الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كتاب شمس الرجاء (27) --- الفصل الخامس والعشرون --- القصة الخامسة والعشرون: رجاء التائبين

توماس برنابا

2023 / 5 / 8
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


يا الله!

تُبت إليك.. لقد أخطئت وعوقبت بالسجن خمس سنوات وأنا راضي بذلك تكفيرًا عن ذنبي.. وبذلك قد أخذ المجتمع قصاصه مني.. وبتوبتي إليك، أيقنت أنك غفرت لي وأدمت لي الرحمة..

يا إلهي.. لماذا لا يتعلم الناس الصفح والرحمة منك؟ لماذا لا زالوا يعاملونني وكأنني لا زلت مُجرمًا؟ إنهم يتوجسون مني خيفةً، ذهابًا وإيابًا، يدعونني دائمًا بأنني "سوابق" و"ربيب سجون"..

لقد تقدمت إلى الآن إلى خمس وظائف، يُمكنني أدائها جميعًا على أكمل وجه وكفاءة.. ولكن كان رفض صاحب كل عمل منهم دائمًا دون إبداء أي أسباب حينما يستعلم عن بطاقتي ويجدني ربيب سجون!

إلى من أذهب وإلى أين أجد طريقي يا إلهي؟! كيف أواصل حياتي في هذا المجتمع؟! إنني ألجأ إليك يا أرحم الراحمين.. فلا بُد أن هناك من تلامست أنت مع قلوبهم لتفيض بالرحمة والقبول للجميع.. فهل تضعهم في طريقي يا الله؟! سأنتظر راجيًا رحمتك بي.. وأني أعلم أن انتظاري ورجائي لن يخيبا طالما وضعت ثقتي فيك!

*****

قرأ مدحت هذا الدعاء القصير المُعبر.. وإذ به يوجه دعائه إلى العُلىّ مثلما فعل ربيب السجون هذا ساكبًا قلبه لدى الله في دموع لعل الله يُزيح عنه ما يعتريه من مرض.. وشكر الله على وضعه للأستاذ نشأت في طريقه فهذه إشارة واضحة على تعاملاته المُحبة العجيبة معه..

تأمل مدحت حياته السابقة وكيف تعامل الله معه في كثير من الأمور.. فكان يشكر الله حينًا ويدعوه أن يُصحح له أمرًا ما حينًا أخر، وطال الوقت به إلى أن وجد نفسه يحلم بمستقبل يخلو من مُعاناته الحالية..

ودخلت زوجته إليه تُخفف من وطأ أحماله عليه، فقد كانت زوجته لديه كقارب نجاة في مستنقع راكد من الكآبة والأحزان..

فقالت له زوجته:

- ماذا بك يا مدحت؟!

- لا عليك يا زوجتي العزيزة..

- أراك تختلي بنفسك كثيرًا في هذه الأيام يا مدحت.. لكن الإيجابية تشع من وجهك وعينيك، وإنني سعيدة لك أيما سعادة..

- من الواضح أن الله قد استجاب دعائك لأجلي يا ميرفت فقد بدأت أشعر بحلاوة الدنيا من جديد.. وكل ذلك بفضل الأستاذ نشأت الصافي أطال الله عمره.

- أعلم ذلك جيدًا، وقد عاهدت نفسي أمام الله أن أكافئه على صنيعه بما يُقدرني الله على فعله..

- تعالي إلى جانبي يا حبيبتي.. أشتاق لكي كثيرًا في هذه الأيام.. فبعد أن كنت أبعد عنكِ، صرت لا استطيع النوم إلا وأنا معك.. بارك الله فيكِ ودُمتي لي خير رفيق ومُعين..

دقت الساعة السابعة فإذ بمدحت يقوم من سريره متوجهًا إلى جهاز الكومبيوتر الخاص به، أما زوجته ميرفت فتركته لخصوصيته وذهبت لتلعب بعضًا من الوقت مع ابنها باسم..





حوار الليلة السادسة والعشرون


- مساء الخير يا أستاذ نشأت.. متأسف لأنني تأخرت عليك بعض الدقائق..

- لا عليك يا صديقي.. وطاب مساؤك وكالعادة وجهك مُشرق.. تملؤه البهجة.. فليُدمها عليك يا صديقي..

- كل شيء بفضلك يا صديقي العزيز نشأت.. أردت أن أشكرك لأنك كتبت قصتك اليوم في صيغة دعاء.. لقد جعلتني أتوجه بالدعاء والشكر إلى الله من أجل كل ما مر بي في حياتي..

- مَرحىّ يا صديقي، مَرحىّ!

- ألا يكفي يا نشأت معاناة السجين في سجنه حتى يصفح عنه المجتمع؟!

- مُجتمعنا يا مدحت لم يتعلم الصفح والعفو أبدًا.. يتميز بالنقمة والانتقام وعدم الغفران.. وحتى إن كان السجين بريئًا في سجنه- فلا يُوجد أي نظام عدالة يخلو من بعض الثغرات- فلن يغفر له المجتمع في بلادنا تاريخه كسجين أو كخريج اصلاحية. وعدم غفران المجتمع لمثل هؤلاء في التكيف معهم والسماح لهم بالعمل الشريف سيجعلهم ضد المجتمع وأن يتميزوا بالعدوانية، وقد يصل بهم الحال لارتكاب الجرائم أو الانتحار.

- هل هناك رجاء لمثل هؤلاء التائبين أو حتى المظلومين كما تقول يا نشأت؟

- بالطبع يا صديقي! حتى وإن طال الوقت سيجد هؤلاء من سيرحب بهم ويحبهم ويتغاضى عن ماضيهم أيما كان.. هؤلاء الرحماء قليلون في مجتمعاتنا. فقد رُحموا من قِبل غيرهم في السابق، وعاهدوا الله أن يردوا الجميل في آخرين يحتاجون إلى الصفح والغفران..

لن تجد يا صديقي مدحت بريئًا في مجتمعنا لا يستحق العقاب على شيء ما قد اقترفه في حياته.. وهو يختلف في هذا عن ربيب السجون في أن العدالة لم تجد طريقها إليه بعد. فيجب أن نتعلم الغفران والتغاضي فكلنا عيوب! لكن يا صديقي الدنيا لا ترحم أحدًا، لا ظالمًا ولا مظلومًا! لذا ينبغي أن يتسم البعض منا بالتراحم والشفقة على البعض ممن هم تحت المُعاناة، مع توخي الحرص بالطبع..

- صدقت يا نشأت.. فالمجتمع عبارة عن تَجمع لأفراد تجمعهم مصلحة التواجد والتعايش معًا. لذا كان التراحم أمرًا ضروريًا لسلامة بُنيانه.

حان الوقت لأطلب منك لمحةً عن قصة الغد..

- ستكون يا صديقي عن مريضة بمرض في القلب طال علاجه بلا أي أمل في الشفاء.. فإلى اللقاء

- إلى اللقاء يا أعز الأصدقاء..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Politics vs Religion - To Your Left: Palestine | فلسطين سياس


.. ماذا تريد الباطرونا من وراء تعديل مدونة الشغل؟ مداخلة إسماعي




.. الجزيرة ترصد مطالب متظاهرين مؤيدين لفلسطين في العاصمة البريط


.. آلاف المتظاهرين في مدريد يطالبون رئيس الوزراء الإسباني بمواص




.. اندلاع اشتباكات عنيفة بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهرين في تل