرن الثاني قبل الميلاد، وذلك بعد تفكك إمبراطورية الاسكندر المقدوني. كانت عاصمتها خاراكس, ومملكة الحضرالتي تمركزت في مدينة الحضر إلى الجنوب الغربي من مدينة الموصل على مسافة ( 110 ) كيلومتراً. وتبعد عن مدينة آشور القديمة حوالي( 70 ) كيلومتراً. ظهرت مملكة الحضر في القرن الثالث الميلادي وحكمها أربعة ملوك استمر حكمهم قرابة المائة عام, ومملكة المناذرة التي كانت من أقوى ممالك العراق العربية قبل الإسلام فكانت هذه المملكة هي امتداد للممالك العربية العراقية التي سبقتها مثل مملكة ميسان ومملكة الحضر. كانت مدينة الحيرة عاصمة مملكة المناذرة، تقع أنقاضها على مسافة (7 ) كيلومترات إلى الجنوب الشرقي من مدينتي النجف والكوفة، وتمتد الأنقاض من قرب "مطار النجف" حتى "ناحية الحيرة" التابعة حاليا لقضاء المناذرة (أبوصخير) .
كما تعربت إعداد كبيرة من العراقيين بتأثير الدين الأسلامي , ذلك أن القرآن الكريم وكل الفروض الدينية تؤدى باللغة العربية , ولا نرى ضيرا بذلك فالعرب في الجزيرة العربية أنفسهم , كانوا إما عربا عاربة أي عربا منحدرين من سلالات عربية معروفة , أو عربا مستعربة أي عربا أصبحوا عربا بحكم بيئة معيشتهم العربية ومصاهرتهم للقبائل العربية . فالعروبة بهذا المعنى ثقافة وأرث حضاري عربي أكثر منها إنحدار عنصري .والعراق كان مهبطا للكثير من الأديان والرسالات السماوية التي تركت أثرا بالغا في حياة سكانه بتنوع ديني مميز, غالبية مسلمة وآخرين من الديانات المسيحية والمندائية والأزيدية واليهودية وغيرها , وتنوع طائفي ومذهبي قل مثيله في الدول الأخرى .
ومن خصائص العراق الأخرى , أنه لم يخضع لسلطة مركزية واحدة عبر تاريخه الطويل إلاّ في فترات قصيرة , ففي العصر القديم كانت هناك ممالك سومر وأكد وبابل وآشور تتحكم بجزء من بلاد الرافدين , وفي العصور اللاحقة قامت ممالك عربية في أجزاء من العراق ولم تبسط نفوذها على كل الأراضي العراقية , وفي عهد الخلافة العربية الإسلامية كان هناك والي لمدينة البصرة ووالي لمدينة الكوفة , بينما كان هناك والي واحد لبلاد الشام وآخر لمصر وهكذا الحال لبقية البلدان , وفي زمن الإمبراطورية العثمانية قسم العراق إلى ثلاثة ولايات هي : ولايات الموصل وبغداد والبصرة , بخلاف ما عليه الحال في الأماكن الأخرى التابعة للسيطرة العثمانية كمصر وبلاد الشام . فهل كان ذلك يعني صعوبة التحكم بالعراق أم ماذا ؟ لعل المؤرخون الأكاديميون يستطيعون توضيح ذلك . فلا عجب أن تتصاعد بعض الأصوات النشاز بدعاواها الباطلة أن العراق الحديث كيان مصطنع أوجدته المصالح البريطانية , متجاهلين تاريخ العراق المجيد الممتد لآلاف السنين .
لم يكن العراق في تاريخه الحديث متصالحا مع محيطه العربي والإقليمي في معظم الأحيان , ففي زمن حقبة النظام الملكي الهاشمي , إنفرد العراق من بين جميع الدول العربية بإنضمامه إلى حلف بغداد العسكري عام 1955 , الذي كان يضم كل من العراق وتركيا وإيران وباكستان وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية بدعوى إحتواء الخطر الشيوعي المزعوم وحمايتها من الإتحاد السوفيتي . وفي زمن حكومة الزعيم عبد الكريم قاسم طالب العراق بضم الكويت لأراضيه بعد أن أعلنت بريطانيا إنهاء حمايتها للكويت وإعلانها دولة مستقلة عام 1961, الأمر الذي تسبب بعزلة العراق عن محيطه القومي التي إعترفت دوله بالكويت دولة مستقلة وأرسلت بعضها وحدات عسكرية لحمايتها تحت رعاية بريطانية , مع إدراك الحكومة العراقية عدم قدرتها على ضم الكويت , الأمر الذي خلق ذرائع للتأمر على الحكومة العراقية بالتعاون مع خصومها , وهو ما نجحوا بتحقيقه بإنقلاب الثامن من شباط عام 1963 .
وشهد العراق حربا ضروسا مع إيران للسنوات ( 1980 – 1988 ) تكبد العراق خلالها خسائر مادية وبشرية هائلة دون جدوى , ودون تخطيط وعدم تقدير قدرات الخصم وميزان القوى ,والأدهى من ذلك إرتكاب الحكومة العراقية حماقة أكبر بقيامها بإحتلال الكويت عام 1990 , الذي مهد لتدمير العراق لاحقا من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها عام 1991 , حيث لم تكتف الولايات المتحدة بإخراج القوات العسكرية العراقية من الكويت فحسب , بل ملاحقتها وتدمير معظم قدرات العراق العسكرية ومرتكزاته الإقتصادية , وإلزام العراق دفع كل خسائرها وخسائر حلفاؤها وخسائر الكويت وما حل بها من أعمال سلب ونهب , وفقدان العراق سيادته على أرضه وسمائه ومياهه , لتفضي في النهاية إلى غزو العراق وإحتلاله عام 2003 وإسقاط دولته بالكامل , وإقامة نظام سياسي يتوافق مع مصالحها . وهذه حالة فريدة ونادرة لم تتعرض لها أي من دول المنطقة , بقسوتها وفضاعتها وظلمها , ما كان لها أن تحدث لو تحلى الحكام بالحكمة والتصرف بواقعية في ضوء المتغيرات الدولية التي كان يشهدها العالم يومذاك , وكما يقال رحم الله إمرئ عرف قدر نفسه , لجنب شعبه ويلات ما زال يعاني منها حتى يومنا هذا .
إمتاز الشعب العراقي بصورة عامة بمزاج إنفعالي حاد ازاء الأحداث التي مرت به , وبدرجة من المبالغة والتطرف بإصدار الأحكام سلبا أو إيجابا , وبروح الإنتقام من الخصوم دون رحمة, وعدم مراجعة الذات لتصحيح المسارات وإستخلاص العبر وعدم تكرار الأخطاء دون أن تأخذهم العزة بالإثم . وهذا ما شهده العراق في معظم مراحله التاريخية وحتى يوما هذا . ونختتم مقالنا هذا بقول الشاعر أبو العلاء المعري :
غَيْرُ مُجْدٍ فِي مِلَّتِي وَاعْتِقَادِي
نَوْحُ بَاكٍ وَلَا تَرَنُّمُ شَادِ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الولايات المتحدة و17 دولة تطالب حماس بإطلاق سراح الرهائن الإ


.. انتشال نحو 400 جثة من ثلاث مقابر جماعية في خان يونس بغزة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن قصف 30 هدفا لحماس في رفح • فرانس 24


.. كلاسيكو العين والوحدة نهائي غير ومباراة غير




.. وفد مصري يزور إسرائيل في مسعى لإنجاح مفاوضات التهدئة وصفقة ا