الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قوات العم السريع السودانية والحشد الشعبي العراقي

اسماعيل شاكر الرفاعي

2023 / 5 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


قوات الدعم السريع السودانية والحشد الشعبي العراقي

الحرب القائمة في السودان بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع : تقدم نموذجاً لما ستؤول اليه الامور في كل بلد تتقاسم سلطته قوتان او اكثر . فهذه الحرب - والعراق مرشح لها - نتيجةً من نتائج ازدواجية السلطة وتقاسم السيادة …

نظمت المجتمعات البشرية المتقدمة علاقة قادة الجيش بالقوة التي يديرونها : بايجاد مؤسسات الدستور ودورية الانتخابات ( ادارة الصراعات الاجتماعية سلمياً ) وتقسيم السلطات ، وبهذا التنظيم شكمت قادة الجيش من ركوب القوة ، وتسييرها لتحقيق طموحاتهم الشخصية . يوحي تاريخ اوربا بوجود ترابط ضروري بين العلمانية : التي تعني عزل الدين عن التدخل في توجيه السياسة باسم النصوص المقدسة وتطبيق شرع الله ، وبين اقتناع المجتمع بضرورة : ادارة الصراعات المجتمعية سلمياً والتخلي عن العنف في الوصول الى السلطة . ولاننا ابناء ثقافة غير قانونية وغير دستورية ، لم نفكر بخطورة ايجاد قوة موازية لقوات الجيش ، ولم نناقش علناً تداعيات الغاء سيادة الدولة بايجاد مراكز قوى متعددة …

ما الضرورة الوطنية التي دفعت الرئيس السوداني عمر البشير الى اتخاذ قرار ايجاد : قوات الدعم السريع ؟ هل سوى تحقيق طموحه الشخصي في ان يستمر بشد قبضته على الدولة ، والتحكم بالقرار . وانقاذه في حالة الثورة او الانقلاب عليه ؟؟؟ بينما الضرورة الوطنية تحتم عليه : المباشرة بصناعة قوة السودان لا صناعة قوته الشخصية ، وصناعة قوة السودان تمر من طريق واحد : هو طريق اطلاق الحريات ، والمزيد من الحريات ، لا مصادرة الحريات وتكميم الافواه باسم تطبيق الشريعة ؟؟ ...

وما الضرورة الوطنية التي دفعت مقتدى الصدر الى تأسيس جيش المهدي ؟ لا توجد ضرورة مهما استرسل اعلامه في تعدادها . الضرورة الوحيدة التي حملته على انشاء جيش المهدي تتلخص بوجود مستشارين لا يعترفون بشيء اسمه : سيادة الدولة ، فاوحوا له بأن
اقامة ميليشا مسلحة في العراق ستحقق له ما يطمح اليه سياسياً ، وهو اعتقاد اثبتت السنين خطأه . لقد فتح مقتدى الصدر - بتأسيس ميليشيا جيش المهدي - باباً عريضاً لهذه الصناعة المتخلفة : فتكاثرت الميليشيات ، وتكاثر معها تدخل الخارج الاقليمي وخاصة دول الخليج وايران في دعم هذا التأسيس بدلاً من دعم اعادة الاعمار وتحديث الاقتصاد . لم يثبت هذا التوجه نجاعته في تحقيق طموحات " القائد " السياسية ، فمحاولاته العسكرية ضد الاميركان وضد المالكي في صولة الفرسان ، ومحاولاته المتكررة في الهجوم على الخضراء : كانت جميعها مجرد خربشات سياسية او ، وفقط حين مال الى حيازة برنامج وطني للتنمية والاصلاح : لا عسكري ، حصل على مقاعد في البرلمان اعلى بما لا يقاس مما حصل عليه في الدورات الانتخابية السابقة …

اصبحت عقيدة الجيش السوداني الرسمية بشكل واضح هي : الجهاد ، منذ الانقلاب الذي قاده الضابط عمر البشير 1989 ، بتخطيط من الدكتور حسن الترابي زعيم الجبهة القومية الاسلامية . وحين نتحدث عن عقيدة الجهاد ، فانما نعني بذلك اعلان الحرب الدائمة ، وليس المؤقتة ، على القبائل الافريقية في الجنوب " الكافرة " ( قبائل الشمال في غالبيتها : مسلمة وعربية ) . ثم تفتقت عبقرية الاسلام السياسي السوداني بعد احداث دارفور 2003 ( آلاف القتلى من قبائل السودان غير العربية ) عن ايجاد تنظيمات الجنجويد الوحشية ، التي تطورت الى قوات شبه نظامية ممثلة بقوات الدعم السريع ، ومعظم افرادها من القبائل العربية التي تمارس : الغزو على انه محور نشاط الانسان الاساسي في الحياة : الذي لا بد له - كأي نشاط - من انتاج ثقافته الخاصة التي تسترجع دائماً ثقافة السلف الصالح المتمثلة : بثقافة الغنيمة ، السبي ، ملك اليمين ، الجزية ، والخراج …

لم ينفرد الجيش السوداني و " حركة الانقاذ السريع " بتبني عقيدة الجهاد القائمة على اضطهاد الجماعات غير المسلمة في جنوب وغرب السودان ، انما تجتر جميع الجيوش العربية عقيدة الجهاد هذه ، وتمارس اضطهاداً توقعه باستمرارية تاريخية على اشهر قوميتين : الكردية في الشرق الاوسط ، والأمازيغية في شمال افريقيا . ويمارس اصحاب وملاكي هذه الجيوش بالتنسيق والمشورة مع اصحاب وملاكي قوى الامن : اضطهاداً سريّاً ضد المسيحين والديانات الاخرى ، لحملها على على الهجرة لمصادرة املاكها : وهذا الفعل اللاانساني تتميز به افعال الاحزاب الاسلامية العراقية وحشودها الشعبية الحاكمة : التي استولت على املاك اليهود والمسيحيين ، كما مارسته داعش وحلفاؤها القومچيين في مصادرة املاك الايزديين وسبي نسائهم واستعبادهم …

لا فرق عندي بين قوات الدعم السريع السودانية وبين قوات الحشد الشعبي العراقية : فكلاهما يسعى الى افتتاح مرحلة جديدة في تاريخ الدول العربية ، تتمثل بازاحة مؤسسات الدولة المعروفة واستبدالها بفوضى التنظيمات الميلشياوية . وقد حدث هذا التوجه بعد صعود الفكر السياسي الاسلامي اثناء ثورات الربيع وبعدها . قائد هذا التوجه في السودان ، كما هو معروف ، المفكر الاسلامي الدكتور حسن الترابي المهووس بشيئين : الانقلابات العسكرية ، والانقلاب على ثقافة العصر ومفاهيمه الحديثة عن الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان بالهجرة الى مفاهيم العصبية الطائفية والعنصرية والقبائلية وعموم ثقافة الحضارة الزراعية ، وقد طبقها المشير عمر البشير بشكل وحشي - أما في العراق فقد قامت ميليشيات الحشد الشعبي : منذ 2014 بالاستيلاء على القرار السيادي في الدولة ، سابقة بذلك قوات " الانقاذ السريع " السودانية في الثورة على جيش الدولة .

عام 2014 أُريد لجيش عراقي جرار ان ينهزم امام فلول " داعش " : للحط من سمعة الجيش ككل ، بتبخيس قدرته وعقيدته القتاليتين ، لكي ينفسح المجال رحباً امام استراتيجية بناء الميليشيات كبديل عنه . لقد ضربوا - كما يقول المثل - عصفورين بحجر واحد ، وبهذا يتحقق حلم الجهات التي يعمل عملاؤها على جعل العراق هيكلاً خاوياً وحديقة خلفية لهم . والحقيقة - كما اثبتت لجنة البرلمان التحقيقية - ان الامر بانسحاب الجيش من المواجهة قد صدرت عن القائد الاعلى للجيش ، وتبعتها فتوى المرجع الشيعي : آية الله علي السيستاني عن الجهاد الكفائي .. وليست دولة ذات سيادة هذه التي يصدر قائد جيشها العام امراً بالانسحاب من مواجهة الغزاة ، ويتبعه رجل دين باصدار امرٍ ( فتوى )بتشكيل جيش يدافع عنها …








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السيسي يحذر من خطورة عمليات إسرائيل في رفح| #مراسلو_سكاي


.. حزب الله يسقط أكبر وأغلى مسيرة إسرائيلية جنوبي لبنان




.. أمير الكويت يعيّن وليا للعهد


.. وزير الدفاع التركي: لن نسحب قواتنا من شمال سوريا إلا بعد ضما




.. كيف ستتعامل حماس مع المقترح الذي أعلن عنه بايدن في خطابه؟