الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اعراض الانسحاب لدى -مدمني العزلة-، وتجربتي مع عضو اللجنة المركزية ل-حزب العمال الشيوعي المصري-!.

سعيد علام
اعلامى مصرى وكاتب مستقل.

(Saeid Allam)

2023 / 5 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


أيها المتهم بالحقيقة
ان قولك الرجولى "لا"
قد احال تبجحهم رعبا
وحطم كل ارقامهم
واسترد شرف الابجدية
الشاعر المغدور حسن عقل.


اخر تحديث 7/5 - AM 09 – 10

يوم 10/5/2020 نشرت واحده من اهم وثائق الجيل الثالث من الحركه الشيوعيه المصريه، "حزب العمال الشيوعى المصرى"، المؤثر الرئيسى فى الحركة السياسيه المصريه، اليسارية والغير يسارية، منذ اوائل سبعينيات القرن الماضى، وادعى، انه وحتى الان، ولسنوات طويله قادمه ..
قدم للوثيقة المناصل النبيل جمال عبد الفتاح مسؤول منطقة الصعيد بالحزب، (وقتها) التى نشرها المفكر والمناضل سعيد العليمى نائب المسؤول السياسي للحزب – عضو المكتب السياسي، ومسؤول الدعاية المركزى.(وقتها).

أيها المتهم بالحقيقة
ان قولك الرجولى "لا"
قد احال تبجحهم رعبا
وحطم كل ارقامهم
واسترد شرف الابجدية
كتبها الشاعر المغدور حسن عقل فى ثناء المناضل النبيل جمال عبد الفتاح، المعتقل بسجن الحضرة 1974.

الحق أقول لكم:
لا حق لحى إن ضاعت
فى الأرض حقوق الأموات
نجيب سرور.

"كأنك أمام فارس نبيل من فرسان العصور الوسطى"!
"لو كان فى طبعه مثقال ذرة من شخصية النصاب، لأقنع الملايين بأنه أحد أولياء الله الصالحين المكشوف عنهم ولابد أن يصدقوا كل ما يقول ويفعل إذ إن وجهه الشفاف البرىء الطيب لن يعطيك ظلاً واحداً من الشك فيه".
الكاتب الكبير خيرى شلبى فى وصف الشاعر المغدور حسن عقل، بعد وفاته المبكره.

فى 21/7/2018 كان الاستاذ سعيد العليمى كتب الجزء الرابع والاخير من شهادته عن تجربته فى حزب العمال الشيوعى المصرى، واحدة من اهم التجارب الحزبية (السرية)، للجيل الثالث من الحركة الشيوعيه المصريه، كتبها تحت عنوان: " سيرة ذاتية لشيوعى مصرى - قد تعنى أو لاتعنى أحدا (حزب العمال الشيوعى المصرى)".
وفى 15/4/2019 كنت قد كتبت عن هذه الشهادة، تحت عنوان:
على هامش سيرة "العليمى" الذاتية:
هؤلاء الاشتراكيون الطيبون، وتجاربهم الطائشة !
مائة عام من الفشل، ومازالوا يعادون الديمقراطية.


اروى صالح سألت سعيد العليمى:
"انا مش فاهمة انت ليه ترتبط بالشيوعية؟!
فقال لها العليمى: ليه يا أروي؟!
فردت وقالت: أنت سوى."!
من شهادة سعيد العليمى، عن حزب العمال الشيوعى المصرى.

لم يشهد الواقع المصرى منذ سبعينات القرن الماضى، خطاً سياسياً، نظرياً، اكثر ثورية ومبدئية، - فى حدود معرفتى -، من الخط الذى اسسه "حزب العمال الشيوعى المصرى"، والذى اسسه وحدد مواقفه ورسم سياساته المفكر والمؤرخ والمناضل السياسي والناقد الادبي الفذ الاستاذ ابراهيم فتحي ومعه نخبة من كوادر شابة مصرية، اناثاً وذكوراً، مثلوا جزءاً هاماً من الحلقة الثالثة من الشيوعيين المصريين. وكان خط الحزب السياسى والايديولجى، هو الخط الاكثر تأثيراً، ليس فقط فى الواقع السياسى المصرى والعربى، بل وفى القيادات والمنظمات السياسية اليسارية، واليمينية الاسلامية السياسية، على حدً سواء، هذا هو الحزب الذى تم تناول بعضً من مسيرته خلال سرد السيرة الذاتية "شهادة" المفكر والمناضل سعيد العليمى، المنشورة على اربع اجزاء فى الحوار المتمدن.(1)

الا انه، وللاسف، من يمتلك رؤيا صائبة عن واقع معين فى فترة محددة، لا يعنى ذلك بالضرورة ضمان امتلاكه لرؤية صائبة عن نفس الواقع المعين فى كل الاوقات. ان امتلاك رؤيا صائبة ليس كأمتلاك صفة جينية تلازم صاحبها طوال حياته المديدة.

لا تخرج السمكة من الماء، ثم تحاول ان تغير من طبيعتها، اذا كنت تريد كائنات تتنفس الهواء من انفها مباشرة، فابحث فى البرية.

من المؤكد انه يوجد – على الاقل نظرياً - عدد قليل من المثقفين الثوريين المصريين ذو الاصول البرجوازية الصغيرة، القادرين على التخلص من السمات النفسية والسلوكية، القميئة للبرجوازى الصغير، او على الاقل يتخلص من ابرزها، وهذا العدد القليل هو الاستثناء الذى يؤكد القاعدة ولا ينفيها. وكان من المنطقى ان يؤسس ويقود حزب العمال الشيوعى المصرى مثل هذا العدد المحدود من المثقفين الثوريين ذو الاصول البرجوازية الصغيرة، خاصة فى البدايات، مع ظروف تدنى وعى الطبقة العاملة، وتشوشها فى مرحلة بداية السبعينات من القرن الماضى.
وهذا شئ مختلف عن ان يدعى حزب، انه حزب للعمال، ويرغب فى ان يستمر فى العمل بهذه الصفة، والغالبية الكاسحة من عضويته، بل ومن لجنته المركزية، من البرجوازية الصغيرة، - حتى ولو كانت مثقفة ثقافة "ثورية" واسعة -، ".. اللجنة المركزية كان بها اثنان من العمال من 15 عضوا .. وهم جميعا 500 من الأعضاء ، والمرشحين ، والعاطفين .."، كما ورد فى شهادة العليمى -.

انه وضع ضد طبيعة الاشياء، لن يكون حزباً للعمال، بعد مرحلة التأسيس، حين يسيطر عليه سيطرة مطلقة نفسية وسلوكية البرجوازى الصغير، ان حزباً للعمال يجب ان تسيطر عليه وتقودة طبيعة طبقية، اجتماعية واقتصادية وثقافية.. الخ، مختلفة، عمالية، وبالتالى نفسية وسلوكية لطليعة الطبقة العمالية، والتي سبق ان تم اكتسابها الوعي والخبرة السياسيتان، وليس لـ"طبقة الافنديه".

لذا، من الطبيعى ان يفسر هذا "الخلل البنيوى"، كل هذه الصدمات المفجعة والغير متصورة، الواردة فى "شهادة" العليمى، عن ممارسات المسئول السياسى الاول للحزب الذى امتلك كل هذا القدر من المبدئية والنزاهة والجدة فى خطه السياسى والايديولجى!، كل هذه الصدمات فى "شهادة" العليمى وحدها، فما بالنا لو اتخذ اخرين نفس موقف العليمى الشجاع وجنحوا الى الشفافية والسلوك المبدئى فى ان يعلنوا الخبرات، الايجابية والسلبية لهذه التجربة الهامة فى تاريخ مصر السياسى والحزبى السرى المعاصر، ليس فقط لان هذا حق لكل الذين قدموا السنيين من حياتهم فى هذه التجربة النبيلة، وانما ايضاً، وبالاساس، هو حق للاجيال التى لم تعش هذه التجربة، لتسليحهم بالخبرات والمعرفة التى تعينهم فى عملهم المستقبلى، وهى، بالصدفة، نفس الشكوى التى وردت على لسان العليمى نفسه عن الحلقة السابقة "الثانية" للشيوعيين المصريين!، من ان الحلقة الثانية من الشيوعيين المصريين لم يتركوا خبراتهم مسجلة، الامر الذى كان من شأنه ان يعفى الحلقة الثالثة، الكثير من الوقت والجهد بالمرور بخبرات سبق وان اختبرت!، واكرر معه المقولة الصحيحة تماماً: "الشفاهة مقبرة التنظيم"، ليس هذا فحسب، ولكن، ماذا ايضاً لو اكتملت الفائدة من "شهادة" العليمى بنشر ردود ما تناولتهم شهادته، وخاصة المسئول السياسى، فلا يمكن الاقتراب من نقطة الحقيقة بدون نشر وجهات النظر الاخرى.
انها الديمقراطية السلوكية الغائبة.


ببساطة، لقد ابرزت "شهادة" العليمى، من حيث لا تدرى، ان كل هذه السلوكيات السلبية "الصبيانية"، البرجوازية الصغيرة، للمسئول السياسى الاول، - ان صحت -، خاصة وانه كانت معه الاغلبية فى معظم النقاط الخلافية. لم تكن هذه السلوكيات الفردية للمسئول السياسى هى "المرض" الذى ادى الى ما وصل اليه الحزب، انها مجرد مظهر "عرض" يخفى وراءه "مرض" ازمة الحزب الحقيقية، لم تكن هذه "التوافه" التي اوردها هى الازمة، انها مجرد بعض المظاهر السطحية لهذه الازمة، تمثلاتها البسيطة، انها ازمة بالاساس بنيوية.

خاصة، وكما ذكر العليمى، انه لم يكن هناك خلاف على خط الحزب السياسى من قبل الاقلية "المعارضة" فى داخل اللجنة المركزية، وايضاً، كما ذكر العليمى نفسه عن المسئول السياسى ذاته، انه "منتج جدا وموهوب وذو طاقة، أنا مثلا كنت اعمل احيانا لأوقات تصل الى 18 ساعة يوميا، ولكن كان هو يواصل لمدة 3 أيام لاينام، وكان مثلا على استعداد ان يعطيك آخر جنيه معه لو علم انك تحتاجه، او ان يمرض طفلك ان يرافقه فى مستشفاه، فضلا عن تميزه بنوع رفيع من الثقافة لها أصول عدمية في فترات سابقة .. وفيه مميزات مثل البساطة ، والتواضع، والتهذيب، وحسن الخلق، والبراءة، وعدم الفظاظة، ولديه ميل تربوي نحو رفاقه. هكذا بدا لنا جميعاً فى فترة معينة. وأعتبره أكثر الناس استيعابا لخطنا الحزبي من الناحية النظرية والسياسية، أكثر استيعابا قياسا بنا لأنه ليس هناك تقييم في المطلق."!.


مائة عام من الفشل، ومازالوا يعادون الديمقراطية !
"الانحراف الثقافى"، اخذ ينتقد وينتقد وينتقد، ثم اخذ ينتقد وينتقد وينتقد، ثم اخذ ينتقد و..! .. يقول العليمى فى شهادته: " أننا اهتممنا بتطور الرأسمالية في مصر، وما كان يجري في مصر لحظتها من الناحية الاقتصادية كتب فيه مقالين أو ثلاثة، أى اهتممنا بالتاريخ على حساب التطورات الجارية". عندما اشرت لصديق منذ فترة عن هذا الخلل الواضح فى مدى استيعاب كوادر هذا الحزب، الذى كان هذا الصديق واحد منهم، علق بأن الاهتمام بالتطورات الجارية، هو بمثابة نوع من النميمة!!.

ان الموقف المتدهور لحزب العمال من فهم التطورات التى اعقبت يناير 2011 يشهد على مدى التدهور الذى وصل اليه هذا الحزب الذى كان يمتلك اكثر الرؤى السياسية وضوحاً ومبدئية، وبالطبع لا يمكن للشخص ان يعلم ما اذا كانت هذه هى مواقف الحزب ام هى مواقف بعض كوادره فقط، بسبب ظروف السرية القاهرة.

بديهى ان تكون الثقافة والتثقيف شئ لا غنى عنه، فكما يقال، لا ممارسة ثورية بدون نظرية ثورية، شرط، ان لا تتحول عملية الثقافة والتثقيف هذه، الى ذهنية المتاهة الثقافية التي تجعل من الامور البسيطة الواضحة اموراً معقدة غامضة وضبابية، مما ينعكس بالسلب على وضوح الرؤيا، والقدرة على اتخاذ الموقف الصحيح فى الوقت المناسب، صحيح وفي الوقت المناسب، وهو ما يسمى بالـ"الانحراف الثقافى".

ان الضمانة الوحيدة للحماية من "الانحراف الثقافى"، هى ارتباط التثقيف النظرى بعقلية تمتلك شجاعة النقد الواعي، وحماسة الممارسة العملية التي لا تفتر، شرط ان يتم ذلك فى مناخ لـ"نمط" حياة ديمقراطية، داخلياً وخارجياً، اى ايمان شخصى عميق وحقيقى بالديمقراطية. ونمط حياة ديمقراطية يومية، فى مجتمعنا الصغير، قادر على كشف ومقاومة الانحراف الثقافى، او اى انحراف اخر، وان نحرص بوعى على ان يسود نمط الحياة الديمقراطية، فى المجتمع الصغير الذى نصنعه، وبالقدر الممكن.

ويضيف العليمى فى "شهادته" الشجاعة: " تأتى زيارة القدس ومثلت بالنسبة لنا منعطفا شديد الاهمية، لأن هذا مؤشر علي عدم ادراكنا شبه الكامل لطبيعة التحول الذى يحدث داخل المجتمع بأكمله .. فكان ماحدث أقرب للصدمة غير المتوقعة بشكل كامل" .. ويضيف العليمى "عدم ادراك طبيعة التحول في لحظة تاريخية معينة ، والحقيقية أن القدرة على إدراك التحولات العميقة أثناء حدوثها لم تتوفر إلا لقلة مثل ماركس وانجلس ولينين" .. ويضيف العليمى فى موقع اخر من شهادته: "وأنا أقول أنه بلا دراسة ماركسية عميقة فلا يمكن أن تكون هناك حركة تدعي الانتماء لها، وما قرأناه لايبلغ ربع ماكتبه ماركس".!!

هذا غريب .. فى الحقيقة، كل التجارب الاشتراكية/الشيوعية التى فشلت، لم تفشل بسبب نقص فى ثقافة "قراءات" قاداتها لماركس وانجلز ولينين، بالتأكيد هم قرؤا اكثر من الربع بكثير. انهم فشلوا تحديداً لغياب نمط الحياة الديمقراطى فى المجتمعات الصغيرة التى انشأوها، احزاباً او منظمات او حتى الحياة الاجتماعية والخاصة، غياب النمط الديمقراطى القادر على مقاومة اى اعوجاج فى بدايته او فى اى مرحلة من مراحل تطوره، شرط استمرار الايمان بالديمقراطية بكل مفرداتها ومعانيها البسيطة والعميقة، وعدم الانجرار وراء اغراءات السلطة، عند كل منعطف او ازمة تدعونا للكفر بالديمقراطية، اياً كانت التبريرات.

اياً كان مستوى السلطة ونوعها، وبالرغم من كل مسالب النظام الديمقراطى، الذى استطاعت الفئات القادرة، المسيطرة على السلطة والثروة، على احداث العديد من الثغرات به، وتوظيفه لمصالحها، الا انه حتى الان، لم تخترع البشرية بعد، شكلاً لممارسة السلطة، وتنظيم للعلاقات والحقوق والواجبات، اكثر تطوراً من النظام الديمقراطى.

وفى شهادة العليمى جاء "التراث الذى خلفنا كله هو تراث ستالين وبكداش، والرفيق خالد، وفوزي جرجس، وحتي الأحزاب الشيوعية الأوروبية التى تعيش في مجتمعات ديمقراطية لم تكن ديمقراطية!، وأنا أسأل من أين سنحصل نحن علي ديمقراطية. هناك شرط تاريخى اجتماعى وحضارى لاختراق الحاجز" ويستطرد العليمي ".. وللأسف كانت آلية الصراع عندنا مثل آلية الصراع في الحركة الشيوعية التانية ، ومثل آليات الصراع في كل الأحزاب الشيوعية العالمية ، وهو الضيق من وجود أي شكل من أشكال الخلاف الحقيقي حول القضايا".. وبدى "اننا مقبلين على مرحلة من مراحل العزلة.".

لذا يصبح واضحاً، او المفروض ان يصبح كذلك، انه من شأن النمط الديمقراطى ان يحمى من انحراف السلطة، حتى لو كانت سلطة يسارية، جاءت بعد نجاح ثورة شعبية. والا، هل يتم جعلهم يحلفون على المانيفستو؟!، ام يحلفون بروح الزعيم؟!. مائة عام من الفشل، ومازالوا يعادون الديمقراطية !. الديمقراطية هى الضمانة ضد فساد وافساد واستبداد السلطة التي انتقلت الى ايدي الثوار، وكما يقال "علاج مشاكل الديمقراطية، بمزيد من الديمقراطية". الديمقراطية هى نتاج تاريخ نضالى للبشرية، الديمقراطية ملك لكل البشرية، وليست حكراً على الغرب الرأسمالى فقط، فلم تبتدع البشرية بعد ما هو افضل من الديمقراطية النيابية سوى سعينا للديمقراطية اليومية.

ويصدمنا العليمى مجدداً، فى شجاعة ادبية نادرة بالقول ".. وموضوع الانفتاح لم يكن مجرد انفتاح اقتصادى ، ولكن تحول طبقي رهيب له انعكاساته في كل شئ ، وفي أوضاع الناس وسلوكهم وكل حياتهم، .. وكان في ذهننا أصلا شعب أيديولوجي متصور غير الشعب الواقعي الذى نقابله ونتعامل معه." .. "لم تكن سياسات السادات هي اللي تنقض علي رؤوسنا بشكل مفزع، ولكن الشئ الذى لم يكن مفهوما لنا هو رد فعل الناس أى الجماهير التى لم نفهم سيكولوجيتها. وفقدنا عنصر المبادرة، وبدأت تكون بعض قراراتنا كأنها عبارة عن ردود أفعال، ويمكن أن نسميها "قيادة بعدية"، ولم نكن نستطيع أن نطالب أحدا ان يكون لينين وقتها. ولكن الحزب كان يفتقر إلي بصيرة لينين التاريخية وفراسته.".

وفى شهادته يذكر العليمى ان "بعض رفاقنا، كانوا يقولون فى كتاباتهم اننا اولينا أهمية للوطني على حساب الطبقي، اعتقد ان هذا الفهم غير دقيق .. هناك خطأ نظرى سياسي فى هذه المقولة ، فضلا عن ان الاحتلال الاسرائيلى الجاثم على صدر الوطن لايمكن ايلاءه اهتماما اقل وقد كان مفتاح كل التحولات الطبقية والاجتماعية والسياسية التى اعترت النظام بل وكامل المنطقة العربية.".

انني اعتقد ان هنا بالضبط الخلل و"عدم ادراك التحولات العميقة اثناء حدوثها"، عدم ادراك ان الاحتلال الاسرائيلى للارض كان مفتاحاً لكل التحولات الطبقية والاجتماعية والسياسية، بصفته مفتاحاً مصالحياً اقتصادياً استراتيجياً طبقياً، وليس باعتباره مفتاحاً للكرامة او العزة الوطنية او حتى عكسهما، المزلة والمهانة الوطنية، حتى ولو روجت البروباجندا البرجوازية للسلطة لمثل تلك التعابير، لاهداف استغلال المشاعر الشعبية وتوظيفها، اى ان "احتلال الارض" كان وسيلة، اداه، للخضوع لتحقيق اهداف اقتصادية عالمية، "العولمة". ان القضية هى قضية اقتصاد، مصالح اقتصادية استراتيجية، اى انها فى التحليل النهائى قضية طبقية، وليست قضية وطنية وتحرير ارض، فحسب، ان احتلال الارض اداة لتحقيق اهداف طبقية، لذا لا يمكننا ان نركز على الاداة ونهمل الهدف. انها لا تقف على ماركس وانجلس ولينين، حتى ان تاجر متوسط الذكاء فى السوق، عادة ما يدرك التحولات التى تحدث فى سوق السلع الخاصة بتجارته، دون ان يحتاج ان يقرأ لا ماركس ولا انجلز ولا لينين، فقط، لانه قد سبق له وان دفع ثمن اى خطأ ارتكبه كتاجر فى تقديراته السابقة، وكلفته خسارة نقدية مؤلمة، ونقلت اليه نفس الخبرة خلال اجيال تجار متعاقبة. اما نحن فعندنا فى العمل السياسى، فان "خسائر" السياسة، مثل خسائر مال القطاع العام، مال سايب، ولم يكن مطلوباً من أحدا ان يكون لينين وقتها، ولا فى اى وقت اخر. ولم يكن الحزب يحتاج إلي بصيرة لينين التاريخية وفراسته، للتعرف الى سيكولجية الشعب المصرى نفسه وليس شعباً ايديولوجياً متصوراً، فقط ان يتوقف الحزب وكوادره عن لعب دور "انا المخ وانت العضلات"، وان يسود نمط ديمقراطى فى العلاقات داخل الحزب وحوله.


"الحجر الداير لابد عن لطه" !
انا شخصياً قد "نابنى من الحب جانب"، كنت قد تعرفت على المناضل النقابى فتح الله محروس فى اواسط السبعينات فى خضم مشاركتى فى الحركة الطلابية بالاسكندرية، - والذى علمت من شهادة العليمى، فقط الان، انه كان عضو اللجنة المركزية لحزب العمال الشيوعى المصرى -، كنت قد تركت الاسكندرية والنشاط الطلابى السياسى من اوائل الثمانيات، واتجهت الى القاهرة والتحقت للعمل كصحفى تحت التدريب بجريدة حزب الوفد "اليمينى"، ولكم ان تتخيلوا كم كانت المعاناة، خاصة واننى كنت احصل على مكافأة شهرية 40 جنيهاً، سكن لاني مغترب، وواعاشة ومواصلات وتدخين .. الخ، لمغترب لا يعرف احد فى القاهرة سوى صديقى المخرج ايمان الصيرفى، وهو الذى كان قد ساعدنى فى الحصول على "فرصة" الوفد.

المهم، بعد سنوات كنت اعمل برنامج فى ART مع الاستاذة الاعلامية سامية صادق وكان اسمه "فنجان شاى"، وبعد حوار لي نشر فى الوفد مع رئيس اتحاد الاذاعة والتلفزيون وقتها الاستاذ عبد الرحمن حافظ، عن التلفزيون المصرى، وفى سياق استكمال تحقيقى الصحفى، وبعد الاتصال اكثر من مرة بمكتب الوزير، وكان وقتها الاستاذ صفوت الشريف، قال لى الوزير "انا اعرف انك بتعمل برامج فى الـ ART تعالى اعمل برنامج فى التلفزيون المصرى"، وكان وقتها قد ظهرت قناة الجزيرة الفضائية التى احدثت زلزالاً فى الاعلام العربى، فقلت للوزير انى حالف ما اعمل فى ماسبيرو، (كان ذلك بسبب خبرة سلبية للتعامل سابقاً فى مسلسل كوميدى كنت كتبته بأسم "احلام انيسه اللبيسة" وكنت قد سحبته من التلفزيون بعد ان وافق رسمياً على انتاجه، بعد ان شعرت انه سيخرج فى صورة مبتذلة، وعموماً هذه قصة اخرى يمكن رواية تفاصيل سرقتها من نجوم مصريين فى وقت لاحق).

المهم، عملت برنامج "بدون رقابة" اعداد وتقديم، وحصل بشهادة كبار الكتاب والصحفيين وقتها على تقدير "مفاجأة" بالقياس للتلفزيون المصرى، لقد لقى البرنامج نجاحاً كبيراً داخل مصر وخارجها، لكن بعد عدة شهور بدأ التلفزيون يضطهد البرنامج، بسبب طبيعة الموضوعات وطريقة التناول وطبيعة الضيوف، فبدلاً من 75 دقيقة على القناة الاولى، مرة كل اسبوع، فى وقت ذروة المشاهدة، بعد نشرة التاسعة، اخذت تتقلص المساحة الزمنية، وتتدهور مواعيد البث، حتى وصلت الى 45 دقيق مرة كل اسبوعين على القناة الثانية وفى مواعيد اذاعة قرب الفجر، مما دعى الاستاذ عبد الحليم قنديل ليكتب فى عموده "ذعوه بعد الفجر وسموه بدون مشاهدة"، كما كتب كثير من كبار الكتاب والصحفين ضد ما يتعرض له البرنامج من اضطهاد، وانه البرنامج الاولى بمواعيد ذروة المشاهدة .. وكان معظمهم لا اعرفهم شخصياً، ولم يسبق لى ان استضفتهم فى البرنامج.(2)

اما جرعة "الحب" التى نالتنى من اللجنة المركزية لحزب العمال الشيوعى المصرى، فكانت على ايدى عضوها المناضل فتح الله محروس، الذى كنت اعزه كثيراً، ومما حفزنى لذكر هذه القصة الطريفة، فـ"شر البلية ما يضحك"، هو معرفتى الطازجة بالمركز المركزى لصاحب هذه القصة فى حزب العمال، من خلال شهادة العليمى.

بالمصادفة، شاهدت فتح الله امام احد الابراج الضخمة التى يجرى بنائها فى سموحة بالاسكندرية، فذهبت اليه وكنت لم اراه منذ سنوات طويلة، وبعد الاحضان والقبلات عزم على بتناول كوب من الشاى داخل الموقع، فجاء بعض العمال لتحيتى باعتبارى مقدم برنامج قد ابدو اعجابهم الشديد به، واذ عندما كانوا يسألونى بفرحة عن البرنامج، عندها افاجئ بصديقى فتح الله يشير لهم على ويقول "دول دورهم انهم يحجزوا (واشار بيديه علامة فتح الذراعين لحجز ناس ما ضد ان يمروا فى اتجاه معين، وهو دور يقوم به عادة المسؤلين عن الامن!)، اسقط فى يدى، وعقد لسانى، ولم ادر ماذا اقول، فاذا ما كان احد اسباب غضب السلطة على البرنامج، والذى هو موثق بشهادات معلنة،(3) هو طبيعة تناولي السياسي لموضوعاتي، واستضافتى لرموز من المعارضة لم يكن التلفزيون المصرى يرغب فى رؤيتهم على شاشته، مثل د. نوال السعداوى وغيرها الكثيرين، وكذك بسبب طبيعة المواضيع التي اختارها، وطريقة تناولها، والتى جعلت كل رموز السلطة، الحزب الوطنى وقتها، يتخذوا من البرنامج موقف عدائى واضح وصريح ومعلن.

كل هذا الشريط مر امام عينى فى ثوان، وانا صامت، واشاهد فتح الله فى موقع عمله فى واحد من اضخم ابراج سموحة، ولدى واحد من اكثر رجال الاعمال ثراءاً، وفتح الله بحكم وظيفته، دوره ان يحرص على ان يقوم كل عامل بعمله على اكمل وجه بما يحافظ على ارباح الملياردير صاحب الابراج الشاهقة!! ..، اثرت الصمت وشكرته على الشاى وذهبت، وقد تأكد لى ما كنت اعرفه من قبل، فكل الناس فى واد وشيوعى حزب العمال فى واد اخر، لذا، فاذا ما كان عددهم الف فهم بعد فترة سيكونون 500 ثم 100 ثم 10 ثم كل واحد لواحده! .. هذا ما تأكدت منه عندما رأيت كيف تعامل عضو مركزى لحزب العمال مع ثغرة فتحها احد الاصدقاء فى جدار التلفزيون المصرى الذى هو اشد صلابة وامناً من وزارة الداخلية نفسها، فبدلاً من محاولة الاستفادة من هذه الثغرة وتقويتها وتوسيعها، ها هو يحاول ان يهيل التراب عليها.
وهذا، من زاوية ما، ليس ببعيد عن الموقف من تداعيات ما بعد 25 يناير 2011، ولكن هذا الحديث سيتم تناوله فى وقت لاحق، بشكل مستقل، نظراً لاهميته الكبرى.


اعراض الانسحاب لدى "مدمنى العزلة" !
تمثل "شهادة" العليمى، اخيراً، بعد ان كان قد تم طمرها لثمانى سنوات، وهو دافع العليمى لنشرها بنفسه. نشر هذه الشهادة الذى يعد نموذجاً ملهماً لواحد من اهم ادوات مواجهة الامراض السيكولوجية المرتبطة والناجمة عن العزلة، فالمكاشفة والشفافية والعلنية من ابرز الوسائل الفعالة فى التعامل مع سيكلوجية المعزول سواء ارادياً او لا ارادياً. من المفهوم، ان الغرور الذى هو صفة ملاصقة للبرجوازى الصغير، مما جعل من تميز الحزب فى القضايا النظرية والسياسية، مبرراً لغرور بعض كوادر الحزب، اما الغير مفهوم، ان يكون تشكل احزاب اخرى على خط حزب العمال، واعتبار هذا "جريمة" تنسب لقيادة هذا الحزب، كما ورد فى شهادة العليمى، فهذا امر يحتاج الى نقاش.

ومما يزيد الطين بلة، ان يلحق بهذا الغرور مرحلة من العزلة، التى تنتج خليطاً مركباً من المشاعر المتضاربة بين الشعور المغالى فيه بالرضى، الغرور، والشعور الملاصق له بالاحباط الناجم عن الانحباس فى مصيدة العزلة. وكما قال العليمى عن حق "ان البرجوازية الصغيرة تحيا حالة تناقض وصراع وأنظف ما فيها يظهر فى لحظات تجتر فيها بطولات خرافية، وأسوأ لحظاتها هي لحظات العزلة، والأفق الضيق، حيث تتجلى أردأ أشكال انحطاطها.".

اعتقد انه للخروج من هذه الدائرة الشريرة محكمة الاغلاق، لابد من مخارج غير نمطية. فاذا ما كان مثلاً، ميزان القوى فى فترة معينة، ليس فى صالح قوى التغيير، فالمهمة البديهية الاولى، هى تعديل ميزان القوى وليس تحقيق اى اهداف مباشرة اخرى، حيث لا يمكن تحقيق اى اهداف اخرى فى ظل ميزان القوى الحادث، لذا فالمهمة الاولى هى العمل على تعديل ميزان القوى، اى يصبح المستهدف هو التعديل فى اوضاع المجتمع "ميزان القوى" المحلى او الاقليمى .. فعلى سبيل المثال، فى تعديل ميزان القوى على المستوى المحلى، فقد يكون العمل المشترك مع اطراف معينه ستجده امراً ضرورياً ومقبولاً، يفرضه هدف تعديل "ميزان القوى"، هذه الاطراف الذى كان لا يمكنك الموافقة على العمل المشترك معها، اذا ما كان مسعاك هو تحقيق اهدافك المباشرة الاخرى، متجاهلاً الهدف الاولى، تعديل الاوضاع الغير مواتية، تعديل "ميزان القوى"، وهكذا.. او لتعديل ميزان القوى المحلى عن طريق تعديل ميزان القوى الاقليمى، فمثلاً، اذا ما كانت هناك جبهات مجاورة يمكن تحقيق انتصار فيها ينعكس ايجابياً على ميزان القوى المحلى، اى تعديل الوضع المحلى من خارجه، تكون من ضمن مهامك الاولى هو دعم قوى التغيير فى هذه الجبهة المجاورة، وايجاد الصلات معها. وفي البداية والنهاية، يأتي على رأس جدول الاعمال، المهمة الاولى والمركزية بأسترداد حق المجتمع المدني لمسلوب منذ 52، حقه في اقامة تنظيماته المستقلة، المستقلة حقاً.

لم يرد فى شهادة العليمى ما هو اكثر قسوة من حواره مع المناضلة اروى صالح التى قررت فى يوم ما ان تنهى حياتها بيدها .. "وهكذا قالت لي: "انا مش فاهمة انت ليه ترتبط بالشيوعية، فقلت: ليه يا أروي؟، فردت وقالت: أنت سوى."، وهذا يعطيك فكرة عن ماهي نوعية ارتباطها بالحركة نفسها ثم تصورها عن طبيعة ارتباطات الآخرين" .. "ويبدو أنها كانت تعتقد بضرورة أن تتوفر في هذا التنظيم مواصفات المجتمع المقبل. ناسية أن كل ما في المجتمع من مشاكل هو بداخلنا أصلا، ونحن من أحط الطبقات الاجتماعية (البورجوازية الصغيرة)، وبالتالي يمكن ان نكون من أنبل الناس في لحظات، وفي لحظات أخري يمكن أن نكون أشد انحطاطا من أى أحد. ولكن المهم هو أن نربي أنفسنا من خلال تجربة ثورية وفى خضم صراع.".

نقد النقد التجريدي
الى حزب "انه فشل، وسوء ادارة، وخلل في الاوليات"!:
ليس فشل او سوء ادارة، او خلل في الاولويات،
انه مستهدف ومخطط له،
انه صراع المصالح الطبقية المتناقضة،
المحلية والاجنبية.
هذه هى السياسة.


هام جداً
الاصدقاء الاعزاء
نود ان نبلغ جميع الاصدقاء، ان التفاعل على الفيسبوك، انتقل من صفحة saeid allam "سعيد علام"، واصبح حصراً عبر جروب "حوار بدون رقابة"، الرجاء الانتقال الى الجروب، تفاعلكم يهمنا جداً، برجاء التكرم بالتفاعل عبر جروب "حوار بدون رقابه"، حيث ان الحوار على صفحة saeid allam "سعيد علام"، قد توقف وانتقل الى الجروب، تحياتى.
لينك جروب "حوار بدون رقابه"
https://www.facebook.com/groups/1253804171445824




*على هامش سيرة "العليمى" الذاتية:
هؤلاء الاشتراكيون الطيبون، وتجاربهم الطائشة !
مائة عام من الفشل، ومازالوا يعادون الديمقراطية.
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=634284&r=0

مصادر:
(1) سيرة ذاتية لشيوعى مصرى - قد تعنى أو لاتعنى أحدا ( حزب العمال الشيوعى المصرى )، سعيد العليمى.
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=605998
(2) "بدون رقابة" وع اللى جرى .. ؟!. (1)، سعيد علام.
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=618172
(3) المصدر السابق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مدرسة ابن خلدون تخرج الفوج الثالث والثلاثين من طلبتها


.. قصف إسرائيلي متواصل على غزة وحصيلة القتلى الفلسطينيين تتجاوز




.. إسبانيا: في فوينلابرادا.. شرطة -رائدة- تنسج علاقات ثقة مع ال


.. من تبريز.. بدأت مراسم تشييع الرئيس الإيراني رئيسي ورفاقه




.. أزمة دبلوماسية -تتعمق- بين إسبانيا والأرجنتين