الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السودان . . وسيناريو الاستعارة / الجزء الرابع - الفصل الثاني والاخير

أمين أحمد ثابت

2023 / 5 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


إن كان انفجار حرب المواجهة المسلحة في السودان يجري على مسار ما افترضناه بمعلم سيناريو ( الحرب بالوكالة ) ، ووفقا لما نتنبأ به كاستعارة تجريبية من في اليمن وعرفناها ب ( الطريقة اليمنية ) ، حيث الاقتتال المسلح بعتاد الجيش النظامي لطرف يعد افتراضا صاحب الشرعية في صفة الجيش النظامي الرسمي وعلى رأسه رمزا يتبعه ، والاخر منشقا عن الاول يوصف افتراضا بالقوة المليشاوية المتمردة – كونها قوة انفصلت بذاتها مع رمزها القائد عن نظامية الجيش الرسمي وهيكليته ، إلا انها لا يمكن يطلق عليها مجموعة انقلاب عسكري ، لكونها خرجت عن الاجماع الوطني والمسار الحواري العام لبناء نظام الحكم القادم ، كما ولم يكن هناك نظام حكم حتى تتم محاولة الانقلاب عليه للاستيلاء على الحكم ، هذا غير أن حرب المواجهة هي بين جنرالين على زعامة الجيش ليس إلا – بغض النظر عن تلك الحسابات الماورائية لاحقا حول الصراع على الحكم بين المكونين المدني والعسكري – ولهذا فتفجير شرارة حرب المواجهة المباغتة لقوات الدعم السريع تحت قيادة حميدتي ( نائب مسمى مجلس السيادة ) لم تكن تحمل اهدافا او مشروعا كان ، بقدر ماهي عملية ازاحة واحلال سيطرة طرف على الاخر – حتى كلا رمزي الاحتراب المسلح يدعي نفسه الحامي لقيام دولة مدنية يحكمها المدنيين ، بينما كليهما وأدوا المظاهرات والمطالبات الشعبية بإبعاد العسكر عن الحكم وابطلوا كل المحاولات وبتوسطات خارجية لحل المشكل بين المكونين العسكري والمدني لبناء مخرجات لقيام دولة انتقالية لعامين ، حيث ظل المكون العسكري المعلن خطابا وجوب قيام دولة مدنية بشراكة تعددية القوى السياسية وأنه غير طامع بالحكم ويرغب في تأمين انتقال سلس سلمي للحكم بدولة مدنية – وفق مطالب الثورة الشعبية ، وانه الرمز العسكري الذي اودعه الشعب امانته . . على أن يكون ضامنا على تحقيق مطالب ثورته – بينما في مضمون موقفه ودوره الممارس يظل يبقي هيمنة العسكر بتحكم محوري على كل محاولة حوار يجري بينه والقوى السياسية ، لتكون ذريعته في حماية مسار الثورة وارادة الشعب أن يضفي أي حوار ليكتب له الاتفاق بين المتقبلين من المكون المدني لما يفرضه فيها ارادته كمعبر عن المكون العسكري ، أن يتم التقاسم لدولة الحكم بحصوله على الحقائب السيادية ، وثانيا يمكن للبرهان – كما يكرره في خطابه – بأنه يقبل رئيسا للدولة والحكومة من المدنيين ، إلا انه يظل رمز السيادة المطلقة فوقهما وايضا سلطات الدولة الاخرى ( راهنا وحتى انتهاء المرحلة الانتقالية للدولة المؤقتة الاولى وقيام بعدها دولة منتخبة شعبيا ) – بغض النظر عن خصوصية ذات القوى المتواجهة احتراب ، والتي تختلف من بلد عربي الى اخر . . خاض زيف خديعة الربيع العربي ، حيث يعلم المسار ( الثوروي !!! ) بسقوط لنظام الحكم بحراك شعبي سلمي ، تدخل الاجندات الخارجية ك ( وسطاء ) لضمان الانتقال لبناء نظام حكم بديل ديمقراطي عبر الحوار السلمي بين فرقاء القوى السياسية – من ضمنهم معبر المكون العسكري . . إن حضر من الشعب وبصفته العسكرية وليس من سلطة النظام السابق بولائه المطلق للحاكم المخلوع وارتضى به الحراك الجماهيري كواحد منه ويعول عليه بكونه ضد النظام القديم وبصفته العسكرية كقوة حامية لتوجهات مطالب الشعب – فيذهب ذلك الحوار الى سلاسل متقطعة منه بحيث تكون كل محاولة جديدة من الحوار التفاوضي تعيده الى خانة الصفر اللاغية لما سبقه من حوار ، وحتى في تلك النقاط التي تم الاتفاق عليها سابقا – هذه السلسلة الحوارية الفاشلة المستهلكة لزمن المجتمع والحياة بحكم من الطوارئ المعلن او غير المعلن دون وجود أية شرعية لسلطات الحكم القائمة ودون وجود طابع دستوري لنظام الحكم . . تختتم بتحويل المسار نحو تفجر حرب مواجهة ، تكون الاطراف المغيرة للمسار – طرفين او ثلاثة او اكثر – مدعومة لوجستيا لمركز التحكم الخارجي لنصرتها في قبض المسار لامتلاك المصوغات الواقعية للحكم او الوصول اليه بتفرد . . حتى بوجود شراكة قوى سياسية غيرها لكنها تظل في متحكم قبضتها ، ومع انقلاب المسار نحو المواجهة الاقتتالية تلعب مراكز التحكم الخارج دورها الداعم ماديا ومعنويا في نقل الاحتراب نحو ابعاد اشد كارثية – يمر زمن غير يسير من عمر المجتمع في ( حرب خرقاء ) ليس للشعب فيها من ناقة او بعير ، يستهلك هذا العمر قوة الدفاعات العسكرية والامنية للبلد وقوة وجود المجتمع ، وتهدم بناه التحتية ومكاسبه التي اكتسبها من سبعين عاما ماضية – رغم ضآلتها حقيقة - وتضيع ثرواته وتستحل مساحاته من الجغرافيا السياسية ويغرق البلد في الديون لعشرات من السنين الطويلة القادمة بعد انهاء الاحتراب ، بينما تزيف قيم البنى الفوقية للمجتمع ، حيث تصبح نزعات الانتفاع الانتهازي مستبدلة قيم الوطنية ونزعات التغيير الثورية او الاصلاحية ، وتتمزق خارطة البلد الى مقسمات رقعيه ، تكون الكانتونات المليشاوية هي القابضة على المجتمع وفق الرقع الممنوحة نفوذا لكل واحدة منها . . بينما الدولة الواحدة شكلا لن تكون اكثر من ادارة تسيير اعمال بالوكالة لمركز التحكم الخارجي الدولي ، والذي معها تحل صفة الوطنية – كواقع موضوعي – بمحمول المحلية المناطقية او المذهبية والعرقية . . الخ – وتشيع ثقافة الكراهية بين مقطعات الديمغرافية السكانية – المكانية بدلا عن ثقافة الامة الواحدة – فتنتج دولة فاشلة على الدوام ، وإن استبدلت عناصرها فإنها لا يمكن لها إلا أن تنتج طابعها السابق – وينقاد المجتمع في مسار عفوي فرخ له بحيث يبهت تدريجيا وجود وعمل الاحزاب السياسية والنقابات ، حيث يتصدر قيادتها الانتهازيات كوكلاء يديرون تنظيماتهم للعب دور الديكور في اللعبة السياسية كما يملأ عليها . . حتى يتلاشى وجودها وفعلها ماديا لاحقا ، لتحل محلها الكانتونات المليشاوية القابضة كمولد تفريخي للسياسيين والاكاديميين والاقتصاديين وقيادات الجهاز الحكومي والسلطات الاخرى و . . حتى بتفريخ قيادات المجتمع في مكونات تفريخية مشبوهة في مسميات متعددة لموصف ( منظمات العمل الاجتماعي او انوية المجتمع المدني ) كما تم خداع عقولنا بها من الساحر الغربي – الامريكي تحديدا وبتوزيع ادوار عنها لبريطانيا ، المانيا وفرنسا – أما ام العلل في لوثة عقول وكالات ( السياسية والحرب ) للخارج تتمثل بتوهماتهم بنيل نفوذ متزايد وقوة اشد لم يقوى على كسرها الطرف او الاطراف الاخرى المتنازعة معه وفيما بينها . . أنها جميعها مقتادة نحو الضعف . . بحيث لا يقوى أي طرف على الانتصار على الاخر او الاخرين – حتى عند اختلال طرف من الاطراف بخساراته المتتابعة بما يجعله سهل الابتلاع من غيره يتدخل العامل الخارجي للإبقاء عليه كند رغم ضعفه تحت ذريعة الجانب الانساني ودعوات عقد لقاءات تفاوضية لإنهاء الحرب وكارثيتها ، وخلالها تمرر الدعوم سريا بالمال لشراء مقاتلين للجبهات وتسلح يخلخل كذبات الهدنات المعلن عنها – وهنا تلعب الامم المتحدة ( الوسيط الكذاب ) كأداة لمركز التحكم الغربي على الاوضاع الداخلية لبلداننا وهو ما سيذهب إليه السودان .

إن السودان إن لم يتحرر انسانه من وهم منقذه سوى الخارج – ولا يعنى رفض محاولات ضغوطه لتخفيف كارثية الدمار الشامل – بحيث يرفض تدخلات اطراف الخارج بالشأن الداخلي للسودان ، ويرفض كل وسائل الخداع تحت مظلة الامم المتحدة كمشرفة على انقاذ الانسان والمجتمع . . مشرفة لإعادة كافة الاطراف المتقاتلة والمتخاصمة لحل الخلاف على طاولة الحوار والمفاوضات ، والذي من ورائها توقع السودان في خانة تدويل قضيته - وكما وأن يتحرر عقل أناس المجتمع من اوهامهم العاطفية الثورية الساذجة في اتباعهم لما تقوده القيادات الانتهازية نحو متكرر الانسداد واللاقدرة ، فتحررهم العقلي أن يوسم بالاستقلالية – من الاوهام العاطفية بوطنية الرموز السياسية او الاجتماعية المتهافتة او المتساقطة قبلا ، التي نحن بأيدينا نعيدها للصدارة رغم انكشاف فقدان اهليتها لقيادة التحولات الراهنة . . .
وببساطة ، رغم رعب الحرب المدارة بأسلحة الدمار الحربية ، ليس على اناس المجتمع المعرض للموت تحت القذائف او التشرد او الموت جوعا او طعنا او مرضا . . إلا أن يخرج إلى الشوارع بحشوده المتزايدة عاريين من الاسلحة متحدين رعب الانفجارات او حتى الاستهداف ، والتي عندها ستجبر وكالات الاحتراب على وقف النار والتراشق – فليس لأي طرف من اطراف الحرب أن يتحمل تبعات قصف مدنيين عزل خرجوا رفضا لآلة الحرب الدائرة وما ينتج عنها من دمار شامل كارثي – وعند جبر المجتمع للجانب الدولي لفرض وقف الحرب ، عليه ألا يسمح بإدارة المفاوضات والحوار خلال مفرخاته ورموزه فقط ، يجب على انسان المجتمع أن يقدم من بينه من العلماء والمفكرين والخبراء ممن لم يكن منهم حاضرا في مشهد قديم من اللعبة السياسية ( الفاشلة ) ، وأن يكون شخصه وتاريخه نظيفا من أية خلة كانت ولم يعرف عنه أنه مطبوعا على الانقياد او كان تابعا لرمز او طرف من الاطراف – مثل هؤلاء ممكن يكون منهم حزبيين مصنفين لأحزاب مختلفة او يكونوا مستقلين غير متحزبين ، فما يجمعهم من صفة الانتقاء أنه رغم انتمائه لم يكن على حساب وطنيته من حيث الولاء والدور الذي علم به من دور يلعبه على الدوام في تاريخه قبل وبعد الحراك المجتمعي الاخير ( أي الثورة ) – كما وتظل مرتكزات المطالب الشعبية للثورة غير قابلة للمساومة تحت أية تذرعات ، منها او تجنيب العسكر من حكم النظام ومن رأس الدولة ، ولا تقبل وصاية العسكر على التحولات ، ولا تقبل قوات مسلحة خارج هيكلية الجيش والقوات المسلحة والامن ، وتحريم مطلق لحمل السلاح خارج قانون الدولة المنظم للحيازة والحمل والاستخدام ، رفض التمييز بين المتحاورين على اساس الثقل السياسي او العسكري او المليشاوي او المالي او السلطوي القديم ، دمج كل القوى المسلحة في قوام الجهاز العسكري النظامي ، وتعاد الهيكلة على اساس اصلاح لوباء الولاءات الضيقة لولاء بعقيدة عسكرية نظامية واحدة محكومة بالدستور وليس بتوازنات مراكز القوة .
قد يبدو ما نقترحه ضربا من البلاهة والسطحية والخيال ، كون الحرب لدينا إن كانت داخلية صرفة – كما كان قديما – لا تنتهي إلا بتصفية الاخر ، أما فيما نحن عليه حاضرا – كبلدان ومجتمعات محكومة ومدارة حياتها من الخارج – فإن السبيل الوحيد لوقفها لن يكون إلا من الخارج ، وأن وحشية القتل والتدمير من اجل سلطة الحكم . . خاصة إن كانت اطرافها عسكرية او مليشاوية او كلتاهما ، فإنها لا تتورع أن تبيد كل ما يظهر لها ، بل ان بعضها ترى فضيحة سقوط مدنيين كثر وحتى باستهداف مقصود . . يمكن استثماره لاتهام الطرف الاخر بذلك ، كون أن المراقب الدولي لمجريات الحرب غير مهتم لاستخدام وسائله المتطورة للكشف عن المصدر المسئول عن ذلك الفعل الوحشي ، ما بالنا إذا ما كان ذلك الطرف يعد وكيلا له في لعبة الحرب او يكون طرفا اخرا من اهدافه غير المعلنة ألا يتم انهاءه او القضاء عليه – إلا ما يحتاج الانسان السوداني ليلحق نفسه وبلده ومجتمعه واهله من السير المتعمق في انقياد الواقع والمسار وفق اجندة خارجية توصلهم الى طبيعة متفككة منحلة – والله من وراء القصد .

هذا الاخير يمثل فعل الاسراع لإنقاذ البلد ، فكل الخسائر المنتجة عن الحرب يمكن تعويضها ، ولكن لا يمكن تعويض قيمة الانسان إن فقدت ، ولا يمكن تعويض الوطن بمتحد الامة الواحدة المدفوعة قابلية نحو التطوير والتغير . . إذا ما فتت الوطن والمجتمع وانحلت قيم الترابط في بلد مفتت مستباح عبر ركضه الذاهن نحو ( التبعية المعمقة المطلقة للخارج ) – وإن كان هناك استقراء بصورة اخرى لمتحول الخلاف السياسي الى حرب مسلحة بين جنرالين في السودان ، وايضا مسار ذلك الاحتراب لما تنقاد له البلد – استقراء بافتراض أن تفجر المواجهة الاقتتالية الشرسة فرخت من فعل تدخلي خارجي محدود بما هو اقليمي وبخارج عن الاجندة الامريكية ، وهذا ما سنأتي عليه في موضوعة قادمة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسلسل إيريك : كيف تصبح حياتك لو تبخر طفلك فجأة؟ • فرانس 24 /


.. ثاني أكبر جامعة بلجيكية تخضع لقرار طلابها بقطع جميع علاقاتها




.. انتشار الأوبئة والأمراض في خان يونس نتيجة تدمير الاحتلال الب


.. ناشطون للمتحدث باسم الخارجية الأمريكية: كم طفلا قتلت اليوم؟




.. مدير مكتب الجزيرة يرصد تطورات الموقف الإسرائيلي من مقترح باي