الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحب في زمن المادية:

فاروق عطية

2023 / 5 / 9
مقابلات و حوارات


اتصلت بي قارئة على الخاص (بصفحتي على الفيس بوك) تعرض مشكلتها وتطلب مني النصيحة، قالت: أنا من دولة يوجوسلافيا (سابقا)، نشأت في أسرة بسيطة لم تنضم للحزب الشيوعي لذلك فلم تحظ بمميزات المنتمين له، وصلت في تعليمي للمرحلة الثانوةية ولم يتسنى لي الالتحاق بالجامعة لضيق ذات اليد. اضضطررت للسفر إلي فرنسا لأعمل بأحد مصانع تعليب الخضروات في باريس. هناك التقيت بزميل من تفس موطني وتزوجنا. كان زوجي هذا للأسف غيورا ومبذرا، يصرف جُل دخله علي أصدقائه في السهر واحتساء الخمر. يأتي بعد منتصف الليل مخمورا ولا هم له إلا مضاجعتي، وكنت أرفض ذلك اشمئزازا فيأخذني عنوة أي اغتصابا لدرجة أنني كرهت العلاقات الحميمة تماما. أنجبت منه بنتا وولدا لم يكن سعيدا بانتسابهما له شكا في أن أكون قد خُنته مع آخرين. نتيجة للخلافات الطاحنة بيننا من إهانات متكررة تصل أحيانا إلى الضرب المبرح، تركته وعدت إلي بلدي وحصلت على الطلاق بحكم المحكمة. التحقت بالعمل كصرّافة لمرتبات العاملين بالسكك الحديدية في بلدتي. طليقي لم يهتم بطفليه ولم يرسل لهما اي مبلغ مالي.
بعد أربعة سنوات من الطلاق التقيت برجل مهذب وحنون، لم يكن بيننا حبا حقيقيا علي الأقل من ناحيتي، أما هو فقد كان يظهر لي المودة والحب. رحّب بأن يكون زوجا لي وأبا لأطفالي. عشنا معا سنوات كلها مودة واحترام متبادل. أنجبت منه إبنا واحدا زاد الروابط الأسرية بيننا. بعد وفاة جوزيب بروز تيتو وتفكك الحزب الشيوعي نشبت الحرب الأهلية في يوحوسلافيا (سابقا). لاقيت فيها أنا وزوجي وأولادي الكثير من العنت لدرجة اغتصابي من زميل أمام زوجي وأطفالي، وأخذوا إبني الأكبر (من أب مسيحي أرثذوكسي) مجندا في الجيش وطلبوا منه أن يقتل أخاه الأصغر (من أب مسلم) فوقفت بينهما طالبة من ابني الأكبر أن يقتلتي قبل أن يقتل أخاه.
في نهايات 1999م جئت ألي كندا مع زوجي وإبني الأصغر كمهاجرين (إبني وإبنتي الأكبر هاجرا إلي الولايات المتحدة). كان ما يمنح لنا من معونة (ولفير) غير كاف للمعيشة وإيجار السكن. وللأسف أصاب زوجي الكثير من الأمراض التي أعجزته تماما عن العمل، مما اضطرني للعمل في أي عمل متاح حتي استطيع توفير مطالب الحياة الأسرية لثلاثتنا. بعد فترة من المعاناة حصلت علي شقة سكنية حكومية لي وزوجي، وانتقل ابني لمسكن مستقل بعد تخرجه وزواحه. وازداد دخلي وزوجي بعد الالتحاق ببرنامح أونتاريو لدعم المعاقين. اشتد المرض بزوجي بعد إجراء العديد من الجراحات المعقدة، توفاه الله 2015م فحزنت على فراقه حزنا شديدا.
بعد وفاة زوجي بعدة أسابيع شاركت سكان العمارة بقاعة الاجتماعات لعبة البينجو كنوع من ملئ الفراغ وصرف النفس عن الأحزان. جلس بجواري شخص لم أره من قبل، لاحظت أنه دائم النظر إلي باهتمام وكنت من آن لآخر أبادله النظرات. تكرر المشهد لعدة أسابيع، هو دائما يجلس بجواري وينظر إلي باهتمام. أصدقك القول أنني وقعت في غرامه لأول مرة، وهي المرة الأولي في حياتي أن أعرف فيها الحب، وشكرت الله الذي يسر لي هذا الحب في الوقت المناسب لينتشلني من قاع الحزن واليأس بعد وفاة زوجي. تلاقينا سويا مرات عديدة سرنا فيها تجوالا في البارك المجاور للمسكن. صارحته وصارحتي بالحب. وعشنا معا أكثر من سبع سنوات مرت كأنها لحظات نهلنا فيها المودة والحب والاحترام.
معه أحسست لأول مرة أنني أنثي وأنني معشوقة وعاشقة، معا حضرنا حفلات مناسبات جاليته العربية وحفلات جاليتي الإكس يوجوسلافية. سافرنا عدة مرات معا خارج كندا. ذهبنا سويا إلي كازينوهات المقامرة. قمنا معا بإعداد وجبات الطعام، علمني الكثير من الطبخات العربية وعلمته الكثير من الطبخات اليوجوسلافية. وفي أوقات الفراع كان يملأني يهجة بالنكت الضاحكة والقفشات أثناء أداء ألعاب الكارد أو الدومينو. للحقيقة كان هو دائما يدفع مصاريف الخروجات والحفلات. أما مصاريف المنزل الحياتية كنا نتقاسمها معا. ولكن في الثلاث أعوام الأخيرة (أعوام الكورونا) انعدمت الخروجات إلا لشراء مستلزمات الحياة والمعيشة. نبقي سويا هو مشغول بالإنترنت على الكمبيوتر وأنا علي تليفوني أتابع أصدقاء الفيسبوك والموسيقى وألعاب النت، وبالطبع نمارس العاب الكارد والدومينو كعادنتا كل المساء.
بعد انحسار الجائحة والسماح للمطعمين ضد الكورنا بالسفر، سافر صديقي لوطنه عدة أسابيع لمشاركة أهله في مراسم وفاة أحد ألأقارب، وهي المرة الأولي التي يسافر فيها بمفرده ويتركني وحيدة. احسست بالفراغ القاتل بدونه، ولكي أشغل نفسي دخلت علي أحد مواقع المقابلات بين الجنسين على النت. إنهالت علي طلبات الالتقاء إخترت منها واحدا تُركي الجنسية عمل فترة كبيرة في السعودية جاء بعدها إلي كندا مهاجرا. التقينا عدة مرات في سكوير ون للتعارف تمهيدا لنكون أصدقاء. عاد صديقي من سفرته وظللنا معا وأنا على اتصال تليفوني يوميا والتلاقي مرة كل أسبوع بسكوير ون سرا مع الآخر، ظللنا كذلك لمدة ستة شهور، كنت خلالها أقارن بينها كى آخذ القرار النهائي بالاستقرار على أحدهما. خلال تلك الفترة كان الصديق الجديد دائم ارسال الهدايا غالية الثمن، وفي كل مقابلة يصحبني لأشهر المطاعم، ويعاملني كمليكة متوجة. أما الآخر كان كعادته يمنحني الحب والسكينة ويداعبني بنكاته وحكاياته ويشاركتي أعباء المنزل ولعب الكارد والدومينو بالمساء، لكنه لم يمنحني الهدايا كالآخر إلا في مناسبات قليلة. وأخيرا استقر رأيي علي مصارحة الأول باختياري للثاني. وتم الانفصال بيننا بهدوء علي ألا تكون بيننا قطيعة وأن نحتفظ بمجرد الصداقة، لكنني أصدقك القول لست سعيدة تماما بذلك، دائما في كل فعل أو حدث أجدني في مقارنات دائمة يكاد رأسي أن ينفجر من التفكير فيها. ما زال قلبي ينبض حبا بالأول، أتذكر دعاباته وابتساماته ولحظات المشاركة واللعب معا. أما الآخر فهو جاد ومتجهم، لا يقبل الهزار، ليس لديه موهبة حب الدعابة أوالمرح، حاد المناقشة، لا يحب لعب الكارد أو الدومينو، لكنه كريم ويقدم الورود والهدايا في كل موعد أو مناسبة. أنا موزعة الفكر بينهما وأعاني من التعب والإصابة بالعديد من الأمراض كالصداع الدائم والآلام الجسدية المختلفة.
سألتها: ربما صديقك الجديد يكبرك كثيرا في السن ؟ قالت: بالعكس صديقي السابق كان يكبرني بـ 11 عام أما صديقي الحالي فهو أصغر مني بـ 5 سنوات. قالت: ساعدني أرجوك ودلني بحكمتك أن أستقر على أيهما. قلت لها: سيدتي الحقيقة كقطعة العملة المعدنية لها وجهان، كي أصل إليها لابد أن أسمع لصديقك كما استمعت إليك، كي أساعدك اعطني رقم تليقونه كي أحادثه.
قال لي: الصدفة وحدها التي جمعتني بها. ذات يوم التقيت بصديق من بلدي يسكن في العمارة المجاورة (عمارة حكومية مخصصة لكبار السن) أخبرني أنه مسؤول عن تشاطات العمارة ومنها لعبة البينجو كل أربعاء في السابعة مساء، دعاني أن أذهب للمشاركة ففعلت. كانت القاعة مكتظة وبالصدفة وجدت مقعدا خاليا بجوارها فجلست عليه. كانت ترتدي السواد ويبدو على وجهها علامات الحزن الشديد، كنت أنظر إليها مبهورا بجمالها. سألت صديقي عنها فقال لي أنها فقدت زوجها منذ فترة وجيزة. كل مرة كنت أشارك فيها اللعب معهم أجلس بجوارها ونتبادل النظرات. وانتهي الأمر أنها عزمتني لتناول قطعة كعك مع كوب من الشاي في شقتها بعد اللعب. أعترف أنني قبل معرفتي بها لم أكن ملاكا ولا أدعيه. كنت علي علاقة بأخريات تعرفت عليهن في البارات أو المولات، لم تكن علاقات عاطفية، مجرد علاقات للممارسات الحميمة. نذرت إن توطدت علاقتي بها أن تكون لي نعم الحبيبة وأمتنع تماما عن الأخريات. وقد كان، أصبحنا حبيبين حميمين، وأشبعتها عاطفيا لدرحة أنني سمعتها مرات عديدة تذكر بفخر لصديقاتها قائلة أنها المرة الأولى في حياتها تشعر معي أنها امرأة وأنني أعدت إليها أنوثنها. قطعت نهائيا كل علاقاتي السابقة. لم أكن بخيلا معها كما لمّحت لك. أنا لست ثريا ولم أعمل في دول البترودولار، أعيش علي معاشي المتواضع. أعطيتها بعض الهدايا في بعض المناسبات، ذهبنا كثيرا في خروجات واستمتعنا بالسهرات والحفلات في كل المناسبات. وحين أقمنا معا هي من أصرت علي أن نتقاسم النفقات. وفي الخروجات والحفلات والسفريات كنت أنا وحدي عن طيب خاطر أدفع النفقات. فقط في فترة الجائحة اللعينة قلت خروجاتنا إلا للضروريات. حين سافرت لعدة أسابيع تعرفت هي على الأخر وعاشت معي حوالي ستة أشهر دون أن أدري بما يجري من خلفي، هي من اتخذت قرارها بالفراق فتركتها وعليها وحدها تحمّل تبعات قرارها. فقد انتهي ما بيننا ولن أرجع عنه.
قلت لها، من دراستي لعلم النفس استطيع ببساطة تشخيص حالتك كالتالي: خلال زواجك الأول، لم يكن بينكما توافق نفسي أو حب حقيقي، كان يهينك ويضربك ويتهمك بالخيانة. كان مدمنا للخمر وحين يثمل يقوم باغتصابك، مما سبب لكي عقدة كراهية الجنس، وانتهت العلاقة بالطلاق. خلال زواجك الثاني، لم يكن بينكما حبا حقيقيا، فقط احترام ومودة أدت إلي الرضا، والعلاقة الجنسية بينكما كانت فاترة دون استمتاعك بها وانتهت تماما في السنوات الأخيرة بسبب مرضه. بعد وفاة زوجك شعرتي بالوحدة الشديدة التي توسلت إلى الله أن يوفقك بالتعافي منها. ذات يوم، عندما جلس رجل بجانبك. ابتسم لك وابتسمتي له ظنًنتي أن الله قد أرسله إليك استجابة لطلبك. وبدأت علاقة بينكما دامت أكثر من سبع سنوات، في السنوات الأولى منها تمتعتي بعلاقة جنسية طبيعية كانت رائعة بالنسبة لك لدرجة أنك ذكرت لبعض صديقائك عنه قائلة يكفي أنها المرة الأولى في حياتي أشعر معه أنني امرأة، لقد أعاد لي أنوثتي. خلال هذه الفترة، استمتعتي أيضًا بالسفر معًا والذهاب إلى بعض الحفلات الموسيقية والتجوال والتسوق معًا، لذلك كنتي تعتقدين أنك حقًا تحبينه. في العامين الأخيرتين، وقت انتشار وباء الكورونا، كان البقاء في المنزل وتوقف الحفلات أو السفر، لذلك بدأتي تشعرين بالضيق والملل، وزادت محنتك عندما سافر إلى بلده بمفرده، بدأتي في متابعة عروض الصداقة المنهالة عليكي على النت، بدأتي بالرد على إحداها وبدأت في مقابلته دون إخبار صديقك. غمرك صديقك الجديد بالهدايا، أصابك الارتباك والشعور بالذنب تجاه من تحبين. بدأ الصراع النفسي بداخلك ينمو بالمقارنة بين الصديقين. تحاولين تقليص ما هو جميل في علاقتك مع الأول، وتجمع السلبيات بينكما مهما كانت طفيفة تحاولين تضخيمها، وتحاولين تجميع إيجابيات الصديق الجديد القليلة وتضخيمها وتقليص سلبياته الواضحة كي تعفي تفسك من الإحساس بالذنب. تسبب هذا الصراع النفسي داخلك في معاناتك من الألم والصداع والأمراض الجسدية المختلفة والتي هي في الواقع مجرد اضطرابات نفسية. حقيقة الأمر أنكي لم تحبي الصديق الأول حبا حقيقيا أنما ما بينكما هو إشباع لرغبات كانت مكبوتة ظننتيها حبا، كما أن علاقتك بالثاني أيضا ليست حبا بل انبهارا بكرمه وهداياه المادية. يؤسفني أن أقول لكي أنكي فقط تحبين تفسك ليس إلا، أنتي في باطنك تميلين للمادية وتفضلينها عن الرومانسية. وتصيحتي الوحيدة لكي هي: استفتي قلبك واختاري من قلبك يوافقك عليه وحاولي أن تكوني سعيدة. وأقول لصديقك الأول: لا تحزن يا رجل فأنت الكاسب الوحيد في هذه المعركة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القناة 12 الإسرائيلية: المؤسسة الأمنية تدفع باتجاه الموافقة


.. وزير خارجية فرنسا يسعى لمنع التصعيد بين إسرائيل وحزب الله في




.. بارزاني يبحث في بغداد تأجيل الانتخابات في إقليم كردستان العر


.. سكاي نيوز ترصد آراء عدد من نازحي رفح حول تطلعاتهم للتهدئة




.. اتساع رقعة التظاهرات الطلابية في الولايات المتحدة للمطالبة ب