الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اس وتراب ..... دلالات فنية ومسيرة شعرية قراءة في مجموعة احمد العاشور

ياسر جاسم قاسم
(Yaser Jasem Qasem)

2006 / 10 / 27
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


هاهي الساحة الأدبية البصرية قد استلمت مجموعة شعرية للشاعر أحمد العاشور محلقاً فيها بخياله المجنح إلى أبعاد كبيرة وبمزايا وقدرات متنوعة مستلهماً الواقع مرة والفكر الإنساني مرة أخرى والصورة الشعرية المتفاقمة التي تبدأ في حنايا الشاعر من أسلوب دقيق ورفيع معتلية بالقارئ إلى فضاء الشاعر الرحب وهذا هو ديدن الشاعر أحمد العاشور في مجموعته آس وتراب الصادرة عن دار الينابيع في دمشق والتي جعل من أفكارها المتواترة بقفزات نوعية وصور فنية إنسانية ووجدانية ، فهو يبتدأ مجموعته بقصيدة عنوانها (ضوء) وأنا استلهم من العنوان إن البداية مضيئة وما أحلى أن تكون بداية مضيئة تستقر فيها فكرة مضيئة أيضاً وفيها من الوجد الصوفي ما يجعلها كذلك ومن الفلسفة العميقة ما يضفي عليها ملكوت الشعر حيث يقول ما نصه ص5:-
لي كعبتان
أمي وأنت
ولي قبلتان
واحدة لكِ
والأخرى ....
لكِ أيضاً
أي إن جمال الحب هو لك أيتها الحبيبة في كل الأحوال ومفاهيمه أينما أدور بها أجدها قد استقرت في قلبك النابض بالحب والحنان حتى إنه يساوي في حبه بينها وبين أمه في المعنى الإنساني الوضاء كذلك فإن الشاعر وفيُ لذكرى أحبته ولشعر بصرته وللجمالية الشعرية المتمثلة في الشاعر محمود البريكان فنرى العاشور يسارع بعد هذه القصيدة ليقدم مرثيات إلى محمود البريكان الأولى بعنوان سنطلق سراح عزلتك ، حيث نقرأ في هذه القصيدة:-
((سنطلقُ سراح عزلتك
ونعلن
قصيدتك الأبدية))
وهو يجسد هنا عزلة البريكان ويجعل منها سمة مميزة للشاعر وهو كذلك ولكن يقول هذه العزلة أنتجت القصيدة الأبدية المفعمة بمعاني الشعر وهذه هي أبرز سمات شعر البريكان كما إن العاشور يركز على معاني الحب هنا وقدسيتها فيقول من نفس القصيدة ص71:-
(( هل ستجرؤ أقلامنا
على دخول قلبٍ مفعمٍ بالحب ؟
وهنا تتجلى الرائقة الصوفية كما أسلفت أي إن العاشور يقدس الحب في قصيدته هذه فيريد أن يقول إن القلب المفعم بمعاني الحب من الصعب جداً الدخول إليه وتفسير ما فيه وهذه هي نظرة قدسية إلى الحب ونظرة صوفية بنفس الوقت وهذه النظرة تذكرني لأبيات أبن الفارض الشاعر الصوفي المعروف بوجده وحبه:-

هو الحب فأسلم بالحشا ما الهوى سهلُ
وما اختاره مضنى به وله عقل
أما في مرثيته الأخرى والتي هي: تنويمة الأرق فيجمع فيها الشاعر بين سنائين السناء الأول هو التراث وكيف يحل محله الصحوة الأبدية والسناء الثاني التجلي في المعاني الانسانية ومفردة التجلي مفردة صوفية خالصة فيقول ص10:
(( ينجلي صباح المعلقة القديمة
بالنور الأمثل ... إلى أن يقول
القديم يأبى ..
إلا صحواً أبدياً .. ))
وهذه الصحوة الأبدية التي يأبى إلا أن يصلها القديم أعتقد أن الشاعر هنا يريد أن يقول إن بعث التراث كحاضر له امتيازاته المتعددة له من الأهمية في مكان أو زمان ما يجعله كافياً لأن يكون إحساساً لحضارة وهذا القديم الذي يمثل بالبريكان الشاعر إنما هو قادر على أن يكون حاضراً ومستقبلاً في يوم ما وهذه النظرة مشابهه لمقولة ادونيس حين يقول:- إن من لا تراث له لا هوية له. ثم تبدأ النظرة الإنسانية الممزوجة بالوجدان الشعري لدى الشاعر أحمد العاشور في قصائده البقية حيث نقرأ ص12: من قصيدة بعنوان: هي تمنح المرأة صفاءها
(( جميلة وزاهيةٌ
ألوانُ الطيف الشمسي
لكن فساتينك المتجددة
تفرد كل يومٍ لوناً منها ... إلى أن يقول ..
فإن الضوء يتبادل السمو
عند اللحظة التي تتحلى بها المرآة
صباح كل يومٍ ..
، هذا المعنى الجميل الذي يرسمه الشاعر في هذه القصيدة حيث يتبادل الضوء السمو في أي لحظة؟ في لحظة تتحلى بها المرآة صباح كل يوم أي اشراقات الأمل يجب أن تكون حاضرة في حياة الإنسان فألوان الطيف الشمسي السبعة هي إشراقةُ أمل وبصيص حياة في زمن مجدبٍ ومفقر فهذا الاستناد إلى الشمس والى صفاء المرآة هو لرسم الدلالة الحسية لدى الشاعر كما إن قدرة الشاعر على التلاعب بالنص تسهم والى حد بعيد في إقصاء معاني دخيلة عليه بل تجعل معانيه واضحة ولا لبس فيها، ثم تتفاقم الصورة الشعرية والموسيقى الشعرية الهادرة في قصيدته: لمي ضمائرنا حيث نرى في هذه القصيدة: جزالة اللفظ وقوة المعنى والموسيقى الجميلة والإيقاع الداخلي المتحكم فيها كما أن استخدام الشاعر للفظة ضمير تجعل من القصيدة حية إلى أبعد صور الحياة يقول ص13:-
لمي ضمائرنا الهوى لممُ
أي الأحبة باعد الألم ؟
لله (همُ) لو تستحيل (أنا)
أو تستحيل ؟ أنا، الغداة همُ
وهذه قدرة أحمد العاشور حيث نرى استخدامه الرائع فكيف (هم) تستحيل انا هذه نظرة صوفية أخرى حيث يتمنى الشاعر أن يكون المجموع الملتقى في الحب متميزاً في الأنا الواحد و الضير يكون حياً واحداً والفكر يكون مداة حياً إنسانياً واضحاً إلى أن يقول هذا المعنى..
شفت ضمائرنا .. موحدة
ما عاد يبعدُ لفظهنّ فمًُ ..
أي إن الحب الذي تجسد في الضمائر الحية إنما هو نظرة نتيجة ضمير حي مفعم بمعانيه السامية وليس مجرد نظرات ليس لها معنى أو لقاءات ليس فيها مغزى فتوحد الضمير إنما هو وجدٌ صوفيٌ متركز ٌ في معانيه العميقة... وكما أسلفت فالشاعر أحمد العاشور يظل مركزاً في ثنايا قصيدته على المعاني الوجدية الصوفية وهذا واضح وجلي في قصيدته ص15:-
اختلاج
حيث يقول فيها:
كنت أنام بغدي
أستيقظ قبلي
أقترب خلفي
أبحث عن نفسي في نفسي
هذا هو العمق في التفكير حيث يجعل الشاعر من نفسه قرين له كأنما يجسد هنا مسألتين الروح التي تتحكم في الإنسان والنفس الملازمة له وتتركز الصورة لديه خصوصاً في عبارته: أبحث عن نفسي في نفسي.. فالبحث عن النفس في أغوار النفس هو المنطلق الفلسفي العميق لدى الشاعر أحمد العاشور كما أن تركيز الشاعر على الزمن ومفاهيمه فيقول:-
افتح باباً للبحر
ليُطلَّ عليَّ
فيريني بقيا زمن
يولد لدى المتلقي النظرة الفاحصة لمفاهيم الماضي واستلهامها في الحاضر إلى أن تكون الصورة لدى الشاعر العاشور على قمتها فيقول ما نصه: ص15:
حينما حاولت
أن أفلت مني
فكما أسلفت يضع العاشور نفسه وروحه في محاورة صوفية فهو يريد الهروب من نفسه باتجاه روحه كما أن الشاعر العاشور يركز على صورة المحاورة الذاتية لديه في قصيدة انكسار ص17 حيث يقول ما نصه ص18:
كنا متعبين حين حاولنا
أن نفلت منا
ما زال العاشور يركز على هذه المفهوم الفلسفي وهو مولد الذات كما أن للواقعية حضورها في شعر العاشور وهذا ما نلتمسه ص18:
يستدرجوننا للعبور
منذ انكسارنا
وزعتنا الهموم
عندما صارت الأوطان
لا تصلح أوطاناً
فها هي معالجات الشاعر الدقيقة التي تضع منه حالما بغد أفضل ومعالجاً لقضايا راهنة فالأوطان لا تصلح للسكنى والسبب ما تعانيه من انكسارات وتحطم على صعيد الواقع المدروس من قبل الشاعر بحنكة والمعبر عنه بلغة شعرية جميلة كما أن تعبيرات الشاعر عن المحنة كانت في محلها فيقول ما نصه ص20 :-
محنتنا
فلليل لغات
وللبحر أحزان
وجراحنا المسنّةُ بأعمارنا
وما أحلى هذه العبارة الأخيرة عندما يكون الجرح مسن بصاحبه بعمره تماماً وهذا دلالاته على عمق الجرح وإيلامه صاحبه إلى درجة أصبحت في أروقة ليل المحنة لغات وفي بحارها أحزان ومأساة والفلسفة الشعرية تتفاقم لدى العاشور بعمق القصيدة التي يكتبها الشاعر بلغته المرهفة حيث يقول في قصيدة الأشرعة والرياح: ص26:
الريح
التي
لا تحرك غصناً
لا تستحق شراعاً
فاستخدام الشاعر للريح هو دلالة القوة وهي قصيدة واقعية أعتقد أن العاشور يبحث عن زمن فيه رجالٌ أقوياء قادرون على إدارة أزمات كثيرة في المجتمعات فكأنما الشاعر أراد أن يقول أن القائد الذي لا يقدم شيئاً لأمته لا يستحق من يقف خلفه والشراع هو رمز دلالة فكرية عن الإسناد الخفي للريح أي إن الشراع بحركته يُدلل على وجود الريح بقوتها اللامنظورة أما الصورة القاتمة التي يرسمها الشاعر عن مستقبل قاتم في مجالاته فهذه قد تجلت في قصيدة ص27 بعنوان: لم يعد هناك من يصغي حيث استخدم فيها التعابير التالية: انتزعوا ، أسدلوا ، ارحلوا ، لم يعد هناك من يصغي ، الكراسي الفارغة وهكذا يجمع هذه الكلمات أصبحت لدينا قصيدة العاشور التي ترسم المستقبل القاتم الذي أراد أن يرسمه بسبب المعاناة التي نعيشها يومياً وهذه الصورة تكاد تتشابك مع قصائد أخرى حوتها المجموعة ومنها قصيدة: اغتراب ص31: حيث يقول العاشور ما نصه:
أرهقتني الخطى
والطريق انحدار
لا أرى غير ظلي
جرداء هي الروح
فما جدوى الندى
فرسم الشاعر صورة أخرى للمستقبل وحتى للحاضر فالخطى مرهقة والطريق منحدر الشاعر لا يرى سوى الظل والروح جرداء فما جدوى أن يكون هناك ندى ، إذن استخدام هذه الكلمات يدلل على صورة أخرى للحاضر ومستقبل مرتقب فيه الكثير من المتاعب وهذه هي الواقعية التي استخدمها أحمد العاشور في أغلب قصائده أما بقية كلمات القصيدة فتلمس مثلاً ص31 من نفس القصيدة أعلاه:-
مغترب ، وحدي ، جمر صحتي ، الشجر المصلوب ، المطر المرتد، أسرابي، أشباح الأشجار ، اكتئابي ، ذاكرة سوداء ، الطريق انحدار ... وهكذا نرى هذه الكلمات التي بمجموعها قد كونت قصيدة اغتراب نراها قد أسهمت والى حد بعيد في تصوير الواقع السوداوي لمجتمع نعيش فيه ، أقول إن واقعية العاشور تبشر بشاعر قد وضع ما يعانيه المجتمع نصب عينيه وكتب في طريق معالجته وحسب الفن الذي يكتب فيه ألا وهو الشعر ثم بعد هذه القصيدة يبدأ العاشور مشوار جديد في مجموعته والمشوار يعنونه بـ ((إيقاعات)) ويبتدأ أول إيقاع بمفهوم إنساني جميل يعبر عنه بقصيدة عنوانها (قفص ، وأنا هنا اسميها قصيدة الحرية فهو يعبر عن المفهوم الإنساني السامي ألا وهو الحرية وبلغة هادئة جميلة يقول ص35:-
لأني رسمت القفص
بلا طائرٍ ،
ولأني لا أرغب أن
أسجن أحداً
أعطوني صفراً
في الرسم
وهذا معنى جميل يعبر فيه الشاعر عن سمات الحرية ومعناها الأساسي وأعتقد أن اللغة بسيطة في القصيدة أعلاه وتعبر عن مفهوم الحرية بشفافية مطلقة ، كما أن للشاعر إيقاع جميل ص37 بعنوان: لمس يعبر فيه عن المعنى الوجداني للحب والغزل الشفاف حيث يقولك-
حين أرخيت على شعرك
يا قديسة كفيّ
تعلمت اللمسَ
أي عن صورة حبيبته ورسمها في قلبه متواجدان حتى لأنها يعتبرها مقدسة لدى كفيه وليس مجرد لمسة لا وجود لها في عالم الحب العظيم وهذه صورة أخرى من صور الحب الصادق حيث تعلو صورة الحب لديه حتى تصبح المحبوبة مسيطرة على ذات الشاعر بل تغلب ذاته وتنقلب عليه وهنا يحاول الشاعر أن يتخلص من حبها المحموم فيقول ص40 بقصيدة عنوانها: أخرجك قسراً :-
اخرجي من مرآتي
اخرجي من عطري
من ألواني
أو أخرجك قسراً ... كي استرجع ذاتي
أي أن محبوبته قد سيطرت عليه بالحب إلى أن وصلت به إلى درجة أن ألغت ذاته فيحاول أن يسترجعها ثم ان الشاعر يعالج وبإيقاع سريع القصيدة الشاعرية والشعرية التي يجب أن يمتلكها الشاعر كي يستطيع أن يكتب شعراً حقيقياً والقصيدة عنوانها تبرير ص41:- يقول ما نصه:-
(( وعلى ضوء القمر نخط قصائدنا
وقبل أن نكتب حرفاً..
نشرب كاسا
كي تختمر الفكرة
وفي أغلب الأحيان
نبررُ
لأنفسنا
أن الخمرة
مغشوشة !
وهنا يعالج الشاعر الكثير من القصائد التي تكتب تحت يافطة قصيدة النثر والتي لا تحمل بين طياتها أي معنى فيبرر كاتبوها إن الفكرة في عقلهم لم تكتمل بعد فالشاعر يلقي باللائمة هنا على اختمار الفكرة لدى الشاعر بأنها ليست كما ينبغي وأن هذا التبرير لا مسؤول فالشاعرية والشعرية مفهومان يجب أن يتجسدان في القصيدة الشعرية وهنا اسوق رأي للدكتور عناد غزوان يقول فيه : ((إن شاعرية النص تنطلق من النص لا لأنها مهارة فنية فحسب، بل لأنها الطاقة الفنية التي تسمى إبداعاً في كثير من الأحيان. لذلك فالنص النضيج فنياً هو الذي يمتلك شاعرية عالية سواء في الأداء/ اللغة الشعرية. أم في الدلالة/ الصورة الشعرية أم في الربط المحكم بين الألفاظ الداخلية في علائق مع بعضها بعض/ الترابط المنطقي والتماسك الفني)) والعاشور هنا في قصيدته يريد أن يقول إن الكثير مما يكتب اليوم ليس فيه إتقان فني ويخلو من الشاعرية والشعرية وفيه ما يعبر عنه الدكتور المرحوم عناد غزوان بقلق النص أي النص الذي يفتقر إلى الانتماء إلى مدلول ثقافي معين يحدد أبعاده الفنية والجمالية أو إذا شئنا يحدد دلالته النصية التي يفترض بها أن تكون معبرة عن مدلول ثقافي، لعل هذا ما فسر فقدان بعض النصوص شخصيتها الوطنية والقومية وحتى الإنسانية ولا سيما ، حين يصير النص على وفق هذا المفهوم نصاً لا منتمياً إلى مكان إبداعي ولا منتمياً إلى زمان . وهنا لو قارنا ما جاء في نقد د. عناد غزوان وما جاء في نصوص الشاعر أحمد العاشور نرى أن القصيدة العاشورية لها دلالتها الفنية وأبعادها الجمالية وبعدها الإنساني المترامي في أحضان وأعماق البشرية، وبعد مفاهيم الواقعية يصير الشاعر العاشور البقاء في المفاهيم الإنسانية فيتخذ من الرثاء الحديث منزلاً له بعد ذلك وذلك في فصل خاص عن أبنته الراحلة حنين حيث تتفاقم قيم الصورة الشعرية لديه معلنة حزن الشاعر على أبنته في قصيدة سريرك الخالي ص45:-
عند سريرك الخالي أقف ،
وعلى شفتي تذبلُ .
ألف سنبلة
امزجها بدموعي المتناثرة
على وسادتكِ.
وها هي صورة الحزن لدى الشاعر أحمد العاشور في قصيدته الراثي بها أبنته ويظل الشاعر أحمد العاشور في بقية فصله هذا يصور صوراً متنوعة عن أبنته وبطرق مختلفة حيث نلتمس ذلك من عناوين قصائده وهي مرارة
الحلوى ، تبادل ، دمعة الجسد الحبيسة على الشجرة ، هل عرفت خوفي من يأسي ، طائر أبحث عن فضاء ، مدارات وهكذا والذي يراقب مجمل هذه القصائد يجدها مجتمعة فيها عدة مزايا وهي وحدة الموضوع وكلمات الشوق والبكاء والليل والغيمة ، والهم وغيرها من المفاهيم التي تدلل على حزن الشاعر على أبنته الراحلة ، ويقول الشاعر ص58 بقصيدة عنوانها: لما أرادوه لي :-
عائدٌ للدروب المستريبة
الفوانيس
نسيت ليلها ... إلى أن يقول
عاجزٌ
عن الوصولِ إليك
فالطريق انحدارُ
وأنا ثملٌ
لا أعرف ظلي
صوب تخوم هجرتني
وها هو الشاعر أحمد العاشور مرة أخرى يركز على أن الطريق انحدارٌ ومفهوم العجز عن الوصول إليك أي إلى أبنته يسهم والى حدٍ بعيد في تصوير حالة الرثاء التي يريدها الشاعر ، وفي قصيدة أخرى لا تقل أهمية عن بقية قصائد ه وهي بعنوان عذراً ياموسى ص62: يقول فيها:-
أنا وحدي خلف المرايا
تشظيت فيها
وهم في المرايا
ولا ينظرون
أنا وحدي خبأت ليلى
بفانوس ن كي تستنير الدروب
وحين أرحت
على الحائط ظهري يوماً
تأملت كل الوجوه
فمفهوم التشفي لدى الشاعر يعكس واقعية المعنى والناس أي كيف أن الإنسان يحترق لينير دروب الآخرين في حين أن هناك أناس لا يفعلون هذا المعنى ولا يتسابقون فيه لإنارة دروب الناس والمجتمع، تأمل الوجوه لدى الشاعر يضفي نوعاً من ان الشاعر يريد أن يقول مًن سيبقى من هذه الوجوه ناصحاً للمعاني الإنسانية ومَن سينكص على عقبيه من نصرة الإنسانية إلى أن يصور الشاعر أن لا أحد بقي معه من المجتمع فيقول: ص63:-
أنا وحدي لملمت بعضي
ولم يبق لي غيرُ بعضي
وليتبع خطوتي من يشاء ...
أي لم يبق ناصراً له في ما يبتغيه من الود الإنساني فبقي يلملم شتاته وحده في هذا المد المجتمعي وأخيراً فبقصيدته للاستعراض فقط ص69 يجمع الشاعر اغلب الأفكار التي أوردها في مجموعته ويركز فيها على الجوانب الواقعية والإنسانية التي استعرضناها في هذا المقال ويدعم ما قلناه حيث يقول ما نصه:-
شاعرنا أبكم
ورغيف علقم
والشعب من تحته
يجري الماءُ ولا يعلم
كانوا ينتظرون الأمر ، بالإطلاق
بعد قرون جاء الأمر
ضغط الجميع
فوق زناد السلاح
إلى أن يقول ... الشاعر ... اتضح لنا
إن مدافعنا
للاستعراض فقط ...
هذه النظرة إلى الواقع الممتزجة باللحظة الإنسانية تُعالج واقعاً مراً نعيشة اليوم وفي حقيقة الأمر نستلهم مما ورد إن حقيقة الشاعر وشاعريته المتدفقة هي التي تضفي عليه هذه القدرة الشعرية والتي تستلهم لديه حتى تغدو قصيدة كما أن الخيال الذي يستخدمه هو خيال مجنح وطائر يصعد مرة إلى الجنان ويقطف منها الآس ويرجع مرة إلى الأرض لأننا نعيش عليها ونفترش واقعها وأخيراً فقد أجاد الشاعر حسين عبداللطيف في وصفه للمجموعة الأولى للعاشور حيث قال ما نصه:- ((منذ البدء تضعنا دلالة العنوان الثنائية أمام تقابلات: السماء ، الأرض ، الذرى ، الامتقاع: حيث نلحظ بحر بوح غنائي مستتب طيران العصفور بجناحين غير كليلين)) وأخيراً فقد أجاد الشاعر بواقعيته وحسه الشعري وشاعريته المتدفقة وورود الإيقاع الداخلي في قصيدته مما يجعلها متماسكة ويضفي عليها قوة القصيد وانسيابيته الرائعة في وضع معالجة فنية لواقع مأساوي رسمه الشاعر وأجاد في رسمه من كل جوانبه ويبقى العاشور باحثاً عن أٍسرار القصيدة وعمقها ودلالاتها الفنية والصوفية كي يستطيع التحليق عالياً بخيال القارئ إلى أروقة المجد الفني للقصيدة النثرية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فراس ورند.. اختبار المعلومات عن علاقتهما، فمن يكسب؟ ????


.. 22 شهيدا في قصف حي سكني بمخيط مستشفى كمال عدوان بمخيم جباليا




.. كلية الآداب بجامعة كولومبيا تصوت على سحب الثقة من نعمت شفيق


.. قميص زوكربيرغ يدعو لتدمير قرطاج ويغضب التونسيين




.. -حنعمرها ولو بعد سنين-.. رسالة صمود من شاب فلسطيني بين ركام