الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-حياتنا المسرحية بين أرسطو وجاكوب ليفي مورينو-

يزن البدر
مخرج مسرحي

(Yazan Bader)

2023 / 5 / 10
الادب والفن


تعد افكار أرسطو حول الحياة الإنسانية كمسرحية بانها مؤثرة بشكل كبير على الادب والفلسفة والعلاج بالفن عبر العصور. وقد تناولت الأعمال الحديثة بعضًا من مبادئ أرسطو، مثل الترتيب والاكتمال، وأصبحت القصص التي تتحدى الواقع وتنتقده، شائعة في الأدب والفن الحديث. وعلى الرغم من ذلك، فإن بعض الأعمال الحديثة لا تزال تتبع بعض مبادئ أرسطو، مثل السعي لتقديم عمل جاد يعكس الحياة ويحمل معانًا عميقة وذات مقدار معين.

لذا تبين أن فكرة أرسطو لا تزال تؤثر على الادب والفلسفة والعلاج بالفن في العصر الحديث، وتتجسد في أساليب مثل منهج ستانسلافسكي للتمثيل وفلسفة التفاعل الاجتماعي ونظرية الرواية البنائية. وعلى الرغم من أن بعض المفاهيم قد تغيرت، إلا أن الحاجة إلى تقديم عمل جاد وكامل وذات مقدار معين لا تزال موجودة في الفن والحياة بشكل عام.

وبناءً على النتائج، يمكن للفنانين والكتاب والفلاسفة تبني مفاهيم أرسطو وتحديثها لتناسب العصر الحديث، مما يساعد على تحقيق هدف أرسطو في إنشاء مسرح حيوي وحقيقي يعكس الحياة بشكل أفضل ويعطي الممثلين والجمهور فرصة لاكتشاف وفهم الحياة بطريقة جديدة ومثيرة.

لذا تتمثل مطلبات الممثل في الحصول على أداء طبيعي وحقيقي، والتخلص من النماذج النمطية، وذلك بتحقيق تحول نفسي وجسدي في التأقلم مع الشخصية التي يلعب دورها. ويعزز تطبيق هذه الفلسفة تحولًا في النظرة إلى الممثلين، ويؤدي إلى تغيير مفاهيم الجمهور والنقاد حول أداء الممثل. ويعتمد مفهوم جاكوب مورينو على الدخول المطلق في دور معين، ويتم إدارة هذه العمليات النفسية بإشراف المخرج " المعالج"، وتجرى عادة بطريقة جماعية لضمان الحرية الإبداعية والعفوية. ويستخدم هذا المفهوم في إنشاء دراما تساعد على الشفاء، ويسمح للمرضى بتفسير بياناتهم بأنفسهم أثناء اللعب بأدوار مختلفة. وبالتالي، يمكن استخدام الأساليب النفسية للتعلم عن هذه الأدوار المتعددة بدلاً من مجرد الحديث عنها، ويمكن أن يكون ذلك فعالًا في تحقيق ذاتية وفهم الأدوار الاجتماعية بشكل عام.

تشير الدراسات إلى أن اللعبة النفسية المسرحية تعد أحد الأشكال الرئيسية للتعليم التجريبي والمشاركة، ويعد العلاج النفسي الشامل جزءًا أساسيًا من برنامج العلاج النفسي. إن اشتغال مورينو، يهدف الى اللعبة المسرحية ذات المفهوم النفسي، وذلك بوصفه الانسان مخلوقًا قادرًا على التحول من دور إلى آخر، ويعد هذا الجانب أساسيًا في فهم الذات في الإعداد الاجتماعي. لذا يركز مورينو بشكل خاص على الجانب الاجتماعي للمسرحية والحياة، حيث يحث "لاعبيه المتعلمين" على بناء كل دراما متلاحقة في مشاهد أكثر تعقيدًا تتضمن أدوارًا وشخصيات متعددة. وبذلك يتولد الذات ويوجد لاعبون آخرون داخل حياة الذين يلعبون اللعبة النفسية المسرحية، مما يزيد من الدراما والتعقيد في الحياة. وبالتالي، فإن اللعبة النفسية المسرحية تعتبر أداة فعالة في التعلم عن الذات والآخرين وفهم النواحي الاجتماعية للحياة.

تقترب دراسات مورينو من تعادل الحياة مع الدراما، ولكن تظل اللعبة النفسية المسرحية تحمل شيئًا كوميديًا. فالحياة تشبه الفن الذي بدوره يتمثل في الحياة، وقد أعلن إيرفينغ جوفمان أن الحياة تشبه الأداء على المسرح. وعلى الرغم من أن جوفمان كان مهتمًا بالآثار الاجتماعية للحياة كدراما، إلا أن النظرية أصبحت شيئًا مختلفًا تمامًا خارج السياق السريري. ولكنه بالرغم من ذلك، صاغ مفهوم "المنطقة الأمامية" و"المنطقة الخلفية" لمواجهة الموقف المفهومي الذي قد يكون لدى بعض الناس، حيث يمثل كل جزء من أداء الشخص الاجتماعي الذي يحضره على "خشبة المسرح" في كل مرة يتفاعل فيها مع الآخرين. وبالتالي، يمكن للنظرية أن تساعد في فهم كيفية أننا نلعب دورًا في حياتنا اليومية وكيفية التفاعل مع الآخرين في العالم الاجتماعي.

يمكن تصنيف سلوك الأفراد في الحياة الاجتماعية إلى منطقتين رئيسيتين: المنطقة الأمامية والمنطقة الخلفية. في المنطقة الأمامية، يتم تقديم سلوك مدروس وملفت للانتباه من قبل الشخص بهدف خلق انطباع محدد عن شخصيته وهويته في البيئة الاجتماعية. وفي المنطقة الخلفية، يتم إخفاء السلوك الذي يريد الشخص إخفاؤه عن الآخرين، مثل الأفكار والمشاعر السلبية أو السلوك غير المقصود.

يشير المفهوم الدرامي لجوفمان إلى أن توفيق المنطقتين الأمامية والخلفية ليس عملية مضمونة بنسبة 100٪، إذ قد تظهر بعض التلميحات الجسدية أو اللفظية غير المقصودة من المنطقة الخلفية في المنطقة الأمامية. وبالتالي، فإن الحدود بين المنطقتين وبين التلميحات المقصودة وغير المقصودة قد لا تكون واضحة تمامًا.

يقدم هذا المفهوم فرضية مهمة لدراسة السلوك الاجتماعي وعلاقته بالهوية الشخصية والتواصل البيني. إضافةً إلى ذلك، يشير إلى أنه يجب مراعاة التلميحات الغير مقصودة عند تقييم السلوك الاجتماعي وتفسيره. ومن الممكن أن تساعد هذه الفرضية في تطوير نظريات جديدة حول السلوك الاجتماعي والتواصل البيني، وتحسين فهمنا لهذه العمليات الحيوية في الحياة الاجتماعية.

يُعدُّ المفهوم الدرامي لجوفمان خطوةً إلى الأمام في فهم الأدوار والشخصيات التي يتبعها الأفراد في تفاعلاتهم مع المجتمع، حيث يعتبر كل شخص كما لو كان يعيش حياته كدراما. ويتيح هذا المفهوم للأفراد الاختيار بين شخصياتهم والأدوار التي يلعبونها لإرضاء المجتمع، وبين التفاصيل الشخصية التي يختارون إبقائها سرية، مما يجعل الحياة الاجتماعية عملية دراماتيكية معقدة ومتغيرة.

من جانبه، يعدُّ علم الدور نظريةً هامةً في دراسة السلوك البشري في الحياة الاجتماعية، حيث يتم التركيز على كيفية تبديل الأفراد للأدوار التي يتوجب عليهم تحملها يوميًا للتكيف مع البيئة المحيطة بهم. وفيما يتعلق بمصطلح "الدور"، فقد اعتمد تيد ساربين على هذا المصطلح الذي اشتُقَّ من المسرحية، والذي يهدف إلى تحديد أن السلوك يلتزم بـ أدوار معينة (أو مواقف) بدلاً من اللاعبين الذين يقرؤونها أو يتلونها. ومن خلال هذا المصطلح، يوضح ساربين بشكل أكبر الصلة بين الحياة الاجتماعية والدراما.

وبالتالي، فإن دراسة الدور وتحليل الأدوار التي يلعبها الأفراد تعتبر جزءًا أساسيًا في الفهم الشامل للسلوك البشري في الحياة الاجتماعية. ويعد المفهوم الدرامي لجوفمان ونظرية ساربين حجر الأساس للبحوث المتعلقة بدراسة الدور والأدوار في الحياة الاجتماعية، وتحليل العلاقة بين الحياة الاجتماعية والدراما. وبالتالي، فإن هذه النظريات تساهم في فهم السلوك البشري والتواصل البيني في المجتمعات، وتساعد على تطوير استراتيجيات تفاعلية فعالة للأفراد في الحياة الاجتماعية.


تتشكل حياة الأفراد في المجتمع من خلال أداء الأفعال المختلفة التي تتناسب مع الأدوار التي يتحملونها، حيث يتعرضون للحكم والتقييم من قبل الآخرين. وتعكس هذه المفاهيم النظريات الاجتماعية المطروحة من قبل مورينو وجوفمان، حيث يعد المفهوم الدرامي لجوفمان خطوة مهمة لفهم الأدوار والشخصيات التي يتبعها الأفراد في تفاعلاتهم مع المجتمع.

من جانبه، يؤكد ساربين على أهمية الأدوار التي يتحملها الفرد، ويشارك في تنفيذها بمستوى من المشاركة العضوية. وتعد الاستجابة الناجحة لتلك الأدوار بمستوى عالٍ من التفاني والاندماج مع الدور الذي يؤديه الفرد، هي أفضل طريقة لإثبات كفاءته ومصداقيته. ويتوافق هذا المفهوم مع أسلوب التمثيل الذي تنتهجه المدرسة الستانيسلافسكية.

وعلاوة على ذلك، فإن حبكة الأحداث المتشكلة مع تكوين الشخصيات، تشكل أساسًا لعلم النفس السردي وكذلك المسرح، حيث تعد الحياة في النهاية دراما كاملة. ويعد استخدام هذه النظريات الاجتماعية والنفسية في دراسة السرد، مفتاحًا لفهم تفاعلات الأفراد في المجتمع ودور الأدوار في تشكيل هويتهم الأساسية.


تتطرق النظريات الاجتماعية والنفسية المطروحة في أعمال "الأسلوب" لستانيسلافسكي، وعمل النفس الجماعي لمورينو، وتقييم "خلف الكواليس" لجوفمان، ونظرية الأدوار المفصلة لساربين، إلى طبيعة الحياة وطريقة عيشها، وتركز على دور الأدوار والشخصيات في تشكيل هويتنا الأساسية. ومع ذلك، يشير البعض إلى أن المجرد من التاريخ والتقليد لا يكفي لإعادة إنتاج الحياة، إذ يلعب التفسير والسياق والتعقيد دورًا مهمًا في تشكيل سلسلة الأحداث الدرامية التي تمثل "الحياة".

وبناءً على ذلك، يتضح أن الحياة تشبه مسرحية أرسطو، حيث تتكون من حبكة أحداث متشابكة تتناسب مع الأدوار والشخصيات التي يتحملها الأفراد في المجتمع. وقد ألمح شكسبير بشكل صحيح إلى أن كل ما في العالم هو مسرح، حيث يتم تشكيل الحياة من خلال تفاعلات الأفراد وأدوارهم، والتي يتم تفسيرها وفهمها من خلال السياق والتعقيد والشخصيات.

وبالتالي، فإن دراسة النظريات الاجتماعية والنفسية المختلفة، وتطبيقها في فهم الحياة وطريقة عيشها، يمثل تحديًا مهمًا للعلماء والباحثين، حيث يتعين عليهم التركيز على التفاصيل والتعقيدات والعلاقات المتفاعلة بين الأدوار والشخصيات والحبكة، لتفهم الحياة بشكل أفضل وتحليلها بطريقة علمية بحثية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس


.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل




.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة