الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا بعد إعادة سوريا إلى الجامعة العربية؟

ضيا اسكندر

2023 / 5 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


تمخّض الاجتماع الطارئ لوزراء خارجية الدول العربية الذي انعقد في مقر الجامعة العربية بالقاهرة عن قرار بإلغاء تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية، ولم يكن هذا القرار مفاجئاً لأيّ متابع للشأن السوري، بعد سلسلة الاتصالات والزيارات الدبلوماسية المتبادلة لمسؤولين عرب وسوريين في الآونة الأخيرة.
وفي قراءة سريعة للمشهد السياسي على المسرح الدولي، يتبيّن أن قرار إعادة سوريا إلى الجامعة العربية لم يكن بإرادة عربية فقط، بل روسية وصينية وإيرانية أيضاً. كما لم يكن قرار تعليق العضوية عربياً أيضاً، بل كان برغبة غربية وتحديداً أمريكية؛ للضغط على النظام السوري لتغيير سلوكه وفكّ تحالفه مع ما يسمى محور المقاومة والممانعة (إيران، حزب الله، حماس والجهاد الإسلامي..).
وما يؤكد هذا القول، أن الأسباب (المعلَنة) لتعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية، هي نفسها، ولم تتغير. فالنظام السوري لم يعدّل من نهجه، ولم يقدّم أي تنازل تلبيةً لمطالب شعبه الذي انتفض مطالباً بالحرية والديمقراطية والكرامة، وما زال يرفض الحل السياسي وفق القرار (2254) وباقي القرارات الدولية ذات الصلة. فما عدا ما بدا؟
بتقديري، إن عودة سوريا إلى الجامعة العربية جاءت في سياق التغيّرات الكبرى المتسارعة على صعيد نظام القطبية الأحادي الذي بدأ بالتداعي، ليحلّ محله نظام آخر متعدد الأقطاب، بدأت ملامحه بالظهور والتشكل، وأثمرت في حلّ أحد أهم الملفات التي كانت شائكة ومعقّدة (الصلح الإيراني السعودي بوساطة صينية وانعكاسه الإيجابي على الملف اليمني). كما أن تعميق علاقة العديد من الدول العربية مع الصين وروسيا، واعتماد الكثير من الدول على عملاتها الوطنية واستبعاد الدولار في مبادلاتها التجارية، بالإضافة إلى الطلب المتزايد لعدد من الدول الانضمام إلى منظومتي البريكس وشنغهاي..
كل ذلك أدّى إلى تغيّر واضح وسريع في الاصطفافات والتحالفات الدولية. وصار بإمكان أغلب الدول التي كانت تسير في الفلك الأمريكي التحرر من التبعية الأمريكية، وأن تقول (لا) لإملاءاتها وترفض أوامرها وأخذت تتمتع بهامش معقول من استقلاليتها. ولعل المقارنة بين زيارة بايدن إلى السعودية وطريقة استقباله، ورفض المملكة لطلباته في زيادة إنتاج النفط بغية تخفيض أسعاره؛ في سابقة لم تحصل منذ ثمانين عاماً من العلاقة الأمريكية السعودية، وبين زيارة الرئيس الصيني تشي جينغ بينغ للسعودية وحفاوة الاستقبال التي شهدناها، وعدد الاتفاقات التي أبرمها مع المملكة.. كل هذا يشير دون لبسٍ إلى أفول النجم الأمريكي مع كافة حلفائه وأعوانه وأدواته.
ما تأثير ودلالات إعادة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية على الحل السياسي للأزمة السورية؟
إن المبادرة العربية التي كُلّفت الأردن بتسويقها (خطوة مقابل خطوة)؛ بمعنى التدرّج في تذليل العقبات وصولاً إلى الحل السياسي الشامل وفق القرار الدولي (2254)، كثّفت جهودها في الآونة الأخيرة بشكلٍ ملحوظ بالتعاون مع عدد من الدول العربية. كما أن دول أستانا تسعى بدورها منذ فترة إلى حل الأزمة السورية، إلا أنها لم تستطع الاستفراد بذلك بمعزل عن أوروبا وأمريكا، بسبب موازين القوى المتدخلة في الشأن السوري والتي كانت كفتها متعادلة تقريباً من جهة، ولم تمارس ضغوطها الكافية على سلطة حكومة دمشق بسبب مصالحها معها من جهة أخرى. أما وقد تغيّرت تلك الموازين لصالح خصوم أمريكا، فإن تباشير الحل السياسي باتت تلوح في الأفق، وأعتقد أننا سنشهد في النصف الثاني من هذا العام بداية حلحلة الكثير من العُقد التي تقف في وجه القرار المذكور.
أهم المعضلات التي تواجه الحل السياسي:
- السلطة الحاكمة في دمشق التي تخشى على امتيازاتها السابقة والحالية والمستقبلية.. سوف تسعى إلى المماطلة – كعادتها – للتملّص من استحقاق التغيير المنشود بكل ما تملكه من أوراق، ولو أن هذه الأوراق أضحت ضعيفة وفقدت الكثير من زخمها وقوتها.
وفي حال توفرت الإرادة للدول ذات النفوذ في الملف السوري وأصرّت على الحل السياسي، فإن سلطة حكومة دمشق سوف ترضخ مرغمةً ومكرهةً مع استماتتها للحصول على ما تيسّر من مكاسب؛ خاصةً لجهة عدم مساءلتها قضائياً واحتفاظها بما جنته من ثروات خلال الأزمة.
- الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا التي طرحت مبادرتها للحل السياسي، المؤلفة من تسعة بنود، في 18 نيسان المنصرم، والتي تسعى من خلالها إلى تعميم تجربتها على كافة المناطق السورية، ولا ننكر أن فيها العديد من النقاط الإيجابية. كما أنها لا تخلو من بعض الثغرات والملاحظات.
وقد لاقت هذه المبادرة ارتياحاً لدى العديد من الأوساط السياسية، إلا أن النظام لم يبدِ أي رأي فيها حتى الآن، لا قبولاً ولا رفضاً.
وإن لم يتم أخذ تجربة الإدارة الذاتية الثرّة بالحسبان، ودراستها والوصول مع أصحابها إلى تفاهمات وتوافقات حول مستقبل سوريا.. فإن الحل السياسي سيتعثر.
وفي هذا الصدد، فإنه من الأهمية بمكان العمل على تشكيل جبهة وطنية ديمقراطية واسعة في الداخل السوري، تشمل كل القوى السياسية المعارضة للنظام والمؤمنة بالحل السياسي، التي تتفق على برنامج للخروج من الأزمة وتضمن عدم تجدّدها مستقبلاً، لتكون جاهزة للانخراط في العملية السياسية المرتقبة.
- تركيا التي تحتل أجزاء واسعة من الأراضي السورية في شمالها الغربي (إدلب وعفرين وجرابلس وإعزاز والباب وجنديرس..) بالإضافة إلى مدينتي (سري كانيه / رأس العين، وكري سبي / تل أبيض) في الشمال السوري. فإذا لم تثمر جهود الوساطة الروسية الإيرانية لإبرام صلح بين السلطتين السورية والتركية، يضمن انسحاب الأخيرة من المناطق التي تحتلها وفق جدول زمني مع ضمان أمنها كما تطالب، وتفكيك مرتزقتها من المجموعات العسكرية التابعة لها، فإن الحل السياسي سيتعثر.
- الاحتلالان الأمريكي والإسرائيلي: فالأول بدأ يفكر بالانسحاب من سوريا منذ عهد ترامب، لا سيما أن جهده منصبّ حالياً نحو الصين وأوكرانيا، ولا مصلحة حقيقية وجدّية للوجود الأمريكي في سوريا، وخاصةً إذا ما تصاعدت العمليات العسكرية ضد قواته وتكبّده خسائر بشرية. وفي حال تقدمت خطوات الحل السياسي فإنها ستسرّع في عملية انسحاب أمريكا من المنطقة.
أما الاحتلال الإسرائيلي الذي يعيش مأزقاً وجودياً لم يشهده منذ الإعلان عن قيام دولته، فإن دوره في عرقلة الحل السياسي سيتضاءل أيضاً تبعاً لتضاؤل داعميه.
وفي حال تغيّر نظام الحكم الاستبدادي السوري إلى نظام ديمقراطي علماني لا مركزي عادل وقوي.. فإن الاحتلال الإسرائيلي سيتحوّل قريباً إلى ذكرى نحتفل سنوياً بذكرى اندحاره وتحرير هضبة الجولان من رجس الاحتلال وزواله.
أخيراً، يجب ألا نغفل عن أن الأطراف المتضررة من التسوية السياسية للأزمة السورية في الداخل والخارج، سوف تبذل قصارى جهدها للحيلولة دون الوصول إلى الحل السياسي، وستختلق ما بوسعها من عراقيل وعقبات.. لكن قطار التسوية أطلق صافرته وسينطلق قريباً ليعلن بداية النهاية لآلام الشعب السوري الذي عانى ويعاني من أوجاعٍ قلَّ نظيرها في عالم اليوم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الكوفية توشح أعناق الطلاب خلال حراكهم ضد الحرب في قطاع غزة


.. النبض المغاربي: لماذا تتكرر في إسبانيا الإنذارات بشأن المنتج




.. على خلفية تعيينات الجيش.. بن غفير يدعو إلى إقالة غالانت | #م


.. ما هي سرايا الأشتر المدرجة على لوائح الإرهاب؟




.. القسام: مقاتلونا يخوضون اشتباكات مع الاحتلال في طولكرم بالضف